‏إظهار الرسائل ذات التسميات الحركة التشكيلية في ليبيا. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات الحركة التشكيلية في ليبيا. إظهار كافة الرسائل

الجمعة، سبتمبر 22، 2017

وظيفة الفن في تجميل الحياة*




الكاتب أحمد إبراهيم الفقيه

ذات ندوة ثقافية في مطلع السبعينات ، حضرها الادباء والفنانون والاعلاميون، لمناقشة مندوب من مجلس قيادة الثورة لشرح السياسة الجديدة في مجالا ت الاعلام والثقافة، ولامر ما سهى هذا المسئول القيادي ان يشير الى موضوع الفنون التشكيلية وما احتوته الخطة الجديدة من اهتمام بها، فتصدى له بغضب وحماس الفنان التشكيلي المعروف الاستاذ طاهر المغربي متسائلا عن فحوى سياسة الدولة في هذا المجال، مستنكرا على هذا الرجل القيادي ان ينسى الفنون التشكيلية قائلا له ان الفنون التشكيلية ان كنت لا تعلم ايها السيد الوزير، تدخل في كل منحى من مناحي الحياة ، فهذه القاعة التي تجلس فيها هي فنون تشكيلية وهذه الطاولة التي تجلس اليها والكرسي الذي تجلس فوقه هما فنون تشكيلية وهذه البذلة العسكرية التي ترتديها برتبها ونجومها هي فنون تشكيلية، وهذه الساعة التي في معصمك فنون تشكيلية ، وهذه السيارة التي اقلتك الى هذا المكان فنون تشكيلية، والبيت التي تسكن فيه، وغرفة النوم التي تنام بها والسرير الذي تنام فوقه، والصحن االذي تأكل فيه طعامك هوفنون تشكيلية، ومضى يعدد له مظاهر الحياة التي يحياها والتي رافقته كما رافقت أي انسان منذ طفولته هي انواع من الفنون التشكيلية من المهد الذي تهدهده فيه امه، الى التابوت الذي سينقل فيه عندما يموت الى متواه الاخير، واللحد الذي ستوضع فيه عظامه بعد عمر طويل كلها فنون تشكيلية ، وليس مجرد اللوحة التي يراها معلقة على الجدار او الصورة التي يراها مرسومة في صحيفة او مجلة، الى حد صار معه الرجل يرجو الفنان الكبير ان يتقبل عذره لانه ما جاء الى هذا المكان الا للحديث عن الخطوط العريضة لسياسة وزارته في هذه المجالات تاركا التفاصيل لاهل الاختصاص، قائلا للاستاذ الطاهر المغربي، بعد ان فتش بين اوراقه، ان وزارته لم تهمل الفنون التشكيلية بدليل ان هناك دائرة اسمها دائرة الفنون التشكيلية وان هناك ايضا ناديا للرسامين يستطيع ان يذهب السيد الطاهر لرئيس هذه الدائرة ورئيس هذا النادي ليشرحا له السياسة الجديدة الخاصة بهذا المجال فكانت المفارقة التي جاءت على لسان الفنان الطاهر المغربي، في رده على هذا المسئول انه "انا يا سيادة الوزير هو رئيس دائرة الفنون التشكيلية وانا هورئيس نادي الرسامين"، لم يكن الفنان الطاهر المغربي معنيا في هذه المواجهة بينه وبين الوزير، بفلسفة الفن بقدر ما كان معنيا باظهار اهمية الفن في الحياة وضرورة اهتمام الحكومة الثورية في ذلك الوقت به ضمن اهتمامها بتطوير الوان الفن الاخرى، دون ان نحتاج هنا الى ان نقول ان هذه الالوان من الفن مجتمعة تشترك في الاهداف ولاغراض، اذ ان مهمتها دائما هي تجميل الحياة ، وجعلها اكثر احتمالا او كما يقول نيتشه " تبرير الوجود كواقع جمالي" بل هو يطالبه بان يفاجئنا دائما ويخلق بدائل لوجودنا، ويحمله مسئولية اقناعنا بالعيش في المستقبل. اما هيجل فهو الذي يقول في كتابه حول علم الجمال، بان جمال الفنون يرافق الانسان في حياته صديقا وفيا ليجعل لحظات وجوده اكثر لطفا وفرحا.

