أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

{فأما الزَّبد فيذهب جُفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض}- سورة الرعد، الآية 17

الاثنين، أكتوبر 07، 2013

استمرارية التراث الاجتماعي والثقافي الغدامسي

  

د. فتحي رجب العكاري

تميزت مدينة غدامس في ليبيا عن بقية المدن الليبية بتركيبة اجتماعية و نمط حياتي فريد تداخل فيه الأساس الشرعي الإسلامي مع المنظومة العرفية والاجتماعية والبيئية لمنطقة غدامس بشكل لم ولن يتكرر في غيرها. وهنا بيت القصيد فالقيمة في المحافظة على هذا التراث باعتباره القيمة الحقيقية في المشروع و بالتالي يجب أن نركز على عوامل استمرارية هذه الظاهرة بتوفير كل الظروف اللازمة لبقائها واستمرارها واستثمارها والاستثمار فيها.

داخل أحد البيوت

وننطلق في هذا الشأن عبر محاور مختلفة منها الآتي:

أولا: محور التخطيط العمراني في مدينة غدامس/
يتمثل هذا المحور في استحداث مخطط عام للمدينة يحوى عدة أحياء تحيط بالمدينة على شكل هلال، ويتم تخصيصها للقبائل التي كانت تقطن غدامس وبنفس النمط والتركيبة الاجتماعية و بالتالي نحافظ على النسيج الاجتماعي واللهجات والتقاليد والعادات. فالذي حدث عندما أنشئت المدينة الجديدة كما نراها الآن لم تراع العلاقة الاجتماعية بين الشوارع القديمة في تخطيط الشوارع الحديثة وبالتالي حدث الخلط والاختلاط بين مكونات التركيبة الاجتماعية لأهالي غدامس، وإذا اضفنا لهذا الارتباك قدوم سكان جدد من خارج المدينة سوف نعرف حجم تأثير الانتقال من المدينة القديمة على العادات و التقاليد. وفى كل دول العالم يسبق التخطيط العمراني دراسات اجتماعية تؤسس لأسلوب التخطيط. فالعلاقات بين الجيران وتركيبة الشارع والمدرسة تساهم في بناء الشخصية الاجتماعية للمواطن، فهي تتحكم في أنماط السلوك وتفرز الأعراف والعادات والتقاليد. أما اختلاط الحابل بالنابل فإنه يكدر العلاقات ويفرز الانحرافات في السلوك وبالتالي يدمر النسيج الاجتماعي. والتخطيط العمراني السليم يبنى على الموروث ويحافظ عليه فالهيكلية العمرانية والاجتماعية هي جزء من ذاكرة المجتمع ينبغي المحافظة عليها.

ثانيا: محور تثبيت المشروع الثقافي الغدامسي بغدامس/
ويعنى هذا المحور بتمحيص و تحقيق التراث الغدامسي و تثبيت الصحيح منه في كتب مثل،

دليل سياحي علمي مفيد:
من خلال الزيارة يلاحظ المرء اختلاف في اجتهادات بعض الأخوة القائمين على التعريف بتاريخ وتقاليد المدينة. والحل يكمن في تحقيق المعلومات و البيانات وتوثيقها وتعميمها على الجميع. وفي بعض الحالات يقع بعض الأخوة ممن يقومون بعمل الدليل السياحي في أخطاء فادحة لغياب الدليل السياحي المؤهل علميا والقادر على استخدام اللغات الأجنبية. علماً بأنه توجد مبادرات طيبة في هذا المجال.

زخرفة المباني والمساجد:
وأذكر هنا أني سمعت أحدهم يصف بعض الزخارف على أنها من الموروث المسيحي للمدينة و نبهته على الفور إلى خطأ ما يقول بالدليل، فغدامس بعد أربعة عشر قرناً في الإسلام لا تحتوى في ثقافتها على موروث مسيحي يحمل في طياته فكرة التثليث. و الواضح لي هنا هو محاولته مجاملة السياح على حساب دين أهل البلدة.

