أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

{فأما الزَّبد فيذهب جُفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض}- سورة الرعد، الآية 17

الأحد، نوفمبر 23، 2025

ربحٌ أثمن من الكلفة

العمارة التي تمنحك أكثر مما تدفع


جمال الهمالي اللافي


مقدمة

حين تُقاس العمارة بالأرقام وحدها، تضيع قيمتها الأعمق: معنى البيت، ودفء الهوية، وطمأنينة العيش. ليست القضية في حساب الكلفة فقط، بل في المفارقة التي تجعلنا نُسائل الطراز المحلي ونغضّ الطرف عن الطرز المغتربة، رغم أنها أكثر كلفة وأشد اغترابًا. هنا يصبح الحديث عن العمارة حديثًا عن الوعي، وعن إعادة الاعتبار لما يشبهنا ويمنحنا السكينة.

جرت العادة عند عرض أحد مشاريعي المنفذة على الطراز المحلي المعاصر، أن يبادر البعض إلى إظهار تكاليف تنفيذها وكأنها باهظة، ومخالفة لما درجت عليه تكلفة المشاريع على الطرز المغتربة. ويُقال إن في تنفيذها مشقة كبيرة على المهندسين والعمال.

وفي المقابل، لم أجد مثل هذه التعليقات على المشاريع المغتربة التي تبالغ في استخدام الخرسانة ومواد التشطيب المكلفة، وكأنها أمر طبيعي لا يستحق التساؤل. هذه المفارقة وحدها تكشف حجم الغفلة: حين يُنتقد ما يشبهنا ويُسامح ما يُغرّبنا.

إن مثل هذه التخوفات كفيلة بزعزعة ثقة المتابعين بهذا النمط المعماري. ولا تفلح محاولات التوضيح بالشرح والتفصيل في إظهار أن أسعار هذا النمط في مرحلتي التنفيذ والتشطيب هي في الحقيقة أقل كلفة. لذلك، لن أرهق نفسي هذه المرة بالحديث عن الأرقام، بل سأجاري من يبالغ في ارتفاع أسعارها بالقول:

أنت لا تدفع ثمن الجدران والحجارة فقط، بل تدفع لتشتري الانتماء المفقود، وراحة البال، ومتعة العيش. وهذا أغلى من الضياع في متاهة التغريب، حيث لا هوية ولا دفء ولا معنى. فإذا اشتريت، هانت عندك الكلفة، لأنك ستكتشف أنك ربحت ما هو أثمن منها:

  • ربحت بيتًا يشبهك،
  • وفضاءً يذكّرك بجذورك،
  • وحياةً تمنحك السكينة قبل أن تمنحك المأوى.

المسألة ليست أرقامًا تُقارن، بل في وعيٍ يعيد للعمارة معناها وللبيت هويته.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أنماط البيوت التقليدية في ليبيا

المسكن الطرابلسي التقليدي المنزل ذو الفناء " الحوش " جمال الهمالي اللافي مقدمة / يعتبر(...