أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

{فأما الزَّبد فيذهب جُفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض}- سورة الرعد، الآية 17

الجمعة، فبراير 13، 2009

من تاريخ نالوت




أ. سعيد علي حامد*


تقع مدينة نالوت إلى الجنوب الغربي من مدينة طرابلس على بعد 270 كم تقريباً ،على طريق طرابلس العزيزية نالوت غدامس ، وهي تقع في منتصف طريق طرابلس غدامس 600 كم تقريباً.
شيدت مدينة نالوت القديمة على قمة جبل ضمن سلسلة جبال نفوسة وترتفع عن مستوى سطح البحر نحو 640 متراً. وتشرف على الطريق الذي يشق الجبل ويربط بين طرابلس وغدامس.
في ظل غياب المصادر التاريخية القديمة التي تتحدث عن نالوت يمكن أن نربط تاريخ منطقة نالوت بتاريخ أقليم المدن الثلاث وخاصة في العهدين الفينيقي والروماني . إذ أعطاها موقعها المميز الذي يتوسط طريق تجارة القوافل الرابط بين طرابلس وغدامس وغات ثم مناطق ما وراء الصحراء الكبرى في أفريقيا أهمية كبيرة فهي استراحة لتلك القوافل خاصة مع توفر مياه العيون في المنطقة مثل عين تاله وعين تغليس وغيرهما .
بعد خضوع منطقة شمال إفريقية للحكم الروماني المباشر بعد سنة 46 ق.م. أصبحت هذه المنطقة تعرف باسم أفريقيا الجديدة Africa (( (( nova وعين المؤرخ الروماني سالوست Sallustius)) أول حاكم روماني عليها. وبذلك خضعت منطقة نالوت للهيمنة الرومانية ، ولعل الرومان اهتموا بالمنطقة وحرصوا على السيطرة عليها وإرساء دعائم الاستقرار بها حرصاً منهم على تأمين طريق القوافل الذي يمر بالمنطقة . ومع ذلك فانه ليس من المستبعد أن تكون المنطقة أحد ميادين الثورة التي قادها الزعيم الليبي تاكفريناس الذي قاد ثورة شملت معظم الشمال الإفريقي ضد الرومان وقام بحرب عصابات ضد الاحتلال الروماني ودامت ثورته من سنة 17 م إلى سنة 24 م.
لم تشيد أي استحكامات عسكرية في دواخل إقليم المدن الثلاث في بداية الاحتلال الروماني وكانت الفرقة الاوغسطية الثالثة الرومانية والتي كانت تعسكر بالقرب من مدن طرابلس الثلاث ( لبدة – أويا طرابلس – صبراته ) تتحرك لقمع أي ثورة ضد السلطة الرومانية . إلا أن هذا النظام الدفاعي لم يعد كافياً وقادراً على القضاء على الحركات الثورية ضد الرومان في المنطقة نظراً لاتساعها وصعوبة مسالكها ، ولفرض مزيد من السيطرة وتكريس الاحتلال تم تغير النظام الدفاعي بالمنطقة في عهد الإمبراطور سبتميوس سويروس فأسس نظاماً دفاعياً ثابتاً وعرف هذا النظام الدفاعي باسم (Limes Tripoiltanus ) أي التخوم الطرابلسية ويمكن تلخيصه على النحو التالي :-
1ـ الخط الدفاعي الأول : ويقع في أقصى جنوب إقليم المدن الثلاث ، ويتكون من ثلاثة حصون رئيسة ضخمة وهي :- - حصن أبي نجيم شيد في عهد الإمبراطور سبتميوس سويروس سنة 201م.
- حصن غدامس وشيد في عهد الإمبراطور كراكلا ( 211م – 217م ) .
- حصن القريات الغربية ويرجع إلى عهد الإمبراطور اسكندر سويروس ( 222م – 235م ).
2ـ الخط الدفاعي الثاني :- يقع إلى الشمال من الخط الدفاعي السابق ، ويتكون من مجموعة من المزارع المحصنة في وادي سوف الجين وزمزم وكان يرابط بها جنود ليبيون ممن سرحوا من الفرقة الاوغسطية الثالثة الرومانية وكانت تقدم لهم الأراضي وبعض الماشية ويعفون من الضرائب لفترة من الزمن نظير قيامهم بصد غارات القبائل المحلية على إقليم المدن الثلاث .
3ـ الخط الدفاعي الثالث :- وهو عبارة عن عدة طرق أنشئت لأغراض عسكرية تربط بين المدن والحصون والمزارع المحصنة. أنشئت بعض الحصون العسكرية الصغيرة بعد سنة 238م . وعرفت باسم سنتريون (Centurion) أي حصون المئة . وكان يرابط بكل منها حامية رومانية مكونة من مئة من الجنود . وفي فترة تالية قسمت مناطق التخوم الطرابلسية إلى مناطق تدافع عن نفسها وتخضع كل منها إلى قائد محلي يسمى ضابط الحدود . ولعل هذا النظام طبق على منطقة نالوت فعسكرت بها حامية رومانية لأهميتها الإستراتيجة
نالوت في العهد العربي الإسلامي :-
تصمت المصادر التاريخية العربية التي اعتنت بفتوح البلدان عن ذكر مدينة نالوت فلم تمدنا بأي معلومات عنها ، كما أن الجغرافيين والرحالة العرب القدامى والذين عنوا بوصف جبل نفوسة لم يتطرقوا في كتاباتهم إليها . فابن حوقل صاحب كتاب صورة الأرض والذي ألفه في القرن الرابع الهجري وصف جبل نفوسة وبعض مدنه ولم يشر إل
