أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

{فأما الزَّبد فيذهب جُفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض}- سورة الرعد، الآية 17

الجمعة، مارس 30، 2012

بين المرافق السياحية والمشاريع الإسكانية... اختلاف كبير




قرية سياحية في تونس


جمال الهمالي اللافي

ما يزعجني أن ارى اهتمام الدولة بالعمارة المحلية ينصب على المرافق السياحية لاستهداف السواح الأجانب، بينما يحظى المواطنين في الدول العربية بأكواخ الصفيح وفي أحسن الأحوال بشقة في نموذج لعمارة متكررة لا لون لها ولا طعم ولا رائحة.

فالدولة تتعامل مع المواطن على أنه عبء وليس قيمة، بينما تنظر للسائح على أنه قيمة وليس مجرد مصدر إضافي للدخل القومي.

وإلاّ ما الذي يمنع من إقامة مجاورات سكنية تعتمد نفس بساطة هذه القرى السياحية وجمالياتها ليسكنها المواطنون وفي نفس الوقت يزورها السياح ويتفاعلون مع سكانها، بنفس الطريقة التي تحدث في المدن القديمة.

هناك رغبة حقيقية في عزل السكان الأصليين في بيئات حقيرة، تفتقر لأبسط الخدمات، والتركيز أكثر على السائح الأجنبي وخصوصا الغربي، وتسخير المواطن لخدمته وتوفير أقصى أسباب الراحة له.
مشاريع الإسكان الشعبي في العالم العربي، نموذج لعمارات متكررة، فاقدة للهوية

هذا ما يمكن تسميته عبودية السياحة، والتي تقابلها عبودية الوظيفة، ومعرفة معنى الثانية تسهل على الجميع فهم المغزى من الأولى.

وما يزعجني أكثر، ما أرى، أن الدولة تمنح لهذا المستثمر أن يستثمر بقوة في السياحة وتمنع عن آخر أن يستثمر بنفس القوة في قطاع الإسكان الشعبي، بل أن القوانين تمنعه من ذلك وتجعل حق إقامة الإسكان الشعبي للدولة دون غيرها.

عند زياراتي لتونس والمغرب، شاهدت أن الدولة عندما تكفلت ببناء مساكن لعامة الشعب، كيف نفذتها على شكل عمارات سكنية تحمل نفس الطابع وبنفس الكآبة التي تحملها عماراتنا في ليبيا. وعندما شاهدت مجموعة من القرى السياحية وجدتها تحمل روحاً مغاربية اعتمدت البساطة في التصميم والإبداع في التوزيع والتنسيق.
عندما يصبح السائح محور اهتمام الحكومات العربية، تجند له كل الامكانات

تصوروا معي، عائلة كانت تسكن في كوخ من الصفيح، وأرادت الدولة أن تمنحها مسكنا، فما هو أقصى شئ يتمناه من عاش في هذه الأكواخ؟

بين العيش في قرى الصفيح والخدمة في القرى السياحية مفارقة كبيرة
لا شك أنه يحلم بحجرة لها سقفاً لا تتسرب مياه الأمطار عبره. وجدارناً تحميه من برد الشتاء. وحمّاماً نظيفاً لا تتسرب فضلاته إلى الطريق العام وتلوث بيئتهم. ومطبخاً بسيطا للطهي وحجرة لنوم العائلة بأكملها. ولنقم معاً بعملية حسابية لتكلفة مثل هذه المشاريع، لو نفدت على نفس النمط التخطيطي للقرى السياحية. 

أظنها ستمثل لسكان الصفيح الجنة الموعودة، بالمقارنة بإسكانهم في عمارات مزدحمة بالسكان وعلى ارتفاع 14 دور.

ما ينقص المواطن العربي ليس المأوى، بل الإحساس بكرامته، وأنه ليس مجرد رقم ثقيل الظل على حكومته الموقرة.



صور القرية السياحية في تونس من أرشيف المعماري/ ظافر الحميدي.

