أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

{فأما الزَّبد فيذهب جُفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض}- سورة الرعد، الآية 17

‏إظهار الرسائل ذات التسميات تأملات في المعمار. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات تأملات في المعمار. إظهار كافة الرسائل

الأربعاء، نوفمبر 05، 2025

مدن تنهض ومدن تنتكس

 تأملات في المعمار حين تهتز الأرض تحت أقدام الشعوب


جمال الهمالي اللافي

حين تتعرض الشعوب لتحولات جسام- ثورات، انقلابات، حروب أهلية-لا تتغير الأنظمة فقط، بل تتغير المدن. فبعضها ينهض من ركامه، يبني نفسه بسواعد أبنائه، ويستعيد توازنه رغم العصف. وبعضها ينقلب على ذاته، يقتتل أهله فيما بينهم، فيتحول الفضاء العام إلى ساحة خصام لا ساحة بناء. وبعضها ينمّي مقوماته على حساب غيره، يحتكر الموارد، ويُضعف الأطراف ليقوى المركز. وبعضها ينفلت من كل قيد، فينهب، ويعتدي، ويحوّل المعمار إلى غنيمة. وبعضها يجعل من الفوضى غاية لا وسيلة، ويُبقي الحاضر معلقًا كي لا يُبنى المستقبل. وبعضها يتغطرس على غيره دون أن يملك ما يتغطرس به، متمسكًا بماضٍ لم ينفعه، ورافضًا أن يكون جزءًا من التحول. وبعضها ينتظر من الدولة ما تدّعي فقدانه، رغم أنها تملك أدوات النهوض، لكنها تؤثر الغياب، لا العجز.

    هذه ليست أوصافًا لمدن بعينها، بل أنماط تتكرر في كل مكان، كلما اهتزت الأرض تحت أقدام الشعوب. وما يُقرأ في السياسة والاجتماع، يُرى بوضوح في المعمار، حيث يصبح البناء مرآة للوعي، لا مجرد جدران.

(إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ) – الرعد: 11

مدن تنهش ذاتها

حين يتحول الفضاء العمراني إلى ساحة اقتتال داخلي، لا يبقى للمعمار سوى أن يتراجع. لا تُبنى الساحات، بل تُغلق. لا تُرسم المخططات، بل تُلغى. المعمار هنا لا يُنتج، بل يُعاقب.

مدن تبني على إضعاف غيرها

ثمة مدن تطوّر مقوماتها، لكنها تفعل ذلك عبر احتكار الموارد، أو سحب الكفاءات، أو تعطيل إمكانات غيرها. المعمار فيها يبدو مزدهرًا، لكنه قائم على اختلال التوازن، لا على عدالة التوزيع.

مدن تنهب لا تبني

حين يتحول المعمار إلى غنيمة، يُفقد معناه. البناء العشوائي، التعدي على الأملاك، تحويل الفضاءات إلى مناطق مغلقة... كلها صور لمعمار لا يُبنى من حاجة، بل من طمع.

مدن تُبقي الفوضى قائمة

بعض المدن لا تسعى إلى الاستقرار، بل إلى تعطيله. المعمار فيها لا يُستخدم لتأمين الحياة، بل لتشويشها. مشاريع متوقفة، تغييرات متكررة، غياب للهوية البصرية... وكأن المعمار صار أداة تعطيل لا بناء.

مدن تتغطرس بلا أساس

التمسك بالمظاهر لا يمنح المدينة قوة، بل يُبقيها خارج الزمن. المعمار هنا يُستخدم كقناع، لا كهوية. رموز تُعاد إنتاجها دون وعي، ورفض لأي مشروع لا يُشبه الماضي، حتى لو لم يكن الماضي نافعًا.

مدن تنتظر ولا تبادر

المدن التي تنتظر التفاتة من مؤسسات غائبة، لا تبني نفسها. المعمار فيها معلّق، ينتظر قرارًا أو ميزانية أو وعدًا. لا مبادرة، لا تخطيط، لا فعل... فقط انتظار.

خاتمة: المعمار لا يُبنى بالخرسانة وحدها

المدن لا تنهض بالمباني، بل بالأفكار التي تُنتجها. وما لم يتغير ما بالنفوس، سيبقى المعمار شاهدًا على التكرار، لا على التقدم. النهوض المعماري يبدأ من الوعي، من المصالحة، من الاعتراف بأن المعمار ليس زينة، بل شهادة على من نحن.

ولعل القارئ يرى في مدينته، أو في ذاكرة شعبه، ما يشبه هذه الصور، أو ما يناقضها. فالمعمار لا يكذب، لكنه لا يتكلم إلا حين يُصغى إليه.

