حوش: حاش
الصيد- جاءه من حواليه ليصرفه إلى الحبالة. وحاش الإبل: جمعها وساقها. واحتوش
القوم الصيد: أنفره بعضه على بعض. واحتوشوا على فلان: جعلوه وسطهم. هذا بعض ما
تحمله الكلمة من معاني في معجم اللغة العربية" مختار القاموس".
أما في المصطلح المعماري فهي تعني البيت العربي
التقليدي" بيت فناءه مفتوح على السماء تحيط به حجرات متباينة في الحجم".
و"حوش العيلة": باللهجة الدارجة، هذا البيت الذي شهد تعاقب
الأجيال وواكب تطلعاتها وضم كنوزها وإبداعاتها وحفظ قيمها ومعتقداتها وصمد في وجه
أعداء الأمة حائلا دون تحقيق مراميهم في النيل من كيان هذه العائلة وهويتها
وثقافتها. الذين لم يروا بداً من القضاء على هذا التنظيم الفراغي المترابط معماريا
وعمرانيا منطلقين من المبدأ الذي يقول: " أن الفراغ المعماري يبدأ متأثرا
في تصميمه بفكر صاحبه وينتهي مؤثرا فيه". وذلك حتى يتسنى لهم ما يريدونه
من هذه الأمة الممثلة في نظامها العائلي المترابط والمتكاثف والمتكافل.
جندوا كل
شياطينهم ليجدوا لهم الوسيلة إلى ذلك. فكانت الفكرة في شعارهم المعروف" فرق
تسد" وكانت أداتهم أنظمة تخطيطية عمرانية ومعمارية جديدة متنوعة في أشكالها
متفقة في فكرتها على أن لاتسع إلا أسرة واحدة، وسخّروا علومهم وإعلامهم، ابتدعوا
النظريات التي تفصم العروة الوثقى للعائلة، فقالوا: "أن نواة المجتمع هي
الأسرة" وتنادوا بضرورة توفير كل سبل الراحة لهذه الأسرة" المكونة من
الأبوين والأبناء". ورسموا لها صورة قاتمة عن حياة العائلة التي يتحكم في
مصيرها الجد، ينهى ويأمر دون رادع يردعه، والجدة تتحكم في مصير نساء البيت تأتي
بمن تشاء وتطلّق من تشاء، وصوروا رجال العائلة وحوشا تنهش بعضها طمعا في الميراث
والسيطرة بعد رحيل الجد، والنساء تحيك المؤامرات والدسائس ليتسنى لهن تحقيق
مآربهن، كما صوروا الزوج خائنا والزوجة مهضوم حقها تبحث عن الدفء والحنان بين
أحضان رجل آخر، ثم انطلقوا ليصورا الأبناء ضائعين بين هذا وذاك، صوروها طفولة
معذبة، محرومة حتى من حقها في اللعب، طفولة مشردة تتلقف فتات الطعام من موائد
الكبار وتنحشر جماعات في غرفة نوم، تتوسد العفونة وتلتحف بالرطوبة. جعلوها صورة
قاتمة لمجتمع كئيب تسيطر على أجداده الخرافات ويتوارث أبناءه الجهل ويخلف لأحفاده
الأمراض. فهل حقا كانت هذه صورة "حوش العائلة"؟
لا أظن
أننا فارقنا الحياة جميعنا بعد، نحن من عشنا في رحاب هذا البيت. فهل حقا كنا كذلك؟
أم أننا صرنا نستعذب الكذب والافتراء بحقنا وبحق نظامنا الاجتماعي الذي كان يكفل
لنا الحماية ويوفر عوامل الاستقرار في وجه جميع المتغيرات. ولا أظن ان عقولنا قصرت
عن إدراك خطورة ما يحاق للنظام الاجتماعي السوي والمستهدف منه أولا مجتمعنا
الإسلامي والعربي ومن تمّ المجتمع الإنساني برمته، من خلال هتك استار النظام
العائلي كخطوة أولى تقود إلى تدمير البنية الأساسية للكيان الإنساني وهي الأسرة
الطبيعية المبنية على العلاقة السوية، وذلك من خلال إباحة الفاحشة وتمريرها تحت
غطاء الحرية الشخصية.
