الهوية الثقافية والمسؤولية الاجتماعية في التصميم الداخلي الليبي
![]() |
| مربوعة علي التليسي- بقرية أولاد بن تليس ببني وليد |
جمال الهمالي اللافي
التصميم
الداخلي ليس ترفًا ولا استعراضًا، بل مسؤولية تجاه الناس والهوية. حين يغيب هذا
الوعي، يتحول الإبداع إلى تقليد أجوف. هنا دعوة للتأمل في موقعنا من هذه القضية.
في زمن
تتسارع فيه موجات التقليد والانبهار بالتصاميم الغربية، يبرز أمامنا مثال حي من
التجربة الكينية في التصميم الداخلي، حيث استطاع المصممون هناك أن يستلهموا
الموروث الثقافي الأفريقي ويحوّلوه إلى لغة معاصرة تعبّر عنهم وتُرسّخ هويتهم. هذه
التجربة تطرح سؤالًا جوهريًا: لماذا نغفل نحن عن كنوزنا المحلية ونغرق في استنساخ
نماذج لا تعكس واقعنا ولا هويتنا؟
إن ما
يحتاج المصممون الداخليون والمصممات إلى إدراكه هو أن غالبية المجتمع الليبي يعيش
تحت خط الفقر أو قريبًا منه. وإذا لم يكن استحضار الهوية الثقافية الليبية ضمن
أولوياتهم، فإن احترام الوضع المادي للناس يصبح واجبًا لا مفر منه. فالتصميم
الداخلي ليس مجالًا للتفاخر أو لإشباع نزعة استعراضية، بل هو مسؤولية اجتماعية قبل
أن يكون ممارسة جمالية.
إن
استيراد عناصر التأثيث والمفروشات من الخارج، لمجرد إرضاء نزعة التقليد أو
الانبهار بما يُعرض في المجلات الأجنبية، لا يؤدي إلا إلى إرهاق المجتمع ماديًا،
ويكشف في الوقت ذاته عن فقر معرفي وانغماس في النقل الأعمى. بينما الإبداع الحقيقي
يكمن في القدرة على استخراج الجمال من أبسط الموارد المحلية، وتحويلها إلى قيمة
معيشية أصيلة تعكس هوية المكان وتلبي احتياجات الناس.
الصوت
الذي يطالب بالعودة إلى الهوية واحترام الواقع الاجتماعي ليس مجرد احتجاج عابر، بل
هو دعوة إلى وعي جديد. فالقضية لا تُحسم بالصوت العالي وحده، وإنما بوجود آذان
صاغية وعقول واعية تستوعب الرسالة وتحوّلها إلى ممارسة مهنية مسؤولة. هنا يكمن
جوهر التحدي: أن يتحول النقد إلى فعل، وأن يصبح التصميم الداخلي في ليبيا أداة
لبناء الوعي الجمعي، لا مجرد انعكاس لذوق مستعار.
ليس
المطلوب أن ننافس الغرب في صورته، بل أن نُظهر جمالنا في صورتنا نحن. هنا فقط يصبح
التصميم الداخلي فعلًا ثقافيًا واجتماعيًا، لا مجرد تقليد أجوف.

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق