أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

{فأما الزَّبد فيذهب جُفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض}- سورة الرعد، الآية 17

الخميس، ديسمبر 07، 2023

المباني التراثية في مراكز المدن وأساليب الحفاظ عليها- (المدينة القديمة طرابلس )

أ.جميلة الهادي الحنيش                           
كلية الهندسة – جامعة الزاوية
frejam75@yahoo.com                                        
 أ. عبد الرحمن عبد السلام علي المنفوخ
المعهد العالي للمهن الشاملة الزاوية
joooow007@yahoo.com


The point  search of the  is putting  systematic codes reconciliation with the standards of preservation of architectural heritage in urban areas.  Arabian countries in general and the state of Libya especially were the most areas  that have passed different and diverse civilizations  than  the rest  of  the world.   these civilizations left history behind it by city planning and the shape of buildings with the materials they used in that time which obviously  carefully chosen  to  be relevance with the environment  to be later environmental architectural wrote for  the history. depending on the international architectural laws regarding to archaeological building we have to find the methods to restoring them without changing the archaeological ruins. so the goals for this study is find the methods that could working effectively to maintain the archaeological and heritage character in the Libyan cities especially the ancient  city of Tripoli depending on location for it and for what it stands for heritage and archaeological interest . and disseminate the culture of preservation  the heritage building . as result for that we will get development of the tourism sector and achieve sustainable development and economic benefit .


1.الملخص :

يسعى البحث إلى إيجاد صيغة منهجية ملائمة تمثل إطارا عاما للحفاظ على التراث العمراني حيث تعتبر الدول العربية عامة وليبيا خصوصا من أكثر المناطق التي مرت عليها حضارات مختلفة ومتنوعة , وتركت هده الحضارات بصماتها المتمثلة في تخطيط مدنها ومواد بنائها وشكل مبانيها ,وتأصلت فيها عمارة بيئية تعتبر إرث معماري وعمراني وسجل مرئي على تعاقب هده الحضارات , ومن هدا المنطلق لابد من الاهتمام بهذه المباني والحفاظ عليها بإيجاد وسائل وأساليب مختلفة لترميمها وصيانتها وعدم تغيير معالمها الأثرية طبقا للتشريعات والقوانين الدولية المعمول بها , فالحفاظ بمفهومه العام هو محاولة لتحقيق الاستمرارية والبقاء من خلال الوسائل المتاحة ( رشاد محمد بوخش, 2004 ) ويهدف البحث إلى السعي لا يجاد وسائل للمحافظة على المباني التاريخية الأثرية والتراثية في المدن الليبية بشكل عام ومدينة طرابلس بشكل خاص وصياغة قوانين وضوابط تحافظ على هدا التراث والنتائج المرجوة تتمثل في ضرورة الحفاظ وحماية التراث الحضاري والتاريخي من الاندثار وتطوير قطاع السياحة الأثرية لتحقيق استدامة تنموية ومردود اقتصادي ونشر ثقافة المشاركة الشعبية والوعي بأهمية المحافظة على التراث .

2.المشكلة البحثية :

تكمن مشكلة البحث في أن العديد من مواقع ومعالم التراث العمراني في ليبيا تتعرض للتدهور والخراب وعبث وتشويه لعمارتها التراثية نتيجة لعدة عوامل منها البيئي ومنها المعالجات العشوائية بالإضافة والإزالة أو نتيجة للزحف العمراني نحو هده المباني أو تشويه ما يجاورها مما يفقدها سماتها وعناصرها المعمارية ومن هدا المنطلق وجب التركيز على عرض الآثار السلبية لهده المشكلة والعمل على معالجتها وذلك بإيجاد وسائل وأساليب مختلفة لترميمها وصيانتها وإدارتها والمحافظة عليها.

3.الهدف من البحث :

يهدف البحث لإيجاد آلية كيفية حماية والحفاظ على المباني التاريخية التراثية والأثرية في مراكز المدن الليبية بشكل عام تفعيل دور التشريعات والقوانين الخاصة بالحفاظ على التراث العمراني وإدارته  في غياب الوعي المجتمعي وإهمال الجهات المختصة .

 4.منهجية البحث :

اعتمد البحث المنهج الاستقرائي من خلال جمع المعلومات والمراجع المتوفرة ودراستها بالإضافة للزيارات الميدانية لبعض المباني الأثرية وتوثيقها وتحليلها لوضع المقترحات والحلول لها .