في إدارة الحفاظ على المدن والمعالم التاريخية

تجربة ميدانية في إدارة التراث العمراني

 

جمال الهمالي اللافي


المقدمة

في سياق عملي الطويل في مجال الحفاظ على المدن والمعالم التاريخية، ومن خلال تجربتي العملية التي اكتسبتها خلال فترة عملي بمشروع تنظيم وإدارة المدينة القديمة بطرابلس بين عامي 1990 و2001، وجدت أن التحديات لا تكمن فقط في تقنيات الترميم أو في فهم القيمة التاريخية للمكان، بل في طريقة إدارة المؤسسات المعنية بهذا الشأن، وفي كيفية اتخاذ القرار، وتوزيع المسؤوليات، وتفعيل الحوار. ما أطرحه هنا ليس توصيات جاهزة، بل تأملات نابعة من تجربة ميدانية، ومن احتكاك مباشر مع الواقع، ومع ما يعتريه من تعقيدات وتداخلات. أكتبها على أمل أن تفتح بابًا للنقاش، لا أن تغلقه.

عند التعامل مع مسألة الحفاظ على المدن والمعالم التاريخية، ينبغي لمن يتحمّل هذه المسؤولية أن يراعي عددًا من الجوانب المرتبطة بكيفية إدارة المؤسسات المعنية، وطرق التدخل في أعمال الترميم والصيانة. أستعرض هنا بعض النقاط التي لمستها خلال تجربتي العملية، لتعميم الفائدة وتوضيح الرؤية:

1.      الإنصات قبل اتخاذ القرار

من المفترض أن يبادر المعنيون بمجال الحفاظ، ممن يقودون مؤسساته، إلى التواصل أولًا مع المختصين والمنتفعين بالمكان، بهدف التعرف على وجهات نظر مختلفة أو متفقة، وتوسيع مداركهم المعرفية قبل وضع أي تصور عام لإدارة هذه المؤسسات.

2.      أولوية التخطيط على الترميم

من المهم تنظيم عروض ومحاضرات متخصصة ترتكز أولًا على الدراسات التخطيطية، التي ينبغي أن تسبق الدراسات الهندسية والتاريخية والاجتماعية. هذا الترتيب يساعد على فهم احتياجات كل منطقة داخل المدينة التاريخية، ويضمن توزيعًا عادلًا للأنشطة، مما يسهم في إحياء المدينة بالكامل ويعزز فرص نجاح المشاريع في كل منطقة منها.

3.      الحذر من الانغلاق المؤسسي والمحاباة

ينبغي تجنب الاعتداد بالرأي الشخصي من طرف المسؤولين، أو التعاطي مع مجموعة منتقاة على أساس المحاباة، دون النظر إلى خبرتهم أو كفاءتهم المهنية. مثل هذا السلوك يضر بمصلحة المؤسسة، ويؤدي إلى اتخاذ قرارات ارتجالية لا تستند إلى منهجية علمية في التعامل مع المدن التاريخية ومعالمها المعمارية والعمرانية.

4.      الحضور المؤسسي الكامل في الفعاليات المعرفية

من الضروري أن يحضر المدير العام واللجنة الإدارية وكافة العاملين من مختلف التخصصات هذه العروض، لما لذلك من أثر في نشر الوعي وتبادل الأفكار. كما يُستحسن استضافة أصحاب الخبرة والاختصاص ممن لا تسمح لهم ظروفهم بالالتحاق بالعمل داخل المؤسسة، لكنهم لا يمانعون تقديم استشاراتهم عند الحاجة.

5.      الحوار الدوري كأداة للتصحيح

إجراء حلقات نقاش دورية بين الإدارة والعاملين يساهم في تذليل الصعوبات، وتفهم وجهات النظر المختلفة، وتلافي الأخطاء، وتدارك ما فات، مما ينعكس إيجابًا على أداء المؤسسة.

6.      التكامل المؤسسي في اتخاذ القرار

من المهم إشراك المؤسسات الأخرى ذات العلاقة المباشرة أو غير المباشرة بمجال الحفاظ على المدن التاريخية في اتخاذ القرارات التي تمس اختصاصها، لضمان التنسيق وتكامل الرؤية.

7.      إشراك السكان وتحفيزهم

ينبغي إشراك سكان المدن التاريخية في كل إجراء يمس مدينتهم وحياتهم، وإعلامهم وتوعيتهم به قبل الشروع في تنفيذه. كما يُستحسن تحفيزهم بالحوافز التشجيعية، بما يعزز التزامهم بآليات صيانة المعالم المعمارية التي يشغلونها، ويساعد في الحفاظ على قيمتها التاريخية.

الخاتمة

الحفاظ على المدن التاريخية ليس فعلًا تقنيًا فحسب، بل هو موقف معرفي وأخلاقي ومجتمعي. وما لم تُدار المؤسسات المعنية بهذا الملف بوعي شامل، وبانفتاح على الخبرة والتعدد، فإن الجهود ستظل مجزأة، والنتائج محدودة.
ما كتبته هنا هو محاولة لتوثيق ما رأيته ولمسته، لا من باب التنظير، بل من باب المسؤولية تجاه المكان، وتجاه من سيواصلون العمل فيه بعدنا
.