كتاب منهجي للمرحلة الثانوية:
وهذا المشروع يعنى بتأليف كتاب مدرسي بعنوان "مجتمع غدامس" يدرّس لطلاب المرحلة الثانوية في غدامس وما حولها يغطى الجوانب الجغرافية والتاريخية والاجتماعية للمدينة بما يضمن انتشار المعلومة الصحيحة بين الناس فيها، كما يمكن بيعه في المكتبات للمهتمين بهذه الثقافة.

أما بالنسبة لبقية المدارس الليبية فيمكن إضافة بعض المواضيع من ضمن مادة القراءة بحيث تتناول هذه الجوانب وتؤسس لبعث الرغبة في حب التعرف لديهم على غدامس.

كتاب نشاط مدرسي:
وهذا الكتاب يعنى بالزخرفة والفنون الغدامسية ويمكن أن يستخدم في مدارس غدامس لصقل المهارات الفنية للتلاميذ والحفاظ على الموروث الفني الشعبي الغدامسي، كما يمكن أن يستخدم كمادة تثقيفية ونشاط فني في أوقات الفراغ.

زخرفة المباني والمساجد قبس من تاريخ غدامس الحديث بمتحف المدينة

وتتميز غدامس ببعض الزخارف و الرسومات المستعملة في المباني القديمة وبمجموعة محددة من الألوان كانت الأمهات تدرب البنات عليها؛ ففي غدامس تقوم العروس بتزيين بيتها و طلائه، ومثل هذه الفكرة صالحة للتطبيق في المدارس الابتدائية بحيث يتدرب الطلاب والطالبات على هذه الزخارف. ويمكن عمل معارض ومسابقات محلية لمثل هذا النشاط وتحديد جوائز لأفضل الأعمال الفنية بين المدارس المختلفة. كذلك يمكن بيع مثل هذا الكتاب في المكتبات العامة لمن يرغب في تعليم أطفاله نماذج من التراث الليبي الغدامسي.
 
نماذج من الزخارف و الزينات
قاموس لهجات غدامس:
نظرا لوجود لهجات ومفردات مختلفة بين القبائل الغدامسية نرى ضرورة توثيقها ووضعها في قاموس للمعاني العربية لها وبالتالي لا تندثر مع اختفاء كبار السن بالتدريج. والعالم يبحث في اللغات القديمة ونحن نترك معالم من تراثنا تضيع من بين أيدينا.

كتاب أنساب غدامس:
تلتقي في غدامس عدة أنساب من أهل البلد الأصليين ومن الفئات القادمة إليها من العرب والأفارقة وبالتالي تبرز الحاجة إلى كتاب الأنساب لربط العائلات من داخل وخارج المدينة ولإثراء التاريخ الاجتماعي لها. وقد رأيت بعض المعلومات في هذا المجال مبعثرة و تحتاج إلى تحقيق و توثيق.


ثالثا: محور استكمال مشروع التنمية و التطوير في غدامس/
بالإضافة الى إتمام المشروع الحالي يجب الاهتمام ببعث الحياة البيئية التقليدية وذلك بإنشاء محمية للحيوانات البرية لهذه المنطقة مثل الغزال والنعام والإبل وبعض الزواحف والطيور. ويمكن أن يبدأ هذا من خلال إحدى المزارع المستحدثة بالمدينة كمشروع النخيل؛ أو على شكل قرية سياحية استثمارية داخل المشروع أو بالمناطق المحيطة بالمدينة مثل منطقة البحيرات. على أن يخصص جزء ثابت من دخلها لصندوق غدامس للتنمية و التطوير. 

منطقة البحيرات موقع محتمل لمشروع سياحى
      وكثيراً من السواح الأجانب يروق لهم تجربة رحلات القوافل وأكل لحم الإبل أو النعام أو الغزال والعيش في بيئة صحراوية لأسبوع من الزمان وإذا أضفنا لها بعض المناشط الترفيهية للكبار والصغار نوفر لها أفضل سبل النجاح.

