أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

{فأما الزَّبد فيذهب جُفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض}- سورة الرعد، الآية 17

الأربعاء، أغسطس 01، 2018

لغة العمارة



العمارة، لغة ووسيلة تعبير، مضافة إلى وسائل التعبير الأخرى التي يلجأ إليها الإنسان للتعبير عن ذاته وتلبية احتاجاته المادية والعاطفية. لذلك فهي تخضع إلى مجموعة من النظم والقواعد كغيرها من اللغات. وتمتلك مجموعة من الأدوات التعبيرية التي تتحكم في مسار العملية التصميمة أولا، وتمكن المعماري من رسم ملامحها وصياغة تعابيرها ثانيا. ومن تمّ يسهل قراءتها وفهم المضامين التي تحملها والرسالة التي تسعى لإيصالها إلى المتلقي عبر تكويناتها الفراغية وتشكيلاتها الجمالية بأبعادها الثقافية.

ومعاناة العمارة المعاصرة من غياب لغة تحكمها قواعد ونظم، يقابله ضعف شديد في اللغة المحكية عند أجيال اليوم التي لم تعد أيضا تحكمها قواعد. وكلتا الحالتين نتاج لانهيار منظومة القيم الأخلاقية في المجتمعات المعاصرة، مما ترتب عنه انهيار المنظومة التعليمية على مختلف المستويات. فالطالب الذي يتخرج من الجامعة وهو لا يستطيع كتابة جملة مفيدة ويتعتع في قراءته هو نفسه الطالب الذي يتخرج من كليات العمارة وأقسامها وهو لا يمتلك القدرة على التحكم في أدوات التعبير عن أفكاره المعمارية بالصورة الصحيحة من خلال إخضاعها للمنظومة القيمية للمجتمع الذي ينتمي إليه الطالب ومن بعده المعماري بعقيدته وثقافته ومعطيات البيئة التي تتحكم في مسارات العملية التصميمة ويفترض به مراعاتها في أي مشروع معماري يكلف به.
فيلجأ نتيجة لفقره المعرفي وقصوره الإدراكي إلى ابتكار وسائل تعبير مستوردة يغلب عليها الارتجال وعدم التناسق والتمرد على أي ضوابط أو قواعد تحكم العملية التصميمة، منتجا بذلك عمارة جديدة مفصومة عن جذورها مفتقرة للمعنى، قاصرة عن التعاطي مع معطيات بيئتها المحلية. يروج لها عبر وسائط الإعلام التي تضم بداخلها أشباهه من مخرجات مدارس التسطيح المعرفي والتفريخ الكمي. دعاة الفن لأجل الفن وحرية الإبداع الذي لا تقيده قواعد ولا تلزمه ضوابط ولا تربطه جذور.


وبالتالي نعود هنا لنقول أن العمارة ما هي إلاّ مرآة عاكسة لحالة أخلاقية. فانهيار الأخلاق أدى بدوره إلى انهيار التعليم وتفسخ الثقافة واضطراب العلاقات الإنسانية داخل المجتع الواحد، بحيث أصبحت هذه كلها تقع في أسفل سلم الأولويات وفي آخر قائمة الاهتمامات لدى أفراد المجتمع وقياداته السياسية وخبراته الاقتصادية.



الصورة منقولة عن صفحة عيون غدامس

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المواضيع الأكثر مشاهدة

بحث هذه المدونة الإلكترونية