أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

{فأما الزَّبد فيذهب جُفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض}- سورة الرعد، الآية 17

السبت، نوفمبر 27، 2010

لمحة عن تاريخ مدينة طرابلس





الأستاذ/ سعيد علــي حـامد

     تغطي الأراضي الليبية رقعة من اليابس تمتد فيما بين خطي طول 25 , 9 درجة شرقا، وبين دائرتي عرض 45 - 14،  33 درجة شمالا، وتبلغ مساحتها نحو 1.750.000 كليومتر مربع. يحدها من الشمال البحر الأبيض المتوسط ومن الجنوب جمهوريتي تشاد والنيجر ومن الشرق جمهورية مصر العربية ومن الجنوب الشرقي جمهورية السودان ومن الغرب جمهوريتي تونس والجزائر.
    
لقد أهل هذا الموقع المميز ليبيا بأن تشارك وتمتزج فيها حضارات البحر الأبيض المتوسط مع حضارات عصور ماقبل التاريخ التي شهدتها الصحراء الكبرى.

     وردت تسمية ليبيا لأول مرة في نقيشة ترجع إلى الألف الثانية ق.م. في عهد الدولة القديمة في مصر. ويبدو أن الأسم أشتق من اسم احدى القبائل ( الليبو) التي كانت تسكن غرب نهر النيل. ولقد استخدم اليونانيون القدماء كلمة ليبيا لتشمل المنطقة الممتدة من غرب نهر النيل حتى المحيط الأطلسي. وفي العهد الروماني أصبح مدلول (أرض اللوبيين) ينحصر في ولاية أفريقيا الرومانية وكان اقليم المدن الثلاث ( لبدة ، أويا ، صبراته ) جزءا منها، والذي أطلق عليه خلال القرن الثالث الميلادي مصطلح اقليم طرابلس.

تأسيس المدن الثلاث:-
     من المعلوم أن الكنعانيين ــ وهم سكان بلاد الشام والذين عرفوا باسم الفينيقيين وقد أطلقه عليهم الاغريق وتعني اللون الارجواني لاشتهارهم بصناعة الأصباغ والملابس الأرجوانية ــ اشتهروا بركوب البحر بغرض التجارة مع شعوب البحر الأبيض المتوسط منذ أواخر الألف الثاني قبل الميلاد. فأنشأوا مجموعة من المراكز التجارية من أهمها قادش (اسبانيا) نحو عام 1100 ق.م. وعتيقة (عنابة حاليا)  ثم مدينة قرطاج في تونس سنة 814 ق.م.

     لقد عرف الفينيقيون الشواطئ الليبية منذ بداية الألف الأول قبل الميلاد ثم قاموا بإنشاء مجموعة من المدن التجارية به اشتهرت من بينها (لبدة) التي يحتمل أنها انشأت في القرن السابع ق.م. وأويا وصبراته اللتان يحتمل أنهما انشأتا في القرن السادس ق.م. كما تدل المخلفات الأثرية المكتشفة فيهما.
لقد ارتبطت المدن الثلاث بقرطاج التي فرضت هيمنتها عليها اقتصاديا، وتأثرت تلك المدن بتيار الحضارة القرطاجية سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا ودينيا، وان تمتعت بإستقلال ذاتي شأنها شأن المدن الآخرى الخاطعة لقرطاج في حوض البحر الأبيض المتوسط الغربي.

     بعد قضاء الرومان على مدينة قرطاج سنة 146ق.م . خضع اقليم المدن الثلاث لمملكة نوميدياوفي القرن الأول ق.م. فرض الرومان سيطرتهم على الأقليم الذي أصبح جزءا  من الأمبراطورية الرومانية.

مدينة طرابلس:-
     تردد الفينيقيون على موقع مدينة طرابلس منذ الألف الأول قبل الميلاد، إذ كان يتمتع بمرفأ آمن وهو ما يحتاجونه لسفنهم وللتزود بالمؤن والماء والتعامل مع سكان المنطقة، ان تأسيس مدينة أويا (طرابلس فيما بعد) يعود لموقعها المميز، وقد نمت وتطورت حتى أصبحت من أهم مدن حوض البحر الأبيض المتوسط. ظلت أويا تابعة للمدينة الفينيقية قرطاج منذ القرن الخامس ق.م.إلى سنة 146ق.م حيث حكمها النوميديون ومع نهاية القرن الثاني ق.م. بدأ النفوذ الروماني بها الى أن تم احتلالها من قبلهم سنة 46 ق.م. وخضعت لحكمهم  إلى أن سقطت بين الوندال سنة 439م، وفي سنة 543 تمكن القائد البيزنطي بليزاريوس من الإستيلاء عليها فخضعت للحكم البيزنطي حتى سنة 23هـ / 643 م عندما تمكن القائد العربي عمرو بن العاص من فتحها، وتعتبر هذه السنة نقطة تحول حاسمة في تاريخ مدينة طرابلس إذ أقبل أهلها على اعتناق الاسلام وتعلم اللغة العربية وأصبحت احد الرباطات التي انطلق منها العرب المسلمون لفتح باقي الشمال الافريقي.