5.مفهوم وأهداف الحفاظ والتجديد بالمناطق التاريخية :

يعتبر الحفاظ على التراث المعماري مطلبا عالميا تسعى إليه جميع الدول وتتنافس من اجل الحفاظ على

 هذا الجزء المهم من ثقافتها، خاصة في عصرنا هذا الذي أصبح فيه العالم أشبه بالقرية الكونية، مما زاد أهمية التراث المعماري باعتباره تجسيد مادي لحضارة الشعوب والحفاظ عليه يعني الحفاظ على هويتها الخاصة، وإثبات مادي على أصالتها.

بدأت عمليات الحفاظ المعماري قديما، لكن مع بدء عصر الصناعة بدأت تتزايد وتيرة الأصوات العالمية التي تنادي بالحفاظ على التراث المعماري لما لحق به من أضرار بسبب الصناعة خاصة في المدن الصناعية، ثم زاد الاهتمام بالحفاظ في القرن الماضي للسيطرة على   ما سببته الحداثة من تضييع للتراث المعماري التاريخي في العديد من الدول العربية والأوروبية.

ويهدف الحفاظ إلى :

1-الحث على تطوير الوعي التاريخي الذي يعتبر مطلبا أساسيا لإحداث أي تغيير مستقبلي في البيئات العمرانية والتراثية.

2-فهم الحضارة التي تهيمن على البيئات العمرانية التاريخية ودمج محتوى الماضي مع مكونات المكان وموروثات الزمان وحاضرها ومستقبلها في وحدة متميزة تعطي الإحساس بالاستمرارية .

3- توصيل المعلومات الفنية والثقافية والإنسانية والحضارية التي تحويها المدن القديمة والبيئات التاريخية للأجيال القادمة .

4-يجب أن لا يكون الهدف من الحفاظ الوقاية والصيانة فقط أو استغلال البيئات العمرانية التاريخية سياحيا بل لابد من دعوة السكان المشاركين في عملية الحفاظ أو المنتفعين والمشاركة الشعبية هي المفتاح العلمي والواقعي لكافة عمليات الحفاظ ( علا الدين محمد ياسين , احمد يحيى جمال الدين راشد 2004)

6.أساليب الحفاظ المعماري:

في الوقت الحاضر يتم تحديد استراتيجيات العمل في مجال الحفاظ والصيانة في الآثار إما من خلال المواثيق الدولية UNESCO طبقًا للمعايير الدولية التي وضعتها اليونسكو أو من خلال إصدارات المركز ICOMOS الصادرة عن المجلس الدولي للآثار والاتفاقيات الصادرة عن مركز التراث  (ICCROM ) الدولي للحفاظ على الممتلكات الثقافية حيث وضعت التعاريف القياسية لأساليب الحفاظ على الممتلكات الثقافية  (WHC) العالمي منها وهي : ( : زريق، ثريا, لمواثيق الدولية التي ظهرت للحفاظ على التراث العالمي. حلب: عاصمة الثقافة الإسلامية( 2006


6 – 1 .الترميم :

لكلمة الترميم معان كثيرة منها إعادة المبنى إلى حالته الأصلية عن طريق إعادة بنائه أو إصلاحه حيث يتعرض المبنى الأثري على مرور الأيام إلى تغييرات تتراوح بين إزالة أو تعديل أو إضافة أجزاء له وهده التعديلات تغير من التكوين المعماري للمبنى سلبا أو إيجابا .

6-2 .الصيانة :

هي العامل الرئيسي في إطالة عمر المبنى وإكسابه المظهر الحسن حيث نحد من خلالها أي تلف يحتمل وقوعه في المبنى باستخدام الوسائل والأساليب المناسبة مثل إصلاح التشققات ودهان الخشب والمعادن وعزل الحوائط .... الخ

6-3 . الإصلاح :

هو استبدال جزء أو أجزاء من المبنى نتيجة لاحتمال انهياره وهنا لا بد من استخدام مواد مماثلة أو مشابهة قدر الإمكان لمواد الإنشاء الأصلية للمبنى .

6- 4 . إعادة البناء :

لا نستطيع المساس بأي مبنى أثري وإعادة بناء جزء منه إلا في حالة سقوط جزء منه بحيث لا تدع لنا إلا حتمية التجديد وإعادة البناء وخصوصا في المباني الأثرية ذات الطابع المعماري المميز .