الثلاثاء، نوفمبر 04، 2025

نحو مدرسة معمارية ليبية

 استلهام الباوهاوس واستعادة الاختصاصات المسلوبة



 جمال الهمالي اللافي

تمهيد

في زمنٍ باتت فيه العمارة تُختزل في برامج التصميم ومخرجات العروض البصرية، يتوارى المعماري كممارس شامل خلف جدران التخصصات المجزأة. هذه المقالة لا تسعى إلى تقديم نموذج جاهز، بل إلى فتح أفق للنقاش حول إعادة تشكيل التعليم المعماري في ليبيا، بما يستجيب للسياق المحلي ويستحضر الهوية الثقافية والمكانية.

نقد الواقع الأكاديمي المعماري

كيف ساهم التعليم الأكاديمي في تجزئة المعماري؟

  • منذ استحداث التعليم الأكاديمي المعماري في ليبيا، وخصوصًا مع انتشار الجامعات الخاصة، بات التكوين المهني يعتمد على التخصصات النظرية، مع إضعاف واضح للتدريب الميداني.
  • يتم تدريس التصميم المعماري بمعزل عن التنفيذ، دون إلمام حقيقي بمراحل البناء أو تقنيات الحرفة التقليدية.
  • يغيب عن الطالب التدريب على التصميم الداخلي، تنسيق المواقع، والتخطيط الحضري، رغم أنها كانت جزءًا من الممارسة المعمارية التقليدية.
  • هذا الفصل يُنتج مصممًا يعتمد على فرق خارجية، مما يُفقده سلطته المهنية ورؤيته الشاملة.
  • في المقابل، تُظهر تجارب مثل الباوهاوس وورش الـ Design-Build أن دمج الحرفة بالتعليم يُنتج معماريًا واعيًا بالمادة، والموقع، والإنسان.

إن نقد الواقع الأكاديمي لا يهدف إلى تقويضه، بل إلى مساءلته. فاستعادة المعماري كممارس شامل تعني إعادة بناء المنهج بما يستوعب الحرفة، والميدان، والهوية، في آنٍ واحد.

نماذج عالمية ملهمة

بين النظرية والميدان: كيف تجاوزت بعض المدارس الفصل الأكاديمي؟

  • الباوهاوس: جمعت بين الفن، الحرفة، والتعليم. اعتمدت على مبدأ "التصميم عبر الصنع"، مما منح الطالب وعيًا ماديًا ومكانيًا لا يتحقق في القاعات النظرية.
  • مدرسة AA في لندن: ربطت التعليم بالممارسة من خلال مشاريع واقعية ونقد حي، وقيّمت الطلاب على التفكير النقدي والتفاعل مع السياق.
  • Rural Studio في أمريكا: نفذت مشاريع حقيقية في المجتمعات الريفية، مما عزز فهم الطالب للمواد والبيئة الاجتماعية، وأعاد للمعماري سلطته المهنية.

هذه النماذج لا تُقدّم وصفة جاهزة، لكنها تُظهر أن التعليم المعماري يمكن أن يُعاد تشكيله ليصبح أكثر التصاقًا بالحرفة والسياق.

نحو تصور مدرسي ليبي

استعادة الاختصاصات لا استنساخ النماذج

يقترح هذا التصور ملامح فكرية لمنهج تعليمي ومهني يعيد للمعماري سلطته، ويستحضر "أسطى البناء" كمصدر معرفي، لا كرمز تراثي. يقوم على أربعة أعمدة:

  1. دمج الحرفة بالتعليم: عبر ورش ميدانية وتدريب على المواد وتقنيات البناء التقليدية.
  2. إعادة تعريف التخصصات: تدريس التصميم الداخلي، تنسيق المواقع، والتخطيط الحضري كمجالات متداخلة.
  3. الوعي بالمكان والهوية: دراسة العمارة المحلية وتحليل السياقات الاجتماعية والثقافية.
  4. المعماري كممارس متعدد: قائد مشروع، مفكر مكاني، ومشارك في التنفيذ.

المدرسة المقترحة ليست مؤسسة، بل فكرة يمكن أن تتجسد حين تتوفر الإرادة، ويُعاد الاعتبار للمعماري كممارس، لا كمصمم فقط.

خاتمة

المعماري كممارس متعدد: استعادة الدور لا استعادة الماضي

إن ما طُرح لا يسعى إلى تأسيس مدرسة جديدة، بل إلى تأسيس وعي جديد حول مهنة المعماري، ودوره الذي تآكل بفعل الفصل الأكاديمي والتخصص المفرط. النماذج العالمية تُظهر أن التعليم يمكن أن يُعاد تشكيله بما يناسب السياق المحلي، لا عبر استنساخ التجارب، بل عبر استلهامها.

تبقى الأسئلة مفتوحة: كيف يمكن للمعماري أن يستعيد سلطته المهنية دون أن يفقد روحه التأملية؟ وكيف يمكن للتعليم أن يُعيد تشكيل نفسه ليصبح أكثر التصاقًا بالحرفة، والسياق، والإنسان؟ هذه الأسئلة تستحق أن تُناقش في فضاءات أكاديمية ومهنية جادة.

