أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

{فأما الزَّبد فيذهب جُفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض}- سورة الرعد، الآية 17

الاثنين، يناير 30، 2017

جدلية الرسم اليدوي والرسم الحاسوبي


جمال اللافي


       استوقفني هذا التطور المذهل في التقنية الحاسوبية وخصوصا ما يتعلق ببرامج التصميم المعماري ثنائي وثلاثي الأبعاد. وبرامج الجرافيك التي يحتاجها المعماري في إخراج مشاريعه بأفضل صورة. وهذا يقودني بالضرورة لجدلية لا زالت قائمة حول أفضلية الرسم المعماري اليدوي عن استخدام الحاسوب وعلاقتها بالحالة الإبداعية للمنجز المعماري الناتج، كما يقولون، عن التواصل المباشر الذي يتم بين الدماغ باعتباره مكمن الفكرة والعين واليد. معللين أن هذا التواصل يتعرض لحالة إعاقة في تسلسله الطبيعي والسلس عند التعاطي مع برامج الرسم المعماري باستخدام الحاسوب وبرامج الجرافيك.


       في اعتقادي ومن خلال تجربتي الشخصية، أن المنتج المعماري في الحالتين هو نفسه من حيث مرحلة وضع الفكرة الأولية للتصميم المعماري، فالعلاقة بين الدماغ والعين التي تنظر للورقة على الطاولة أو إلى الحاسوب واليد التي ترسم على الورقة أو تعطي الأوامر لأيقونات الرسم المعماري بالحاسوب هي نفسها في انسيابيتها وسلاستها وخصوصا عندما يكون المصمم المعماري متمكنا من استخدام هذه البرامج وملما بالطرق المختصرة لإصدار الأوامر المتعلقة بالرسم في بعدين أو في ثلاثة أبعاد. وكل ما تغير هو تحور شكل القلم من رصاص أو خطاط إلى فارة يمكنك من خلالها توجيهها إلى الأوامر التي تريدها في كل لحظة رسم وتعديل. وهذا يجعلنا وأنا غير متيقين بالضرورة من حقيقة هذه المعلومة أن الإنسان الذي بنى عمائر قوم عاد من خلال حفر بيوتهم في الجبال كانوا يلجأون إلى الاستعانة بالأزميل والمطرقة في تنفيذ تصورهم لبيوتهم مباشرة على حجر الجبال ولم يحتاجوا في تلك المرحلة إلى وضع التصور المبدئي على ورق ولم يستخدموا أقلاما.

       
       إذاً، يبقى الفكر الإبداعي واحدا وتتغير أدوات المعماري كلما تطورت التقنية لتسهل عليه الكثير من الأمور. منها على سبيل المثال، أن المعماري يستهلك كمية كبيرة من الورق في مرحلة وضع الفكرة المبدئية لأنه مضطر في كل مرحلة أن يبدأ في رسم فكرته من الأساس بمجرد أن يلاحظ خطأ أو إشكالية أو تطرأ عليه فكرة جديدة أو معالجة لإحدى زوايا المبنى أو زيادة في مساحة إحدى فراغاته. وهذا الأمر تم تجاوزه بعد ظهور برامج الرسم المعماري باستخدام الحاسوب، حيث يكفي المعماري أن يأخذ نسخة من تصميمه الأولي ليجري عليها التعديلات التي يريدها سواء تعلقت بزيادة مساحة فراغ أو التعديل في شكله أو مكانه.

       هذا من جهة ومن جهة أخرى فقد كان الرسم ثلاثي الأبعاد إلى جانب أنه يستغرق وقتا طويلا لإنجازه بالرسم اليدوي، فإن المعماري يحتاج لإظهار كل زاوية في المبنى إلى رسم أكثر من منظور ثلاثي الأبعاد وهذا يشتت عين وتركيز المشاهد لها وخصوصا الزبون فهو يحتاج أن ينظر في كل مرة إلى رسم مختلف موضوع في ركن من اللوحة. أو في لوحة مستقلة. وأيضا يأخذ وقتا طويلا من المعماري لإنجاز المطلوب.




       في المقابل فإن برامج الرسم ثلاثي الأبعاد، تتيح للمعماري أن يصمم مشروعه ثم يحوله إلى ثلاثي الأبعاد. ومن يشاهده فقط عليه القيام بعملية تدوير سهلة للمشروع داخل الحاسوب لينظر إليه ككتلة واحدة من جميع الزوايا (من الداخل والخارج) ومن تم يختار الزوايا التي يريدها بضغطة زر. ومن خلال هذا المجسم يستطيع أيضا استخراج المساقط الأفقية والواجهات والقطاعات التي يريدها ووضع جميع الأبعاد والبيانات التي يتطلبها التصميم بكل يسر وسهولة كاسبا الوقت والجهد.