6- 5 . التجديد :

هو إضافة أشياء حديثة للمبنى مثل الكهرباء والمصاعد والتدفئة ..الخ وهده الإضافات قد تودي بأضرار للمبنى تتفاوت جسامتها لذلك فإن المهندسين المتخصصين في أعمال الترميم يكونون على حذر شديد عند معالجة مثل هده الحالات (هاشم عبود الموسوي , 2009 ) إعادة تأهيل المباني التاريخية في فلسطين ,محمد علام فوزي عتمة ,أطروحة ماجستير, جامعة النجاح الوطنية نابلس فلسطين , كلية الدراسات العليا ,2007 .


شكل رقم( 1 ):  مظاهر تشوه التراث المعماري


7-المشاركة الشعبية ودورها في عملية الحفاظ :

إن المشاركة الشعبية من أهم أساليب الحفاظ على المباني التراثية لآن السكان المقيمين بها هم القادرين على تحديد مشكلاتها ومشاركتهم في هده العملية تساهم في تقريب أهالي هده المناطق من المباني التراتية القائمة بها ومعرفة قيمتها مما يساعد في الحفاظ عليها واستدامتها ويمكن تعريف مفهوم المشاركة الشعبية على انها التفاهم بين أطراف مختلفة على العمل بصورة مشتركة لانجاز هدف ومهمة معينة وذلك بدمج الخبرات والتخصصات اللازمة لمعالجة مشكلة ما .

إن عملية المشاركة العامة في عملية الحفاظ تكمن في أنها تعطي الفرصة لمشاركة التعاون بين صناع القرار وهؤلاء المثأترين به بما يضمن اهتمام المشاركين من السكان في استدامة عملية الحفاظ ويجعلهم أكثر حرصا على هده البيئات (العطار, محمد عصمت و راشد , احمد يحي(23-28 مايو 2010),إعادة توظيف المباني التراثية ودورها في استدامة البيئات التراثية , المؤتمر الدولي الأول للتراث العمراني في الدول الإسلامية ,الرياض, المملكة العربية السعودية )

8-المشاكل الرئيسية التي تواجه الحفاظ على الثرات العمراني :

يمكن حصر المشاكل التي تعاني منها الدول العربية عامتا والدولة الليبية خاصة التي كان سببا في ظهورها التطور الاجتماعي والاقتصادي وغياب الوعي بأهمية التراث العمراني وعدم وجود التمويل اللازم لتحقيق الحفاظ وغياب الحماية القانونية وعدم تفعيل المشاركة الشعبية والقطاع الخاص بهده العملية كل ذلك أدى لظهور جملة من المشكلات يمكن حصرها بما يلي:

1-عدم وجود حصر للمباني التراثية .

2-هدم العديد من الأضرحة والمباني الأثرية من قبل مخربين وغياب الوعي بأهمية هذا التراث بين أفراد المجتمع.

3-هدم العديد من الأبنية التراثية لمصلحة التطوير والاستثمار الاقتصادي والتخطيط الحضري وأدى ذلك لتفكيك النسيج الحضري .

4-الترميم العشوائي الغير المدروس للأبنية من قبل أصحابها أو مستثمرين لعدم وجود ضوابط وقواعد للترميم .

9-أمثلة محلية وعربية للتجارب الناجحة في الحفاظ لبعض المباني ومراكز المدن التاريخية :

9-1.التجربة المصرية مدينة القاهرة:

تمتلك مصر العديد من المباني التاريخية والأثرية ذات القيمة والتي تعد ثروة معمارية وحضارية بجانب أنها يمكن أن تشكل مراكز جذب ثقافي ذات ثقل كبير بدلا من تعرضها للإهمال أو التدهور نتيجة عدم امتداد يد الصيانة والإصلاح لها. واستثمار هذه المباني يكون بإعادة توظيفها ومحاولة دمجها واستيعابها في بيئة المدينة المصرية المعاصرة، الأمر الذي يضمن استمرار عملية الحفاظ والصيانة لها. ولقد بدأ مؤخرا الوعي بأهمية الحفاظ علي الثروة المعمارية المصرية، وهي ظاهرة ليست حديثة العهد علي الشعب المصري وحكومته، وتقوم الدولة بعمليات إحياء وصيانة للقصور القديمة والمباني ذات الطابع المعماري المتميز وفي إطار إستراتيجية وزارة الثقافة الحالية نحو إذكاء النهضة الثقافية المصرية في كل مجالاتها فإنها تري من مسئوليتها المحافظة علي تلك الأبنية وإظهار جمالها الفني إحياء لها وتجميلا للمواقع المحيطة بها .ومثال علي ذلك قصر الأمير محمد علي بالمنيل في مدينة القاهرة الذي أنشأه عام   1901 الأمير محمد علي بن الخديوي محمد توفيق )حكم مصر من عام 1879 إلي 1892  ) كمقر للحكم ولسكنه علي مساحة 711,61 م 2، منها 5000 م 2 مباني وسرايات وباقي المساحة عبارة عن حديقة داخلية، ويحيط بالقصر سور شيده الأمير علي طراز أسوار حصون القرون الوسطي، وقد استخدم القصر بعد الثورة ليكون متحفا تابعا لهيئة الآثار المصرية، يعرض فيه عدد  9594 قطعة أثرية، ومخزون به 11647 قطعة أثرية أخري (شوكت محمد لطفي القاضي و أمل عبد الوارث محمد 2006) .  شكل2 يوضح الواجهة الخارجية لسراي الاستقبال  قاعة العرش إحدى القاعات الرئيسية بالمتحف


شكل رقم ( 2 )  متحف قصر الأمير محمد علي بالمنيل - القاهرة.


9-2 التجربة السعودية(مركز الملك عبد العزيز التاريخي):

   يقع المشروع في منطقة لها أهميتها التاريخية والسياسية حيث يضم قصر المربع الذي كان مقرا لديوان الملك عبد العزيز حيث تم إرساء قواعد وأسس الحكم بمراحل التأسيس للمملكة, ولأهميته التراثية والعمرانية ,لاحتوائه على مجموعة من المباني التراثية بالإضافة إلا انه كان أول بناء خارج سور مدينة الرياض على كيلو متر واحد شمال السور منذ أكثر من نصف قرن. إن تغيير هذه المنطقة هو امتداد لتطوير منطقة وسط الرياض, والذي بداء بتطوير منطقة قصر الحكم بحث يتكامل النسيج العمراني للمنطقة والذي يضم ساحاتها وميادينها وحدائقها منطقة مفتوحة لسكان المدينة والزوار طوال الوقت, وبذلك تصبح المنطقة مركزا ثقافيا رئيسيا على مستوى الرياض ويحافظ على أصالة المنطقة ويؤكد أهميتها السياسية والتاريخية, وتكون نواه لتطوير المناطق المحيطة بها والمشروع يحتوي على عدة عناصر هامة هي المنتزه العام ,المتحف الوطني, الوكالة المساعدة للآثار, مركز العلوم التقنية , وإدارة الملك عبد العزيز , وقصرا لمربع , والمباني الطينية . ويعد المشروع تجربة ناجحة إلى حدا كبير في تأصيل التراث المعماري والمحافظة عليه حيث شملت على التجديد وإعادة التأهيل والتأصيل بصورته الجادة ( جميل بن محمد السلفي وعبد الحميد بن احمد البس 2004م)  شكل ( 3 ) (c, b , a)



شكل3-a الموقع العام لمركز الملك عبدالعزيز التاريخي

شكل3-b جانب من مباني قصر الملك عبد العزيز

شكل3- c أجزاء أخرى من قصر الملك عبد العزيز

شكل3- c أجزاء أخرى من قصر الملك عبد العزيز



بابالإضافة إلى العديد من المباني التاريخية والقصور التي لاقت اهتمام كبير في مجال الحفاظ مثل قصر المصمك وبيت السبيعي للتراث  وغيرها من الآثار شكل  4 (b, a)



شكل4- bحصن المصمك التاريخي من الداخل



9-3 مشروع تجربة اعمار بلدة الخليل(فلسطين) :

