أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

{فأما الزَّبد فيذهب جُفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض}- سورة الرعد، الآية 17

الاثنين، أبريل 27، 2009

أخبار

يستضيف مكتب الجامعة للاستشارات الهندسية، استاذ التصميم الحضري بجامعة تيو ساوت ويلز بمدينة سيدنس بأوستراليا، المعماري جون لانق، و ذلك لإلقاء محاضرة حول أهمية التصميم الحضري، كأحد الحلقات الرئيسية لمنظومة إعداد المخططات العمرانية، مع التركيز على مراكز المدن، وذلك يوم الثلاثاء الموافق 12 مايو 2009 على تمام الساعة 10 صباحا. بقاعة المحاضرات بالمتحف الجماهيري، بالسرايا الحمراء، طرابلس/ ليبيا.

مصدر الصورة/ موقع fotocommunity


الجمعة، أبريل 10، 2009

في سوق الرباع... كانت لنا أيام



الأستاذ/ محمد طرنيش*


سوق الربع ,, بضم الراء ،، أو الرباع وهي جمع الرباع وكلا التسميتين صحيحة ، يعتبر من أقدم وأشهر الأسواق لا في طرابلس وحدها أو في ليبيا فحسب بل في عديد من الأقطار العربية، وقد تعدت شهرته خارج الوطن لأسباب عدة ؛ فهو يقع وسط عدد من الأسواق المتداخلة بجانبه ،، وتطل عليه،كما أنه على بعد أمتار قليلة من السرايا الحمراء ، وهي أقدم القلاع الموجودة في ليبيا والوطن العربي ، يضاف إلى ذلك طريقة البناء المعماري للسوق ،ولعلنا لا نبالغ إذا قلنا إن من يزور طرابلس دون أن يشاهد سوق الرباع كأنه لم يزورها ، لذا نجد أن العديد من السائحين أو من الزائرين في مهام رسمية أو من الوافدين إلى ليبيا لغرض العمل يحرصون على زيارة القلعة ثم الأسواق المجاورة لها وبالطبع سيكون أحدها سوق الرباع .

يجمع أغلب المصادر التاريخية بأن سوق الرباع قد تم بناؤه في عهد الوالي عثمان باشا الساقزلي الذي تولى حكم طرابلس خلال الفترة من عام 1649 حتى العام 1673 م ، معنى ذلك أن فترة حكم هذا الوالي استمرت أربع وعشرين سنة وهي المدة التي تم فيها بناء هذا السوق ؛ فالمصادر التاريخية لم توضح السنة التي تم تشييده فيها ، وإن كانت تلك المصادر تصف تلك الفترة بالازدهار العمراني في مدينة طرابلس ؛ فخلالها تم بناء عدد من الأسواق والفنادق والمساجد والمدارس القرآنية والتي من أشهرها مدرسة عثمان باشا الواقعة بالقرب من جامع درغوث باشا بالمدينة القديمة والتي كان لها دورها التاريخي والعلمي في تخريج دفعات من كبار العلماء في مختلف المجالات الشرعية والفقهية واللغوية .

لاشك في أن الطريقة الهندسية التي تم بها بناء سوق الرباع تضيف عليه الكثير من الجماليات التي زاد اهتمام الناس بها مع مرور الزمن ؛ فهو أول سوق يتم تشييده في مدينة طرابلس بطريقة تغطية الأسقف بشكل كامل ، كما أنه مشيد على طريقة حرف (H )، وهو أول سوق بهذا الاتساع وبهذه المساحة ، فهو يضم حوالى (131 ) محلاً تجارياً، وبه سبعة أبواب ومداخل ، خمسة من خارجه تطل على أسواق جانبية أخرى ، ومدخلان آخران يطلان عليه من داخل مسجد أحمد باشا الذي تم بناؤه بعد السوق بأكثر من ستين عاماً ، أما الخمسة الأبواب والمداخل الرئيسية الأخرى فهي :
الأول ، يتوسط سوق المشير . والثاني ، يطل على سوق (الفرامل )في اتجاه سوق الترك . والثالث ،مقابل للمدخل الأوسط لجامع الناقة . والرابع مقابل زقاق وسوق الحلقة . أما الخامس فيتوسط سوق الصياغة . أما محلاته وحوانيته التجارية فهي متقابلة يفصل بينها ممر بطول السوق لحركة المشاة بين المحلات ، كما تتلاصق المساطب الطويلة الممتدة من داخل المحلات إلى خارجه بطول السوق وعلى امتداده وهي لجلوس أصحاب المحلات في الداخل أما في الخارج فهي للزبائن والمترددين على السوق ، كما يوجد في بعض مداخله عدد من المقاهي تقوم بتقديم خدماتها إلى أصحاب المحلات ، فيكتفي مثلاً لصاحب المحل أن يخرج رأسه من محله صائحاً على صبي المقهى الذي ولتجربته وخبرته يستطيع معرفة الصوت ومصدره فيتّجه رأساً إلى صاحبه مسرعاً "بصفرة النحاس" المملوءة بفناجين القهوة وكؤوس الشاي بالنعناع والمليء بعضها إلي حافته باللوز أو الكاكاوية فيختار الزبون منها ما يريد.