السبت، أكتوبر 25، 2025

تجربة "الكون 25" كما قرأتها من زاويتي


جمال الهمالي اللافي

في ستينيات القرن الماضي، أجرى عالم السلوك جون كالهون تجربة عُرفت باسم "الكون 25"، حيث أنشأ بيئة مثالية للفئران: وفّر لها الطعام والماء والمأوى، وأزال عنها كل تهديد خارجي. في البداية، ازدهر المجتمع الفأري، لكن سرعان ما ظهرت سلوكيات غير مألوفة: عزلة، عدوانية، انكفاء على الذات، ثم انهيار كامل في التفاعل والتكاثر، وصولًا إلى الانقراض. خلص كالهون إلى أن الاكتظاظ، حتى في ظل الوفرة، يؤدي إلى انهيار اجتماعي وسلوكي، وهو ما اعتبره تحذيرًا من مصير المجتمعات البشرية إذا فقدت التوازن بين النمو والاحتواء.

لكن هذه التجربة لم تستوقفني في حيثياتها، ولا في خلاصتها كما أراد صاحبها. ما استوقفني هو ما تكشفه عن أثر البيئة العمرانية حين تُبنى بلا رؤية، وتُحشد فيها الكتل السكانية دون اعتبار للكرامة أو التفاعل أو الانتماء.

خطر الاكتظاظ لا يكمن في العدد وحده، بل يتضاعف حين يقترن بـ العشوائية العمرانية، وشيوع الفقر، وغياب البنية التحتية والخدمات الأساسية. في مشاريع العمارات السكنية التي تُبنى بنموذج مكرر، دون مرافق ترفيهية أو مساحات خضراء، يتحوّل السكن إلى عزلة جماعية، ويصبح الحيّز العمراني طاردًا لا حاضنًا. فالمكان، حين يُصمَّم بلا اعتبار للكرامة، يُعيد تشكيل السلوك بصمت، ويُغذّي الانكفاء بدل الانتماء.

وقد أثبتت دراسات علم النفس البيئي أن غياب الضوء الطبيعي، وانعدام التهوية، وضيق المساحات، تؤثر مباشرة على الصحة النفسية، وتزيد من معدلات الاكتئاب والعدوانية. كما أن التصميمات المغلقة، التي لا تتيح التفاعل البصري أو الاجتماعي، تُنتج شعورًا بالانفصال، وتُضعف الإحساس بالانتماء للمكان.

غياب المساحات الخضراء، والمرافق التي تتيح التفاعل الآمن، لا يُنتج فقط بيئة فقيرة، بل يُعيد تشكيل العلاقة بين الفرد والمكان، ويحوّل الحيّ إلى معبر لا إلى مستقر. وقد أشار علماء الاجتماع إلى أن المجتمعات التي تفتقر إلى رموزها الثقافية والمعمارية، تُنتج أفرادًا يشعرون بالاغتراب، حتى لو كانوا في موطنهم.

ما رأيته في الواقع لا يُفسَّر بتجربة "الكون 25"، بل يُفصح عن أن الانهيار لا يأتي من الاكتظاظ وحده. فالمدن التاريخية كانت تتميز بكثافتها العالية، وتلاصق مبانيها، وضيق شوارعها، ومع ذلك كانت المكان الآمن لسكانها، الحافظة لقيمهم، والعامل على قوتهم. في تلك المدن، كانت الكثافة تعني التقارب، لا التنافر؛ أما اليوم، فالكثافة تُنتج عزلة حين تُبنى بلا رؤية، وتُكرّس الانفصال حين تُصمّم بلا روح.

وقد بيّنت أبحاث علم النفس الاجتماعي أن الشعور بالكرامة مرتبط ارتباطًا وثيقًا بالبيئة العمرانية التي تحترم الحاجات النفسية والاجتماعية، لا تلك التي تختزل الإنسان في وظيفة سكنية. حين يُختزل السكن إلى مأوى جسدي، ويُستبعد منه ما يُراعي الحاجات النفسية والاجتماعية، يتحوّل الحيّ إلى فضاء طارد، ويُصبح العمران أداة تكديس لا وسيلة حياة.

الانهيار يأتي من غياب القيم حين تتوفر الوسائل.

والعمارة، حين تُبنى بلا رؤية، تُصبح جزءًا من هذا الفراغ، لا علاجًا له.

بل إن العمارة المعاصرة، في كثير من نماذجها الإسكانية، لا تُبنى بلا رؤية فحسب، بل تُبنى برؤية تستهدف تدمير كرامة الإنسان، وتدفعه إلى العزلة، والعنف، وانعدام الإنتاجية، عبر بيئات مكتظة، مغلقة، تفتقر إلى الضوء، والمساحات، والمرافق التي تُنعش الروح وتُحفّز التفاعل. وقد أشار علماء النفس إلى أن البيئات التي تُقصي الإنسان من التفاعل، وتُحاصره في وحدات سكنية مغلقة، تُغذي السلوكيات الانكفائية، وتُضعف القدرة على بناء علاقات صحية.

