أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

{فأما الزَّبد فيذهب جُفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض}- سورة الرعد، الآية 17

الجمعة، نوفمبر 14، 2025

العمارة كوعي لا كأثر

الجزء الأول من سلسلة: العمارة كوعي حضاري بين النسبة والاستمرارية


جمال الهمالي اللافي

في زمنٍ تتكاثر فيه الشعارات عن "الامتداد الحضاري"، وتُستعرض فيه الأطلال بوصفها دليلًا على العظمة، تبرز الحاجة إلى إعادة النظر في العلاقة بين العمارة والهوية، بين الأثر والوعي، بين ما نُردده وما نُنتجه.

هذه المقالة لا تُعنى بالعمارة بوصفها زخرفة أو استعراضًا، بل بوصفها مرآة للوعي الحضاري، ومؤشرًا على موقع الشعوب من الزمن، لا من التاريخ فقط. نبدأ من سؤال بسيط لكنه جوهري:

هل نملك حضارة ممتدة، أم أننا نعيش على هامش حضارة مضت؟

من هذا السؤال تتفرّع المقالة إلى ثلاثة محاور مترابطة:

  • الأول يُميّز بين الحضارة الممتدة والحضارة المنقطعة، ويُظهر كيف أن الاستدعاء الرمزي للماضي يُغذّي العجز بدل أن يُعالجه.
  • الثاني يطرح إشكالية النسبة الحضارية: هل كل أثر يُبنى على أرض شعب ما يُعد تعبيرًا عن هويته؟ أم أن السلطة المعمارية تُنسب لمن يملك القرار لا لمن يسكن المكان؟
  • الثالث ينتقل من التفكيك إلى البناء، ويطرح مفهوم العمارة كاستعادة للذات، حيث يُصبح الشعب فاعلًا لا متلقيًا، وصاحب قرار لا مستهلكًا رمزيًا.

هذه المقالة لا تقدّم أجوبة جاهزة، بل تُحفّز على مساءلة المفاهيم، وتُعيد الاعتبار للعمارة كخطاب نقدي، لا كديكور تاريخي. إنها دعوة للوعي، لا للانبهار. دعوة للفعل، لا للتكرار.

وهم الحضارة في الخطاب المعماري: بين الذاكرة والواقع

كثيرًا ما يُستدعى الماضي المعماري في الخطاب المحلي بوصفه دليلًا على "امتداد حضاري" مزعوم، دون مساءلة حقيقية عن طبيعة هذا الامتداد أو انقطاعه وهنا تبرز المفارقة الدقيقة بين أن تكون الحضارة المعمارية ممتدة فعليًا، وبين أن تكون مجرد ذكرى تُستغل كأداة تعويضية عن حاضر هش.

إن القول بأن لدينا حضارة منذ سبعة آلاف سنة لا يعني بالضرورة أننا نعيش في سياق حضاري مستمر. فالفارق جوهري بين من يراكم التجربة ويطوّرها، وبين من يعيش على هامش الحضارات، مستندًا إلى أطلال الماضي دون قدرة على إنتاج خطاب معماري حي.

في هذا السياق، يصبح التمجيد غير النقدي للماضي المعماري نوعًا من العيش في أوهام الماضي، وهي حالة نفسية تعكس عجز العقل الجمعي عن تحقيق أي خطوة متقدمة في مسار الحياة المعمارية. فبدلًا من أن يكون الماضي منطلقًا لفهم الذات وتطويرها، يتحول إلى قيد رمزي يُستخدم لتبرير الركود.

تحليل نقدي

  • العمارة ليست مجرد شواهد حجرية، بل هي تعبير عن وعي زمني وثقافي. وحين يغيب هذا الوعي، تتحول العمارة إلى ديكور تاريخي بلا وظيفة.
  • استدعاء الماضي دون مساءلة يخلق فجوة بين الشكل والمضمون، بين ما نعرضه وما نعيشه.

سؤال جوهري للخطاب المعماري المحلي:

هل نملك فعلاً حضارة معمارية ممتدة؟ أم أننا نُعيد إنتاج رموزها دون فهم سياقاتها، فنعيش على هامشها بينما نُردد شعاراتها؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أنماط البيوت التقليدية في ليبيا

المسكن الطرابلسي التقليدي المنزل ذو الفناء " الحوش " جمال الهمالي اللافي مقدمة / يعتبر(...