ى نالوت . فيذكر أنه " جبل عال منيف ... وفيه منبران لمدينتين تسمى أحدهما شروس في وسط الجبل وفيها مياه جارية وكروم وأعناب طيبة وتين غزير ، وأكثر زروعهم الشعير وإياه يأكلون ، وإذا خبز كان أطيب طعماً من خبز الحنطة ، ولشعيرهم لذة ليست في خبز من أخباز الأرض ... وبالجبل مدينة ثانية تعرف بجادو من ناحية نفزاوة وفيها منبر وجامع " (1) .
أما البكري فقد وصف جبل نفوسه في كتابه المسالك والممالك
في النصف الثاني من القرن الخامس الهجري ، وذكر أن المسافة من طرابلس إليه مسيرة ثلاثة أيام وهو على ستة أيام من القيروان ، ويذكر أن طوله من الشرق إلى الغرب ستة أيام ووصف مدينة جادو بأنها مدينة كبيرة ولها أسواق . ويذكر بأن بوسط الجبل " النخيل والزيتون الكثير والفواكه " (2) .
وصف الشماخي ( ت. 928هـ . 1522م. ) في كتابه السير نالوت بقوله " ولالت موضع الأشياخ والعلم " (3) وقد أورد فيه بعضأً من علمائها.
كانت نالوت في العهد العثماني تشكل " قضاء من الدرجة الثانية
تابعاً لسنجقية الجبل . وقد احتفظت الإدارة الإيطالية بتبعية هذه المتصرفية وأنشأت ناحيتين داخليتين ) كاباو والحرابة )" (4) .
تمكن الإيطاليون في أكتوبر سنة 1911م من احتلال المناطق الساحلية من ليبيا ولم يتمكنوا من احتلال نالوت إلاّ في 12/4/1911م . وجعلوها قاعدة لزحفهم نحو مدينة غدامس " وكانت نالوت من المراكز الهامة للثورة التي اندلعت في الدواخل في أواخر 1914 وعبثاً حاول الإيطاليون استعادة الوضع والسيطرة على نالوت وإنقاذ حاميتهم بها ، إذ كانت جميع هذه المحاولات تبوء بالفشل ، نتيجة المقاومة العنيفة التي اشتعلت في المنطقة ، وقد تعرضت إحدى قوافل النجدة الإيطالية في أواخر نوفمبر 1914 إلى الإبادة التامة ، ولم تتمكن نجدة أخرى من الوصول إلى نالوت حيث هوجمت في ( تكوت ) وتكبدت خسائر
فادحة " . (5) وأمام الثورة وشدة المقاومة أصدرت السلطات الإيطالية لحمايتها المحاصرة في نالوت الأوامر بالانسحاب منها في 5/7/1915 ." ونظراً لاستحالة عودة الحامية الى الساحل بسلوك الطرق الداخلية المألوفة ، فقد اضطرت الحامية إلى اللجوء إلى الحدود التونسية عن طريق الذهيبات ولكن لم تسلم من مهاجمة الوطنيين الذين كبدوها خسائر فادحة ، بحيث لم ينج إلا القليل منها الذي استطاع أن يتجاوز الحدود " (6) . تمكن الايطاليون من احتلال نالوت 6/7/1922م. بعد العمليات العسكرية التي قاموا بها لإعادة احتلال منطقة جبل نفوسة . واتخذوا من نالوت قاعدة للزحف نحو غدامس.
أهم المواقع الأثرية بنالوت :-
- المساجد :-
من أهم المساجد القديم بها الجامع العتيق أو القديم ويقع إلى الشمال من قصر نالوت ، ويتميز هذا الجامع بمئذنته البسيطة ، ( أنظر الصورة ) ويمكن اعتبار هذا النوع من المآذن تطوراً للمئذنة السلم في العمارة العربية الإسلامية . يتكون بيت الصلاة من عدة أروقة ، به محراب بسيط عبارة عن تجويف في جدار القبلة ، أما المنبر فكان عبارة عن سلم يتكون من درجتين حجريتين ، وهذا النوع يعد من أقدم المنابر في عمارة المساجد ، وفي غياب النقوش الكتابية والمعلومات التاريخية عن تاريخ تأسيس هذا المسجد فأنه من خلال المكونات المعمارية وطريقة البناء والمقارنة يمكن إرجاع تاريخ إنشائه إلى القرن الثالث الهجري.
وقد هجر هذا المسجد وحفر بالقرب من مدخله ماجل ( ماجن ) لحفظ مياه الأمطار وبني إلى الغرب منه وفي منسوب سقفه جامع جديد في فترة متأخرة.
وهناك مسجد أخر يعرف باسم جامع أولاد يحيى يقع بجوار قصر نالوت في الجهة الجنوبية منه ، يتميز بضيق مدخله وبانخفاض منسوبه عن الطريق وبصغر بيت الصلاة فيه ، بجوار مدخله ماجل حفر في الصخر، وكانت به مئذنة شبيهة بمئذنة الجامع العتيق والتي عبارة عن ثلاثة أعمدة مائلة تلتقي عند قمتها ( أنظر الصورة ) ، والمئذنة الحالية شيدت في أواخر القرن العشرين وفيها محاولة لمحاكاة المئذنة القديمة .
ويوجد بمدينة نالوت جامع أخر وهو جامع العساكرة وهو يعود إلى فترة تاريخية متأخرة عن الجامعين السابقين ، إذ يحتمل أن تاريخ بنائه يعود إلى القرن العاشر الهجري ، وهناك بنالوت جامع شداد وقد ت
م تجديده بالكامل.
- قصر نالوت :-
طبيعة جبل نفوسة في الماضي أعطت سكانه نمطاً معيناً من الحياة ، فقد اعتمدوا على مياه الأمطار مما جعلهم يتنقلون من واد إلى أخر طلب اً للمرعى والماء ، كما تميزت المنطقة بوجود الكثير من أبراج المراقبة والحصون والتي يطلق عليها الأهالي اسم القصور ، إذ يوجد في المنطقة الواقعة بين مدينة غريان ومدينة وازن على الحدود التونسية ما يزيد على خمسين قصراً يعود معظمها إلى الفترة العربية الإسلامية المبكرة وهي تختلف في أحجامها من قصر إلى أخر.

