أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

{فأما الزَّبد فيذهب جُفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض}- سورة الرعد، الآية 17

الجمعة، ديسمبر 11، 2020

حيرة المعماري بين الحداثة والاصالة!

 

حوش القره مانللي- مدينة طرابلس التاريخية

جمال اللافي

    عندما يُطرح هذا العنوان على مائدة الحوار كإشكالية معاصرة تواجه المعماري المسلم (ليس كل العرب بالضرورة مسلمين، وبالتالي طرحي هذا لا يعنيهم). 

هنا نقف حائرين فعلاً كمعماريين مسلمين أمام غرابة هذا العنوان ومستدعيات طرحه كإشكالية تستدعي النقاش أو الحوار وربما الجدل حوله. ولا نجد بُداً من طرح علامات التعجب الكبيرة على شكل تساؤلات مستهجنة ومستنكرة أن يقف هذا المعماري ولو للحظة وجيزة حائراً في اتخاذ موقف واضح من مسألة الحداثة الغربية: 

·        ما هي مُستدعيات الحيرة عند المعماري المسلم والعربي؟

·        أليست الأمور واضحة عنده!

·        أليس لديه مرجعية يقيس بها ما يعترضه من إشكاليات ويتخذ منها موقفا واضحا وصارما بلا أدنى تردد!

·   ما الذي يجعل المعماري المسلم والعربي يقف حائرا أمام الحداثة كفكر والأصالة كانتماء عقائدي قبل أن تكون انتماءً حضارياً له جذور ممتدة في عمق وجدان المسلم راسخة البنيان في عقله وتفكيره وتوجهه؟

·   هل المسألة مرتبطة بالأصالة في حد ذاتها - التي تعني بالضرورة منظومة القيم التي نؤمن بها ونعتنقها- كونها تقف عائقاً في مواجهة متطلبات العصر؟

·        وهل الحداثة تعني بالضرورة المعاصرة وكل ما يرتبط بها من متطلبات مستجدة وتقنيات متطورة؟ 

في حالة كان المقصود بالحداثة هو المنهج الفكري الذي ظهر في أوروبا، فهو بالتأكيد يتصادم مع قيمنا الإسلامية قبل أن يتصادم مع أصالة معمارنا وتميزه. وبالتالي قرارنا هنا واضح وهو الرفض المطلق لكل ما يطرحه هذا الفكر، دون أن تنتابنا الحيرة بين الرفض والقبول به. 

وفي حالة كان المقصود بالحداثة تطور التقنيات وتجدد الاحتياجات، فهذا لا يستدعي أبداً الحيرة، بقدر ما يستدعي من المعماري المسلم والعربي أن يتفاعل معها. لأن هذا هو ما حصل بالضرورة في كل زمان ومكان، حيث تتجدد احتياجات الناس ومتطلباتهم وتستجد التقنيات، فيتفاعل معها المعماري. وهكذا هي سُنّة التطور في الحياة.

المفهوم الخاطيء لعصر الحريم والعودة إلى الماضي.


حوش العائلة - بين الأصالة والتجديد


 
جمال اللافي 

     بعد إلقائي لمحاضرة بعنوان(نحو رؤية جديدة ومعاصرة لمفهوم المسكن الاقتصادي) وذلك في العام 1993 بمشروع تنظيم وإدارة المدينة القديمة بطرابلس. وكان خلاصتها الدعوة للعودة إلى مسكن العائلة الذي يضم في رحابه الأجيال الثلاثة الأب والأبناء والأحفاد، كطرح بديل عن البيوت الاقتصادية المتعارف عليها في المشاريع الإسكانية والمعتمد على تكرار النموذج السكني والارتفاع الرأسي في البناء. بعد انتهاء المحاضرة وخروجي من القاعة، خاطبتني زميلة معمارية مُبدية تحفظها على هذا الطرح، قائلة بلهجة منفعلة: شن بتردنا لعصر الحريم! 
لم أجبها في تلك اللحظة حتى لا أفتح باباً للجدل العقيم. 

    خلال السنوات التي أعقبتها تم ملاحظة أن الحديث عن الهوية المعمارية بصفة عامة والهوية بمفهومها الشامل، المتعلقة بمعاملاتنا وتعاملاتنا وما يرتبط بها من تطبيقات في كافة المجالات العلمية والفنية والأدبية، تُقابل من عامة أفراد المجتمع بتحفظ شديد هو أقرب للرفض المطلق مصحوباً أيضا بالقول: شن بتردنا للماضي! 

     الخلاصة: عصر الحريم لم يوجد في الثقافة الإسلامية يوماً في أي دولة إسلامية قامت، منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم مروراً بعهد الخلفاء الراشدين وانتهاءً بالخلافة العثمانية. والمقصود في تلك الأزمان بالحريم هم فقط نساء البيت أو القصر من الجدات والأمهات والعمات والخالات والبنات اللاتي حرم عليهم الشرع مخالطة الرجال الغرباء. والجواري تُطلق على البنات الصغيرات في السن. وليس كما صورتها رسومات المستشرقين وأفلام هوليوود وربيبتها في تشويه صورة الإسلام السينما المصرية ومن بعدها السينمات العربية. وكل امرأة متحجبة اليوم هي في حقيقتها تخبرنا بأنها حريمٌ عليها أن تنكشف على الغريب الأجنبي. 