سوق الرباع مجتمع غريب وعالم قائم بذاته ونظام تكويني خاص فهو ينفرد علي بقية السواق بعادات وتقاليد وطقوس قد لا يستطيع فهمها أو تفسيرها سوي من عاش فيه ، وعايش حركته التجارية والاجتماعية ، ولقد كان من قدري أن أعيش حركة هذه السوق ردحاً من الزمن مصاحباً لوالدي رحمه الله الذي كان أحد تُجاره لفترة تزيد على نصف قرن من الزمن .. وتأتي غرابة هذا العالم الذي يضجّ بالحركة والنشاط اليومي من نوعية التجارة التي يمارسها منذ تأسيسه إلى يومنا هذا ، وهي تجارة الملابس والمنسوجات والمطرزات الوطنية فقط ، حتى إنه كان يطلق عليه اسم " سوق العرب " لتميّزه عن بقية الأسواق التي تمارس تجارة تخص ّ الجاليات الأجنبية الأخرى التي كانت تعيش في مدينة طرابلس ، ولم تفلح وعلى مر الزمن كل المحاولات لتغيير واستبدال نشاطه التجاري ، فهو بذلك السوق الوحيد الذي حافظ على هويته التجارية وتخصّصه من بين الأسواق جميعها التي أصابها التغيير والاستبدال تبعاً للتغيرات الاقتصادية والاجتماعية التي طرأت علي المجتمع الليبي .

أمين السوق أو شيخ التجار كما يُعرف في المشرق العربي كان يتم تكليفه واختياره في سنوات قديمة من قبل الدولة ، أما الآن فإن تصعيده يتم شعبياً ، وتُراعى في الاختيار قديماً أو حديثاً شروط لا بد من توافرها فيمن يحمل هذه الصفة من بينها ، الصلاح والتقوى ، ومنهجه العميق لنوعية هذا السوق ومعرفته الكاملة بالبضائع ، وقدرته الفائقة على اكتشاف التلاعب أو التزوير الصناعي والحرفي ، كما يعزَِِّز مركزه بالصدق والأمانة وعدم التحيز في التقاضي بين المتخاصمين من أصحاب المحلات ، أو بينهم وبين أجهزة الدولة مثل الأوقاف والضرائب والحرس البلدي وغيرها ؛ كما أن من مهامه إجراء الاختبارات المهنية للراغبين في العمل بما يعرف " بالدِّلالة " والدَّلاَّل هو السمسار أو الوسيط الذي تنحصر مهمته في إتمام عملية البيع بين الصانع أو الحرفي وبين صاحب المحل المشتري وذلك مقابل نسبة معيَّنة يتقاضاها في مقابل عمله هذا ، وهناك جوانب تجارية واجتماعية أخرى تتعلق بمهام أمين السوق لا يتَّسع المجال لذكرها.

سوق الرباع ساهم مساهمة فعَّالة في دعم الكثير من المناسبات الدينية والوطنية ، ويعود الفضل إلى العديد من تجَّاره في تأسيس ودعم المشاريع والأعمال الإنسانية ؛ فبعضهم كان يدعم دعماً متواصلاً مدرسة الفنون والصنائع الإسلامية ، وجمعيات العمل الخيري التي كان لها دورها المهم في رعاية الأرامل والأيتام ، أما جمع الزكاة وتوزيعها على مستحقيها فهي عادة متأصِّلة من عادات السوق السنوية ، وقد وصل الأمر ببعض التجار إلى رعاية الكثير من الأسر المحتاجة ممن لا يقدر أهلها على ممارسة التسّول ، فكانت لهم معونات أسبوعية ثابتة ، يأتون لاستلامها بطريقة خاصة لا يعلم بها أحد ، وفي هذا الجانب كان التجار يتسابقون لفعل مثل هذه الأعمال الخيرية التي تحفظ للمحتاج ماء وجهه وتمنعه من ذل السؤال ومضايقة الناس ، أما موقف سوق الرباع في دعم حركة التحرير الجزائرية والقضية الفلسطينية والمواقف الإنسانية الأخرى التي تتعلق بالأقطار العربية ، فهذا أمر لم يتعرض له أحد من الباحثين حتى الآن ، وأصبح مع الوقت نسياً منسياً ، فلم يأخذ هذا السوق ودوره الاجتماعي والنضالي حقه من البحث والدراسة ، ولكن حسب تجَّاره إنهم يفعلون ذلك لوجه الله تعالى ، وهذا ما حدث معي فعلاً عندما خطر على بالي الكتابة عن أحد تجّار هذا السوق ممن كان لهم دورهم البارز في مجالات الخير والإحسان والدعم النضالي وعند زيارته في بيته لمحاورته اعتذر بأدب وتواضع قائلاً :ـ " إننا فعلنا لوجه الله ولأبناء وطننا من الليبيين أو العرب الأشقّاء لا نريد شهرة ولا دعاية لأنفسنا ". وقد استمر على موقفه الرافض للحديث معي في هذا الجانب إلى أن توفي عليه رحمة الله.