وعودة الى كلام فناننا الكبيرالطاهر المغربي، فان الفن بالصورة التي ذكرها ليس مجرد محطات في حياة الانسان يقف عندها للراحة والترويح ، كما يقف المسافر في البرية في يوم قائظ تحت ظل شجرة ،يجاور نبعا او بئرا، وانما صار الفن هو النهر الذي يعوم فيه الانسان او يمتطى قاربه ويتهادي فوق امواجه، ويصدق هذا اليوم اكثر من أي يوم مضي، بانفجار ثورة الاتصالات والسماوات المفتوحة والقنوات التي تصل لالاف المحطات يتلقاها المشاهد في بيته وشبكة الانترنت بامكانياتها الهائلة ، لتجعل الفن الذي تنقله هذه الوسائط باللون والصوت والصورة، جماليات التشكيل والتصويروالتلوين، مع فنون الموسيقى والغناء والرقص والاستعراض وفنون القول والحوار والتمثيل والاخراج، كل ذلك يجعل الفنون، تشكيلية او غير تشكيلية، جزءا من الحياة اليومية للانسان باكثر مما قال الفنان طاهر المغربي منذ اكثر من ثلاثين عاما مضت ، فهل هذا الكم الهائل، الذي يجعل الفن في حياتنا جزءا من العادة والروتين يشكل تقوية للفن ، ام انه يضعفه ويصنع منه صورة باهتة بعيدة عن تلك المنابع القوية العميقة التي صنعت امجاد الرسم والموسقى والمسرح، عندما كان الناس يذهبون الى هذه الفنون، ويجعلونه احتفالا في احياتهم وهم يرتادون المعارض والمتاحف وقاعات العرض المسرحي والموسيقى، لمشاهدة الاصل لا الصورة المأخوذة عن صورة، هل الفن يتقدم ، ومعه تتقدم البشرية ، ام ان ما يحدث مع هذا الكم الهائل والسيل الهادر هو العكس ، لا ادري ، ولكن كل هذا لا ينفي الحقيقة الثابتة والدائمة لتلك الكلمات الجميلة التي شهدتها قاعة مجلس الامة القديمة على لسان فنان ينتصر للفن والفنانين في مواجهة وزير صار يبحلق في قبة المبني وينقل بصره بينها وبين البذلة التي يرتديها مندهشا من ان هذه القبة وهذه الاعمدة وهذه البذلة التي يرتديها، هي فنون تشكيلية ، فاجاه كلام الفنان ، فصار حاله كحال المثري النبيل في مسرحية موليير عندما رقص ذلك الغني الجديد اندهاشا وهو يسمع من احد المعلمين ان ما يقوله من كلام عادي هو ما تسميه كتب الادب النثر .


* ورقة القاها الكاتب في ندوة فكرية حول اعمال الفنان التشكيلي الراحل الطاهر المغربي مساء الثلاثاء الماضي بدار الفنون والتي نظمتها الجمعية الليبية للاداب والفنون .


المصدر: صفحة الجمعية الليبية للآداب والفنون على الفيسبوك


الأربعاء، سبتمبر 20، 2017

الفنان التشكيلي الطاهر الأمين المغربي


 
 الفنان التشكيلي الطاهر المغربي- بريشة الدكتور صلاح غيث



الدكتور عياد هاشم *

الفنان المغربي من الفنانين الرواد الذين نعتز بأعمالهم الجليلة التي قدموها خلال مرحلة تاريخية ليست بالقريبة عن تجربة طويلة في هذا الشأن.

إن المتتبع لتجارب هذا الفنان التشكيلية يلاحظ مدى تعلق فناننا بالواقع الاجتماعي والحس القومي والوطني بصورة خاصة، ونادرا ما نجده عند غيره من الفنانين في بلادنا.... تأتي أعماله بتميز خاص أيضا فخطوطه وألوانه وتكويناته التصويرية والتي يجسدها من خلال أشكاله بطريقة تعبيرية تعبر عن دلالات عاطفية تدل على انتماءات ترجع إلي الأصالة الطبيعية التي يذكرنا بها الفنان الفرنسي (بول غوغان) ذلك الفنان التائه بين أحضان الطبيعة في جزر تاهيتي البعيدة، وقد يكون المغربي قد تأثر به من حيث شخوصه المقربة وبألوانها الزاهية المحددة وحدودها ( كنتوريا ) على نحو مؤكد ، ويحب أن يطلعنا على بهية طلعاتها.. فلوحة البطيخ (الدلاع ) على البحر في فصل الصيف إحدى اللوحات التي يجمع فيها المغربي- على بساطة موضوعها- الكثير من القيم الفنية والجمالية وتتداخل فيها الألوان الباردة بالدافئة والحارة جدا أحيناً أخرى ، وينجح في منظوره اللوني كما نجح أصلا في تكوينه الإنشائي بانسجام وتناسق خطي وشكلي ولوني في وحدة واحدة تبعث على الانتباه والارتياح معاً عندما تتحدث عن لوحاته القومية والوطنية التي دائما يحرص عليها المغربي في كثير من معارضه الشخصية والجماعية، فإننا نجد المرأة المحور الأساسي والرمز الخاص، والحاضر في شموخ وثبات على اعتبار أنها تتمثل الدراما كلها ومبعث الأصالة والتراث وتمثيلاً للحرية والوطنية بوجوه يملؤها الغضب والتحدي والسرور والبراءة أحيانا ومعا في بعض الأحيان الأخرى.

الطاهر "المغربي هو " ديغـوا ريفـيرا " العربي الليبي الذي جاء من أقار بالشاطئ من منطقة فزان الكبرى واستقر بطرابلس منذ زمن طويل في التزام وفياً للتعبيرية الواقعية الاجتماعية كما كان ريفيرا. .... فناننا لم يكن انطباعيا في أعماله التشكيلية هذه فهو أبعد مما وقعت فيه الانطباعية من عجز عن الغوص في أغوار الجوانب الجوهرية في الحياة وافتقارها للمشاعر الإنسانية وقضاياها الأساسية، وقبعت في دائرة الترديد ألا متناهي للتأثيرات الجوية والمناخية وانحصرت أعمالها في الإدراك الحسي الذاتي ولم تتعداه...