     تنفرد مدينة طرابلس عن شقيقتيها لبدة وصبراته بأنها مدينة مأهولة تواصلت الحياة فيها مما لم يمكنها من الاحتفاظ بكثير من المعالم الآثرية التي تعود للحضارات الفينيقية والرومانية والبيزنطية.

     ولقد احتفظت طرابلس بآثر روماني وحيد هو قوس ماركوس اوريليوس بمنطقة باب البحر، وهو قوس نصر ذا أربع واجهات زخرف بمجموعة من النقوش التي تمثل بعض الآلهة الرومانية (ابوللو، منيزفا، فيكتوريا) وبعض الاسرى والاسلاب. وقد شيد سنة 163م تكريما للامبراطوريين الرومانيين ماركوس اوريليوس ولوكيوس فيروس. فى حين أنها تزخر بالمعالم العربية الاسلامية التي تعود لفترات تاريخية مختلفة.
قوس ماركوس اوريليوس وجزء من ميناء طرابلس

      زار الكثير من الجغرافيين والرحالة مدينة طرابلس وتركوا مدوناتهم عنها . ونشير هنا أن المدينة عرفت منذ الفتح العربي باسم ( أطرابلس ) سنة 23 هـ / 643 م بزيادة ألف ، اذ ورد هذا الاسم فى الكتاب الذى أرسله القائد عمرو بن العاص الى الخليفة عمر بن الخطاب بالمدينة المنورة يخبره بفتح مدينة شروس عاصمة جبل نفوسة ويستأذنه في فتح أفريقية ومما جاء فيه  " ان الله قد فتح علينا أطرابلس ، وليس بينها وبين أفريقية الا تسعة أيام ، فان رأي أمير المؤمنين أن يغزوها ويفتحها على يديه فعل". وقد ذكرها الكثير من المؤرخين والرحالة العرب باسم أطرابلس الا أنه مع استمرار الزمن حذفت الألف للتخفيف واشتهرت باسم طرابلس الغرب قبل العهد العثماني (1551 م.) بقرنين من الزمن الا أنه التصق بها أكثر في ذلك العهد تميزا لها عن طرابلس لبنان .
    
وصف المؤرخ اليعقوبي في كتابه البلدان مدينة طرابلس في القرن الثالث الهجري / التاسع الميلادي بقوله :- " أطرابلس مدينة قديمة جليلة على ساحل  والبحر عامرة آهلة ".وفى القرن الرابع الهجري /العاشر الميلادي نجد لها وصفا فى كتاب أبن حوقل ( صورة الأرض ) جاء فيه :- " فأما أطرابلس فكانت قديما من عمل أفريقية ... وهى مدينة بيضاء من الصخر الأبيض على ساحل البحر خصبة حصينة كبيرة ذات ربض صالحة الأسواق...".

منظر عام لمدينة طرابلس
   
أما الرحالة البكري صاحب كتاب المسالك والممالك فيصف المدينة وأهلها فى أواخر القرن الخامس الهجري / الحادي عشر الميلادي بقوله :-" فان أهل طرابلس أحسن خلق الله معاشرة وأجودهم معاملة وأبرهم بغريب ... وتسمي مدينة أطرابلس مدينة أناس ...".

     وزار بعد تلك الفترة العديد من الرحالة مدينة طرابلس وأثنواعليها ووصفوا أوضاعها الاقتصادية والعمرانية واشادوا بحسن معاملة أهلها وكرمهم وبنظافة أعراضهم وثيابهم.