يبتدئ النشاط التجاري الفعلي اليومي عند الساعة الحادية عشر صباحاً ما عدا يوم الثلاثاء ، فيقف أمين الصنعة وهو كبير " الدلاَّلة " على مكان عالٍ نسبياً يقع في منتصف السوق بجوار المدخل الفرعي من جهة جامع أحمد باشا ويصيح بصوته الجهوري ويفتتح اليوم التجاري بعبارة يردِّدها أمناء الصنعة منذ زمن طويل يومياً بقوله :ـ
" الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين .. من باع يربح .. ومن شري يربح .. ومن يصلّي على النبي يربح .." وهي الإذن بانطلاق أعمال البيع والشراء عن طريق الدِّلالة فيقوم الدِّلال باستلام البضاعة من صاحب المحل أو الحرفي ثم يدور بها على أصحاب المحلات فيتم فحصها ومعاينتها ثم تقدير ثمنها . وهذه الطريقة أيضاً لهل نظامها وقوانينها التي تراكمت وتواصلت منذ سنوات طويلة ، فالدّلال مثلاً ملزم بمراجعة صاحب المحل الذي استفتح البيع بتقدير سعر البضاعة منذ بداية اليوم ، كما أن الأخير ملزم بشرائها إذا كان هو زائد سعرها الأخير أو يقول للدَّلاَّل عبارة " إن شاء الله يربح " وهي الإذن والعلم بعدم رغبته في تواصل المزيد من تدرّج سعرها ، وبالتالي يعود الدَّلاَّل إلى صاحب الرقم الأخير في زيادتها ليسلّمه إياها قابضاً منه ثمنها عائداً إلى صاحبها الذي يستلم المبلغ ويدفع أتعاب الّدَلاَّل فوراً من قيمة البضاعة المباعة.

إن تجار هذا السوق كانوا يتعاملون كأفراد أسرة واحدة ؛ فرغم تلاصق حوانيتهم ، وتوّحد نوعية تجارتهم فهم لا يسارعون إلى استقطاب زبائنهم من بعضهم البعض ، كما أن الأمانة والصدق في التعامل قد وصلا إلى منتهاهما فتكفي الكلمة استعاضة عن كتابة السندات ، كما أن وضع قطعة من القماش أو المتر الخشبي أو عصا مكنسة بشكل عـَرضي في مدخل المحل تكفي للدلالة على أن صاحبه سيعود حالاً إما من الصلاة أو من قضاء حاجة ، أما في أوقات الصلاة فالكثير منهم يسارع إلى صلاة الجماعة تاركاً دكانه مفتوحاً.
ومن الطرائف التي أذكرها أن عدداً من التجار كانوا يقرأون الصحف ويتابعون الأخبار ، وكانوا يتبادلون الصحف في ما بينهم ، فيشتري أحدهم صحيفة معينة ، ويشتري أخر غيرها ، ويشتري ثالث غيرها ، وما أن ينتهي اليوم حتى يكون الواحد منهم قد اطّلع على عدد من الصحف وهو لم يدفع سوى ثمن صحيفة واحدة ، وكان بعضهم يهتم بقراءة الكتب وإن كانوا في أغلبهم يقرأون كتب التفسير وعلوم الحديث الشريف والفقه ، ومن الطرائف كذلك أن عدداً من الشيوخ والعلماء ممن كانوا يلقون الدروس والمواعظ بالمساجد المجاورة والقريبة من السوق كجامع أحمد باشا وجامع الناقة وجامع شائب العين كانوا يترددون على السوق ويتّخذون بعض المساطب أمام بعض الدكاكين أمكنة لجلوسهم وتبادل أحاديثهم ومسامرتهم فتتحول جلساتهم العفوية اليومية إلى حلقات علم ومعرفة تعود بالفائدة على المحيطين بهم من عامة الناس .

سوق الرباع عالم عجيب ، ومجتمع فريد ربما لن نتمكّن عبر هذه المساحة من الإحاطة به من كافة جوانبه المختلفة والمتعددة ، ولكن حسبي هنا مجرد فتح نافذة لشهية الباحثين الشباب ممن يهتمون بتاريخنا التجاري والاجتماعي والإنساني الذي يحتاج منا بذل الكثير من الجهد لنفض الغبار عنه ، والعمل على بحثه ودراسته وهي الأمانة التي نتحمّل وزرها أمام أجيالنا المقبلة .