     أما العودة إلى الماضي، فهي بلا شك العودة للزمن المُشرّف من تاريخنا الإسلامي، عصر الحضارة والمنجزات العلمية والفنية والأدبية. والهوية تعني بالضرورة التواصل مع منجزات هذه الحضارة، بتبني قيمها ومنطلقاتها والتفاعل مع معطيات الحاضر بمتطلباته وتقنياته وأدواته. ولا تعني التقوقع أو الانسلاخ عن الجذور.

نظرة خاطفة على المعمار الإسلامي في ليبيا

 

مدينة غدامس


جمال اللافي


أحدهم يتساءل: أين هي العمارة الإسلامية في ليبيا؟     

    الاعتقاد أن صروح العمارة الإسلامية في ليبيا تشبه في وضعها القائم صروح العمارة الإغريقية والرومانية في ليبيا، حيث يمكن حصرها وتحديد مواقعها في منطقتين أو ثلاث، فقد جانبه الصواب في تفكيره. لأننا عندما نتكلم عن العمارة الإسلامية في عمومها فيقصد بها العمارة التي أنشأها المسلمون في بلدانهم استناداً إلى توجيهات نبوية انطلقت أولاً من إعادة تخطيط الرسول صلى الله عليه وسلم للمدينة المنورة، حيث بنى مسجده في مركزها وقسّم المدينة إلى قطائع اختطّها لكل قبيلة( مناطق حضرية)، التي بدورها تم تخطيطها أيضا وفق مبدأ "لا ضرر ولا ضرار"، الذي سنّه عليه الصلاة والسلام، كمبدأ عام في التخطيط العمراني والمعماري للمدن الإسلامية، وما تمخّض عنها من أحكام للبُنيان استنبطها علماء المسلمين من آيات القرأن الحكيم وسُنّته الشريفة. 

    هذا الأمر هو ما أسّس لإعادة تخطيط النسيج العمراني والمعماري أولاً لمدينة طرابلس القديمة، عندما فتحها المسلمون. ومن بعدها في وضع أُسس بناء جميع المدن التاريخية الإسلامية المنطلق المنتشرة في جميع أنحاء المدن الليبية، قبل أن يهجرها سكانها إلى المناطق الحديثة، فتعرض بعضها للإزالة الكاملة وبعضها الآخر لا تزال أطلالها باقية وقلة قليلة احتفظت بكامل عمرانها ومعمارها الإسلامي المنطلق المحلي الهوية والخصوصية العمرانية والمعمارية.

 

 


الخميس، ديسمبر 10، 2020

القاتل الصامت

 

 

الحوش السماوي بمدينة طرابلس التاريخية

جمال اللافي

ما هو الشيء الذي يستحق أكثر من غيره لقب القاتل الصامت؟ 

يستحق البيت الذي تغيب عنه صفة السكينة لقب القاتل الصامت، لأنه يُساء تصميم فراغاته واختيار مواد تشطيبه وعناصر تأثيثه، وهو ذلك البيت الذي:

·        لا تتم دراسة توزيع فراغاته ومساحتها وارتفاع سقفها بالصورة التي توفر الراحة للساكن.

·        لا تدخله الكمية المناسبة من أشعة الشمس المباشرة ولا يمكن تهويته بصورة جيدة.

·        لا يتم توزيع عناصر الإضاءة فيه بالصورة التي تحقق الراحة والهدوء في الليل.

·   يتم طلاء جدرانه بكثرة الألوان في الفراغ الواحد، التي في ظاهرها شيء جميل وفي حقيقتها تسبب التوتر والانفعال والقلق والكآبة.

·        يُساء تشطيبه بمواد غالية أو رخيصة ولكنها متنافرة في شكلها وألوانها وحجمها.

·        يُساء فيه اختيار عناصر تأثيثه وعددها وحجمها مع النمط المعماري للبيت وحجم فراغاته.

·        يُكثر أصحابه من استخدام ديكورات الجبس بأشكال لا تنسجم مع بعضها البعض وبأحجام ضخمة جدا.

·        تُسمع فيه الأصوات بشكل مزعج بين الحجرات من جهة وضجيج الشارع من جهة أخرى.

·   الفاقد لهويته المعمارية المرتبطة بجذور المجتمع. ويعتمد نمطه على تقليد أنماط تنتمي لشعوب وثقافات أخرى، فيعزز لدى ساكنه شعوراً داخليا لا واعيا بمسبباته بالنقص والولاء لتلك الشعوب، ويفقد معه روح الانتماء لمجتمعه وثقافته الأصيلة. 

فيؤدي بذلك إلى غياب السكينة عنه وتوتر العلاقات بين سكانه، حتى يصل الأمر في الكثير من الأحيان إلى حدوث المشاحنات والهروب الدائم من التواجد فيه، بسبب الشعور بالضيق والتوتر وعدم الراحة. 

بيوت تؤدي بأشكالها وموادها وسوء توجيه فراغاتها وواجهاتها وقلة تهويتها إلى انتشار الأمراض العضوية والنفسية والعقلية، التي قد تُنسب لأسباب طبية،لا علاقة لها بالحقيقة.

مصدر الصورة:

تصوير: كميلة الأسطى- صفحة زوايا طرابلسية، موقع فيسبوك

المواضيع الأكثر مشاهدة

بحث هذه المدونة الإلكترونية