المغربي يؤمن بالتجربة والممارسة المستمرة فهو يكون بذلك فنانا مبتكرا مبدعا بأسلوب أكثر قرباً من واقع مجتمعه، فينسج خطوطه وأشكاله وألوانه من واقع الحياة المعاش للبيئة الصحراوية وما تحمله من طبيعة سمراء تتباين فيها العناصر التشكيلية بين الدفء والبرودة ـ الحركة والسكون ـ النخيل والزيتون ـ الرمان والتمور ـ الإنسان والجمل ـ المرأة والرجل ـ النور والظلمة ـ الشروق والغروب. فتحية لهذا الفنان الرائد المبدع .
----------------------------------------

* أستاذ بكلية الفنون والإعلام وعضو الاتحاد الـدولي لنقاد الفن التشكيلي (AICA)

الثلاثاء، سبتمبر 19، 2017

سيرة ذاتية



الفنان الراحل الطاهر الأمين المغربي



ولد في قرية أقار في الجنوب الليبي سنة 1941، بعد نيله الشهادة الثانوية العامة تحصل على منحة دراسية من قبل منظمة (اليونيسكو) لدراسة الفنون في مدينة روما الإيطالية وتخرج منها سنة 1965 من قسم الرسم والتصوير الزيتي بأكاديمية الفنون الجميلة.

شارك في معارض محلية منها:
·        معرض عن الثورة الجزائرية 1957.
·   معرض ثلاثي رفقة الرسامين "محمد عبدالله عزو" و"الأمين بشير المرغني" مايو 1960 تحت عنوان (معرض الفن الليبي).
·        المعرض العام الأول للفنون التشكيلية سنة 1974 والثاني سنة 1982.
·   فضلاً عن سلسلة من المعارض الجماعية والفردية كان آخرها المعرض العام بدار الفنون سنة 2012 احتفالا بثورة فبراير .

كما شارك في معارض خارجية منها:
·        المهرجان الثقافي الأفريقي الأول بالجزائر 1969.
·        مهرجان الفن القومي بدمشق 1973.
·        البينالي العربي بالكويت 1973.
·        بينالي دول البحر المتوسط بالإسكندرية 1976.
·        المعرض الجوال المغاربي (مقامات) 1990.
·        وغيرها من المعارض والمهرجانات الدولية.

إسهاماته:
·        أسس دائرة الفنون التشكيلية بوزارة الإعلام بداية السبعينيات.
·        عضو مؤسس لاتحاد عام الفنانين التشكيليين العرب في دمشق 1970.
·        شارك مع الفنان علي مصطفى رمضان في نشر كتاب (ظلال وأضواء عربية ليبية) مطلع الثمانينيات.
·   أنجز جداريتين الأولى بمادة الخزف وهي على واجهة مستشفى العيون بطرابلس. والثانية خشبية في صالة مجمع الفتح الثقافي طرابلس في ثمانينيات القرن المنصرم. علاوة على تصميم عدة ملصقات ذات طابع وطني وإرشادي وجمالي.

توفي في 10 يناير 2017 في أحد مستشفيات روما على إثر مرض لم يمهله طويلا ودفن في 15 يناير بطرابلس ، تغمده الله بواسع رحمته وغفرانه.



الاثنين، أبريل 21، 2014

أبو بكر ساسي شيخ الخطاطين و المزخرفين الليبيين





دكتور عياد هاشم

الشيخ الخطاط أبو بكر ساسي المغربي
تتسع دائرة الفن التشكيلي لتحوي العديد من المجالات التخصصية المختلفة، ونعلم أهمية الخط العربي وجمالياته الرائعة، وما يمثله في الحضارة الفنية الإسلامية حتى غدا أحد العناصر الاستيحائية في أعمال الفنانين العرب و الأجانب على حد سواء مما صار نمطا معينا سمي بالمدرسة الحروفية في اللوحات التشكيلية العربية و أيضا قد تداخل الحرف العربي مع بقية عناصر العمل الفني و تكويناته المختلفة في اللوحة التشكيلية المعاصرة بتجريدات خطية متقنة عند الكثيرين.

بعض الفنانين الذين التزموا بقواعد الخط و لم يخرجوا عنها، و قدموه كما هو مع زخارف معينة خدمة للدين الإسلامي الحنيف من ناحية و ما يريده كثير من المعجبين من ناحية أخرى إما بتشكيلاته بزخارف نباتية و هندسية بما يتناسب مع مضامين و أشكال الزخرفة العربية الإسلامية و ما تمثله من بعد روحي يتسامى مع ما يبدعه المشتغلين به في إظهار قيم فنية و جمالية رائعة داخل إطار مدروس.

الشيخ المرحوم أبو بكر ساسي فنان و خطاط و مزخرف جيد من جيل الرواد في التشكيل الخطي الليبي الحديث و المعاصر قد قدم أعمال جليلة و رائدة قد أهلته أن يكون من بين هؤلاء الرواد الذين نعتز بهم دائما .. فناننا قد تخرج من الأزهر الشريف عام 1943 م. وتعلم الخط في معهد تحسين الخطوط بالأزهر الشريف أيضا، حيث درس الخطوط العربية والزخرفة الإسلامية أثناء رحلته الدراسية إلى مصر الشقيقة التي دامت حوالي خمس سنوات، هذا الفنان الخطاط المتعدد المواهب صاحب الطموحات الكبيرة، الذي تأمل أن يدخل كلية الفنون والهندسة التطبيقية الإيطالية في القاهرة – وهذا ربما لأنه يتقن اللغة الإيطالية – أو معهد الموسيقى، إلا أنه لم يستطع حيث حالت الحرب العالمية الثانية وتأثيراتها السلبية دون تحقيق رغباته.