فحين يُختزل السكن إلى مأوى جسدي، ويُستبعد منه ما يُراعي الحاجات النفسية والاجتماعية، يتحوّل الحيّ إلى فضاء طارد، ويُصبح العمران أداة تكديس لا وسيلة حياة.

فهل نعيد التفكير في ما نبنيه، أم نواصل التعايش مع فراغ لا يملؤه الإسمنت؟

الجمعة، أكتوبر 24، 2025

من الطماطم إلى الطوب: حين تُختزل العمارة في محاكاة شكلية


جمال الهمالي اللافي

مقدمة تأملية

في زمنٍ بات فيه الشكل يطغى على المعنى، تُستدعى شرائح الطماطم والدلاع كمصدر إلهام لتصاميم معمارية تُعرض بفخر على أنها "ابتكار". لكن العمارة ليست طبقًا يُزين بالمكونات العشوائية، بل هي خطاب مسؤول يُبنى على فهم عميق للبيئة والهوية والذاكرة الجمعية.

الصورة وتعليق نقدي

الصورة المرفقة تُجسد هذا التوتر بدقة: تشابه بصري بين شرائح الطماطم ومبنى حديث بتصميم منحني ومجزأ. وكأن الشكل وحده يكفي ليبرر الفكرة. هذا النوع من المحاكاة الشكلية لا يُعبّر عن وعي معماري، بل عن انحدار في سلم القيم، حين يُستبدل السياق الثقافي بالمطبخ، ويُستبدل الالتزام بالذوق العابر.

خاتمة تربط الفكرة بالواقع

العمارة ليست شطحة ولا ترفًا. إنها مسؤولية أخلاقية قبل أن تكون ممارسة فنية. ومن يخلط بين الإبداع والهرطقة، عليه أن يعيد تعريف موقعه من الفكرة، لا أن يكتفي بتزيينها. إن ما يُروّج له اليوم في وسائل الإعلام العالمية من أفكار "متحررة" لا يُمثل الإبداع، بل يُمثل الغفلة. والرد القاسي أحيانًا لا يكون إلا محاولة لإيقاظ الغافل، لا لإهانته.

حين تُبنى المدن بلا ذاكرة: تأمل في المعاصرة والهوية العمرانية

مدينة القلعة بيفرن، من المدن القديمة التي هجرت وتركت لعوامل الزمن


جمال الهمالي اللافي

ينظر المعماريون في الغرب إلى حاضرهم فيرونه امتداداً عضوياً لماضٍ عمراني متجذر، تربطه سلسلة متصلة من الحلقات الحضارية، لا انقطاع فيها ولا قطيعة. كل طبقة عمرانية لديهم تنهل من سابقتها، وتضيف إليها دون أن تمحوها، فتتشكل المدن ككائن حيّ ينمو ويتطور دون أن يفقد ذاكرته.

أما نحن، ففي ظل ما يتعرض له العمران الليبي من خراب ممنهج، وما يُمحى يومياً من معالمنا التاريخية، نقف أمام سؤال مؤلم: كيف سيكون شكل العمارة في ليبيا بعد نصف قرن؟ وهل ستبقى لنا ذاكرة عمرانية نحتكم إليها، أم سنُسلّم مدننا لعشوائيات تُرسم اليوم بلا رؤية، ويُحتفى بها غداً بوصفها "عمارة محلية أصيلة"؟ أتخيل معماريّاً شاباً في ذلك المستقبل، يقف مفتخراً أمام هذه العشوائيات، ويُسميها امتداداً للهوية، بينما هي في حقيقتها انقطاعٌ عنها، وتشويهٌ لها.

في هذا السياق، يُطرح أحياناً سؤال من بعض المعماريين:

"لماذا ينبهر المعماري الليبي بالعمارة الحديثة في البلدان الأخرى، بينما يرفضها في بلاده بحجة الحفاظ على الهوية؟"

والجواب أن ما يُنظر إليه هناك ليس انبهاراً، بل إعجابٌ نابع من إدراكٍ واعٍ بأن تلك العمارة الحديثة نشأت من رؤية متكاملة، منسجمة مع قيم المجتمع، ومع البيئة والتقنيات والمواد المتاحة. أما ما يُفرض عليه في بلاده، فهو غالباً عمران بلا رؤية، بلا انسجام، وبلا احترام للذاكرة الجمعية. لهذا، فالإعجاب هناك لا يعني الرغبة في التقليد، بل هو دعوة لأن ننهج نحن أيضاً طريقاً خاصاً بنا، نبني فيه عمارة معاصرة تعبّر عن قيمنا، وتراعي معطياتنا البيئية والاقتصادية، وتستثمر ما لدينا من مواد وتقنيات، لا ما لدى غيرنا.

أما الانبهار، فهو حالة من فقدان البوصلة، يسعى فيها الفرد إلى التقليد الأعمى، ضارباً بعرض الحائط كل ما لديه من خصوصية، فلا يصل إلى شيء، ولا يبني شيئاً. فقط يعيش حالة تخبط دائم، ويُنتج عمراناً بلا روح.