     ولقد عرفت مدينة طرابلس بالمدينة البيضاء فالرحالة التجاني الذي زارها في سنة 706 هـ/ 1307 م. يذكر في كتابه ( تقييد الرحلة ) :- " ولما توجهنا الى طرابلس وأشرفنا عليها كاد بياضها مع شعاع الشمس يغشي الأبصار فعرفت صدق تسميتهم لها بالمدينة البيضاء...". وترك لنا التجاني وصفا وافيا لمعالم المدينة ؛ مساجدها  ، مدارسها ، قصبتها وأسوارها ، حماماتها ،أسواقها ،شوارعها ، القوس الروماني والحياة العلمية والثقافية بها .

     وقعت طرابلس في سنة 1510 تحت الاحتلال الاسباني اذ تمكن قائد الاسطول الاسباني بيدرو دى نفارو((Pedro di Navarro  من احتلال طرابلس وقلعتها يوم 25 يوليو 1510 وتعود أسباب الاحتلال الى الصراع الديني الاسلامي المسيحي في تلك الفترة ورغبة ملك اسبانيا فرديناند Ferdinand  في جعل طرابلس نقطة انطلاق وتموين للاساطيل الاسبانية لضرب المسلمين في المشرق وتعميرها برمتها بالنصاري. كما أن طرابلس حظت بموقع استراتيجي مهم جعل منها مركزا تجاريا وحلقة وصل بين أوربا ومدن ماوراء الصحراء الكبرى، فكانت تنعم برفاهية العيش وقوة الاقتصاد واستقرار وامن في الحياة مع فراغ سياسي وعدم وجود سلطة قوية قادرة على الدفاع عنها.

لم يتجاوز احتلال الاسبان أسوار مدينة طرابلس وقلعتها، واقتصر تواجدهم بهما ونظم الاهالي مقاومة شعبية اتخذت من تاجوراء مركزا لها، وأمام تلك المقاومة والظروف السياسية والاقتصادية التي تمر بهما اسبانيا قرر ملكها التنازل عن طرابلس وقلعتها لمنظمة فرسان مالطا سنة 1530 الذين استمر احتلالهم لها الى سنة 1551 عندما تمكن الاهالي بمساندة الاسطول العثماني من طرد فرسان مالطا وخضعت ليبيا للسيادة العثمانية. 
            
طرابلس خلال العهود العثمانية والقرمانلية:-
تميز منتصف القرن السادس عشر الميلادي بسيطرة العثمانيين على طرابلس  من عام 1551 – 1711 وعرفت هذه الفترة بالعهد العثماني الأول ثم حكمت طرابلس الاسرة القرمانلية من 1711- 1835 عادت طرابلس وخضعت للحكم العثماني من 1835-1911 . وقد حظيت طرابلس خلال تلك العهود باقامة مجموعة من المنشآت الدينية والمدنية والحربية ، شيدها الولاة والمتنفذون والموسرون من أهل البلاد. 


رسم لمدينة طرابلس سنة 1559
    
شيدت مجموعة من المساجد من أهمها ؛ جامع درغوت باشا (1560) جامع الناقة (اعادة بناء 1610) جامع شايب العين (1699) جامع أحمد باشا (1738) جامع قرجي (1834) . وشيدت مجموعة من المدارس ؛ مدرسة عثمان باشا (1654) مدرسة جامع ميزران (خارج المدينة 1880) مدرسة الفنون والصنائع (1898).
    
وفي مجال العمارة المدنية أقيمت مجموعة من المنشآت ؛ فنادق ، أسواق ، حمامات ، مدارس ، مستشفيات ، قصور وبيوت مميزة، وستحدتث شوارع خارج أسوار المدينة وزودت طرابلس بالمياه العذبة وأقيمت الأسبلة.
    
وأهتم الولاة بتحصين المدينة فأنشاوا الحصون والقلاع والأبراج ودعموا الأسوار ،وأولوا عناية كبيرة بقلعة طرابلس ( السرايا الحمراء) التي كانت مقرا لهم ومنها يديرون شؤون الولاية.
     وفى أواخر القرن التاسع عشر استحدتث خارج أسوار المدينة بعض الشوارع والأحياء (بلخير ، ميزران ).