       لهذا علينا اعتبار استخدام الحاسوب وبرامجه في الرسم المعماري هو مرحلة جديدة في تطور أدوات وتقنيات الرسم والإظهار المعماري، لا يمكن تجاهلها وليس بالضرورة تعلمها لمن لا يزال يصر على استخدام الوسائل القديمة في تنفيذ مشاريعه عن طريق الرسم اليدوي.


       كما أن وجه الاعتراض على استخدام الحاسوب من طرف المعماري لا يصح بقدر اعتراض الفنان التشكيلي على ذلك، لأن المنتج المعماري المستهدف هو تنفيذ المبنى وليس رسمه. والرسم المعماري هو وسيلة إيضاح لتوصيل الفكرة للزبون ومن بعده للمقاول الذي سيتولى تنفيذ المبنى. وكل وسيلة تحقق هذه الغاية على أكمل وجه فهي مقبولة. فما بالك عندما تتميز هذه الوسيلة بالكفاءة والجودة والسرعة العالية.

الخلاصة، أن عملية التفكير الإبداعي سواء في مرحلة وضع الفكرة الأولية أو استكمال باقي مراحل التصميم لا تتأثر بالأداة التي يستخدمها المعماري، بقدر ما تتأثر بمخزونه المعرفي وفهمه لطبيعة المشروع الذي يصممه ومدى قدرته فعلا على تقديم حلول إبداعية. وإن لم يمتلك هذه القدرة الإبداعية فلن تنفعه لا يداه ولا قدماه ولا أضخم حاسوب في العالم مجهز بأفضل برامج التصميم والجرافيك.

الجمعة، يناير 20، 2017

التنمية المستدامة والبيت الليبي الأخضر[1]


خطوة على الطريق الصحيح




جمال اللافي


هذا الشتاء فرض على جميع الليبيين عامتهم ومتخصصيهم (معماريون/ إنشائيون/ تقنيو التكييف/ ومصانع/ موردو مواد البناء/ المستثمرون العقاريون) التفكير مليا في مسألة البحث عن حلول وبدائل جديدة وأكثر فاعلية فيما يتعلق بمسألة تكييف بيوتهم (العزل الحراري) لمواجهة ازدياد حدة موجة البرد والصقيع، في مقابل انقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة.

وأذكر في هذا السياق أن أحد الزملاء سألني من خلال صفحة يديرها عن العمارة الخضراء قائلا:
برأيك ما هي الخطوات المبدئية التي تراها ضرورية للشروع في تنفيذ بيوت تستخدم الطاقة المتجددة من واقع ظروف ليبيا الراهنة؟

v    بمعنى كيف ومن أين نبدأ؟

فأجبته:
أعتقد أن هذا الموضوع المهم قد تمّ تغطيته من الناحية النظرية من خلال العديد من الكتابات والحوارات والأمنيات التي دارت وتدور بين بعض المعماريين في ليبيا. ولكن من الناحية العملية، لا توجد أي خطوات جادة. بل ربما تجد منهم من سعى إلى إفشال الكثير من الخطوات في هذا الطريق من خلال تجاهله أو تمييعه أو عرقلته لأي برنامج عملي، كان يمكن أن يتحقق لولا وجودهم على هرم السلطة أو مواقع اتخاذ القرار.

لهذا نأمل- وهنا نعود للأمنيات- أن تكون المرحلة الجديدة، جديدة بكل ما تحمله الكلمة من معنى. وأولها تجديد النفوس والعقول وبعث الهمم لطرح خطوات تسير في خط واحد معا، من خلال تنفيذ برامج ومشاريع عملية تستهدف تحقيق إنجازات ملموسة على مختلف الأصعدة، والعمل الدؤوب كي تتحول من براح التنظير إلى واقع التطبيق. وما أسهل طرح الأفكار وأصعب تحويلها إلى واقع ملموس. وعلى رأسها مجالات التنمية العمرانية المستدامة. ويمكننا هنا تلخيص بعض الخطوات العملية على هذا الطريق:

الخطوة الأولى، تنويع مصادر البناء بالمواد الطبيعية المحلية الصديقة للبيئة.


       هناك مصنعين كانا في طور التركيب، لتصنيع (الطوب الرملي) أحدهما بمدينة سبها والآخر بمنطقة سيد السايح، والمطلوب أن تتم متابعتهما لاستكمال المراحل غير المنجزة ومنع أي محاولة لعرقلة مراحل تنفيذهما ومباشرتهما عمليات الإنتاج الفعلي. بل والدعوة لتنفيذ أكثر من مصنع لضمان تغطيته للسوق المحلي.

هناك أيضا تقنية البناء بالتراب وتحويله إلى قوالب، التي قامت بتطبيقها شركة ومعهد فرنسي على بعض المباني في مدينة غدامس. وقامت في الوقت ذاته بتدريب 400 من شباب المدينة على البناء به.