هناك 12 تعليقًا:

  1. مؤكد انه لا يوجد مانع من تصميم مساكن شعبية جميلة ولكن القصة ليست قصة مانع – حسب رأيي – بل قصة أسلوب تفكير وعقلية ... باعتبار العمارة وكل منجز مادي هو اسقاط لثقافة المجتمع وشخصيته فكل منجز مادي وكل قرار يطال الجماعة يصدر منها للأفراد او من الأفراد لها هو رهين بالعقلية التي تحكمهم.. وهذه عقلية لا تصنعها حكومة او نظام حكم ، بل تصنعها التربية وتلي قرار الجماعة الواعي بالسعي نحو التغيير ، فكما يقول سبحانه وهو العزيز القدير انه لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم .
    وهذه العقلية صنعتها ثقافة المجتمع والقيم التربوية التي تداولها والقيم الاجتماعية التي يتفق عليها ويتبناها ، والتبني من خلال الممارسة لا من خلال الشعارات ، فلا يخفى علينا ما نحن فيه من ازدواجية بين ما نقول وما نفعل ، فكل زوجة تحدثك عن حسن التبعل وعلاقة النظافة بالتحضر والإيمان ثم انظر لها كيف تعيش في بيتها لتقف على حجم المفارقة بين ما نقول وما نفعل ، الزوجة هي السكن ، وهي تربي زوجها من خلال اهتمامها بنفسها فقط بالنظافة والترتيب ودون تكلف ، ومن ثم يختزن هو هذه الصورة ليسقطها في المسكن ولكنه للأسف يسقط لنا قراءة بصرية أخرى فكما تهمل هي مظهرها أمام الأقارب وأمامه هو شخصيا بشكل يومي ثم فجأة تستعرض زينتها وعطورها أمام الحاضرات في فرح او مناسبة ، يهمل هو رعاياه ( أولاده او موظفي ادارته او المستفيدين من خدمة وزارته )، وبنفس اللغة التي تربي بها الزوج تربي بها الابن ، فكلما صرخت به / (( نوض لم دارك ، توا يجونا الناس البرانية ويضحكوا عليك ))، وكأن النظام والجمال رهين بوجود أخر غريب ، هي هنا تؤصل لقيم كثيرة من حيث لا تدري وتنتج لنا مواطن مهمل يرضى لنفسه القبح ولا يتجمل الا لخوفه من التعيير ، بل هي تفعل من حيث تدري عندما تقول لبنتها صراحة / (( تعالي تعلمي الطبخ عشان بكرة لما تجي عند ناس برانية ما يضحكوش عليك )) ، هل كان صعبا ان تقول لها تعالي تعلمي لان المعرفة نور وقوة ولأنك ستكونين مستقلة وقادرة على خدمة نفسك والناس بدل ان تكوني إتكالية ، كانت ستعلمها قيم اخرى ستنفعها ، صحيح العمل واحد ولكن فرق النوايا هو المعيار فكما يعلمنا محمد عليه الصلاة والسلام ان الاعمال بالنيات وان لكل امرئ ما نوى ، لا يتعلم أبناءنا تقديرا للمعرفة بل لأجل شهادة من أخر (جماعة او مؤسسة ) بأنه يعرف ، وهو عموما بهذا يقر على نفسه بانه لا يعرف كيف يعرف وهذا الأهم في المعرفة ، ونتفق بشكل لا إرادي حول هذه السلوكيات بمجرد ان لا نقف عندها ونستنكرها ، لأنها داء يتسلل في طيات الفكر الجماعي ليلبس الحق والباطل ببعض .
    ثم سأقدم قراءة معمارية أخرى توضح العقلية الليبية وما تسقطه في عمرانها وعمارتها من قيم بصرية تشي بقيمها وفلسفتها ومنها مثلا الصالون ( المربوعة )، مساحتها ومستوى العناية بها وكذلك (دار المقعد ) او حجرة السيدات ، قارنهما ببقية البيت ، الليبية تحرم نفسها من الرعاية الصحية التي ستحظى بها في مستشفى خاص لتوفر المبلغ وتشتري بها حلويات تقدمها لضيفاتها في أسبوع المولود ، وزوجها يقيم وليمة فيشتري اللحم لضيوفه وحدهم دون أهل داره ، هي فقدت الأمل من تقديره لذا تهمله وهو فقد الأمل من تقديرها لذا يهملها ، والابناء يرثون عنهما الإهمال والاهتمام بالغريب وحده ، ويختلف الجميع حول كل شيء ويتفقون فقط في خوفهم من الغريب وليس احترامهم له .. والليبي مساحة صالونه تعادل اربع غرف مجتمعة ولا يستعمله الا كل ثلاثة اشهر ليستقبل ضيفان على الأكثر ، بينما يكدس بناته الست في غرفة واحدة وعادة هي اصغر غرف المنزل اما ابناءه الذكور فينفضهم عن فرشهم ليوقظهم من نومهم ويخلي المربوعة لان ضيف زاره وعندما تناقشه في حجم مربوعته يقول (نحب الوسع ) ، ولأجل (وسع ) قد يحتاجه كل عامين مرة يضيق على أبناءه طوال العمر ... ولمشاكل فكرية أخرى ليست موضوع حديثنا الان ينسى ان مساحة بيته محدودة وان اتساع جزء سبب ضيق أخر. وحتى عندما يقتنع بهذا – وهذا نادرا ما يحدث رغم ما فيه من بداهة – سيعطي قسم الضيوف أولوية عن قسم المعيشة .
    ينسى الليبي في جريه وراء إرضاء الناس - الذي هو أصل التشريع السلوكي للفرد والجماعة في ليبيا وبالتالي معيار الكفاءة الاجتماعية – ينسى رضا ربه ورضا ضميره ، ينسى أن الأقربون أولى بالمعروف ، وخيرنا خيرنا لأهله ، وحسب احدنا من الشر ان يضيع من يعول ، كما علمنا حبيبنا ومربينا عليه الصلاة والسلام .
    شكرا أستاذ جمال لقلبك المبصر وقلمك المضيء الذي يلمس أرواحنا ويبوح معنا بجروحنا ، شكرا ، وألف شكر ..