 تقع مدينة الخليل في فلسطين وتعد مركزا دينيا مهما وقد توسعت المدينة بشكل كبير خارج حدودها القديمة وكانت المدينة تضم 10000مواطن قبل التوجه الإسرائيلي إليها عام 1967م ,وقد أدت الصراعات المتلاحقة إلى إخلاء المدينة وأصبح أكثر من %85من البيوت التاريخية المبنية بالحجر مهجورة ,ونتيجة لتركها فارغة فقد آلت البنية إلى الإهمال . وتم إعادة إحياء المدينة عن طريق لجنة تضم مواطنين وسكان محليين ومؤسسات غير  حكومية وكانت خطة المشروع هي ترميم المباني التاريخية والحفاظ على النسيج المعماري للمدينة وقد بدأ العمل في المشروع في عام 1995م ولا زال العمل مستمر وقد تم ترميم 127 مسكنا و25متجرا والعمل جاري في 95مبنى أخر والمساحة الإجمالية للمباني المرممة 16000متر مربع وقد اشتملت التداخلات الأولية تزويد المنطقة بالسلالم في الأماكن اللازمة وتامين مياه جارية ونظام صرف وتمديدات شبكة كهرباء جديدة ( احمد عماد حسن الاثوري 2010 ) الشكل5(c ,b ,a ).


الشكل5-a احد الفراغات الخارجية بين المساكن 


الشكل 5- b مسقط أفقي قبل بعد التطوير
الشكل 5- c المخطط العام


10-المدينة القديمة طرابلس (حالة الدراسة ) ( جمال الهمالي اللافي) :

تغطي المدينة القديمة مساحة تقارب من 45 هكتارا وتقع في مركز العاصمة طرابلس الغرب. يرجع تاريخ إنشاء طرابلس القديمة إلي أكثر من ثلاثة ألاف سنة ويتميز نسيجها العمراني بمراعاته للظروف الاجتماعية والدينية والمناخية حيث يكون المسكن والمسجد والسوق أهم المعالم في هذا النسيج بينما بقية المباني والفراغات الحضرية تكوّن نسيجا متميزا ومتجانسا وممتدا بشكل لا يختلف كثيرا عن بقية مدن سواحل البحر الأبيض المتوسط ذات الطبيعة التجارية والحرفية. بنيت المباني في المدينة القديمة باستخدام الحجر الجيري مع المونة كما طليت أغلب المباني باللون الأبيض. استخدمت الأخشاب بشكل محدود في تكوين الأسقف و الفتحات.

إنحصر كيان المدينة القديمة داخل سور ظل يحيط بالمدينة لمدة طويلة مما أكسب المباني التراص وجعل المسقط الأفقي لأغلب المباني ينتظم حول فكرة الفناء الداخلي. ويشكل الفناء الداخلي المركز الذي يحيط به فراغات المبني الواحد وأيضا أساس تكوين الفراغات الحضرية مثل الميادين والفراغات العامة. ففراغات المدينة القديمة تشكلت حول فكرة الفراغ العام والفراغ الخاص واتحدت في وجود الفناء. الشوارع شكّلت شرايين الحركة بين مكونات المدينة المختلفة وبرزت عند تقاطعاتها أهم المباني كالمساجد مثلا.( شكل6)


شكل6 منظر عام لمدينة طرابلس القديمة

تنقسم الشوارع إلي نوعين، رئيسية وفرعية. تقسم الشوارع الرئيسية المدينة إلي أربعة أحياء (باب البحر،حومة غريان، الحارة والبلدية ) وتنشر علي امتدادها المتاجر والورش الحرفية. بينما تمتد الشوارع الفرعية الضيقة بشكل متعامد تقريبا مع الشوارع الرئيسية وتربطها مع المساكن وبقية عناصر المدينة مثل المدارس والمساجد والحمامات والأسواق شكل7.


شكل 7 نسيج المدينة القديمة

كوّن النسيج العمراني وموقع المدينة الجغرافي والطبيعة المحيطة بها هوية خاصة للمدينة. استطاعت المدينة المحافظة علي هويتها خلال فترة وجودها رغم تعاقب السنين والمحتلين عليها. لقد وصفها الجغرافي الشهير الإدريسي من القرن السادس الهجري حيث قال " ومدينة طرابلس مدينة حصينة عليها سور حجارة، وهي في نحر البحر، بيضاء حسنة الشوارع متقنة الأسواق، وبها صنّاع وأمتعة  يتجهز بها إلي  كثير من الجهات. وكانت هذا مفضلة العمارات من جميع جهاتها"4 أما الرحالة التيجاني الذي قام برحلته سنة 706-708م فيصف شوارع طرابلس بقوله " فلم أر أكثر منها نظافة ولا أحسن اتساعا واستقامة ذلك إن أكثرها يخترق المدينة طولاً وعرضاً من أولها إلي أخرها"5 شكل رقم (8). 