طرابلس في ظل الاحتلال الايطالي:-
في اليوم السابع من شهر أكتوبر 1911وطأت أقدام الجنود الايطاليون مدينة طرابلس ووقعت تحت الاحتلال الايطالي الذي استمر حتى سنة 1943 . واثر الاحتلال قام الايطاليون بتهديم معظم أسوار المدينة ، وأنشاوا سورا عرف باسم ( الكردون ) حول المنطقة المحيطة بمدينة طرابلس ، يمتد من باب قرقارش ( الحمامجى سابقا ) الى باب العزيزية ثم باب عكارة فباب بن غشير ثم باب تاجوراء لينتهى عند أبي ستة لحماية أنفسهم ضد هجمات المجاهدين الليبيين . وأزال الايطاليون عددا من المعالم العربية التى كانت تحيط بالقوس الروماني ليعطوا له حرما ويبرزوا التواجد الروماني بالمدينة . وفتحوا طريقا عبر القلعة بعد ازالة جزءا من مبانيها ليربط بين الميناء بالمنطقة المحيطة باسوار المدينة، وقاموا باستحدات بعض الشوارع والمباني وأجروا تحويرات بدار البارود والتى هيات بتصميم وضعه المعماري دي فاوستو لتكون سوقا للصناعات التقليدية المحلية.
    
عاش أهل طرابلس داخل أسوارالمدينة القديمة ، ومارسوا كافة الأنشطة الاقتصادية خاصة التجارة ، اذ تمتعت بموقع جغرافي متميز وبمرفأ مكنها من أن تكون من أهم المدن التجارية فى البحر الابيض المتوسط وحلقة وصل مع مدن ما وراء الصحراء ، وأرتبطت مع الكثير من مراكزالتجارة كغدامس ،غات ، مرزق وغيرها بطرق سهل لها الوصول الى المدن التجارية فيما وراء الصحراء . وحفلت طرابلس بمجموعة من من المنشآت التى ساهمت فى أثراء التجارة كالاسواق والفنادق والوكالات التجارية وأماكن للحرف والصناعات المتنوعة ، فكانت طرابلس تجمع تحف البر والبحور. وأمتلك أهلها البساتين التى كانت تحيط بالمدينة والمعروفة باسم المنشية ، وكانت تزود المدينة بمختلف الخضروات والفواكه ، كما كانت متنفسا لهم وأماكن ترفيه تدخل البهجة الى النفوس.
    
كانت تعقد خارج المدينة سوقان أسبوعيان ، هما سوق الثلاثاء وسوق الجمعة وهما من أهم الاسواق التجارية فى ليبيا .يعقد السوق الأول يوم الثلاثاء من كل أسبوع وكان فى العهد العثماني يعقد فى المنطقة المعروفة الآن بمنطقة الغزالة  ، وهو سوق متنوع يأتى اليه الناس من المدن والقرى القريبة من طرابلس  ولم ينعقد هذا السوق فى مكانه فى فترة الاحتلال الايطالى اذ أستغل الموقع فى تنفيذ مشاريع لصالح المستعمرين . وبعد سنة 1920 دبت الحياة فى الأسواق وأمام ذلك أضطرت السلطات البلدية بتخصيص أماكن غير دائمة لاقامة الأسواق ، فكان سوق الخضروات ينعقد تحت أسوار المدينة والى جانبها سوق فى العراء لبيع الطيور والأرانب وغيرها. وكانت الأسواق تنقل من مكان الى أخر دون استقرار أو نظام حتى فى فترة الانتداب البريطاني وما بعده . ومن أهم الاماكن التى شغلها سوق الثلاثاء كانت منطقة العيون (برج الفاتح وما حوله الآن ) ونظرا للتطور العمراني لطرابلس فقد نقل السوق مرة أخرى الى المنطقة المعروفة بسوق الثلاثاء الجديد فى ستينيات القرن العشرين واستمر يؤدى وظيفته الى أن شملت المنطقة أعمال التطويرفأزيلت مبانيه السنة الماضية لتكون منطقته جزءا من الحزام الأخضر الذى سيطوق مدينة طرابلس .

المخطط التاريخي لطرابلس :-
أشار الكثير من المؤرخين والآثريين أن مخطط مدينة طرابلس يعود الى الفترة الرومانية  ، وأن قوس ماركوس أوريليوس هو ملتقى الشارعين الرئيسيين بها ( الكاردو والديكومانوس ) . ان المتمعن فى المخطط التارخي للمدينة يلاحظ اختفاء سيمات التخطيط الروماني فيها  وبوضوح الملامح العربية الاسلامية فى مخططها فتوزعت المساجد الجامعة بها والتى بالقرب من كل واد منها مسجدين أو ثلاثة لأداء صلاة الأوقات . في حين تعددت المساجد الجامعة فى منطقة الأسواق لاكتظاظها بالناس. 
    