ولعل ما يزيد الأمر تعقيداً هو أن التعليم المعماري نفسه، في كثير من الأحيان، لا يُدرّس كفعل ثقافي نقدي، بل كتمرين شكلي وتقني، مما يُخرج أجيالاً من المعماريين بلا حسّ تاريخي، ولا وعي سياقي، ولا قدرة على مساءلة ما يُطلب منهم إنجازه. حين يُدرّس الطالب كيف يرسم، لا كيف يفكر، فلا عجب أن يُنتج عمراناً بلا ذاكرة.

وبينما كانت مدن مثل برشلونة أو إسطنبول تعيد قراءة تراثها لتصوغ منه عمراناً معاصراً، كانت مدننا تُهدم بلا بديل، وتُبنى بلا ذاكرة، ويُحتفى فيها بالفراغ وكأنه إنجاز.

لهذا، فإن السؤال الحقيقي ليس عن ازدواجية المعايير، بل عن غياب الرؤية، وعن الحاجة إلى وعي نقدي يعيد للعمارة الليبية مكانتها كخطاب حضاري، لا كزينة شكلية أو تكرارٍ أجوف.

فهل نملك الشجاعة لنُعيد تعريف المعاصرة من داخلنا، لا من خلال مرآة الآخر؟

المسجد الليبي: من المركز إلى الهامش


  

جمال الهمالي اللافي

تمهيد

ليست المساجد مجرد مبانٍ لأداء عبادة مفروضة، بل هي تجسيد حي لروح الأمة الإسلامية، ومعمار يعكس موقع العقيدة الإسلامية في وجدان المسلمين وفي قلب المدينة. ومع تراجع هذه المكانة، تراجعت صورة المدينة الإسلامية ذاتها.

"المسجد ليس بناءً وظيفيًا فحسب، بل هو مرآة للوجدان الجمعي، ومحرابٌ للهوية."

المسجد في المخطط الإسلامي التقليدي

في التخطيط الإسلامي التقليدي، كان المسجد الجامع مركز المدينة، والمحراب هو نقطة الانطلاق في التشكيل العمراني. مآذنه كانت علامات حضرية تحدد الاتجاهات، وتربط الإنسان بالمكان والزمان. حوله تنشأ الأسواق، وتتموضع مؤسسات الدولة، ويُبنى الحي على أساس القيم الروحية التي يغذيها المسجد.

الاستعمار الإيطالي (1911–1943): التهميش المعماري المقصود

مع دخول المستعمر الإيطالي، تغيّرت أولويات التخطيط. أُقصي المسجد عن مركزية المدينة، لصالح الكنائس والمباني الإدارية التي احتلت مواقع استراتيجية، كما في ميدان الجزائر بطرابلس وكاتدرائية بنغازي. هذا التهميش لم يكن عشوائيًا، بل كان انعكاسًا لعقيدة المستعمر، التي أعادت تشكيل هوية المدينة على نحو يتعارض مع وجدان أهلها.

ما بعد الاستقلال (1951–الآن): غياب المسجد عن المشهد

رغم رحيل المستعمر، بقيت رؤيته حاضرة في التخطيط العمراني. ظهرت الأبراج والبنوك في قلب طرابلس، بينما حُشر المسجد في الزوايا المهملة. لم يعد يمثل معلمًا حضريًا، ولا يحظى باهتمام المصممين أو الحرفيين المهرة. وغابت الطرز المحلية لصالح أشكال دخيلة، تتراوح بين الطرز المستوردة، والإسراف الزخرفي، والابتذال، والحداثة الهلامية.

التحولات الاجتماعية والعمرانية: أثر التهميش على الوعي الجمعي

تراجع حضور المسجد يعكس تراجع حضور العقيدة في الحياة العامة. ومع طغيان القيم المادية، فقدت المدينة الإسلامية مركزها الروحي، وتحوّل التخطيط إلى فعل مادي مجرد، يفتقر إلى البعد القيمي الذي كان المسجد يجسده.

ومن منطلق الإيمان العميق بتأثير العمارة في تشكيل سلوك الإنسان، فإن تغييب المسجد عن قلب المدينة وعن نسيج الحي السكني لم يكن مجرد قرار تخطيطي، بل فعلٌ رمزيٌّ ترك أثره في النفوس. فكما تراجع حضور المسجد في المشهد العمراني، تراجعت معه مكانة العقيدة في وجدان الناس، وتبدلت أولوياتهم، حتى غدت المادة هي المرجع، لا الروح.

نحو استعادة المكانة

لا بد من إعادة الاعتبار للمسجد، ليس فقط في المخططات العمرانية، بل في وجدان الناس. وذلك عبر:

  • إعادة مركزية المسجد الجامع في تخطيط المدن والمناطق والمشاريع الإسكانية.
  • ربط مؤسسات الدولة والبلديات حضريًا بالمسجد.
  • تنظيم الأسواق والمرافق العامة حوله.
  • مراعاة التنوع البيئي والثقافي في التصميم.