وهل حقا
جادت علينا نظريات الغرب وقيمه ومعتقداته وفلسفاته بالخير العميم؟. ذلك الغرب الذي
وصل فيه جيل فترة الستينيات من هذا القرن لقناعة تامة بقيمة العائلة وأهمية حضورها
في التنشئة السوية لأبنائه " بعد رحلة فرقة طويلة بدأت مع ظهور نظرية- النشوء
والارتقاء- لداروين التي ترجع أصل الإنسان إلى القرد/ ونظرية- التحليل النفسي-
لفرويد الذي يرجع كل سلوك إنساني إلى الغريزة الجنسية". تجرعوا خلالها مرارة
تجربة وجد الفرد فيها نفسه وحيدا في مجتمع سادته القيم المادية حتى صار معياره
يقدر بما يملكه من رأس مال. ويدفع في كل خطوة يخطوها ثمنا باهظاً لبقائه على قيد
الحياة ساعات إضافية. فرأى في الانتحار وإدمان صنوف المخدرات وسيلة للهروب من واقع
تسيطر عليه الجريمة والفوضى وتغيب عنه ألفة العائلة الحميمة.
بيت
العائلة هو لبنة وحدة هذه الأمة والقاعدة التي ترتكز
عليها والمنطقة التي تنطلق منها. والله سبحانه وتعالى يدعونا للوحدة ونبذ الفرقة،
في قوله سبحانه وتعالى: " واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا". وحبل
الله المتين هو منهجه القويم كتابه القرآن الكريم وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم،
وهو منهج مكتوب يحتاج منا لتفعيله أن نقوم بتطبيقه في حياتنا وسلوكنا اليومي. ولكي
ننجح في ذلك لابد لنا من تمهيد السبل لذلك. ولهذا كانت تربية النشء ومجاهدة النفس
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.... وقد حرص أسلافنا على توفير البيئة الصحية
التي تنمو وتترعر فيها هذه النبتة المباركة من منظومة القيم والأخلاق والسلوكيات
والمعاملات، فكان التعمير والعمران والعمارة الإسلامية هي البوتقة التي تتشكل منها
وفيها منظومة القيم هذه، لأنه لا تنظير بدون تطبيق، ولا يحسب القول على قائله إلا
بفعل يدعمه أو يدحضه.
لقد خسرت
أمتنا الإسلامية عندما أخذت عن الغرب قيمه ومبادئه المنحلة تحت مسميات الحداثة،
وفقدت العائلة تواصلها وترابطها الاجتماعي، واليوم تأخذ الأمة بتلابيب آخر ما
تفتقت عنه العقلية الغربية من نظريات الهدم وهي ما تعرف بالنظرية التفتيتية والتي
من أهم مبادئها التشكيك في كل القيم والمعتقدات السائدة وهدم أركانها تحت دعاوي
الحرية الشخصية وحقوق الإنسان والمرأة والطفل والشذوذ وحرية ممارسة الأديان وعدم
التضييق على كل ما من شأنه أن يقف في وجه الحرية الشخصية حتى وإن تجاوزت حدود
المنطق، لأنها لا تؤمن بأي منطق، فمنطقها الوحيد هو الهدم وإشاعة الفوضى الخلاقة.
الأمر
الذي يستدعي تركيز الجهود على إيجاد السبل العملية الفاعلة لحماية الكيان
الاجتماعي السوي، وإفشال محاولات تمرير وإشاعة النموذج الجديد لمفهوم العلاقة بين
الرجل والمرأة وبين الجنس الواحد المبني على التحلل من كل القيم الأخلاقية التي
أرادها الله سبحانه وتعالى عنوانا للعلاقة بين بني الإنسان.
لهذا
يرتفع سقف المسؤولية علينا كمسلمين وعلى مفكريها وعلمائها بوجه الخصوص لوقف هذا
التخريب والهدم وإعادة الأمور إلى نصابها. ولن يتم ذلك إلا بعد توحيد الصفوف ونشر
الوعي، ولن يتم ذلك إلا بعودة العائلة إلى رحابها الواسع ألا وهو بيت العائلة
وبركته. وما محاولات علماء الأمة المخلصين ومن مختلف المشارب والتخصصات المهنية
إلا بداية تحتاج لمن يدعمها ويساندها ويحرص على تطبيقها بكل ما أوتي من جهد
وقدرة.... والعمارة بإعتبارها المجال الذي يختص بإيجاد بيئة صالحة لمعيشة الإنسان،
فعبء الجوانب التطبيقية لكل البحوث والدراسات النظرية التي تسعى لتصحيح مسيرة
الإنسانية، يقع على عاتق المعماريين.
كل
محاولة للخروج بالأمة الإسلامية من مأزقها وأزمتها، لا تبدأ من إعادة بناء
المنظومة الإجتماعية ولم شتاتها المبعثر، فهي كمن يريد أن يحرث البحر ويدعي أنه
سيزرعه قمحا وشعيرا ليطعم الناس.... لا نريد لدعاة وحدة الأمة أن يجهدوا حناجرهم
في لم شتات مليار مسلم تحت راية واحدة، ولكن نريد من رؤس الأموال وأصحاب المشاريع
الكبيرة والمخططين والمعماريين أن يبادروا لتنفيذ البيئة السكانية والإسكانية التي
تساعد على لم شمل العائلة في بيوت توفر لهم الحماية وتسهل عليهم تطبيق شرع الله في
خلقه.... البيئة الصحية بمفهومها الأخلاقي والبدني.