تميز مخطط طرابلس بوجود طريقين عرضين وطريقين طوليين وتتداخل معهم شبكة من الطرق الفرعية لتربط أطراف المدينة بعضها ببعض . وقد وصف الكثير من الرحالة شوارع مدينة طرابلس ومنهم التجاني (1308م.) الذى قال :- "فلم أر أكثر منها نظافة ولا أحسن اتساعا واستقامة ، وذلك أن أكثرها تخترق المدينة طولا وعرضا من أولها الى أخرها على هيئة شطرنجية". ومما يلاحظ على المخطط أن منطقة الأسواق بالمدينة تخلو أو تكاد من البيوت ، وان وجدت فانها تنزوى فى الأزقة المتفرعة من الأسواق.

ساهم المخطط العام للمدينة فى اكساب شوارعها الظل الذى يحتاجه أهلها فى فترات فصل الصيف القائضة ، فيمكنهم اختراق العديد من شوارعها دون أن تلفحهم حرارة الشمس ويعود ذلك الى أزورار الشمس عنها كما أن معظم مبانيها تتكون من طابقين فتنكسر ظلالها لتغطى الشوارع اضافة الى ما تميزت به المدينة من كثرة العقود التى دعمت المبانى وألقت الظل بالشوارع . وساهمت الساباطات فى توفير الظلال ووفرت مساحة للبيوت ونسمات تنساب من خلال الشبابيك التى تفتح على جهتى الشارع.

سوق الترك في فترة الاحتلال الايطالي
ساباط في مدينة طرابلس

كما غطيت بعض الشوارع والمحلات بانواع من المظلات ، وكانت بعض الأسواق مسقوفة كسوقي الربع واللفة.

أعطى أهل طرابلس لمدينتهم نوعا من الاخضرار ليكون مع جدران المبانى  البيضاء تناغما محببا للنفوس فأقاموا العرائش التى ترتكز عليها الكروم مع تناثر فى أرجاء المدينة لأشجار الفل والياسمين فأعطـت للشوارع شكلا ومنظرا أخاذا ورائحة فواحة.

احدى العرائش بطرابلس

عريشة بطرابلس

         أما خارج المدينة فى البساتين فقد استظل اهلها بالنخيل والتي بجريدها الأخضر المقوس وبعراجينها في فترة نضوج ثمارها مع خليفة لأشجار الزيتون والبرتقال والليمون والرمان وغيرها  وأرضية صفراء ممزوجة باحمرار والتى تخترقها جداول المياه الرقراقة التى تنساب من حوض بئر تقليدي ( أبوجناحين) لتشكل هذه المناظر لوحة تشكيلية أبدعتها الأيدي السمراء. 
    
لقد فضل أهل طرابلس لطلاء واجهات بيوتهم ومحلاتهم اللون الأبيض الذى كان مع شعاع الشمس يغشى الأبصارفعرفت طرابلس فى العصور الوسطى بالمدينة البيضاء . أمتا اللون المحبب لهم لطلاء الأبواب والنوافذ والمشغولات الخشبية والحديدية فكان اللون الأخضر الداكن ولتكتمل اللوحة فينبهر زوارها مع نظافة ثياب أهلها وأعراضهم وكرم ضيافتهم وفى ذلك يقول الشاعر:-

لأهــل طرابلس عــادة        من البر تنسي الغريب الحميما
حللت بها مكرها ثم اذا        أقمت بـهـا أبدلوا الـهـاء ميـما

باب بمدينة طرابلس


الاثنين، نوفمبر 15، 2010


تهنئة
بمناسبة حلول عيد الأضحى المبارك للعام 1431 هجرية، تتقدم (مدونة الميراث) بأحر التهاني، إلى الأمة الإسلامية، سائلين المولى عز وجل، أن يعيده علينا بالخير واليمن والبركة.



مشرف المدونة

الاثنين، نوفمبر 08، 2010

البحث العلمي وواقع العمارة العربية المعاصرة




كيفية الخروج بالبحث للتفعيل؟[1]