* كاتب وصحفي ليبي

المصدر/ مجلة مربعات، العدد 01 ، صيف 2007         

حرفة الصياغة خلال مسيرة نصف قرن





محمد الهادي جمعة الغرياني*


اهتم الإنسان منذ القدم بأناقته ، فالرغبة فيها فطرية لديه منذ فجر تاريخه ، وتدل الآثار القديمة على أنه حتى في مرحلة الوحشية كان يميل إلى الأناقة ، فزين جسده بأنواع من الوشم ، ثم استخدم بعد ذلك الحلي المختلفة.
واهتمت الحضارات القديمة بصياغة الذهب والفضة منذ فترة تعود إلى 2000 سنة قبل الميلاد وماتركته لنا الحضارة المصرية القديمة وحضارة بلاد الرافدين من تحف فنية وحلي مختلفة تدل على مقدرة كبيرة ، وإبداع حرفي متميز لدى صانعي تلك الحلي (1) . ليس هناك تاريخ محدد أومعروف يخص صياغة الذهب والفضة في طرابلس إلا بما يستوحي من مصنوعات أثرية محفوظة في المتاحف المحلية كالسرايا الحمراء وما تحتويه من مصكوكات فينيقية أو رومانية أو عربية والتي يرجع تاريخها إلى ما بعد الفتح الإسلامي على يد القائد عمرو بن العاص في عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ؛ إذ لم تضرب النقود في عهده ، فقد كانوا يتداولون الدراهم الفارسية ( الدرهم البغلي ) والدنانير البيزنطية " الدينار الهرقلي " المضروب في سوريا .
وفي ليبيا نجد أن المؤرخ الإغريقي هيردوتس الذي عاش في القرن الخامس قبل الميلاد ، يصف حياة بعض القبائل الليبية ويشير إلى حٌلِي بعضها فيقول : " إن قبائل الأدرماجندي تلبس الواحدة من نسائهم خلخالاً برونزياً في ساقيها ". واشتهر الجرامنت في الجنوب الليبي بصناعة الحٌلِي الذهبية والفضة مثل المشابك والأساور إضافة إلى ما صنع من الحٌلِي من الأحجار الكريمة الملوَنة كالفيروز والزمرد الأخضر والعقيق الأحمر ، مما يدل أن صناعة الحٌلِي ونقشها وزخرفتها كانت صناعة رائجة وفناً شعبياً قائماً شائعاً لديهم ، وتدل المخلفات الأثرية على استخدام الليبي للحٌلِي في الفترة الفينيقية والرومانية ؛ إذ عثر على الكثير منها في المقابر المكتشفة ، كما تدل بعض النقوش الموجودة على بعض المعابد والأضرحة على استخدام الليبي للحٌلِي منذ فترة تعود إلى ما قبل القرن الثاني الميلادي . ولقد ازدهرت صياغة الذهب والفضة في ليبيا في العهد العثماني الثاني ( 1835 – 1911 م ) وكانت سبائك الذهب تستورد من أفريقيا ومصر إضافة إلى ما يعاد صهره من الحٌلِي والمسكوكات الذهبية القديمة ، أما سبائك الفضة فقد كانت تستورد من فرنسا ، وقد كانت صياغة الفضة أكثر تطوراً من صياغة الذهب نظراً للظروف الاقتصادية للبلاد ؛ إذ كان الإقبال على المصوغات الفضية كبيراً والأهالي يقبلون على شرائها خاصة عندما تكون مواسم الحصاد مزدهرة .
وقد اشتركت ليبيا في بعض المعارض الدولية منها معرض باريس 1867 ومعرض النمسا 1873 ، ومعرض فيلادلفيا بأمريكا 1875 ، عرضت فيها بعض المصوغات الذهبية والفضية المصنعة محلياً (2).
ولكن من العهدين العثماني الأول والثاني وإلى بداية الحكم الإيطالي كانت صياغة المعادن الثمينة في ليبيا حكراً على اليهود حيث بقيت في أيديهم إلى ما قبل الحرب العالمية الثانية ، ونظراً لأن الطرابلسيين كانوا يأنفون من مهنتي الصياغة والحدادة ويعتبرونها منقصة تحد من قدرهم ذلك لما يعلق بحرفييها من قذارة وسخام ، من أجل ذلك كان الطرابلسيون يميلون إلى الاشتغال بالتجارة وحبهم للسفر والمغامرة إلى الأقاليم الصحراوية النائية ومنها إلى بلاد الســـــودان × ، هذا بينما كان سكان الضواحي والأرياف يفلحون الأرض ويقومون بتربية المواشي وتسويق المحاصيـل الزراعيـــة ، وإن كـــان البعض منهم يزاول حرفة الحيـاكة أو صناعــة الأخفــاف الجلديـة ولكن على سبيـــــل الهوايـة لا الاحتراف المستديم .
يرجع البعض أن حرفة صياغة المعادن الثمينة ازدهرت مع مجيء اليهود إلى طرابلس وهم أولئك اليهود الذين فروا من وجوه محاكم التفتيش الاسبانية ، وأنا مع هذا الرأي ، ذلك لأن بعض اليهود الصاغة يحملون أسماء وألقاباً أندلسية مثل الصائغ ( خلافو حكمون ) – ( موشي فضلون ) على نسق سحنون وابن زيدون ،وما هذا الا مجرد رأي .
ومن ضمن هؤلاء النازحين من اليهود مجموعة استقرت في جنوب جادو والجبل الغربي في منطقة وادي سروس (3). قد يكون ذلك حرصاً منهم وخوفاً على سلامتهم من ملاحقة الإسبان إن هم استقروا متاخمين لشواطئ طرابلس ، وقد دلَت بعض أعمال الحفر والتنقيب على وجود آثار عرف منها أنها دكاكين صاغة تزيد في العدد على خمسة وسبعين دكاناً يقال إن البعض منها كانوا يصنعون القناديل الفضية يصدرونها إلى مملكة فينيسيا بشمال إيطاليا لوضعها في الكنائس وكان ذلك في القرن السادس عشر الميلادي (4).

أنواع الحٌلِي
الحٌلِي أنواع عديدة وقد يتفق بعضها في الإسم وإن إختلف في الشكل والوزن وذلك حسب البلدان والقرى ؛ فالمصوغات النسائية بطرابلس تختلف عن بقية مصوغات النساء اللاتي يقطن بالأرياف والصحارى ، وكما أن المناطق الحدودية والتي لها ثقافة مشتركة تظهر آثارها في العادات واللهجة والقيافة كل منطقة بحسب ما يجاورها ، ويكاد ينسحب التشابه على المتاجرين ، ماعدا مصوغات نساء الصحراء الكبرى ؛ فالاختلاف ظاهر ، كما أن عيار الفضة متدن ٍ يصل الى أقل من عيار 600 ، ولذا ذلك تجد لونها حائلاً يغلب عليه الإصفرار أو الإخضرار.