التوصيات

من أجل استعادة المكانة المركزية للمسجد في تخطيط المدن الإسلامية المعاصرة، لا بد من فتح باب الحوار المعماري والتخطيطي عبر تنظيم ندوات ومؤتمرات متخصصة، تُعنى بمناقشة المحاور التالية:

  • إعادة التفكير في التخطيط الحضري للمدن من منظور يعيد للمسجد دوره المحوري في تشكيل الصورة العمرانية، لا بوصفه مرفقًا وظيفيًا فحسب، بل باعتباره نواة روحية وثقافية تنبع منها باقي مكونات المدينة.
  • صياغة معايير تصميم معماري للمساجد تستلهم الطرز المحلية وتراعي خصوصية كل منطقة من حيث التضاريس والمناخ والبيئة الثقافية، بما يضمن تنوعًا أصيلًا في أنماط المساجد، ويمنع الاستنساخ المعماري الذي يطمس الهوية.

الجمعة، أكتوبر 17، 2025

الهُوية المعمارية: من حضور المادة إلى حضور المعنى

العمارة ليست استجابة تقنية، بل فعلٌ ثقافيٌ يُعبّر عن الذات الجماعية

تفصيل داخلي يُجسّد حضور الهُوية في أبسط عناصرها: حديدٌ أخضر مزخرف، أصصٌ فخارية، ونظرةٌ معمارية لا تُستعرض بل تُفصح عن نفسها بهدوء.

جمال الهمالي اللافي

مواد البناء وتقنيات الإنشاء تتغير وتتطور أو تبقى على حالها لا فرق. أما الهُوية المعمارية التي تعكس ثقافة وخصوصية أمة وشعب ومنطقة فراسخة في البنيان، لا يعيبها تجدد مواد البناء أو اختلاف طرق الإنشاء. في اعتقادي وجب فهم هذه النقطة والوعي بها وعياً متجذراً في العقل والوجدان.

هذا الوعي ليس ترفًا فكريًا، بل شرطٌ أساسيٌ لفهم العمارة بوصفها خطابًا ثقافيًا لا مجرد ممارسة تقنية. فحين تُختزل العمارة في أدواتها، تُفقد قدرتها على التعبير، وتتحول إلى قشرة وظيفية بلا روح. أما حين تُستوعب الهُوية بوصفها جوهرًا متجذرًا، فإن كل مادة، مهما كانت حداثتها، تصبح قادرة على حمل المعنى، إن وُظّفت بصدق.

الهُوية المعمارية لا تُقاس بنوع الطوب أو شكل النوافذ، بل تُقاس بقدرتها على استدعاء الذاكرة، على محاورة المكان، على احترام الإنسان الذي يسكنها. إنها ليست استنساخًا للماضي، ولا انبهارًا بالمستقبل، بل موقفٌ نقديٌ من الحاضر، يُوازن بين الوفاء للجذور والانفتاح على العصر.

في زمنٍ تتسارع فيه التقنيات وتُستورد فيه النماذج، لا يكون التمسك بالهُوية انغلاقًا، بل فعلًا واعيًا. إنه موقفٌ فاعل، لا ردّ فعل. ليس رفضًا للآخر، بل تأكيدًا للذات. اختيارٌ نابع من إدراك عميق لما يُشبهنا، وما يُعبّر عنا، لا انجرارًا وراء أنماط مستوردة تُفرغ البنيان من روحه.

الهُوية المعمارية لا تُدافع عن نفسها، بل تُعلن حضورها. لا تُقاوم الذوبان، بل تُفصح عن خصوصيتها بثقة، وتُعيد تشكيل السياق بما يليق بها. إنها ليست في موقع ضعف، بل في موقع تحديد المعايير، حين يُحسن المعماري الإصغاء للذاكرة، والبيئة، والناس.

المواد تتغير، والتقنيات تتطور، لكن هذه كلها أدوات في يد المعماري، وليست محددات للهُوية. يمكن للخرسانة أن تحمل روح الطين، ويمكن للزجاج أن يعكس دفء الحجر، إن وُظّفت بوعي سياقي. فالهُوية لا تُقاس بنوع المادة، بل بقدرتها على التعبير عن الإنسان والمكان والزمان.

الهُوية لا تعني التكرار الذي يُفرغ العمارة من معناها، بل تعني التمايز. أن يكون للبنيان لهجة، وللجدار ذاكرة، وللنافذة نظرة تُشبه أهل المكان. إنها ليست استنساخًا للماضي، ولا انبهارًا بالمستقبل، بل موقفٌ نقديٌ من الحاضر، يُعيد تعريف العلاقة بين الشكل والمعنى.

إن فهم هذه النقطة لا يقتصر على المعماري وحده، بل هو مسؤولية جماعية: من صانع القرار إلى المواطن، من الأكاديمي إلى الحرفي. لأن العمارة، في جوهرها، مرآةٌ للوعي الجمعي، لا مجرد منتج فردي.

