أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

{فأما الزَّبد فيذهب جُفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض}- سورة الرعد، الآية 17

السبت، أكتوبر 13، 2012

درس غدامس .. ليبيا



  


د. مصطفى محمد المزوغي

لم يكن من المألوف منح البنائين المحليين في أي مجتمع(يتمتع بمعمار محلي) لقب المهندس أو المصمم المعماري، وقد لا يضير ذلك هؤلاء البنائين، إلا أنه يؤثر سلباً لعدم وجود الدراسة الوافية لمنهجية وأسلوب عمل تبلور بشكل متأن وواضح عبر الزمن.

إن منهجية عمل البنائين المحليين تبدوا متأصلة بشكل وثيق في التقاليد، إذ أن دور التقاليد هو رعاية العمارة (العمران) عندما تقوم العمارة برعاية البيئة التي تحمي التقاليد.

إن القراءة المتأنية للعلاقة النظرية بين التقاليد المعمارية والبيئة تبدوا أساسية للمعماري، فالتقاليد كجانب اجتماعي ثقافي تمثل ركيزة هوية المجتمع. فإذا ما تمّ استيعاب العمارة المحلية كعمارة تكاملية نجد أن الشكل المعماري التقليدي هو وليد اشترك كافة أفراد المجتمع في تشكله عبر الزمن، وهذا بالتالي يسهم في تحقيق الهوية الجماعية عمرانيا. والأمثلة في هذا الصدد كثيرة محلياً وعالمياً، فالمدن الصحراوية والجبلية كانت قد تباينت بيئيا ولكنها اشتركت في رسم ملامح واضحة للبيئة العمرانية لها، بنجاح العمارة المحلية. 


غدامس وغات ومرزق وأوباري وبراك وهون وسوكنة وغيرها مدن صحراوية، اشتركت جميعها في تحقيق هوية جلية، فمباني (العمارة المحلية) بكل منها استوفت دورها كمحدد اجتماعي ثقافي. فالبنائين التقليديين بكل هذه المدن أدركوا بوعي مقومات البيئة العمرانية، بمعنى؛ البحث في كافة المعطيات البيئية كمصدر لمواد بناء ملائمة للظروف المناخية من جهة ومستجيبة لاستمرارية الموروث الجمالي من جهة أخرى.

فالمتأمل للفضاء المعماري الغدامسي وماديته الإنشائية يجد صيغة معمارية براغماتية وضعت كل ركائز النجاح لها سنين المحاولة في صناعة البيئة، كان هاجسها الدائم أن عدم تكرار الخطأ بعد المحاولة. توظيف فعال لمادة بناء متوفرة وإدراك جلي لخواصها الإنشائية والمناخية والجمالية تكاملت ودور الحرفية الفنية في صياغة الإيحاء بهذا الفضاء.


إن الداخل إلى الفراغ من بعد مسيرته في دروب المدينة تتناقله إيقاعات الضوء والظلال تفاجئه إزاحات فضائية للدرب الضيق ليصبح ساحة تقف بها الحركة، ولتستمر من جديد حتى الدخول إلى أحد البيوت المتراصة.

ينسحب الداخل بخطواته متوازناً إلى مستوى وسط البيت الغدامسي حذراً متكئاً على الحائط، امتداد أنيق للشارع فالزقاق فالسقيفة فعتبة الفضاء المركزي. يقف مذهولا؛ فاللون ينفجر على السطوح بكل عنفوان، كل شيء يصبح مشدودا كأنه صندوق العجائب، خزنة مليئة بكل الفنون؛ رسومات زخرفية بلون أحمر غدامسي، تعلو خلفية الحائط البيضاء أرفف غائرة وبارزة وكأنها حجرات تسكنها أواني نحاسية لامعة، سطوح من المرايا الصغيرة، وغيرها، جميعها تعمل جاهدة إلى تفتيت الحائط المصمت.

هناك تعليقان (2):

  1. Howdy, I do believe your blog may be having browser
    compatibility problems. When I look at your blog in Safari, it looks fine however, when opening
    in IE, it's got some overlapping issues. I merely wanted to give you a quick heads up! Aside from that, great site!

    my webpage :: cuisinart stand mixer reviews (http://jagobookmark.16mb.com/News/arbocatalogus-horeca-arbocatalogus-horeca)

    ردحذف
  2. Excellent pieces. Keep posting such kind of info on your page.
    Im really impressed by it.
    Hello there, You have performed an incredible job.
    I'll certainly digg it and in my view suggest to my friends. I am confident they will be benefited from this website.

    Look into my site: cuisinart mixer

    ردحذف

المواضيع الأكثر مشاهدة

بحث هذه المدونة الإلكترونية