مصوغات نساء طرابلس
فإذا ما حاولنا استعراض مصوغات نساء طرابلس فهي تتكون من الإكليل المسمى " بالشنبير" تشده المرأة على أعلى الجبهة ، وتضع في اذنيها أكثر من قرط وهو عيار اثنى وعشرين محلَّى بحبات من اللؤلؤ ويسمى القرط الذي يشبك بشحمة الأذن بالخرص ، ويليه قرطان أعلى منه يسميان بالونيسة ، وفي أعلى الأذن قرطان يسميان بالتكليلة ؛ وهذا النوع من الأقراط تتساوى في اقتنائه نساء الضواحي ونساء طرابلس ، بينما تنفرد نساء طرابلس بأقراط أخرى تلبس للمناسبات وهي ماتسمى ( بالمناقش ) ، وهي من عيار تسعة مرصعة بالأحجار الكريمة تتدلى منها حبات اللؤلؤ على هيئة عناقيد صغيرة.

مايلبس في العنق
العقود ، تضع المرأة الطرابلسية في عنقها عقد اللؤلؤ غالباً ماتلبسه في الأيام العادية ، وبعض النساء تضع عقد الصخاب وهو منظوم يحتوي على خرزات على هيئة مثلثات صنعت من معجون المحلب العطري وهو يتخشب بفعل الزمن وتتصاعد رائحته بتفاعله مع العرق ، وتنظم بين حبات المحلب حبات صنعت من ذهب عيار اثنى عشر يطلق عليها اسم حب الزيتون. ومن النساء الميسورات من تضع في عنقها عقد الماجارات ، وهو يحتوي على مجموعة من المسكوكات النمساوية القديمة وهي من عيار أربعة وعشرين . وفي بداية الخمسينيات كان هذا العقد يعتبر رصيداً توفره الأسرة لسد ثغور الاحتياج ولفك الأزمات ووضعه في العنق للحفاظ عليه أكثر من التزين به ولأنه ليس به مايمت الى الناحية الجماليــة بأيـة صلة ؛ فهو عبارة عن قطع ذهبية مخرومـة ومخاطة بقطعة متينة على هيئة سير من القمـــاش الأسود ، والمرأة إذا ما اضطرت إلى مغادرة البيت في أي مناسبة كانت فهي حريصة على لبسه ولاتخرج بدونه.
وفي المناسبات تتحلى المرأة الطرابلسية بالعقد الفضي المسمى باللبة وقد تضيف عليها لبة ( القرون ) وهي من عيار 12، وتلبس في معصميها ما يسمى بالحدايد وهي فضية وذلك في سائر الايام ، أو حدائد ذهبية عيار 18 تسمى بـ "قلوب البطيخ "، أو أساور فضية تسمى بالطرابلسي وهي مموهة بماء الذهب ، والميسورات منهم يضعن أساور ذهبية عيار 22 تسمى بـ "الاستنبولي". وتشد على وسطها حزاماً يسمى بـ" حزام البشكتي " وتضع في قدميها الحذاء المُغشَّى بالفضة من عيار 900 وهو مايسمى بـ" التليك ".
وقبل نصف قرن لم يكن النساء يستعملن المشابك الذهبية لشد الأردية وهي مايعرف عند الجميع بالخلال SPILLO-BROCE ) ) ولكن يشبكن أرديتهم بالخلال المعدني العادي .
وأما في الوقت الراهن فإن العقد المسمى باللبة فقد جرى عليه تطوّر تدريجي من أوائل السبعينات؛إذ حل محل اللبة عقد الليرات الإنجليزية من عيار 21، ثم جرى تحوير هذا العقد، فقد أحيطت هذه الليرات بأسلاك ذهبية بـ"الفيلوجرين " أي السلك المحبب ، وبعد مدة حدثت التفاتة إلى عقد المجارات المثبت بقطعة القماش الأسود فجرى عليه التعديل نفسه ؛ إذ أحيطت تلك المجارات بالطريقة نفسها كما الليرات وتكوُُّن من ذلك العقد المسمى بعقد الشجرة ، وهو إلى الآن لم يغير ولم يستبدل طيلة ربع قرن . ذلك لأن سر الاحتفاظ بمكانته هو إبداع الصائغ الذي غالباً ما يغيّر من تشكيله في عملية التركيب وكذلك تغيير أشكال الزهور والتفنن في إظهارها بالمظهر الجميل ، كما أن جو المنافسة بين الصاغة يتمثَّل في من يبتكر العقد الأجمل شكلاً و الأخف وزناً والأكبر حجماً .
من المصوغات لم يعد لها اليوم أي استعمال وقد تناساها كثير من النساء وخاصة الشابات منهنَّ ، فهنَّ لا يعلمن عنها شيئاً وهو ( البوشمار ) اشتق له اسم من التشمير ، وهو حبل صغير من نسيج الفضة يشَّد به أطراف الصدرية المطرزة وأغلب الظن إنه يعتبر من الاستعمالات الوافدة إلينا من بلاد القوقاز عم طريق القيافة التركية كالصدرية والسراويل النسائية الفضفاضة .
من المصوغات الفضية ما تقتنيه نساء طرابلس من الطبقات الميسورة كأدوات وتحف منها أدوات الزينة كالمكاحل وعلب المساحيق وقوارير العطور وهي تسمى بالبخاخات والمجامر وتسمى أيضا المباخر والأمشاط المضببة و المرايا المضببة وأطر الصور . وأمَّا الأواني فهي تشمل على الصحون و الأباريق و الأكواب و الأواني وعلب السكر والشاي والملاعق وهذا غالباً ماتجلبه العروس معها إلى بيت الزوجية 