خاتمة

فليكن وعينا بالهُوية المعمارية متجذرًا، لا عاطفيًا. متزنًا، لا انفعاليًا. وليكن البناء فعلًا ثقافيًا بامتياز، لا مجرد استجابة لحاجة وظيفية. فالهُوية لا تُستحضر من خارج السياق، بل تُولد من داخله، حين يُصغي المعماري للناس والمكان والزمن،  لا للموضة أو السوق.


الخميس، أكتوبر 16، 2025

العمارة العصبية: حين يتكلم الفراغ بلغة الدماغ

 قراءة في البرمجة المعمارية العصبية وامكانيات تطبيقاتها الليبية


 جمال الهمالي اللافي

الافتتاحية: من منشور إلى فضول إلى بحث

في صباح الأمس، شارك د. إبراهيم الأصيفر على صفحته منشورًا لافتًا حول ما يُعرف بـ"العمارة العصبية" (Neuroarchitecture)، حيث كتب:

"حين ندخل مكانًا ونشعر بالراحة أو التوتر، السعادة أو الانزعاج، دون سبب واضح، فذلك ليس صدفة.
الأماكن تتحدث مع أدمغتنا بلغة لا نسمعها، لكننا نحسّها.
هذه هي لغة العمارة العصبية، حيث التصميم يتحول من شكل إلى شعور وإحساس، ومن ثم حالة نفسية."

وقد دفعني هذا الطرح إلى إعادة التفكير في العلاقة بين التصميم المعماري والمستعمل، لا بوصفها علاقة وظيفية أو جمالية فقط، بل علاقة عصبية عميقة. شاركت المنشور على صفحتي، ثم تواصلت مع المساعد الذكي "كوبيلوت" لاستكشاف هذا المجال الذي يربط بين البرمجة المعمارية وآليات عمل الدماغ.

العمارة العصبية: من علم الأعصاب إلى التصميم

العمارة العصبية هي تخصص بيني يجمع بين علم الأعصاب والعمارة، ويهدف إلى فهم كيف تؤثر البيئة المبنية على الدماغ البشري من حيث:

  • الانفعالات النفسية: مثل الراحة، التوتر، الطمأنينة، الانزعاج.
  • الوظائف الإدراكية: التركيز، الانتباه، الذاكرة.
  • الاستجابات الفسيولوجية: مثل معدل ضربات القلب، التنفس، إفراز الكورتيزول.

وفق دراسة منشورة في مجلة الفنون والعلوم التطبيقية (2024)، فإن الفراغات المعمارية تؤثر على الإنسان منذ اللحظة الأولى للدخول، عبر عمليات إدراكية وفسيولوجية لا شعورية، مما يجعل التصميم الداخلي أداة عصبية تؤثر على الصحة النفسية والرفاهية.

أمثلة معمارية تنطبق عليها المفاهيم العصبية

  • مركز سالك للأبحاث (Salk Institute) في كاليفورنيا: تصميمه يخلق شعورًا بالانفتاح والسكينة، ويُستخدم كمثال في دراسات العمارة العصبية.
  • مستشفى ماجيز (Maggie’s Centres) في بريطانيا: تعتمد على تصميمات تقلل التوتر وتدعم التعافي النفسي.
  • مكتبة بيركلي العامة: توظيف الضوء الطبيعي والمواد العضوية لتحفيز التركيز والراحة.

هذه الأمثلة تُظهر كيف يمكن للعمارة أن تكون علاجًا، لا مجرد مأوى.

 

نحو تطبيق العمارة العصبية في السياق الليبي

في ليبيا، حيث تتشابك العمارة مع الهوية والذاكرة ومواجهة الاستلاب الحضاري، يمكن للعمارة العصبية أن تكون أداة لإعادة بناء العلاقة بين الإنسان والمكان. كيف؟

  • إعادة التفكير في البرمجة المعمارية: بحيث لا تُبنى الفراغات على الوظيفة فقط، بل على الاستجابة العصبية للمستعمل.
  • توظيف المواد المحلية: التي ترتبط بالذاكرة الجمعية وتخلق شعورًا بالانتماء.
  • تصميم فراغات عامة: تراعي الإيقاع العصبي للإنسان الليبي، من حيث الضوء، الصوت، التوزيع، والرمزية.

يمكن أن تكون هذه المقاربة مدخلًا لنقد المشاريع المعمارية التي فشلت في احتضان الإنسان، رغم ضخامتها أو حداثتها الشكلية.

خاتمة

العمارة ليست صامتة. إنها تتكلم، تشتكي، تفرح، وتغضب. وما العمارة العصبية إلا محاولة لفهم هذه اللغة الخفية التي يتحدث بها المكان إلى الدماغ. في السياق الليبي، حيث العمارة ليست مجرد بناء بل خطاب، فإن فهم هذه اللغة قد يكون خطوة نحو تصميم أكثر صدقًا، أكثر إنسانية، وأكثر قدرة على احتضان الذات الجمعية.

أنماط البيوت التقليدية في ليبيا

المسكن الطرابلسي التقليدي المنزل ذو الفناء " الحوش " جمال الهمالي اللافي مقدمة / يعتبر(...