وقد استعملت هذه كحصون لصد الغارات كما استعملها الأهالي لتكون أمكنة " أهراء " لتخزين الغلال وزيت الزيتون الذي اشتهرت به المنطقة منذ القدم ، كما استغلت ساحات تلك القصور لتكون أسواقاً كان مبدأ المقايضة هو الغالب فيها. بني قصر نالوت على حافة الجبل الذي يرتفع 640 متراً عن مستوى سطح البحر وهو يسيطر على الطريق الرئيسي الذي يربط بين طرابلس بغدامس ، وموقعه الاستراتيجي ومظهره العام يدل على انه بني لغرض دفاعي ويظهر ذلك من ارتفاع سوره الخارجي وموقع مدخله الذي يطل على السهل مباشرة ، أما داخله فيعطي انطباعاً بأن تشييده كان لغرض إيجاد مخازن لتخزين الغلال ( شعير ، قمح ، تين مجفف ، تمور ) وزيت الزيتون.
يقع مدخل القصر في الجهة الشمالية الشرقية ، يبلغ ارتفاعه حوالي 2.10 متر وعرضه 1.10 متر. ويتميز قصر نالوت بعدم وجود ساحة تتوسطه كما في قصر الحاج ، إذ استغلت الساحة في بناء مجموعة من المخازن ، ويرتفع قصر نالوت إلى 5 أو 6 طوابق شيدت فيها عدد كبير من المخازن يبلغ عددها ما يقرب من 400 مخزن ، ويبلغ ارتفاع المخزن ما بين متر ومتر ونصف المتر وعرضه يختلف من حجرة إلى أخرى ولا يتجاوز عرض أكبرها 2 مترين اثنين . ورغم ارتفاع القصر فان بناءه يتميز بعدم وجود سلم متكام
ل للصعود إلى الحجرات العليا وإنما يصعد إليها عن طريق أوتاد خشبية مثبتة في الجدران يتسلقها من أراد الصعود .
إن طراز قصر نالوت هو طراز محلي وهو ما يعرف بال
عمارة العفوية أو التلقائية والتي تبنى من قبل أناس تمرسوا في أعمال البناء وهي لا تسير حسب مخططات يتم الاعتماد عليها ولا يحاد عنها بل هي قابلة للتغير حسب المتطلبات والظروف.
لم أعثر على تاريخ إنشاء هذا القصر ، إذ لا يوجد نقش تأسيسي ، كما لا يوجد من ذكره من الكتاب والرحالة القدامى ، وهو يعود لفترة أقدم من تاريخ إنشاء قصر الحاج الذي أسسه الحاج عبد الله أبو
جطلة وهو من أهالي القرن السابع الهجري .