فناننا اليوم قد اشتغل في تخصصه كخطاط ومزخرف في تصميم وصنع اللوحات الإعلانية والأختام النحاسية وقام بتدريس الخط العربي والزخرفة الإسلامية. وهو أحد المبدعين القلائل في ذلك الوقت ممن تخصصوا في هذا الفرع من الفنون التطبيقية. تخرج على يديه الكثير من الخطاطين الذين مارسوا الفن وأصبح بعضهم من مشاهير الرواد في بلادنا أمثال/ محمد النعاس وصبري الأمير ومحمد بانون ومحمد الخوجة وغيرهم في دفعات أولى وكانوا يفوقون الخمسين خطاطا ومزخرفا. أقام وأشرف على دورات كثيرة لتحسين الخطوط والزخرفة الإسلامية. كما عمل على إقامة المعارض المناسبة لها وقد تقدم بتأسيس معهد الخط العربي والزخرفة الإسلامية. ثم كان له العمل الخطي المتميز الكبير وهو عمل خط المصحف الشريف للدولة الليبية وأصبح بين أيدي القراء شيئا رائعا ومخلدا يقرأون القرآن الكريم ويتمتعون بجمال خطه المتميز.
كتابة الشيخ للمصحف الشريف للدولة الليبية


هذه لمحة تاريخية سريعة للفنان والخطاط والمزخرف الرائد المرحوم الشيخ أبو بكر ساسي، كبير الخطاطين في بلادنا. وسوف نوالي الحديث عن فناني الحركة التشكيلية الليبية المتميزين معتمدين على ما نحصل عليه من معلومات من هنا وهناك بالغة وغياب الأرشيف والتوثيق .

السبت، نوفمبر 10، 2012

كيف تناول الكتاب العرب تاريخ الفن التشكيلي الليبي في كتاباتهم*





دكتور/ عياد هاشم**

تأتى هذه المتابعة النقدية كمحاولة لتصحيح المغالطات الشنيعة والكبيرة في حق تاريخ فننا التشكيلي ورواده الأوائل ، ولنضع حدا لهذه الأخطاء ونهاية للضبابية الكثيفة التي تكتنف وتغطي تاريخنا التشكيلي ، ولنسلط الضوء على مسيرة وتاريخ الفن التشكيلي في بلادنا لنزيل الغموض ونؤكد حق ريادتنا في هذا المجال الحيوي الهام وتقدير فنونا وجهود مبدعينا وتجاربهم الفنية المختلفة والمتواصلة منذ القدم .

بالنظر إلى ما كتبه الكتًاب العرب الذين تناولوا مسألة حركة الفن التشكيلي الليبي ضمن ما كتبوه عن تاريخ الفن التشكيلي في البلدان العربية قد شكلت عدة تساؤلات هامة من أجل حل هذه المغالطات ومسألة دور الفنانين الليبيين في حركة التنوير الفني العربي و أصالة وريادة فننا في الوطن العربي ، ومهما كان ذا بقصد أو بدون قصد فقد جاءت معظم هذه الكتابات سلبية ومغلوطة وأضًرت – بكل أسف – بتاريخنا الفني المشرف وخيًبت الآمال ، أن لبعض هؤلاء الكتاب يعد من ذوي الاختصاص ولهم باع طويل في الكتابة الفنية إلا أنهم لم يعيروا اهتماما لحركة الفن التشكيلي الليبي وإسهاماتها على المستوى العربي والدولي ، فجاءت هذه الأبحاث مقتضبة ، وناقصة ، وغير علمية ، ولم تقف على الحقائق التاريخية على نحو ثابت ودقيق ومتفحص ، فجاءت كتاباتهم بسيطة ، سطحية و ساذجة ، اذ صغًرت من مقام فننا التشكيلي وهمًشت بواعثه التقدمية وأبعدته كثيرا عن مكانه الحقيق في المسيرة الفنية العربية . وبعيدا عن الانفعالية وتضخيم الذات يمكننا أن نقول : نحن الليبيون رياديون، وأصحاب حضارة مؤثرة في حضارات كبرى أخرى كثيرة وهذا ما يدفعنا إلى التساؤل :-

لماذا كل هذا التشويه؟ هل هو ناتج عن ضعف بصر أم بصيرة ، أو قلة خبرة في مجال البحث العلمي ، والتاريخي السليم ، أو سوء فهم وتجاهل مقصود؟

في السطور اللاحقة سأستعرض نماذج من هذه الكتابات إلى وردت في أكثر من سبعة كتب متفرقة ، وقعت بين أيدينا محاولين توضيح مدى الخلل الوارد فيها لعلنا بذلك نضع النقاط على الحروف ، ونتمكن من تصحيح الأخطاء التي أدت إلى النسيان – أو التناسي – لريادة الفن التشكيلي الليبي على الصعيد العربي والإسلامي والدولي تجليا للحقيقة وإظهارا للحق .


أولا: كتاب الفن الحديث في البلاد العربية.
المؤلف / د.عفيف بهنسي - دار الجنوب للنشر . اليونسكو ، تونس ..1980.