    ردحذف
  2. وبدوري أشكرك أختي الفاضلة،مهندسة وفاء الحسين، على إثرائك لهذه التأملات بمشاركة تستقرئ جوانب تربوية اسهمت بطريقة أو أخرى في الصياغة السلبية للعقلية المجتمعية والتي انتقلت من الفرد إلى المجموع ومن المواطن إلى المسؤول، الذي هو في النهاية ابن بيئته ونتاج تربية وثقافة مجتمعه, والذي تحول من رعية إلى راعي فلم يجد ما يقدمه غير ما تربى عليه وتأصل في وجدانه من قيم وممارسات، سيطرت في النهاية على قراراته السيادية وأحالتنا لما نحن عليه من تردي.

    هي حلقة مفرغة ورحى يطحن أحلامنا جميعا بالعيش الكريم في بيئة صالحة.

    تعلمنا في المدرسة المعمارية أن البيت ينشأ متأثرا بمصممه، وبعدها يعود هو ليؤثر في ساكنه. فربما يمكننا أن نغير من خلال إعادة النظر في التصميمات المعمارية والداخلية التي تقدم للمواطنين، ونفرض كمعماريين ومصممين داخليين نمطا جديداً يحسن التعاطي مع احتياجات كل فرد من أفراد الأسرة الليبية وبطريقة تجعله يعيش حياته الطبيعية السوية، سواء كان لوحده أو مع ضيوفه.

    أكرر شكري وتقديري لك مهندسة كريمة الحسين على هذه الإضافة القيمة.

