أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

{فأما الزَّبد فيذهب جُفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض}- سورة الرعد، الآية 17

السبت، نوفمبر 26، 2011

مجالات التصميم... بين الفصل والإدماج


جمال الهمالي اللافي


          التصميم الداخلي، تنسيق المواقع، عناصر التأثيث" التصميم الصناعي”، جميعها ولدت من رحم العمارة، وهي تعتبر من المجالات التي يمكننا من خلال تكاملها مع التصميم المعماري إثبات نجاح أي عملية تصميمية لمبنى ما، من فشله، وجدواه، من عدمه.، باعتبار أنها مراحل متلازمة ومتتالية، تجري في عقل المصمم وتتم في سرعة وتداخل، منطلقة من فهم المصمم نفسه لمتطلبات العملية التصميمية واعتباراتها( الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والبيئية)، والتي تخضع كل مرحلة فيها للأخرى في عملية تبادلية، تستهدف تحقيق تكامل الشكل النهائي للمبنى بين الداخل والخارج وعلاقتها بعناصر التأثيث والتشطيب، والتأثير الوظيفي والنفسي والجمالي لكل ما يقوم به من عمليات متداخلة على المستعملين للمبنى.

          كما أنها تمثل جميعها المرحلة التالية لمرحلة تنفيذ هيكل المبنى، وهو ما يطلق عليه“ مرحلة التشطيبات“. ولاشك أننا نتفق جميعنا على أن المبنى لا يعتبر منجزاً في حالة عدم استكماله لمرحلة التشطيبات، وبالتالي فهو غير قابل للإستعمال الإنساني.
في هذا البيت الريفي، تم مراعاة روح البيئة في التصميم المعماري والداخلي وفي تنسيق البيت باستخدام المواد الطبيعية والمفردات المحلية البسيطة

      والإشكالية التي وقع فيها التعليم الأكاديمي المعاصر، أنه فصم عروة هذا الترابط بين هذه المراحل التصميمية وحولها إلى مجموعة من التخصصات الدقيقة، بحجة الارتقاء بنظم التعليم وجعلها أكثر أداء وكفاءة. فأصبح بذلك مجال" العمارة" جزءاً مستقلاً بذاته ومنفصلاً تماماً ومرتبطاً بالمجالات الهندسية، وقسما ضمن أقسام كليات الهندسة، بينما اعتبر" التصميم الداخلي" جزءا لا يتجزأ من الفنون الجميلة، وأضحى بذلك قسماً من أقسام كليات الفنون الجميلة، كما اعتبر" تنسيق المواقع" جزءا من اختصاصات الهندسة الزراعية، وقسماً من أقسام كليات الزراعة تحت مسمى" قسم البستنة"، أمّا " التصميم الصناعي" فقد أسقط من حسابات مجالات التعليم العالي في بلادنا.

وقد انعكست نتائج هذا التقسيم التخصصي على القدرة الاستيعابية لممارسي هذه المهن، خلق تضارباً في اتجاهاتهم التصميمية واختلافاً في طرق تفكيرهم وأساليب تعاملهم مع المبنى الواحد، وأدّى في النهاية إلى إحداث قصور في العملية التصميمية بمراحلها المختلفة، نتج عنه تناقضاً بين الشكل العام للمبنى الخارجي وتفاصيله الداخلية وعناصر تأثيثه، وكانت حصيلته مبنى واحدا يتحدث بلغات عدة، مبنى تغيب عنه الهوية ويفتقر للوضوح والانسجام. فلم نجن من وراء هذا التخصيص الدقيق غير التعمق في الجهل والقصور في التطبيق.

كل هذه التناقضات التي يلامسها الواقع، دائما ما يدفع ثمنها غالياً مالك المشروع والمجتمع. وتنعكس نتائجها سلباً على المحصلة النهائية لناتج العمارة العربية المعاصرة.

والدعوة ملحة لإعادة التوفيق بين هذه التخصصات ورأب الصدع بينها من خلال إعادة دمجها جميعا- على نطاق أوسع من مجرد كونها مواد عابرة تدرّس ضمن منهج كل قسم من هذه الأقسام المتناثرة بين كليات مختلفة في منطلقاتها وتوجهاتها وأهدافها التعليمية ومخرجاتها النهائية- وذلك تحت إطار واحد هو كلية العمارة وتخطيط المدن. يؤسس منهجها التعليمي على الجمع بين التنظير والتطبيق، وبين البحث العلمي والممارسة الميدانية.

هذا الدمج لآليات التخطيط والتصميم المتنوعة والمرتبطة معا، لن يمنع خريجي هذه الكلية، من اكتشاف ميولهم الطبيعية والمختلفة، بين من يرى نفسه في مجالات تخطيط المدن ومن يميل للتصميم المعماري ومن يستهويه التصميم الداخلي ومن ينجذب لتنسيق المواقع، مع احتفاظ الجميع بالقدر الكافي من الإستيعاب لباقى العمليات التصميمية، التي ستشتغل ضمنيا في عقله عند قيامه بمهمته في إطار عمله منفردا أو ضمن مجموعة من المصممين، الذين سوف يجمعهم الانسجام والتوافق التام وتربطهم لغة مشتركة واحدة. تنعكس نتائجها إيجاباً على مرافق المدينة وتفاصيلها. وهو المنشود من عملية إعادة الدمج.

مدرسة الباوهاوس الألمانية، أول المدارس المعمارية المعاصرة التي اعتمدت مبدأ الإدماج بين مجالات التصميم المختلفة والحرف الفنية وخطوط الانتاج وقدمت أعمالاً لازالت تلهم الكثير من المصممين رغم مرور 90 سنة على تأسيسها.
وهذا لا يعني بطبيعة الحال تكدس الطلاب داخل كلية واحدة، ولكنها دعوة لتعدد المدارس المعمارية وانتشارها على أسس علمية ومنهجية وفكرية في ربوع المدن، لاستيعاب الطاقات المبدعة وتحويلها لعناصر فاعلة ومؤثرة في رسم صورة مدننا العربية المعاصرة، أسوة بما حققته الأجيال السابقة من منجزات عمرانية ومعمارية جمعت بين الأصالة والإبداع، حفرت لها سجلا في التاريخ تتدارسه الأجيال المتعاقبة.

هناك 4 تعليقات:

  1. عمل رائع جدااا...بالتوفيق.

    ردحذف
  2. I blog frequently and I truly appreciate your content.
    Your article has really peaked my interest. I'm going to take a note of your blog and keep checking for new details
    about once per week. I opted in for your Feed as well.



    Take a look at my website :: total audio mp3 converter chomikuj

    ردحذف
  3. Hey! This is kind of off topic but I need some
    help from an established blog. Is it very difficult to set up your own blog?

    I'm not very techincal but I can figure things out pretty
    fast. I'm thinking about creating my own but I'm not sure where to start.
    Do you have any ideas or suggestions? Thanks

    Also visit my website - accounting questions and answers pdf free

    ردحذف

المواضيع الأكثر مشاهدة

بحث هذه المدونة الإلكترونية