جمال الهمالي اللافي

أضحت العمارة العربية المعاصرة تعاني من خلل في المنتوج المعماري، ناتج عن انصراف البحث العلمي الأكاديمي عن التعاطي مع واقع المجتمع وظروفه وتطلعاته، كذلك غياب المنهجية في الطرح، والتي تتناول الإشكاليات المعاصرة التي تواجه مجتمعاتنا العربية والإسلامية، والممثلة في توفير بيئة عمرانية ومعمارية صحية، تتوفر فيها جميع المعايير التخطيطية والاعتبارات الإنسانية والخدمات الأساسية. وهو ما يدفعنا إلى طرح هذا التساؤل:
لماذا تصدعت أركان العلاقة بين البحث العلمي الأكاديمي والممارسة المهنية في مجالات العمارة والتخطيط العمراني، مما ترتب عنه إنتاج عمارة معاصرة تتعالى عن هموم المجتمع، وتتعامى عن مشكلاته، ولا تواكب تطلعاته؟ وما هي الأسباب التي أسهمت في تعميق هذه الفجوة بين البحث العلمي الأكاديمي، وواقع العمارة العربية المعاصرة. أي بين النظرية وتطبيقاتها؟

قضية شائكة يصعب الإجابة عن حيثياتها باتفاق غالبية إن لم نقل كل من اهتمّ بمسألة البحث العلمي بمختلف تفرعاته وتشعباته، وشغل باله وقضّ مضجعه ما آلت إليه حالة التعليم المعماري، وفي الحالتين لن نختلف مع أحد في أن هناك خللا ما في مجال البحث العلمي في العالم العربي، أسهم بطريقة أو أخرى في نقوص التجربة البحثية وخروجها عن أهدافها المرجوة والمتوقعة منها. الأمر الذي يحدونا لطرح هذه القضية الهامة والمؤثرة في سير المجتمعات الطامحة للرقي والنهضة العلمية، على مائدة الحوار لتكون قضية للنقاش.

وحقيقة الإشكالية والتي أضحت أزمة مستعصية تعاني منها غالبية البلدان العربية، ليست أزمة بحث علمي مشتت الذهن بين النظرية والتطبيق، ولكنها على حسب تقديري في جوهرها تمثل أزمة في الأخلاق والولاء والانتماء وغياب الهدف المشترك الذي يجتمع عليه أبناء الأمة الواحدة أو الوطن الواحد، وهي مشكلة تتعلق بالتربية السلوكية التي يغيب عنها فقه المعاملات والتعاملات والفهم الصحيح لرسالة الإنسان على هذه الأرض. ويشترك في تحمل هذه المسئولية البيت والمجتمع ثم الدولة.

وبالتالي فنحن نتحدث هنا عن:
§   غياب الوازع الديني والأخلاقي وغياب القيم الأخلاقية المبنية على أسس سليمة، التي تربي في الأجيال الإحساس بالمسئولية تجاه أمتهم وتحفزهم على روح البذل والعطاء والتضحية والإيثار.
§   غياب التربية التي تجعل للأجيال رسالة واضحة يسمو بها الفرد لنيل رضا الله سبحانه وتعالى في الدنيا والآخرة، وقضية يعملون لأجلها ويسخّرون كل طاقاتهم الإبداعية لتحقيقها... رسالة ذاتية تشبع لدى كل فرد إحساسه بقيمته ودوره كعنصر فاعل في الحياة وأنه ليس مجرد رقم في إحصاءات التعداد العام للسكان.
§   غياب المعنى من وجود الإنسان في هذه الحياة والغاية من كل أمر يقوم به الفرد، وهي رسالة أخرى عامة تعمق إحساسه بأنه جزء لا يتجزأ من كيان أكبر هو مجتمعه وأمته، تقصيره في تحمل مسئولية قيادتها سيجعلها بالتالي عرضة للعواصف والتيارات وتلاطم الأمواج والرياح العاتية.
§   غياب الخطط الإستراتيجية لدى أفراد المجتمع ومؤسساته، التي تحدد أبعاد ما يقومون به وكيف يؤذونه على أكمل وجه.

وكلها أسباب للكثير من الأخطاء والتجاوزات والتقصير والإهمال والتسيب وربما كانت سببا في الكثير من المآسي التي تعاني منها أمتنا العربية تحديدا.

وسأطرح هنا بعضاً من الأمثلة عن القصور الأخلاقي بالنسبة للباحثين من واقع تجربتين عاصرتهما/
1.  مهندساً تبنته مؤسسة تعنى بالحفاظ على المباني التاريخية، صرفت عليه الدولة ليصبح المتخصص الوحيد في مجاله الناذر على مستوى الدولة وهو " ترميم المباني التاريخية" تطلب منه مؤسسته بعد عودته أن يباشر في تقديم إسهامه في حل المشاكل التي تواجهها هذه المؤسسة مع موضوع اختصاصها، فيتلكأ ويسوّف ويقدم الأعذار ويضع العراقيل وشروط التعجيز، ثم ينتقل لمجال التدريس بالجامعة لمادة عفا عنها الزمن بعد دخول تقنية الكمبيوتر.