شكل 8 شوارع المدينة القديمة

استطاعت المدينة القديمة أن تحتفظ بوجودها وإرثها المعماري المميز فترة طويلة رغم بساطة تكوينها وتناسق مركباتها المعمارية، لكن دخول المستعمر الإيطالي وظهور النفط وما صاحبة من طفرة عمرانية كبيرة أثّر في " تغير" هوية المدينة نتيجة انتقال بعض من سكانها في البداية إلي الأحياء الحديثة المحاطة بالمدينة القديمة.

هجرة السكان الأصلين للمدينة القديمة بحثا عن نمط معيشي حديث خارج أسوار المدينة القديمة حيث تتوفر سبل " الحياة العصرية" انعدام الصيانة الدورية واكتضاض المساكن وافتقار خدمات البنية التحتية وتوفر بدائل سكنية "جيدة" ومجانية شجع الكثير من سكان المدينة القديمة للانتقال للعيش في مساكن حديثة بضواحي مدينة طرابلس. بينما تركت المدينة القديمة لسكان غير السكان الأصليين. هؤلاء السكان وجدوا بديلا مؤقتا للسكن داخل المدينة القديمة غير مكترثين لحالة مبانيها فتركت المباني لتتدهور حالتها بمرور الزمن.

في سنة 1985 صدر قرار اللجنة الشعبية العامة رقم 40 بإنشاء مشروع تنظيم وإدارة المدينة القديمة بطرابلس وتبعه عدد من القرارات الأخرى التي تعنى بالاهتمام بالمدن الليبية القديمة وصيانتها والمحافظة عليها. نص هذا القرار على " أن يتولي المشروع وضع البرامج والخطط الثقافية والفنية والهندسية الخاصة بالترميم والصيانة وكل ما يتعلق بشؤون المباني والمرافق الكائنة بالمدينة القديمة بما من شأنه المحافظة على الشخصية التاريخية الحضارية لها."6    

شكل رقم (9-a ) بعض مباني المدينة القديمة بعد الترميم
شكل رقم( 9-- (bكنيسة ميدان الجزائر


11-الخلاصة :

تفتخر دول العالم من القدم وحتى الآن بتراثها الحضاري، وتتخذ الإجراءات المناسبة للحفاظ عليه بشكل عام، والحفاظ على التراث المعماري بشكل خاص لأنه يلعب دورا هاما في تحديد هوية المدن والدلالة على أصالتها. كذلك عندما تهتم الدول بترميم مواقعها الأثرية، فهي لا تحفظ تاريخها بالذات، إنما تساهم في حماية جزء من التراث العالمي.

يتكون التراث المعماري من المواقع الأثرية القليلة والمباني التراثية الأكثر توفرا لكل امة، تلك المواقع والمباني المميزة تستحق أن تبقى ذكرى أو نموذج لجهد الأجداد، حيث تتجاوز أهميتها الظاهر المادي والجمالي لها إلى أبعاد أخرى أعمق ترقى إلى مستوى الوثائق التاريخية.

12-التوصيات:

1 . إعادة التوظيف كأحد استراتيجيات أساليب الحفاظ على التراث المعماري والعمراني للمدينة العربية القديمة وبالتالي الحفاظ علي الهوية الثقافية لتلك المدن بما يضمن استمراريتها والحفاظ عليها للأجيال القادمة.

2. إن الحفاظ على الطابع القومي للتراث المعماري من المباني ذات القيمة التاريخية، أمر يستلزم قيام الجهات المسئولة ومن ضمنها الجهات السياحية بتسجيل وتوثيق تلك المباني، ويكون التسجيل بالتصوير والرسم والخرائط والوصف. كما يجب أن لا يقضى التوسع العمراني على تراثنا جريا وراء ما يظنه البعض خطأ من مستلزمات التقدم.

3 . استخلاص التجارب العالمية الحديثة في مجال الحفاظ على التراث واخذ ما يتناسب منها من عادات وتقاليد وقيم دينية وثقافية.

4. إحياء التراث القديم بكل صوره للحفاظ عليه من الاندثار والضياع وتحسين البنية التحتية للمباني التاريخية وإعادة تأهيلها وتجديدها.