ويبدو أن قصر نالوت والقصور المشابهة له هي " أقدم الأصناف من القصور نظراً لتماثل تهيئته مع تهيئة الدور الكهفية ( Troglodytes ) يتكون القصر في هذه الحالة من " الغرف " ذات السقف المقبى المنحوتة في خدود المرتفعات الجبلية والتي تأخذ شكلاً مستطيلاً في تجاورها الواحدة تلو الأخرى ..... ونظراً لغياب المعطى الوثائقي الأكيد فإنه يعسر تحديد تاريخ نشأة هذا الصنف من القصور ".(7)
ويمكن عن طريق إجراء دراسة مقارنة بين قصر نالوت والقصر القديم الذي يقع على بعد 18 كم جنوب شرق مدينة تطاوين في تونس الوصول الى تاريخ تقريبي لتأسيس قصر نالوت ، فمن المعلوم إن القصر القديم بتطاوين يرجع تأسيسه كما يشير نقشان موجودان به : فالنقش الأول يشير الى سنة ( 484 من وفاة الرسول ) " إتمام سنة أربع وثمانين أربع مائة بعد وفاة النبي عليه السلام "
(8) وهو ما يقابل سنة 495 هـ. ويشير النقش الآخر الى سقيفة القصر القديم بأنها بنيت" يوم الجمعة في الله ربيع الآخر سنة خمس وسبعين وأربع مائة بعد موت النبي عليه السلام كثير "(9) وهذا التاريخ يقابل 486 هـ . وعلى ذلك فإن القصور المحلية القديمة التي في تونس وليبيا بمنطقة جبل نفوسة تعود لهذه الفترة أو أقدم بقليل ، وبذلك فإنه من المحتمل أن يكون سكان المنطقة قد استغلوا الحصون القديمة التي تعود في نشأتها إلى القرنين الثالث والرابع الميلاديين ، ثم قاموا بتأسيس القصور التي تستغل للسكن والدفاع في مرحلة متأخرة تعود إلى القرنين العاشر أو الحادي عشر ميلادي.
تعرض قصر نالوت للقصف من قبل الجنود الأتراك بعد سقوط حكم الأسرة القرمانلية 1835 م ، واضطر الأهالي لإخلائه وقد تضرر من جراء ذلك لشدة القصف وضعف مكوناته الإنشائية
، وفي مرحلة تالية قام الأهالي بترميمه في أواسط القرن التاسع عشر ، إلا أنه تعرض لتخريب في بداية القرن العشرين وتداعت بعض أجزائه فيما بعد نتيجة للعوامل الطبيعية نظراً لطبيعة المواد الداخلة في إنشائه وهي الحجارة الصغيرة والجبس والخشب وهي ذات تكوين إنشائي ضعيف لا تقاوم عوامل التعرية والنحت والزمن إضافة إلى عدم القيام بالصيانة الدورية له.
وفي ثمانينيات القرن العشرين قام الأهالي بمساعدة مصلحة الآثار بترميم أغلب الأجزاء المتداعية ثم قامت جمعية أصدقاء البيئة والتراث بنالوت بتنظيفه وببعض أعمال الترميم به .