عليه أعيد طرح أقتراحي الذي تقدمت به في عدة
محاضرات ومشاركات سابقة في هذا الموضوع والذي يوصي بفتح باب الحوار العام حول بيت
العائلة المعاصر وكيفية تجاوز الصعاب والعقبات التي تحول دون إعادة طرحه كبديل
للإسكان السائد الآن... وهو أمر لا يمثل ترفا فكريا أو همّا خاصا بشخصي كمعماري،
بقدر ما هو إحساس عام يسيطر على تفكير جميع أفراد المجتمعات الإسلامية بمختلف
شرائحها وطبقاتها، نتيجة تردي المستوى الأخلاقي والمعيشي وما صاحبه من إضطرابات
نفسية وسلوكية.
وحتى
أساعد على فتح باب الحوار،أقدم لكم مجموعة من التساؤلات التي أرجو منكم التكرم
بإختيار ما يقع في دائرة اهتماماتكم ومناقشتها، حتى نصل في النهاية إلى وضع رؤية
مشتركة ومكتملة بإذن الله سبحانه وتعالى لصورة بيت المستقبل أو النموذج المعاصر
للمسكن الإسلامي" بيت العائلة/
·
السؤال
الأول والذي يطرح نفسه بإلحاح، لماذا هجرت العائلة المسلمة بيت العائلة؟
·
أين تكمن
أوجه القصور في تصميم بيت العائلة التقليدي، التي استدعت الاستغناء عنه كنموذج مثالي للإسكان؟
•
هل أزمة
بيت العائلة التقليدي وعدم قدرته على التوائم مع روح العصر راجع لمشكلة معمارية
تتعلق بقصور في وظائف فراغات البيت وطرق توزيعها أو لعدم ملائمة مساحاته الصغيرة
للأنشطة وعناصر التأثيث المستجدة ، أم هي مسألة تقنية تتعلق بمواد البناء
والمعالجات البيئية والإنشائية، أم هي مشكلة تخطيطية، أم أن الأمر راجع بالدرجة
الأولى لقصور في العلاقات الاجتماعية بين سكان البيت الواحد؟
•
وإذا كان
القصور حاصل في التركيبة الاجتماعية التي كانت تسكن بيت العائلة التقليدي، فهل
نستطيع أن نحدد أوجه هذا القصور ومسبباته؟
•
هل كانت
النظم الاجتماعية ( العادات والتقاليد) التي تحدد العلاقة بين أفراد العائلة داخل
البيت الواحدة تشكل عبئا نفسيا على أحد الأطراف أو جميعهم؟ فإذا كانت الإجابة
بنعم، فما هي تحديدا القيود والعوائق التي كانت تشكلها العائلة على أفرادها
وبالخصوص على المرأة؟
·
كيف دخلت
النماذج السكنية المعاصرة والتي تعتمد النموذج الغربي إلى المجتمع الإسلامي؟ وكيف
استقبلتها العائلة دون مراجعة أو تمحيص؟
•
هل رضخت
العائلة تحت ضغوط حاجتها إلى التوسع في السكن، إلى التعامل مع النماذج الغربية
التي تبنتها الشركات والهيئات الاستشارية الهندسية الأجنبية والمحلية وطرحتها
كنموذج بديل للبيوت التقليدية؟ أم هو قبول عن طواعية؟ أم هي الرغبة في التغيير؟ أم
الأمر راجع لنجاح النموذج الغربي في تلبية الاحتياجات المعاصرة للساكن؟
•
وما هي
هذه الحاجات التي استطاع النموذج الغربي تلبيتها وعجز النموذج التقليدي عن تحقيقها
أو توفيرها أو إشباعها؟
•
وهل هي
حاجات ضرورية وملحة أم هي كماليات تطلبتها العقلية الاستهلاكية؟ أم هو الانبهار
بكل ما يأتي به الغرب مهما كان شكله ومضمونه؟
·
ما هو
مفهوم المجتمعات الإسلامية للمعاصرة؟ وكيف حددتها، وكيف قيّمتها، وكيف استقبلتها،
وكيف تعاملت معها، وكيف تعارضت المعاصرة مع التركيبة الاجتماعية والثقافية للعائلة
المسلمة؟
•
وهل حققت
الأسرة السعادة المنشودة من وراء الانفصال عن عرى بيت العائلة؟
•
وهل نجحت
المرأة المسلمة في تحقيق ذاتها وكينونتها بعيدا عن رقابة العائلة؟ وهل حققت عوامل
