أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

{فأما الزَّبد فيذهب جُفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض}- سورة الرعد، الآية 17

الجمعة، نوفمبر 21، 2025

البيوت الفارهة: عمران بلا روح

 


جمال الهمالي اللافي

لم يعد البيت مجرد مأوى يقي الإنسان حرّ الصيف وبرد الشتاء، بل صار في كثير من الأحيان مرآةً للوجاهة والاستعراض. وبينما يفترض أن يكون السكن موطنًا للسكينة والدفء، تتحول بعض البيوت الفارهة إلى فضاءات متعالية على ساكنيها، تُظهر ثراءً مصطنعًا وتخفي فراغًا داخليًا.

1.      المظهر الباذخ والجوهر الفارغ

البيوت الفارهة، ذات الأقواس المبالغ في ارتفاعها والمساحات المفتوحة على بعضها، والمكسوة بأغلى مواد التشطيب، لا تعكس بالضرورة رفاهية السكن. إنها عمران يتعالى على ساكنيه، ويحوّلهم إلى خدمٍ له، يحرصون على حماية تفاصيله الباذخة أكثر من حرصهم على راحتهم.

2.      غياب السكينة والدفء

هذه البيوت لا تمنح دفئًا ولا سكينة. فهي باردة المشاعر، متفاخرة بثراء تفاصيلها، لكنها فارغة من المعنى الإنساني. تتحول من مأوى إلى عبء، ومن حضن إلى فضاء متحجر يستهلك ساكنيه في طقوس العناية اليومية.

3.      البيت التقليدي المحلي: حكمة المكان

في المقابل، البيت التقليدي المحلي- سواء في طرابلس أو غدامس أو غيرها من المدن- يقوم على مبدأ الانسجام مع الإنسان والمكان. جدرانه السميكة تحمي من الحر والبرد، ساحاته الداخلية تمنح الخصوصية والراحة، وتوزيع فراغاته يوازن بين الانفتاح والاحتواء. إنه بيت ينسج علاقة حميمة مع ساكنيه، ويعكس قيم الجماعة والدفء الاجتماعي.

4.      رمزية الغرور الاجتماعي

البيت الفاره إذن ليس مجرد عمران، بل رمز للغرور الاجتماعي، يُشيّد لتأكيد المكانة والهيمنة، بينما يغيب عنه جوهر السكن: أن يكون مأوىً دافئًا يليق بالإنسان. أما البيت التقليدي، فهو شاهد على حكمة المكان، حيث تتجسد العمارة كامتداد طبيعي للهوية والذاكرة، لا كاستعراض للثراء.

خاتمة

إن فقدان السكينة في البيوت الفارهة ليس سوى انعكاس لفقدان الهوية في العمران الحديث؛ فحين يتغلب الاستعراض على الحكمة، ويُستبدل الدفء بالبرودة، يتحول البيت من مأوى للإنسان إلى شاهد على اغترابه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أنماط البيوت التقليدية في ليبيا

المسكن الطرابلسي التقليدي المنزل ذو الفناء " الحوش " جمال الهمالي اللافي مقدمة / يعتبر(...