بيوت المدينة :
بنيت البيوت حول القصر وعلى حافة الجبل ، وتتكون معظمها من طابقين استعملت الحجارة الصغيرة والجبس في البناء واستخدمت أخشاب أشجار الزيتون وجذوع النخيل في التسقيف وكأبواب ونوافذ ، وتتميز البيوت بصغر حجمها وتجاورها ليشد بعضها بعضاً ، كانت مدينة نالوت القديمة تحيط بالقصر وقد بنيت على حافة الجبل ، وتتميز شوارعها بالضيق وقد تعرضت المدينة إلى إزالة أجزاء من معالمها العمرانية أثناء توسعه الطريق الرئيسي الذي يربط طرابلس بنالوت وغدامس ، وهناك مجموعة من البيوت حفرت في الطبقة الصخرية الهشة ( الدواميس ) ، وهي التي تعرف ببيوت الحفر إذ يتم حفر السقيفة وهي عبارة عن دهليز مسقوف طبيعياً تؤدي إلى ساحة محفورة تحت مستوى الأرض وتعلوها كوة كبيرة للإضاءة والتهوية ويتم حفر مجموعة من الحجرات تفتح على ساحة البيت ويبلغ عمق هذه البيوت
من 5 إلى 8 أمتار تحت مستوى سطح الأرض وميزة هذه البيوت أنها دافئة شتاء باردة صيفا . وهذا النوع من البيوت أقدم من البيوت التي بنيت بالحجارة والجبس .

معاصر الزيتون :
توجد بمدينة نالوت القديمة عدة معاصر لعصر الزيتون وهي على الشكل التقليدي الذي يدار بواسطة الحيوانات- الجمل في العادة – ويتم ذلك عن طريق حجرة أسطوانية كبيرة الحجم توضع على حجرة ضخمة ثابتة نحت وسطها ليكون على شكل حوض وتربط الحجرة الأسطوانية عن طريق حبال بالجمل الذي يقوم بالدوران حول الحجرة الثابتة بعد عصب عينيه ويوضع الزيتون في الحوض وعن طريق الدوران يتم جرش الزيتون وعند إتمام ذلك يوضع الزيتون المجروش في ( شوامي ) وهي عبارة عن سلال صغيرة صنعت من سعف النخيل أو نبات الديس وتنقل إلى المكبس وهو عبارة عن جذع نخلة يوضع في أحد طرفيه ثقل عبارة عن حجر كبير وترتكز من منتصفها على حجر أو أي مادة صلبة وتوضع الشوامي وهي معبأة بالزيتون المجروش تحت الثقل وعن طريق الكبس يتم انسياب زيت الزيتون إلى أحواض أو جرار معدة لاستقباله ويستخدم زيت الزيتون في الطهو أو كدواء وكان يستخدم في السابق للإنارة .