مصوغات نساء الريف
من المتعارف عليه أن نساء الريف لا يقتنين إلا المصوغات الفضية ويضعن الكثير منها مشدودة إلى شعر الرأس ومنهن من يُضرب بها المثل حيث يخبر عنها بأن فلانة ليميل عنقها لما تحمله فوق رأسها من قطع فضية .
أول قطعة تسمى بـ "الحلقة التاجورية" وهي تثبت على أعلى العصابة ×، ثم يلي ذلك مجموعة من الصوالح وهي على شكل دوائر تتوسطها نجمة وهي تثبت بجدائل شعر الرأس ، كما يثبت عدة أنصاف كرات فضية متصل بعضها ببعض تسمى " أملوز أو قباب " كما يثبت بالشعر قرطان كبيران مربوطان بسَير من الجلد يتأرجح كل منهما بجانب أذن.
تضع المرأة الريفية في عنقها عقداً يسمى الشعيرية وهو يتكون من عدة أسلاك فضية متشابكة ويشبه إلى حد بعيد عقد اللبة الطرابلسي ولكن بصورة أصغر . والريفية تشبك ردائها بمشبكين في جهتين بأعلى موضع الصدر ويتّخذ المشبك شكل الهلال قطره حوالي خمسة عشر سنتيمتراً وعلى سطحه نقوش جميلة ، وتشدّ على خصرها حزاماً صنع من صفيحة فضية بعرض ثمانية سنتيمترات على سطحه نقوش جميلة . وتضع الريفية على كاحليها الخلخال من صفيحة سميكة نسبياً كل قطعة منه تزن نصف رطل أي مايعادل 625 غراماً بينما تضع في قدميها " الترليك " وهو الحذاء الجلدي المغشَّى بالفضة وهو صنو التليك الطرابلسي .


مصوغات نساء البادية
هناك تشبه إلى حد كبير بين مصوغات نساء البادية ونساء الريف وأما الاختلاف فإنه يقع في بعض المقتنيات ؛ فالبدوية تشبك في شعر رأسها قطعة تشبه الخاتم العملاق مكوَّن من حلقة مثبت عليها مسكوكة فضية عثمانية تسمى بـ"المجيدي" وبعض الصوالح الصغيرة وقرطان مربوطان بسير من الجلد صغيران نسبياً بالإضافة إلى قرطين صغيرين بشحمة الأذن ، وتضع في عنقها ما يسمى بـ"الزرافة" أو القلادة تتخلل قطعها الفضية بعض حبات المرجان ولا تتخصَّر بالحزام الفضي ولا تضع خلخالاً. وأما الحذاء فهو كناية عن خف جلدي طويل العنق يقي الساق وخز الأشواك البرية وهو مطرز بالحرير الملوَّن.

مصوغات نساء الصحراء
مصوغات نساء الصحراء بسيطة جداً فهي تشتمل على مايسمى بـ"القصة" وهي صفيحة بعرض خمسة سنتيمترات مشدودة بأعلى الجبهة وتتأرجح على محيطها السفلي قطع فضية صغيرة على هيئة كف اليد ، وتضع في أذنيها قرطين فضّة منظوم فيهما خرزات من المرجان وكل قرط بقطر ستة سنتيمترات ، وتضع في عنقها قلادة من جلد منظوم به بعض الخرز الملوَّن من الحجم الكبير ، كما تضع في عنقها قلادة إضافية منظوم بها بعض الأحجية والتعاويذ وبعض القطع الفضيّة وهي غالباً ما تكون من العيار المتدنّي . وتلبس في معصميها أساور من جلد منظوم على محيطها خرز دقيق ملوَّن ولا أعلم فيها إذا كانت المرأة الصحراوية تضع في كاحليها ما يشبه الخلخال.


نبذة عن تصنيع المصوغات الذهبية والفضية المحلية
ذكرت في مقدمة هذه الكلمة أن الطرابلسيين يأنفون من حرفة الصياغة نظراً لما يتعرض له الصائغ من قذارة وسخام ؛ذلك لأن عملية صهر المعادن تكون بواسطة استعمال الكير التقليدي الذي يوقد عليه الفحم ( الكوك ) وأن قوالب السباكة ( الدرازق ) والمحتوية على الطين فيها تجاويف لنموذج الصيغة المعدّة لاحتواء المنصهر من المعدن . هذه القوالب بعد تجفيفها تُعرض على فتائل قماشية ومغموسة في مادة تسمى (PESCI GRECA ) يتصاعد منها دخان يغطّي سطح الطين بسناج كثيف . بذلك تسهل عملية تسرب المعدن المنصهر خلال تجاويف القالب ويُمنح سطح الطين نعومةً تنعكس بدورها على سطح المعدن المصوغ . ولكن عندما يقوم الصائغ بهذه العملية فإنه تكون مضنية فيما إذا تجاوز عدد القوالب مائة قطعة ؛ ذلك لأن الدخان والسناج المتصاعد من الفتائل المذكورة يتخلّل جميع منافذ الوجه ويخلص إلى الرئتين ويتخلّل شعر الرأس وينال من سلامة صحة الصائغ ، ويغلب الظن أن هذه العملية مقتبسة من الأحافير الجيولوجية ( FOSSELS ).