يعتبر المؤلف د.عفيف بهنسي أحد الباحثين العرب المعروفين في مجال الفنون والآثار ، وهو حاصل على درجة دكتوراه الدولة من جامعة باريس في مجال تاريخ الفن ويعمل أستاذاً لفلسفة الفن العربي بجامعة دمشق من عام 1959.

جاء في صدر الكتاب ( تصدير ) كلمة مختصرة جدا كافتتاحية لمضمون و أهداف هذا الكتاب وفيه يستعرض المؤلف الأعمال التشكيلية الفريدة التي تعكس المراحل السوسيولوجية للنهضة العربية ويقدم للجمهور العريض معلومات قيمة عما يبشر به فن لا يعرفه إلا القليلون – حسب رأي الكاتب – ولكي تكون منظمة اليونسكو بعيدة عن أي نقد أو مسائلة وغير مطالبة بأي توضيح أومتابعة فقد دونت ملاحظة هامة في الصفحات الأولى للكتاب تخلي فيها مسؤوليتها عن جميع الآراء التي طرحت بالكتاب ولا تتدخل بها ، وإنما هي تعبر عن وجهة نظر الكاتب الخاصة .

نلاحظ في القسم الثالث من الفصل الثاني الذي يحمل عنوان : ( رواد الفن التشكيلي ) أن المؤلف يتحدث عن بدايات الفن التشكيلي في كثير من الدول العربية ، واعتبرها دولا رائدة فيه ، ولم يذكر – لا من قريب ولا من بعيد – الفنون التشكيلية الليبية ضمن هذه المرحلة المبكرة كإحدى الدول العربية الرائدة ، رغم أن بعضا ممن ذكرهم قد بدؤوا هذا النشاط في أواخر الستينيات ومع بداية السبعينيات من القرن الماضي فقط، أي أنهم متأخرين عن الفنانين التشكيليين الليبيين بعدة عقود .

في القسم الثالث ( التجريد في الفن العربي ) لم يتحدث أيضا عن تجربة الفنانين الليبيين التجريدية في الوقت الذي كان يوجد فيه بعض من هؤلاء الفنانين الليبيين الذين قدموا تجارب تجريدية رائدة ومتقدمة زمنياً ، كما هو الحال مع الفنان عبد المنعم ن ناجي الذي عرض لوحاته التجريدية في احدي قاعات الفنون التشكيلية بتونس خلال عام 1953 م .

وفي القسم الأول من الفصل السادس يتحدث المؤلف عن ( المجال الفني ، الفنان المؤسسات ، الجمهور ) لم نجد أثرا لأي مؤسسة فنية ليـبـية في مجال الفنون التشكيلية مع العلم بأن أول مدرسة للفنون في الوطن العربي كافة قد تأسست بطرابلس الليبية في عام 1897 م ، وهي مدرسة الفنون والصنائع الإسلامية ، وبعدها ظهرت النوادي الخاصة بالرسم ، وجمعيات الفنون التشكيلية في كل من مدينتي طرابلس وبنغازي ، ثم تأسست المعاهد العليا ، والكليات الخاصة بالفنون . أما في آخر الكتاب فيضع المؤلف ملحقاً خاصاً كمعجم للفنانين التشكيليين العرب حيث نراه يذكر عدداً قليلاً جداً من الفنانين الليبيين ،وبعد التدقيق في تواريخ ميلادهم نكتشف أنهم اكبر سنناً ممن اعتبرهم الكاتب رواداً في الفن التشكيلي العربي ولكن كاتبنا لم ينتبه إلى هذه الناحية ........ نأمل أن يكون هذا مجرد هفوة ، ولكن يا لها من هفوة .

ثانياً : الفن التشكيلي المعاصر في الوطن العربي . 1885 - 1985 .
المؤلف : شوكت الربيعي .
الناشر : الهيئة المصرية العامة للكتاب ...1988.( 1.(

في القسم الثاني من هذا الكتاب تحدث الكاتب عن الفن التشكيلي في كل من ( مصر والسودان و أقطار المغرب العربي ) حيث ورد اسم ليبيا – رقم 3 تحديداً – وقد ذكر المؤلف أسماء بعض الفنانين الليبيين الرواد كنموذج ولكنه لم يعتبرهم كرواد في الوطن العربي وإنما حصر ريادتهم كرواد داخل ليبيا فقط ، وهذا ليس من الموضوعية في شي. كانت لهم إسهامات جادة في الفن التشكيلي الليبي وخاصة اؤلئك اللذين اثروا في الحركة التشكيلية وأكدوا ريادتهم فيها منذ أواخر القرن التاسع عشر وما بعده أمثال : محمد علي لاغا ، وسامي عتيق ، وفؤاد الكعبازي .......وغيرهم.

ومن ناحية ثانية أهمل الباحث تواريخ بدايات هؤلاء الفنانين الليبيين الرواد وتجاربهم الفنية . ورغم إن الكاتب قد أشار إلى مدرسة الفنون والصنائع الإسلامية إلا انه أهمل ذكر تاريخ تأسيس هذه المدرسة .