حماية وصيانة المعالم الأثرية :
من المعلوم أن أهم أعداء الآثار ، البشر والعوامل الطبيعية ، فالإنسان غير المدرك لقيمة المباني الأثرية والتاريخية يؤدي دوراً تخريبياً لها ، أما العوامل الطبيعية من رياح وعواصف وأمطار......الخ فضررها يتزايد مع مر السنين . ومع بداية القرن العشرين تطورت أعمال حماية وصيانة الآثار ، وأنشئت العديد من المراكز المتخصصة في هذا المجال وأصبحت هناك تخصصات دقيقة في معالجة المواد المختلفة للمباني الأثرية والتاريخية ، فهناك مختصون في معالجة الرطوبة وآخرون في معالجة أمراض الحجارة .....الخ.
وللمحافظة على القصور التاريخية يجب القيام بصيانة دورية لها فمن شأن ذلك إطالة عمر المبنى وتوصى المنظمات الدولية المعنية بصيانة وترميم المواقع الأثرية بالابتعاد عن الإسمنت خاصة الأسود منه في صيانة المواقع لأن ضرره أكثر من نفعه ، ويجب صيانة المباني بنفس المواد التي شيدت بها .
ومن أخطر العوامل الطبيعية الضارة بالمباني الرطوبة فهي تتلف الرسوم والزخارف والمواد خاصة الجص . " إن التحري الدقيق عن مصدر الرطوبة هو ضرورة أساسية للوصول إلى معالجة مرضية ، فالرطوبة كالحمى تماماً هي علامة المرض ويجب على الطبيب أن يشخص أولاً المرض الذي أحدث الحمى لأن الرطوبة تعتبر نتيجة لاحقه لتأثير قوى فيزيائية محددة وغير متوازنة في بناء ما ، نصب أثري أو قطعة منفردة من مادة البناء . ففي حالة الرطوبة يجب أن يؤدي المعماريون والمهندسون ما يشبه مهمة الأطباء فيقوموا بكافة الفحوص الضرورية لتحديد طبيعة المرض ، إذ من الخطر الاعتماد على الإحساس العام كما كان الحال في الماضي بل على العكس من ذلك يجب أن تترجم الظاهرة إلى أرقام بعد أن يتم تجميع دقيق للمعلومات الأساسية" . (8)
يجب الاهتمام بالمعالم المعمارية بإعادة بناء الأجزاء المنهارة منها وصيانة ما يحتاج منها إلى ذلك إلا أنه " يجب الاحتراس من أعمال الإعادة التي يتم فيها تهديم البياض الذي يستعاض عنه بالمواد المضادة للرطوبة ، فمثل هذا العمل سيؤدي إلى عملية تجميل خارجيةوبعد بضع سنين فإن البقع ستظهر على الملاط الجديد وسيتلف كالبياض السابق".(11) إن الكثير من القصور الموجودة في منطقة جبل نفوسة غير مدروسة دراسة علمية وغير مرفوعة هندسياً وهذا مما يصعب مهمة المرممين في إعادة الأجزاء المنهارة ، ويجب أن تتكاثف الجهود بين الجهات المختلفة ذات العلاقة لرفع هذه المعالم الأثرية والتاريخية وتصويرها وتوثيقها توثيقاً علمياً وهذا العمل هو بداية الدراسة العلمية الجادة لهذا الموروث الحضاري .
يمكن استغلال هذه القصور المتناثرة على قمم جبل نفوسة وتحت أقدامه سياحياً وذلك بإعادة توظيفها لتكون أماكن للإيواء ومرافق خدمية مع عدم الإخلال بنسيجها المعماري أو إدخال مفردات معمارية دخيلة عليها أو طمس وتشويه مكوناتها ، وإقامة مهرجانات سياحية خاصة بها .