طريقة سحب الصفائح الفضية
كن سحب الصفائح يُؤدَّى بواسطة المطرقة والسندان في جميع الأحوال مما يتطلب جهداً ووقتاً كبيرين ، والجدير بالذكر أن أول ما يفكر به الصائغ الناشئ هو حصوله على هذه المعدات الأساسية باعتبارها رأس مال لا يستهان به ومنها المطرقة والسندان والكير والراد والمقراض والمبرد.
ذكرت في السابق أن عملية سحب الصفائح تكون بالمطرقة والسندان واستمرت هذه العملية إلى مابعد الاحتلال الإيطالي سنة 1911 م ، حيث بدأت الميكنة تأخذ مكانها في كثير من مجالات الصناعة، وصار سحب الصفائح بالدولاب الاسطواني (LAMI NATOIO ROLLING MILLS ) ×.

وفي ما بين عامي 1935م و 1936م ، حدثت نقلة يجب أن لاتغفل في تاريخ صياغة المعادن الثمينة ، فقد أسست مدرسة نموذجية حديثة نسبياً في هذا المجال وكان ذلك بموقع ضمن مبنى سوق الصناعة المحلية بسوق المشير قام بالتدريب فيها والإشراف عليها الإيطالي الأستاذ قويدو أنجليني ، وكانت هذه المدرسة امتداداً لمدرسة الفنون والصنائع الإسلامية .والدليل على ذلك أن أغلب الطلبة الملتحقين بها هم من المدرسة المذكورة فكانوا من الرواد السابقين في الالتحاق بهذه المدرسة الحديثة . وقد أُسس برنامج التدريس على قدر كبير من الحداثة نسبياً ، الأمر الذي رغَّب بعضاً من أُسر الأعيان في أن يكون من أبنائهم ضمن منتسبيها . والبرنامج الذي انتهجه أنجليني في طريقة التدريس كان على مراحل متعاقبة وملزمة لكل طالب مبتدئ ؛ فأول ما يتلقي الطالب دروساً في الرسم وقد تطول هذه المدة إلى سنة كما أخبرني بذلك الأستاذ الكبير المرحوم مبروك الشكشوكي.
ثم يدرّب الطالب على تصميم المصوغات البسيطة وعلى نوع من المعادن الرخيصة يشبه النحاس الأبيض يسمى ARGENTONE أو LAPPACCA ويسمّيه العامة المعدن وهو فضة الفقراء ، والسر في التدريب على هذا المعدن أنه غي مكلف من الناحية الاقتصادية وأما من الناحية الفنية فإن أي خطأ من الطالب لا يؤدي إلى فساد المصوغ الذي يصوغه ، لأن هذا المعدن غير قابل للصهر مهما كان رفيعاً ، ولأنه يتحمل الحرارة الشديدة بخلاف الفضة فإن أي زيادة في معدل الحرارة يعرض القطعة للانصهار.
وبعد ذلك يتم التدريب على النقش أو الحفر وهكذا بالتدريج فإذا ما أتقن الطالب هذه الدروس العملية الأولية عند ذلك تسند إليه عملية صهر الفضة وسحبها بآلة السحب ، وبذلك يطبّق الطالب جميع ما تعلمه.

* حرفي صياغة الذهب

1ـ سعيد علي حامد" النقش والصياغة عبر العصور " . مجلة تراث الشعب ، لسنة 15 العدد 4، 1900 : طرابلس ، اللجنة الشعبية العامة للثقافة .
2- سعيد علي حامد : المرجع السابق . × وادي بورتو مملكة قومبارو ، كانو تمبكتو.
3- عن مجلة التراث
4- الاستاذ علي حسنين
× قطعة طويلة من الصوف الأحمر تضعها المرأة على رأسها.