    ردحذف
  3. السلام عليكم
    فعلا الموضوع ويلمس ارواحنا و يدفعنا تخيل المستقبل رائع لليبيا وانا اتفق مع الاخت وفاء في ان العقلية السلبية التي نعيش بها ولكن لا الوم فرد دون الاخر علي هذا فكل افراد المجتمع مسؤلون علي ذلك.علي سبيل المثل اذكر جاءني رجل يريد تصميم مسكن وكان يريد منطقة الضيوف مفتوحة (open space)بمساحات هائله اعتقد حينها ان الزوجة هي التي تريد ذلك حولت اقناعه بدون فائدةوعندما تكلمت مع الزوجة لمحاولة اقناعها اكتشفت ان الزوجة لا علم لها بهذه الافكار وطلبت مني ان تكون منطقة الضيوف مغلقة بمساحات معقوله. نعم نحتاج ان تكثف الجهود من اجل تغير صورة المواطن لدى الدوله واعطائه حقه الحقيقي شكرا استاذ جمال علي موضيعك الرائع وشموعك المضياء التي تسهم في اضائة افكرنا

    ردحذف
  4. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته أخي Ame

    بداية أشكرك على كلماتك الطيبة التي سطرتها بحقي.

    أتفق معك أخي الكريم على أهمية تكاثف الجهود أولا بين جميع المعماريين وذلك بتكثيف الحوارات وتبادل الخبرات والأفكار من خلال تنظيم سلسلة متواصلة من اللقاءات عبر ورش العمل وحلقات النقاش والندوات والمؤتمرات والمحاضرات العامة. والانتقال بعدها لمرحلة تكوين رؤية مشتركة عامة لكيفية توعية الدولة والمجتمع على حد سواء.

    فنحن كمعماريين ومعماريات ليبيين لا يمكننا إقناع المجتمع إذا كنا غير متفقين على مجموعة من الأساسيات والمبادئ العامة التي يفترض أن تشكل حالة وعي نريد تحقيقها لمجتمعنا الليبي.

    ردحذف
  5. With havin so much written content do you ever run into any issues
    of plagorism or copyright violation? My
    blog has a lot of exclusive content I've either created myself or outsourced but it appears a lot of it is popping it up all over the internet without my authorization. Do you know any solutions to help protect against content from being stolen? I'd certainly appreciate it.


    Have a look at my blog post; causes of back pain

    ردحذف
  6. Have you ever thought about publishing an e-book or guest
    authoring on other websites? I have a blog based upon on
    the same ideas you discuss and would love to have you share
    some stories/information. I know my audience would enjoy
    your work. If you are even remotely interested,
    feel free to shoot me an e-mail.

    Look at my web-site :: causes of back pain

    ردحذف
  7. For most recent news you have to pay a quick visit internet and on world-wide-web I found this site as a most excellent
    site for hottest updates.

    My webpage - good gaming laptops

    ردحذف
  8. I'm really enjoying the design and layout of your blog.
    It's a very easy on the eyes which makes it much more pleasant for me to come here and visit
    more often. Did you hire out a developer to create your theme?
    Outstanding work!

    Also visit my web page: tapered jeans

    ردحذف
  9. Greetings! I know this is kinda off topic however I'd figured I'd ask.
    Would you be interested in trading links or maybe guest authoring a blog post or vice-versa?
    My site covers a lot of the same topics as yours and
    I believe we could greatly benefit from each other.
    If you happen to be interested feel free to send me
    an email. I look forward to hearing from you! Excellent blog by the way!


    Here is my web-site garcinia cambogia

    ردحذف
  10. Saved as a favorite, I love your site!

    My web blog - 3gp video converter free download full version

    ردحذف
  11. سؤالي هو لماذا لا يتم الاهتمام بالعمارة المحلية وتكون مقرر بقسم العمارة والتخطيط العمراني

    ردحذف
    الردود
    1. بارك الله فيك أخي مهند على سؤالك. وحسب معلوماتي، هناك مادة اختيارية في قسم العمارة والتخطيط العمراني بكلية الهندسة جامعة طرابلس، تحت مسمى (العمارة المحلية) تعطيها الدكتورة عائشة المنصوري. كذلك تتبنى الدكتورة أروى المسعودي أستاذة تاريخ العمارة بقسم العمارة بجامعة طرابلس الأهلية استضافة المتخصصين في مجالات العمارة المحلية لتقديم محاضراتهم بالخصوص، إلى جانب تنظيم زيارات للمدينة القديمة رفقة مجموعة من المتخصصين لتكون كمحاضرات ميدانية.

      حذف

المواضيع الأكثر مشاهدة

بحث هذه المدونة الإلكترونية