الحياة الاقتصادية في نالوت :-
تعتمد الحياة الاقتصادية في نالوت على ثلاثة مصادر هي : الزراعة ، والرعي ، والصناعة التقليدية .
1- الزراعة :-
تعتمد المنطقة في نشاطها الزراعي على مياه الأمطار وهي محدودة جداً فالمعدل السنوي لسقوطها 138 مم ، ويرجع سبب ذلك إلى أن الجبال في هذه المنطقة أقل ارتفاعا إضافة إلى أنها " واقعة في ظل الأراضي التونسية بجبالها المرتفعة ومعنى هذا أن الرياح التي تهب عليها من الغرب أو الشمال الغربي تكون غالباً قليلة المطر ".(12)
من أهم المحاصيل الزراعية :-
- الشعير:ـ وهو يعتمد على مياه الأمطار ، فيكون محصوله وفيراً في السنوات المطيرة ، ويقل كثيراً في السنوات التي ينحبس فيها المطر ، ويعد من المواد الغذائية الأساسية بالمنطقة.
- أشجار الزيتون :ـ تعتبر من أهم المزروعات في المنطقة ، ومن المعلوم أن العرب الكنعانيين هم الذين أدخلوا زراعته في شمال إفريقية منذ بداية الألف الأول قبل الميلاد وربما زاد الاهتمام بها في فترة الاحتلال الروماني وأن هذا الاهتمام " لم يكن نتيجة استعمار مفاجئ ، وإنما كان نتيجة سنوات عديدة من الزراعة التدريجية ... وأن مزارع الزيتون ... كان يحتلها بشكل أساسي أفراد من السكان المحليين الذين تأثروا بالطابع الروماني لا مستوطنون مهاجرون ". (13) وقد كانت أشجار الزيتون في منطقة نالوت متناثرة بين شعاب الوديان وعلى سفوح الجبال ، وقد حاول الأهالي الاستفادة من مياه الأمطار بعمل سدود حجرية أو ترابية حول المنطقة المزروعة لحجز اكبر كمية من المياه المنحدرة إليها.
- أشجار التين :ـ وتنمو أشجار التين بالمنطقة وهي تعتمد في ريها على مياه الأمطار ويؤكل التين طازجاً أو يجفف في الشمس ويتم تخزينه وبالمنطقة كميات كبيرة من أشجار التين.
ـ أشجار النخيل :ـ وهي تنمو بالمنطقة وفي السابق كان توجد بها أعداد محدودة ولكن تم الاهتمام بها في الفترات الأخيرة وزادت الكميات المزروعة منها واغلب الأشجار الموجودة كانت في مناطق عيون المياه . وهناك بعض المحاصيل الأخرى كاللوزيات والخضراوات بأنواعها والتي تزرع بسهل الجفارة عند قدم الجبل في تكويت والتي شهدت خلال سبعينيات القرن الماضي حفر العديد من الآبار وإقامة مشاريع زراعية بها .
2- الرعي :-
وهو من الحرف الرئيسية بالمنطقة ومن أهم الحيوانات التي يقوم الأهالي بتربيتها : الأغنام والماعز والإبل وغيرها ، ويستفاد من لحومها وأصوافها وأوبارها .
3- الصناعة التقليدية :-
من أهم الصناعات بالمنطقة الصناعة اليدوية التي تعتمد على المواد الخام المتوفرة محلياً وهي :- ـ صناعة المنسوجات الصوفية : ومن أهمها الحولي النالوتي الذي أشتهر بمتانته وجودته ، وهو من الأزياء الشعبية التي يحرص الليبيون على ارتدائه ، والأغطية الصوفية إذ كانت الأسر في نالوت تنتج احتياجاتها منها ، وتقوم النساء
بالعمل في هذه الصناعة على النول العمودي ( المسدة ) ، وتسد هذه الصناعة في السابق احتياجات الأهالي ويصدر الفائض منها إلى المناطق الأخرى ، وتستفيد الأسر من مردود الإنتاج لتحسين مستوى معيشة أفرادها.

ـ صناعة الفخار :- تعتبر صناعة الفخار من أهم الصناعات التقليدية في منطقة الجبل الغربي ، إذ كان الأهالي يعتمدون على هذه الصناعة في توفير أدواتهم المنزلية وأوعية الحفظ والتخزين . وتعتمد هذه الصناعة على المواد الخام المتوفرة محلياً ، ومع التقدم الاقتصادي الذي شهدته البلاد تراجعت هذه الصناعة كثيراً في الأونة الأخيرة.

أما بالنسبة إلى الموارد الطبيعية بنالوت فهناك العديد من المواد الخام التي لم تستغل حتى الآن ومنها : " الحجر الجيري الدولوميتي ورمل السيلكا والجبس والطينات وحجر الصوان وشواهد معدنات الحديد والمنجنيز ، وهذه الخامات يمكن أن تقوم عليها الصناعات الآتية : الجير – التربة البيضاء ، التربة العادية ، الأعلاف ، الزجاج ، أوراق السنفرة ، الجرافيت ، قوالب صب قطع الغيار ، الصناعات الفخارية ، الآجر الأحمر ، أحجار الزينة ، أحجار المجوهرات شبه الثمينة ". (14)
* باحث ومؤرخ ليبي