في القسم السابع ( بيوغرافيا الفنانين التشكيلين في الوطن العربي ) يبدوا الارتباك واضحا على كاتبنا حتى انه خلط و جمع فناني ليبيا مع فناني سوريا ، كما انه لم يدرج إلا عدداً ضئيلا لا يتعدى أصابع اليد الواحدة ، وهؤلاء –حسب رأيه – هم فقط فنانو ليبيا حتى عام 1988 م مع أن عدد الفنانين التشكيلين الليبيين أكثر بكثير مما ذكر في هذا الكتاب في الجزء الخاص بليبيا ، وفوق ذلك فان الكاتب لم يهتم بتواريخ البدايات الفنية للتشكيليين الليبيين لهم مما يثير عدة تساؤلات حول مصداقية كل المعلومات التي جاءت في هذا الكتاب.

ثالثا : كتاب طائر الشوق الأصفر – سفر في رؤى الفن وتحرير الابداع ( 1959 – 1999 )
المؤلف : شوكت الربيعي
الناشر :المجمع الثقافي أبو ظبي – الإمارات العربية المتحدة ( 2 ) . 2000.

هذا كتاب آخر لنفس الكاتب السابق. تميز بأناقته، وعدد صفحاته التي وصلت إلى نحو 672 صفحة ، والكتاب هو مجلد ضخم ويحتوي على العديد من الصور الملونة ، والدقيقة والجميلة ، هذا من حيث الشكل ، أما من حيث المضمون فقد كرر الكاتب نفس ما كتبه في السابق بل هو صورة طبق الأصل عنه ، ولم يدخل أي مادة جديدة على ما ذكره في كتابه السابق ، وكأنه بهذا يريد أن يؤكد معلوماته السابقة رغم ما يكتنفها من أخطاء ومعارف بائدة و زائفة . وقد درجت العادة انه إذا ما رغب كاتب ما في إعادة نشر وطباعة كتبه أن يأتي بجديد فيها وأن يحاول الوقوف على آخر ما استجد من معلومات ، وبالتالي ينقح ويضيف كل معلومة جديدة ، غير أن كاتبنا لم يأخذ بهذه العادة الحميدة .وأسوأ ما في هذا الكتاب هو اهتمام الباحث بقطر دون آخر وعنايته بفنانين دون فنانين آخرين لهم ريادتهم . ويبدو أن صحابنا مفتون بفناني الخليج أكثر من غيرهم في هذا الشأن ( يدفعون أكثر) .

رابعاً : كتاب مجئ الفن بمفهومه الأوروبي إلى العالم العربي.
المؤلف : د.أحمد بار . در الورد ، البحرين – (3 ) .1998 .

تحدث المؤلف عن معظم أقطار الوطن العربي ، ولكنه لم يتطرق على الإطلاق للفن التشكيلي في ليبيا ، وكان لسان حاله يقول : كفى المؤمنين شر البحث والتنقيب.

خامسا: كتاب / الحركة التشكيلية المعاصرة في الوطن العربي.
المؤلف : محمد حسين جودي .
الناشر : دار المسيرة ، الأردن (4). 1998 م .

في القسم الخاص بليبيا ، وتحديداً في الصفحة 152 ، تحدث المؤلف عن الأسماء القليلة الواردة في كتاب شوكت الربيعي السابق ذكره وقد اقتبس المؤلف جودي كل المعلومات الضحلة والضعيفة – مع الأسف – من كتابي الربيعي السابق ذكرهما ، والتي حملت نفس الأخطاء والمغالطات الفادحة مثل حديثه عن الفنان الساخر الكبير ( الكاريكاتيري ) محمد الزواوي ( رحمه الله ) الذي نقله ( جودي ) نقلا حرفياً – تقريباً - وبأخطائها المطبعية ايضاً . والغريب في الأمر والظريف ايضاً انه أضاف إلى الفنان لقباً جديداً لم نسمع به من قبل حيث لقبه ب( معمري).

ومن الواضح هنا تداخل المعلومات وتضاربها مما جعل الكاتب ينظر إلى الفنان المغربي المعروف ( معمري ) على انه الزواوي الفنان الليبي مع انه يشير إلى ولادته في مدينة فاس بالمغرب عام 1916 م ................ ما هكذا تؤلف الكتب .... يا جودي.

سادساً : كتاب / من التأسيس إلى الحداثة في الفن التشكيلي العربي المعاصر .
المؤلف: محمد أبو زريق.
الناشر : المؤسسة العربية للدراسات والنشر ، بيروت لبنان (5) 2000.

محمد أبو زريق كاتب من الأردن ، والكتاب مدعوم من أمانة عمان الكبرى بالأردن ، يقول الكاتب في القسم الخاص عن بدايات الفن التشكيلي الحديث في الوطن العربي – وتحديداً في الصفحة ( 31 ) ما يلي :-
( ففي ليبيا كان هناك فنانون شعبيون قاوموا الاحتلال الإيطالي، أمثال محمود الارناؤوطي ، فقد درس في مدرسة الفنون والصنائع الإسلامية ، أما عوض عبيدة فقد درس على يدي الفنان الإيطالي – فري الإيطالي ). لم يوضح كاتبنا هنا كيف قاوم اؤلئك الفنانون الاحتلال الإيطالي .

وعند حديثه عن مدرسة الفنون والصنائع الإسلامية لم يوضح الكاتب كيف ومتى تأسست هذه المدرسة ، وما هي مناهجها وأهدافها التي تأسست عليها. والواقع إن الكاتب اكتفى بما جاء في المرجع : رواد الفن في البلاد العربية لمؤلفه الدكتور عفيف بهنسي فقط، بل انه لم يهتم بصحة ما نقله من ذلك المرجع ، ولم يتعب نفسه في البحث العلمي الجاد .