2.  مهندساً آخر، بعد أن حضّر رسالته العليا في مجال آخر مفقود في مجتمعه، تقدم له مؤسسة خاصة فرصة الشراكة والعمل بها، وتقترح عليه الشروع في تقديم خبرته النظرية في هذا المجال من خلال تطبيقها على هذه المؤسسة، فيتمنع ويتسكع ويقدم الأعذار، ثم يلتحق بالجامعة ليقوم بتدريس مواد مختلفة لا يقع من ضمنها مجال اختصاصه الناذر.

واستعرض هنا أمثلة أخرى عن بعض أوجه القصور الأخلاقي للقائمين على إدارة إحدى المؤسسات التي تعنى بالحفاظ على المدن التاريخية /
1.  مهندسا حاصلا على رسالة الماجستير، تولى منصبا مهما ومؤثرا في هذه المؤسسة، يقترح عليه رئيسه الأعلى دعم البحوث والدراسات والمشاريع التي يقوم بها طلاب الجامعات والدراسات العليا،التي يكون تراث هذه المدينة موضوعها... فكان جوابه لا نريد أن نميز بين طلبة المشاريع المختلفة في الجامعات. مما تسبب في وأد هذا المقترح في مهده وحرمان هذه المؤسسة من فرص الاستفادة من كم البحوث التي كان متوقعا إنجازها في ظل توفر هذه الحوافز المادية والمعنوية.
كما حرص هذا المسؤول خلال فترة توليه مهامه على ركن جميع المقترحات والأفكار التي تستهدف الارتقاء بهذه المؤسسة في الرف بعد التهميش عليها بكلمة( يحفظ). ولولا تسرب هذه المقترحات عن طريق إدارة أخرى للمسؤول الأعلى لما تمّ تحقيق أي شئ يذكر.

2.  مهندسا آخر أتيحت له فرصة تولي قيادة تنفيذية بهذه المؤسسة- خلفا لمسؤول سابق- قام بإيقاف جميع نشاطات هذه المؤسسة وطرد كل الخبرات الهندسية التي كان لها إسهاماتها الجليلة في هذه المؤسسة، وعندما سأله أحد مدراء إحدى إدارات هذه المؤسسة عن السبب في تعطيل الكثير من الأعمال التنفيذية والبرامج العلمية، كانت إجابته باختصار:" حصلت من الدولة على سيارة وهاتف نقال، كل مكالماته على حسابها وأداوم في العمل متى شئت، فلماذا وجع الرأس".... مات ضمير واحد، فماتت معه كل الفرص المتاحة للإرتقاء بهذه المدينة العريقة.

كما أن الدولة تتحمل مسؤوليتها التاريخية من خلال مراقبتها لمنظومتين تقعان تحت مظلتها وهما:
مؤسسات الإعلام المختلفة والفضائيات التي تبثها أو تسمح ببثها على أقمارها أو تشترك في تمويلها والتي أسهمت بدور كبير في نشر القيم الهدامة التي تروج للفساد وحب الذات والخيانة على كافة المستويات، فتلقفتها الأجيال وتربت عليها، وأصبحت مع الزمن قيمة راسخة في وجدانهم، ماتت معها كل القيم الأخلاقية.

مؤسسات البحث العلمي المختلفة وهي مسؤولية أخرى تقع على عاتق الدولة مراقبتها أيضا وتتمثل في مجموعة من الخطوات التي تستدعي أخذها بعين الاعتبار والتحري عن أبعادها ومسبباتها وهي:
§        متابعة الباحث بعد إنجازه لرسالته وحصوله على الإجازة وبامتياز..... ماذا قدم بعدها؟
§   متابعة سير المكاتب الاستشارية التي تؤسسها الدولة لمواصلة تطبيق الدراسات والبحوث العلمية وتقديم خبراتها للمجتمع والدولة. والتي يقف عليها أناس أكاديميون، يفتقرون للأهلية الأخلاقية والعلمية. ويمارسون نشاطاتهم كأي مكتب استشاري روتيني. المهم الراتب المجزي والمكانة الاجتماعية المرموقة، والمصالح الخاصة التي تتحقق من خلال هذه المكاتب.
§        غياب الحوافز التشجيعية المادية والمعنوية ، يقف فيصلا في توجيه البحث العلمي نحو مساره الصحيح أو عرقلته.
§    تهاون القانون في محاسبة كل من يحاول عرقلة سير النهضة العلمية، كنتيجة طبيعية لإنعدام مصداقية أجهزة الرقابة الإدارية ونزاهة القائمين عليها.