رابعا: محور تواصل و تداخل مع الجهات و المناطق الأخرى/
من اجل خلق جو من التواصل مع بقية فئات المجتمع الليبي نرى تنظيم زيارات دورية ميدانية لطلبة السنة الثالثة بأقسام العمارة والاجتماع والتاريخ وتشجيع البحوث والدراسات والمشاريع ذات العلاقة بغدامس. كما نرى تنظيم رحلات للكشافة والجوالة والشباب لغدامس بحيث يستخدم جزء من المدينة القديمة كبيوت للشباب وبيوت ضيافة للعائلات لقضاء بعض العطلات.

سياح أجانب على كثبان الرمال

      ويمكن استغلال مباني المدينة القديمة في تنظيم دورات لحفظ القرآن الكريم ومسابقات عالمية في الحفظ بغدامس. فقد ارتبط تراثها بالقرآن الكريم أصلاً. وكم من عالم وحافظ للقرآن خرج من هذه المدينة؛ ومن بين علماء غدامس الشيخ عبد الرحمن البوصيري وهو عالم ومربى له عدة مؤلفات واشتغل بالقضاء وانتهى به المطاف قاضي قضاة طرابلس وتوفى فيها بعد جولة في عدة مدن. وقد اصدرت إدارة البريد طابعا تذكارياً له، ولم تعرف طرابلس جنازة بحجم جنازة الشيخ البوصيري كما نرى من الصورة.

صلاة الجنازة على الشيخ البوصيري بتاريخ 19 أبريل 1935م
خامسا: استثمار ما تم إنجازه في التواصل التا ريخي مع حضارة غدامس/
كي يتم التواصل الشعبي مع تاريخ وحضارة غدامس نرى ضرورة استحداث مشاريع إعلامية بين الخيالة والإذاعة المرئية والنشاط الترفيهي والمسرحي بإنتاج مسلسلات عن تاريخ وأعلام وعلماء غدامس وحضارتها بحيث تصور على عين المكان كما يعيشها أهلها وبالتالي تخلق فرص عمل وتصقل القدرات الفنية المحلية وتساهم في استغلال الاستثمار الحالي فيها.

صناعات تقليدية بغدامس
      ولو أضفنا إلى هذا محلات لصناعة وبيع المشغولات والصناعات التقليدية المحلية فإن ذلك سيخلق فرص عمل للنساء والرجال بالمدينة، وإذا تم تهيئة متحف دائم للتراث داخل المدينة القديمة، فستجمع زيارتها بين المعمار و التراث في وقت واحد.

سادسا: استحداث الهياكل اللازمة لاستمرارية الفكرة/
بالنظر لما نتوقعه من نتائج لهذه الورشة لذا فإننا نقترح استمرارية مثل هذا النشاط وذلك باستحداث هيئة تنظم مثل هذا الملتقى بشكل دوري سنوي ثابت تحت أسم " منتدى غدامس للتاريخ الاجتماعي و الثقافي" ويعرض فيه الأدباء والبحاث من المهتمين بشؤون غدامس نتائج بحوثهم ودراساتهم حسب المواضيع المقررة لكل دورة؛ وبهذا الشكل نضمن استمرارية الحوار من أجل إحياء تراث غدامس.

كان هذا مقترح لبرامج عمل تخدم بعث وإحياء التراث والمحافظة عليه بشكل يساهم في تنشيط الدورة الاقتصادية ويساهم في إضافة مصادر للدخل تضمن الاستمرارية؛ أعددته للمشاركة في دعم وإثراء أعمال ورشة عمل حول تأهيل وتوظيف مدينة غدامس القديمة التي عقدت بتاريخ 17و 18 من أبريل 2010م، ولكن الظروف لم تسعفنِ للمشاركة فيها وأنا هنا اطرحه على جميع المهتمين بهذا الأمر متمنيا التوفيق لجميع المشاركين في هذا المجهود.


هناك تعليق واحد:

  1. Aw, this was a really nice post. Taking the time and actual effort to
    produce a top notch article… but what can I say… I hesitate a lot and never
    manage to get nearly anything done.

    my web-site business casual dla kobiet

    ردحذف

المواضيع الأكثر مشاهدة

بحث هذه المدونة الإلكترونية