أما في الصفحة ( 48 ) فيتحدث الكاتب عن الفنان الليبي المصمم محمد شعبان ضمن الأمثلة التي أستشهد بها كاتبنا للتحدث عن المضمون التعبيري في الاتجاهات السريالية، وهي إشارة ايجابية بالخصوص ولكن لم يذكر الشيء الكثير عن هذا الفنان.

فلماذا هذا الشح في المعلومات يا ترى؟

سابعاً : كتاب : الفن التشكيلي العربي وابرز مبدعيه.
المؤلف : محمد مهدي حميدة .
الناشر : ( مصر ) دار سعاد صباح مطبعة القبس ، بدون تاريخ.

افتتح المؤلف كتابه بمقدمة جاء فيها :-
( تظل الكتابة عن الفن التشكيلي ضرورة ملحة لما تحمله في طياتها من قدرة هائلة على الرصد الشامل أو النقد الصادق الأمين والكتابة عن الفن التشكيلي العربي).

لقد تحريت الدقة في الوقوف على سلامة المحتوى، من خلال تصفحنا لذا الكتاب ومراجعته حول الفن التشكيلي الليبي، حيث بدأ في قسمه الأول بالحديث عن الحركة التشكيلية وابرز مبدعيها في بلاد العرب حيث أفرد السودان وليبيا والصومال في موضوع واحد، فتحدث عن ليبيا مبتدئاً كلامه بمقطع قصير جداً أخذه من كتاب ( حول الحياة في الصحاري الليبية ) للكاتب الليبي الكبير إبراهيم الكوني مشيراً إلى فنون الكهوف القديمة في تاسيلي و اكاكوس حيث ذكر المؤلف بأنها ترجع إلى الالف السادسة قبل الميلاد على الرغم أنها أقدم بكثير مما اعتقد حسب المراجع والاستكشافات الحديثة لعلماء الآثار وهذه مغالطة تاريخية كبيرة جداً، ثم انتقل الكاتب بالحديث مختصراً وموجزاً إلى حضارة ليبيا في العهد الروماني ، وذكر مدنها بأخطاء كثيرة و كبيرة في مسمياتها نأمل أن تكون أخطاء مطبعية لا أكثر وفي عنوان فرعي آخر يتحدث كاتبنا عن الفن الحديث في ليبيا فيقول :-
( أن بعض الفنانين الليبيين قد اخذوا أشكالهم واتجاهاتهم من الإيطاليين خلال فترة الاستعمار الإيطالي لليبيا) ويؤكد هذا الكاتب ويصر على أن نتاجات مدرسة الفنون والصنائع الإسلامية هي من بين الفنون التي تأثرت بالفنون الإيطالية، وهذا بطبيعة الحال أمر مغلوط فيه وغير صحيح حيث أن الاستعمار الإيطالي لم يجلب معه الثقافة والفنون وإنما جلب البؤس والحرمان، والإرهاب والدمار، ووجد مقاومة عنيفة من قبل الشعب الليبي وليس بالترحاب وبالورود، ونقول للكاتب بأن مدرسة الفنون والصنائع الإسلامية ليست لها علاقة بالاستعمار الإيطالي منذ تأسيسها، بل أن الاستعمار الإيطالي لجأ إلى إغلاق هذه المدرسة في فترات مختلفة، واستعملها الإيطاليون ليس لنشر الثقافة والفنون، وإنما كمخزن سلاح لهم لمقاومة المجاهدين الليبيين .

وفي عنوان فرعي آخر ( الجيل الجديد ) تحدث فيه الكاتب عن مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية وذكر بعض الفنانين في إشارات عابرة ، ولو أنها تمثل الشيء الوحيد الايجابي في هذا الكتاب.

ضمن ملاحق الكتاب أعد الكاتب ملحقاً، هو عبارة عن جدول تاريخي ذكر فيه معظم الدول العربية من خلال مؤسساتها الفنية المختلفة في جدول منظم إلاّ أنه لم يشمل برعايته مؤسسات فنية ليبية مع أن مدرسة الفنون والصنائع الإسلامية هي أقدم المدارس الفنية المتخصصة في الوطن العربي، إذ تأسست في العام 1897م بمجهدات ذاتية من أبناء الشعب لليبي، وتعتبر نموذجا فريداً في وجودها، وفي هدفها حيث سعت إلى التمسك بالأصالة والتراث الإسلامي ، ناهيك عن وجود كثير من الجمعيات والنوادي الخاصة بالفنون مثل نادي الرسامين، بالإضافة إلى وجود المعاهد، والكليات، والقاعات، والمراسم التي ظهرت من حين لأخر في فترات مختلفة و متلاحقة .

وفي ملحق آخر خصصه الكاتب لعرض نماذج من الأعمال الفنية حظيت لوحة واحدة فقط من ليبيا . نعود إلى مقدمة المؤلف في هذا الكتاب والتي اشرنا إلى شئ منها لنسأل الكاتب ، أين المنهج التاريخي ، والإحصائي الذي انطلقت منه دراسته هذه كأساس للعمل حسبما صرح به؟ وكما كان يعتقد انه قد تحرى الدقة والرصد الشامل .