الجمعة، أبريل 03، 2009


ليبيا تودع شيخ الخطاطين

المصدر: موقع ليبيا اليوم
طرابلس- (خاص) ليبيا اليوم- فتحي بن عيسى

أعلن في طرابلس عن وفاة شيخ الخطاطين الشيخ (أبو بكر أحمد ساسي المغربي ) عن عمر ناهز 92 عاما ، حيث وافته المنية فجر يوم الخميس 2/4، وسيشيع جثمانه عصر يوم الخميس ليوارى الثرى في مقبرة (سيدي حامد) بقرقارش.
ولد الشيخ (أبو بكر ساسي) بطرابلس عام 1917 م، وككل أبناء جيله تلقى تعليمه الابتدائي في كتاتيب المدينة القديمة، ومنها إلى الأزهر الشريف بمصر عام 1935م، وفي مدرسة تحسين الخطوط الملكية بمصر بدأ رحلته مع الخط العربي ليحصل على دبلومها عام 1941م، ومن أبرز أساتذته في هذا المجال: الخطاط نجيب الهواوني، والخطاط السيد إبراهيم، والخطاط محمد حسني، والخطاط محمد إبراهيم، والخطاط علي بدوي، والخطاط علي محمد علي مكاوي، والخطاط عبد العزيز الرفاعي.
منذ العام 1943م تاريخ عودته إلى طرابلس أخذ على عاتقه نشر فنون الخط العربي وتعميمه ويذكر من عاصر الشيخ أبو بكر ساسي كيف كان ينتقل بين المدارس والكتاتيب معلما وموجها دون كلل وملل، وفي عام 1976م أسس في طرابلس معهد ابن مقلة للخط العربي.
تقول الباحثة الأستاذة أسماء الأسطى عنه: "تحقق له إقامة أول معرض شخصي له عام 1974ف؛ مما نبه إلى أهمية هذا الفن خاصة بعد إقامة أول مسابقة في فن الخط في منتصف عام 1975ف، ما أعقبه تأسيس (معهد ابن مقلة للخط العربي والرسم والزخرفة) بتاريخ15/10/1976ف،الذي جاء كضرورة تطلبتها نتائج دورة تدريبية لتحسين الخطوط وتهذيب بوادر الموهبة في طلاب (مدرسة علي وريث) كان قد انضم إليها 124 طالباً نجح منهم 54 دارساً نجحوا في الامتحانات التي استمرت عامين مما حفز المسؤولين إلى اتخاذ قرار بإنشاء المعهد لإحياء التراث الإسلامي كما تولى "ساسي" مهام إدارته الذي كان له الفضل في انشائه، لكن المعهد لم يستمر طويلا".
كما عرف الشيخ أبو بكر رجب ساسي بخدمته لكتاب الله الكريم بدأ قارئاً في الإذاعة الليبية، ثم رئيسا لقسم القرآن الكريم بها عام 1966م، ويعد خطه لأول مصحف في العالم برسم الداني المسمى (مصحف الجماهيرية) أهم أعمال الشيخ الراحل والذي فرغ من خطه عام 1983م.

فريال الدالي:

رحم الله الأب الشرعي لفن الخط في ليبيا، و أسكنه فسيح جناته، و ألهم آله و ذويه و تلامذته جميل الصبر و السلوان. الحقيقة أن الشيخ أبو بكر ساسي تدرب على ثلة من أمهر الخطاطين، و لعل أهمهم: نجيب ( الهواويني)، والخطاط الشاعر عميد الخط العربي سيد إبراهيم. و للإشارة أود أن أذكر أن الشيخ- و في مقابلة شخصية أجريتها معه سنة 2004- ذكر لي أنه سافر صحبة زملائه إلى الأزهر لتعلم القرآن الكريم؛ و لكن لم يكتفِ شيخنا بذلك إذ أشار عليه أساتذته بتعلم الخط العربي لما لمسوه ورأوه من جمال خطه و حسنه؛ فاتجه لتعلم الخط العربي في مدرسة تحسين الخطوط باب اللوق في القاهرة، و قد نبغ ضمن أقرانه، حتى إنه يذكر ضمن الطلبة المتفوقين ممن علمهم عميد الخط العربي سيد إبراهيم، ولكم شعرت بالفخر حين قرأت اسمه في السيرة الذاتية لسيد إبراهيم( رحمهما الله). و أود الإشارة إلى أن الشيخ المرحوم أبو بكر ساسي المغربي ذكر لي من بين ما روى صعوبة و عناء التعلم والاغتراب في الفترة التي قضاها في القاهرة؛ لا جرم و أنها تعيش في تلك الحقبة فترات ساخنة، و كيف أن هناك من لم يستطع صبرا مع تلك الظروف، ليظل هو هناك و يتعلم – رغم شظف اعيش و انقطاع المنحة عنه- حتى يكتب له نيل الإجازة في الخط العربي، و هي الشهادة التي تؤهله لتعليم الخط العربي؛ ليكون أول شخص ليبي يتعلم فن الخط، فقد كان الخطاطون قبل ذلك كلهم من الأتراك. و يعود بعدها للتعليم في ليبيا لأكثر من عشرين عاماً قام خلالها بتحفيظ القرآن و تعليم الخط العربي متنقلا بين مدارس طرابلس البعيدة و القليلة، و قد افتتح أول دورة نظامية لتعليم فن الخط العربي تخرج منها عدد مهم من الخطاطين الليبيين منهم الأستاذ الخطاط العالمي محفوظ البوعيشي، و الخطاط محمد البشتي، و بعد أن لاحظت أمانة التعليم أهمية هذا الفن قررت إنشاء مدرسة متخصصة لتعليم هذا الفن الإسلامي العريق، ونظرا لافتقار ليبيا لخطاطين متخصصين و معلمين لهذا الفن ؛ تم تكليف الشيخ المرحوم بجلب مدرسين من تركيا ومصر؛ و هذا ما تم، فحضر عدد مهم من الخطاطين لعل أشعرهم مصطفى محمود إبراهيم، و محمد حسني والد الفنانتين نجاة و سعاد.

ختاماً: الموضوع عن الفنان الخطاط يطول، و يستحق مقالا مستقلا لا مجرد تعقيب، و هو أضعف الإيمان.

نسأل الله أن يعوضنا الخير في الباقين، و أن نلمس الوفاء في بعث مدرسة لتعليم فن الخط بعد أن أقفلت مدرسة ابن مقلة سنة 88؛ تصوروا: واحد و عشرون عاما لا يوجد لدينا مدرسة لتعليم فن الخط العربي الإسلامي!



المواضيع الأكثر مشاهدة

بحث هذه المدونة الإلكترونية