.5   تشجيع الأبحاث والدراسات العلمية المتخصصة وإثراء الحياة العملية بمزيد من النقاش والندوات والمؤتمرات..

 .6 استشعار أهمية التوعية والمشاركة الجماعية والرقي بمستوي الوعي والإدراك والتحضر والتجرد من الرؤى والعادات والأفكار السلبية، لأن المجتمعات المتحضرة وحدها القادرة علي النهوض ببنيتها العمرانية..

. 7 عمل إستراتيجية وطنية على مستوى الوطن تؤكد على أهمية الحفاظ على المباني التاريخية وإصدار قوانين تسهم في الحفاظ على التراث وحمايته من العابثين.

8.تشجيع السياحة الأثرية بالإضافة إلى الاستثمار السياحي لتحقيق الاستدامة لتنموية , ليعود للبلد بمردود اقتصادي .

 

13-المراجع العربية :

1.بوخش , رشاد محمد (12-16 مارس 2004م)"منهجية الحفاظ المعماري الفرضيات وأطروحات الحلول-دبي كحالة دراسية" المؤتمر والمعرض الدولي الأول الحفاظ المعماري بين النظرية والتطبيق دبي.

2. ياسين, علا الدين محمد , راشد ,احمد يحي جمال الدين 12) -16 مارس 2004)"إشكالية تنسيق الموقع للبيئات التراثية بمصر مع فكرة المحافظة والتجديد" المؤتمر والمعرض الدولي الأول الحفاظ المعماري بين النظرية والتطبيق دبي.

3. ( : زريق، ثريا, لمواثيق الدولية التي ظهرت للحفاظ على التراث العالمي. حلب: عاصمة الثقافة الإسلامية( 2006

4 .الموسوي, هاشم عبود (14فبراير, 2009) " استخدام الوسائط الرقمية في التوثيق المعماري للمباني التاريخية , نحو إستراتيجية شاملة لتطوير وصيانة المدن التاريخية " أستاذ مشارك في قسم العمارة والتخطيط العمراني كلية الهندسة جامعة المرقب.

5- إعادة تأهيل المباني التاريخية في فلسطين ,محمد علام فوزي عتمة ,أطروحة ماجستير, جامعة النجاح الوطنية نابلس فلسطين , كلية الدراسات العليا, 2007.

6-(العطار, محمد عصمت و راشد , احمد يحي(23-28 مايو 2010), إعادة توظيف المباني التراثية ودورها في استدامة البيئات التراثية , المؤتمر الدولي الأول للتراث العمراني في الدول الإسلامية ,الرياض, المملكة العربية السعودية )

7- القاضي , شوكت محمد لطفي و محمد, أمل عبد الوارث (24-٢6 ديسمبر ٢٠٠٦)" إعادة توظيف المباني ذات القيمة كمدخل للتنمية المستدامة للمدن العربية القديمة والحفاظ علي هويتها الثقافية" ندوة تنمية المدن

8- السلفي’ جميل بن محمد ,و البس’ عبد الحميد بن احمد(12-16 مارس 2004م)" التجربة السعودية في تأصيل التراث العمراني والمحافظة عليه بالرياض المملكة العربية السعودية وإشكالية التطبيق " كلية الهندسة والعمارة, جامعة أم القرى, مكة المكرمة.

9- الاثوري, احمد عماد حسن (23-28 مايو2010 )" إعادة تأهيل حي الجائة مدينة اب القديمة دراسة تحليلية لإعادة تأهيل واستخدام المساكن التراثية للمساهمة في تيسير السكن" المؤتمر الدولي الأول للتراث العمراني في الدول الإسلامية , الرياض ,المملكة العربية السعودية,.

10- جمال الهمالي اللافي, خلاصة تجربة امتدت لأحد عشر عاماً(1991م- 2001م.) عايش فيها تجربة ترميم وصيانة مدينة طرابلس القديمة وإعادة إحياء المدينة من خلال الأنشطة الثقافية والعلمية التي كان يتولى مسؤوليتها بصفته رئيسا لقسم الشؤون الثقافية والعلمية بإدارة التوثيق والدراسات الإنسانية بمشروع تنظيم وإدارة المدينة القديمة.


المصدر: المجلة الدولية للعلوم والتقنية

العدد: 9- يناير 2017


المواضيع الأكثر مشاهدة

بحث هذه المدونة الإلكترونية