الهوامش :-
1. ابن حوقل .صورة الأرض . بيروت :دار مكتبة الحياة ، د.ت.ص.39
2. البكري . المغرب في ذكر بلاد إفريقية والمغرب ، وهو جزء من كتاب المسالك والممالك.ص.9
3. الشماخي .كتاب اليسير – الجزء الخاص بتراجم علماء الغرب إلى نهاية القرن الخامس ه .ص.247
4. هنريكو دي أغسطيني . سكان ليبيا – القسم الخاص بطرابلس الغرب .ص.519
5. خليفة محمد التليسي . معجم معارك الجهاد في ليبيا .ص.479
6. المرجع السابق.ص.479.480
7. عبد الرحمن أيوب . من قصور الجنوب التونسي : القصر القديم .ص.133
8. المرجع السابق.ص.136
9. نفس المرجع والصفحة .
10. جيوفاني مزاري . الرطوبة في المباني التاريخية .ص.5
11. المرجع السابق.ص.35
12. عبد العزيز طريح شرف . جغرافية ليبيا .ص.209
13. جودتشايلد. دراسات ليبية .نقله إلى العربية د.عبد الحفيظ الميار. وأحمد اليازوزي .ص.33
14 . د.علي أحمد المخروف .استثمار وتنمية الموارد الطبيعية بمنطقة نالوت .دراسة نشرت ضمن أعمال المؤتمر الأول لجمعية أصدقاء البيئة والتراث بنالوت. بتاريخ 4 / 5 النوار ( فبراير ) 1427 ميلادية .(1997)

المصادر والمراجع :-
أولاً المصادر:-
1. ابن حوقل .صورة الأرض . بيروت :دار مكتبة الحياة ،( د.ت).
2. البكري . المغرب في ذكر بلاد إفريقية والمغرب ، وهو جزء من كتاب المسالك والممالك.بغداد : مكتبة المثنى ،( د.ت).
3. الشماخي .كتاب اليسير – الجزء الخاص بتراجم علماء الغرب إلى نهاية القرن الخامس ه .تحقيق ودراسة محمد حسن .تونس : كلية العلوم الإنسانية.1995م.
ثانياً المراجع :-
1. جودتشايلد. دراسات ليبية .نقله إلى العربية د.عبد الحفيظ الميار. وأحمد اليازوزي .طرابلس : مركز جهاد الليبيين للدراسات التاريخية .1999
2. جيوفاني مزاري . الرطوبة في المباني التاريخية .ترجمة ناصر عبد الواحد . بغداد : المركز الإقليمي لصيانة الممتلكات الثقافية في الدول العربية.
3. خليفة محمد التليسي معجم معارك الجهاد في ليبيا . بيروت : دار الثقافة .ط. 3، 1973م.
4. سعيد علي حامد . المعالم الإسلامية بالمتحف الإسلامي بطرابلس . طرابلس : منشورات مصلحة الآثار .1977م.
5 .عبد الرحمن أيوب . من قصور الجنوب التونسي : القصر القديم .بحث قدم للمؤتمر الحادي عشر للآثار في الوطن العربي ، نشر في كتاب النقائش العربية في الوطن العربي . تونس : المنظمة العربية للتربية والعلوم والثقافة ،1988.
6. عبد العزيز طريح شرف . جغرافية ليبيا . الإسكندرية : مطبعة المصري .1963.
7. هاينز. دليل أثار طرابلس الغرب . ترجمة عديله مياس . طرابلس : منشورات مصلحة الآثار.
8. هنريكو دي أغسطيني . سكان ليبيا – القسم الخاص بطرابلس الغرب .تونس –ليبيا : الدار العربية للكتاب .ط الثانية .1978.
البحوث والمقالات :-
1. سعيد علي .قصور تاريخية منافعها شتى . مجلة تراث الشعب . مجلة فصلية تصدر عن اللجنة الشعبية للاعلام والثقافة .طرابلس . السنة 11. العدد2. 1991.
2. د.علي أحمد المخروف. استثمار وتنمية الموارد الطبيعية بمنطقة نالوت .دراسة نشرت ضمن أعمال المؤتمر الاول لجمعية أصدقاء البيئة والتراث بنالوت، بتاريخ 4/5 النوار ( فبراير ) 1427 ميلادية .(1997)

هناك تعليقان (2):

  1. الحمد لله ان وجدت نالوت من يهتم بتاريخها

    ردحذف
  2. Hi there would you mind letting me know which webhost you're using?
    I've loaded your blog in 3 completely different internet browsers and I must
    say this blog loads a lot quicker then most. Can you suggest a good web
    hosting provider at a reasonable price? Thanks, I appreciate it!


    Look into my website - accounting standards codification

    ردحذف

المواضيع الأكثر مشاهدة

بحث هذه المدونة الإلكترونية