إلى جانب تحويل مادة التراب والطين إلى قوالب، أعادت بعض المؤسسات والشركات الأوروبية تجربة البناء بتقنية ضرب الباب والتفنن في تشكيل أنواع التراب بألوانه المختلفة بحيث تتحول الحوائط المبنية بهذه الطريقة إلى لوحات جدارية لا تحتاج إلى لياسة. وهذا ما يؤكد على فاعلية هذه التقنية وقدرتها على مواكبة تطلعات العصر واحتياجاته.

الخطوة الثانية، فتح أفاق التعاون مع الجهات والمنظمات العاملة في مجالات التنمية المستدامة.



وذلك بالاتصال المباشر بالشركات والمعاهد والجامعات وخصوصاً" الألمانية" التي لها السبق في الكثير من البرامج والمشاريع المتعلقة بتوفير المصادر البديلة للطاقة والحلول الصديقة للبيئة في مجالات مواد وتقنيات البناء وتدوير مياه الصرف الصحي. والتواصل مع مثل هذه المعاهد والشركات والتعاون معها على تدريب مجموعات أخرى من الشباب الليبيين في جميع المناطق. وعلى إجراء اختبارات التربة وصناعة هذا أنواع الطوب (الطيني والرملي والترابي). وفتح فرص عمل وآفاق للبناء بهذه المادة المتوفرة محلياً بكميات كبيرة جداً.

الخطوة الثالثة، تنويع مصادر الطاقة والعزل الحراري في المباني.




من خلال طرح أفكار تخطيطية وتصميمية لمشاريع مجاورات سكنية معاصرة ومبتكرة، تعتمد على نظام الكتل المتلاصقة لتوفير العزل الحراري. والتقليل من استهلاك الطاقة. إضافة لاستخدام الطاقة الشمسية وطاقة الرياح في توليد الكهرباء والعمل على الاكتفاء الذاتي من هذه المصادر على مستوى الوحدة السكنية وعلى مستوى المجمعات السكنية والمناطق وعلى مستوى المدينة بأكملها. تقنية أخرى للعزل الحراري تعتمد أساسا على عزل أسطح المباني بطبقة من المسطحات الخضراء.

الخطوة الرابعة، التقليل من عوامل هدار مخزون المياه الصالحة للشرب والري.



من خلال تنفيذ مشاريع عمرانية تعتمد على استثمار مياه الأمطار الساقطة على سطوح المباني بتخزينها في المواجل والفسقيات في الشرب. كذلك إعادة تجميع مياه الصرف الصحي وتنقيتها وإعادة استخدامها في ري المسطحات الخضراء بالشوارع والبيوت وفي مجالات أخرى تتناسب مع طبيعتها.

الخطوة الخامسة، دعم برامج لتعميم انتشار الخضرة في بيوتنا وشوارعنا وحول مدننا.


فهي تعمل كمصدات للرياح وتنقية الأجواء وتحسين صورة البيئة المحلية وتهذيب النفوس، وهي كاسرات طبيعية لأشعة الشمس وحماية للجدران الخارجية من تسرب حرارتها إلى الداخل. وهذا يتطلب دراسة لأنواع النباتات وأماكن توزيعها داخل وخارج البيت الليبي.

وأخيراً:
أعتقد أن الخطوة المهمة في هذا الخصوص تتمثل في تطبيق هذه الأفكار من خلال مشاريع واقعية، لأن هذا سيكون له وقع أكبر من مجرد تبادل الحوارات وتنظيم حلقات النقاش والندوات والمؤتمرات، التي أثبتت جميعها ( في ليبيا تحديدا) أنها لا تجدي نفعا. وبالنسبة لموضوع مقارنة كلفة المباني المستدامة، فيجب الأخذ بالاعتبار حساب التكلفة على أساس دورة حياة المبنى بالكامل، لأن أغلب التقنيات المستدامة تكون مكلفة في البداية ولكن المردود يكون سريعاً.

ويمكننا في هذا السياق الاسترشاد بمحاولة جادة للمهندسة المعمارية صباح أبوبكر بالخير في استخدام ألواح الطاقة الشمسية في توليد الطاقة وذلك كجزء من رسالتها العلمية لتحضير درجة الماجستير... يمكن مراجعة تجربتها من خلال الدراسة المنشورة بمدونة الميراث على هذا الرابط:





[1] - هذه التسمية مأخوذة عن اسم صفحة على الفيسبوك، أسسها المهندس جمال ماشينة. وقد طرح هذا الموضوع على شكل حوارات داخل هذه الصفحة، قبل أن يتم إعادة صياغته. 

المواضيع الأكثر مشاهدة

بحث هذه المدونة الإلكترونية