والسؤال أخيرا:
كيف لنا أن نشجع البحث العلمي- في مجالات العمران- ليأخذ مساره الإبداعي في تبني مشاكل العصر التي تهم المسلم كفرد وككيان اجتماعي مترابط، لا ينفصم عراه، في ظل سلسلة من الإشكاليات المحيطة بالبحث العلمي في عالمنا العربي من حيث/
§   اتساع الفجوة بين النظرية والواقع المتردي للمدينة العربية المعاصرة ( عمرانيا ومعماريا واجتماعيا واقتصاديا وثقافيا وبيئيا).
§   كون المشاكل التي تعاني منها المدينة العربية المعاصرة ناتجة عن خلل في سياسات بعض الحكومات العربية، الأمر الذي سيضع منهجية أي بحث علمي أمام الكثير من المحاذير والصعاب.
§        مدى قابلية المؤسسات الرسمية للتعاطي مع النتائج المتوقع الوصول إليها من خلال البحوث العلمية.
§   مدى تباين وجهات النظر والتفكير والقناعات والرؤى بين أصحاب المهنة الواحدة والذين قد يشتركون في إعداد بحث علمي حول المنطلقات والأساليب والأدوات والنتائج، "وهي الأهم والأخطر".

الخلاصة/
من خلال مراجعة لإشكاليات البحث العلمي نجد أنها تحط رحالها في ثلاث محطات مهمة:

المحطة الأولى:
وهي من أهم الإشكاليات التي تواجه الباحث، تتعلق بالتوفيق بين المطلب المادي والمطلب العلمي... بين الأنا والمجتمع... بين المصلحة الشخصية والمصلحة العامة... بين حمل الرسالة أو حرقها.

المحطة الثانية:
تتمحوربين التعليم الأكاديمي والممارسة العملية... وهو ما يعني نقل الخبرات والتجارب لأجيال جديدة، ودعم المسيرة العلمية النظرية بالتجربة الميدانية، وهو ما تفتقر إليه جامعاتنا ومؤسساتنا العلمية.

أما المحطة الثالثة:
تتعلق بما يعتري جامعاتنا العربية والمراكز البحثية من خلل وقصور، ناجم بطبيعة الحال عن ممارسات إدارية خاطئة تعيق مسيرة البحث العلمي في وطننا العربي الكبير. وهو مكمن الداء.


التوصيات/
يمكننا أن نطرح هنا مجموعة من الخطوات التي أرى أنها قد تقود البحث للإجابة عن التساؤلات المطروحة:
1.   التركيز أكثر على البرامج التي تحث النشء على البحث العلمي والإبحار في فضاءاته المختلفة.
2.  أن يتناول البحث العلمي مشكلات حقيقية ترتبط بواقع المجتمع ويسهل تطبيق نتائجه.
3. أن يلتزم الباحث بالمنهج العلمي في التناول للمشكلة ومسبباتها وفي طرح الحلول.
4.  أن لا يقتصر عرض هذه البحوث ومناقشتها على اللجنة العلمية المشرفة على الباحث، ولكن يجب أن تقام ندوات علمية تجمع المختصين والمهتمين وذوي العلاقة بمجالات البحث المنجز، لمناقشة ما تمّ التوصل إليه، ومدى امكانية استثماره وتطبيقه على أرضية الواقع.
5.  دعوة المؤسسات الرسمية أو المكاتب الاستشارية المعمارية لتبنى هذه البحوث ودعمها والسعى لتطبيق نتائجها. وذلك:
·   بتوفير الأرضية السليمة وتذليل الصعاب التي تساعد الباحث على تطبيق نتائح بحوثه ودراساته من قبل الجهات الإدارية وضمان التزامه من قبل الجهات الرقابية.
·       أن يكون هناك تواصل مباشر ومستمر بين الباحث( النظرية) والمعماري( الممارسة المهنية).
6.  أن تتبنى الدولة طباعة هذه البحوث، لتعميم فائدتها العلمية على ذوي الاختصاص.




[1] - تم طرح هذا الموضوع للنقاش على صفحات ملتقى المهندسين العرب تحت نفس العنوان، وهذه خلاصة مشاركتي فيها، مع التصرف والإضافة.

المواضيع الأكثر مشاهدة

بحث هذه المدونة الإلكترونية