الأمان والاستقرار لأسرتها داخل البيت المعاصر؟ وهل انتفت المشكلات داخل الأسرة
الصغيرة؟
·
هل قام
المصمم المعماري بالبحث الجاد عن إشكالية المسكن الإسلامي المعاصر؟ أم أنه اكتفى
باستنساخ النماذج الغربية؟
•
عدم
البحث هل هو راجع لمشكلة تكمن في آلية تفكير المعماري أم هو قصور في المناهج
التعليمية؟ أم هي رضوخ لرغبات الساكن ومطالبه، أم هو استكانة لقوانين وتشريعات
المباني المفروضة والمستنسخة عن النماذج الغربية؟
•
إلى أي
مدي أثرّت المناهج التعليمية المعمارية والتخطيطية ومناهج كليات الفنون الجميلة في
تغريب فكر المعماري والفنان التشكيلي عن واقعه ومتطلبات مجتمعه؟
•
إعادة
مراجعة قوانين المباني التي تحول دون الوصول إلى رؤية تخطيطية وتصميمية معاصرة
لنموذج المسكن الإسلامي، هل هي انتكاسة إلى الوراء أم هي انطلاقة نحو تحقيق الهدف؟
•
عدم
استيعاب المجتمع للفارق بين الدعوة لتطوير المسكن الإسلامي التقليدي وإيجاد حلول
معاصرة مستوحاة منه، وبين الدعوة للعودة إلى السكنى في هذا البيت التقليدي، هل هي
قصور في الفهم أم هي زيادة في التمويه؟
·
" لن أعيش في جلباب أبي" شعار صدّرته نخبة من
المثقفين العرب عبر أحد المسلسلات المرئية، فلماذا يرفض المثقف العربي المسلم أو
جيل الحاضر العيش في جلباب أبيه؟ وإلى أي مدى تمتلك هذه المقولة مبررات طرحها؟!
•
ما الذي
جناه الوالدان حتى يرفض الأبناء أن يتواصلوا معهم؟ وماذا يمثل الجلباب تحديدا؟ هل
هو العقيدة أم العادات والتقاليد، أم هو نمطية التفكير في استيعاب الثوابت والتعامل مع المتغيرات
والمستجدات، أم هو أسلوب التربية، أم في غير ذلك من الأمور التي تحدد العلاقة بين
الآباء والأبناء. أم هو رفض لمجرد الرفض. أم هو انسياق وراء تيارات فكرية تنكر كل
الموروث. أم هو الجري وراء سراب البحث عن الذات المفصومة عن عرى العائلة، أم هو
شيء آخر لا نعرف كنهه ودوافعه؟
•
لماذا
نرفض التراث؟ ولماذا ننساق وراء الآخر ونقبل على كل ما يطرحه من قيم وأفكار جديدة
أثبتت فشلها وعقمها في دارها عن تحقيق السعادة للمجتمعات التي ولدت فيها؟
•
لماذا
حدث هذا الانفصام الحاد بين المجتمع وقيمه المتوارثة، وبمعنى آخر كيف ومتى أصبحت
هناك فجوة بين الموروث الثقافي والمعاصرة؟ ومن المسئول عن ذلك؟
•
كيف
تشكلت هذه الأزمة ومتى بدأ العد التصاعدي لتفاقمها يظهر حتى شكّل ظاهرة متفردة
لهذا العصر على العصور التي سبقته؟
•
وإلى أي
مدى ساهمت وسائل الإعلام المختلفة في الترويج لأطروحات الغرب الاستهلاكية وتغييب الجوانب
الإيجابية في تراثنا الثقافي وإبراز الجوانب السلبية وتضخيم الحالات الشاذة منه
وتعميمها على واقعنا الاجتماعي؟
·
لماذا
نخلط بين حاجتنا للتطور الحاصل في التقنيات الذي وصلت إليه المجتمعات الغربية وبين
أهمية الاحتفاظ بقيمنا الأصيلة؟
•
وهل هناك
تعارض بين أن تكون لنا هويتنا الواضحة المعالم وبين الاستفادة من تقنية وعلوم
وثقافات العصر التي لا تتعارض مع قيمنا الدينية.
•
هل
نستطيع أن نكون نحن ونحقق ذاتنا دون أن نرفض الآخر أو ننساق وراءه؟
·
وأخيرا
وليس بآخر، لماذا وصلنا إلى ما نحن عليه الآن؟ ومن صنع بنا هذا؟ هل هو الآخر أم
نحن؟