في ختام استعراضنا لنماذج من الكتب التي اهتمت بتاريخ الفن التشكيلي في الوطن العربي وما ورد فيها من بيانات أو معلومات عن الفن والفنانين الليبيين ، والتي وجدناها فاقدة للمصداقية بكل أسف و إستغراب ، وجاءت سريعة ومقتضبة ، كما أنها امتازت بالشح في المعلومات والمغالطات ، لذا نحاول تصحيح هذه الأخطاء من خلال عرض موجز لتاريخ حركة الفن التشكيلي الليبي وذلك على النحو التالي:

يرجع تاريخ الفن التشكيلي الليبي إلى جذور عميقة موغلة في القدم، ونشأ عندما بدأ الإنسان على هذه الأرض الليبية يعي أهمية الاحتماء داخل الكوخ أو الكهف حتى يؤويه ويحتمي به من هول الطبيعة وبطش الحيوانات المفترسة، ومن داخل هذه الكهوف وعلى أطرافها بدأت قصة الرسم والتصوير والنحت البارز والغائر منذ ألاف السنين التي ترجع إلى أكثر من عشرة ألاف سنة قبل الميلاد، حيث رسم وصور ونقش ونحت على جدران كهوفه الأولى في كل من ( تاسيلي) و ( اكاكوس) و ( العوينات) وغيرها من كهوف الجبال الممتدة وسط الصحراء الكبرى في جنوب البلاد ووسطها ، كانت أروع الفنون وأبدعها لإنسان بدائي لم يعرف القراءة والكتابة بعد، ولم يعرف بناء المنزل ونسج الملابس مما ساهم في بناء حضارة الإنسان الأولى في العالم وأصبحت هذه الكهوف بمثابة متاحف مفتوحة لا زالت تفوح بعبق رائحة الماضي، وأجوائه الساحرة الغابرة، مروراً وبشكل مختصر جداً بالحضارات الكثيرة والمتنوعة التي شهدتها أرضنا الليبية من حضارات فينيقية وإغريقية ورومانية إلى الفتح العربي الإسلامي، وصولا إلى المدينة والتقدم التي وصلنا إليها من الحداثة والمعاصرة في كافة المجالات المختلفة رغم الظروف بين الفينة و الأخرى.

رسومات الكهوف بأكاكوس
الفنون الليبية بشكل عام التي تأثر بها الكثير من الأقوام والأجناس التي مرت على هذه الأرض الطيبة المعطاءة، سواء كان ذلك بالاتصال المباشر أو غير المباشر، فليس بعجيب أن يقول المؤرخ اليوناني المعروف هيرودوت كلمته الشهيرة: ( من ليبيا يأتي دائما الجديد ). فقد اخذ الرومان على سبيل المثال الكثير من العادات والتقاليد الفنية السائدة في ليبيا من الزي الشعبي وبالذات ( الجرد أو الحولي ) الليبي، وبعض السلوكيات الاجتماعية والفنية الأخرى القديمة. وها هو العالم – سمت كاج بيركت – ( SMITH KAJ BIRKET ) يقول في كتابه ممرات الحضارة :- ( Paths of Culture ) الصادر عام 1965 م على أن ثوب ودرع أثينا قد نقلهما الإغريق عن النساء الليبيات . ولقد كانت تماثيل ( أثينا ) تتألق بهذا الثوب الذي نقله اليونانيون عن الليبيات. ( 5 (
الجرد الليبي للرجال والفراشية للنساء

ثم يذكرنا التاريخ ب ( اوناس) أو أنيس الفيلسوف الليبي الذي اثبت علاقة الليبيين بفنون الأهرامات بالإضافة إلى الكثير من الرسوم والتصاميم والرموز التي تطابقت مع الفنون المصرية القديمة من خلال ظهورها في ليبيا قبل ظهورها في مصر القديمة بآلاف السنين، وهذا ما يؤكده نزوح الكثير من الليبيين إلى أرض النيل طلباً للماء جماعات حتى وصلت بعضها إلى سدة الحكم في مصر القديمة مثل القائد الليبي المعروف شيشنق في عهد بعض الأسرات الفرعونية. 

أما بالنسبة للأتراك فقد مكثوا في بلادنا أكثر من أربعة قرون متتالية وقد تأثروا هم الآخرون بفنون الليبيين، ونقلوا بعضها إلى بلادهم للاستمتاع بها والتفاخر بالزي الليبي المزركش للفرسان الليبيين في قصورهم و بخاصة مجالس السلاطين الرئيسية، ونقلوا كذلك نماذج من الأسلوب المحلي المتميز في العمارة الدينية والمدنية. ثم كان لتجنيد بعض الفنانين الليبيين الكبار في الجيش التركي أثره على نقل إبداعات هؤلاء الفنانين إلى تركيا والتفاخر بهم في أوروبا أمثال كل من الفنان، محمد على لاغا، وسامي عتيق ورسوماتهما عن طرابلس الليبية الرائعة تؤكد هذا وتربط العلاقة القوية لهؤلاء الفنانين ببلادهم وتعلقهم بها .

أحد أعمال الفنان التشكيلي محمد علي لاغا

تأسست مدرسة الفنون والصنائع الإسلامية – إذا كان النقاد العرب لا يعلمون – عام – 1897 م كما أسلفنا – وبذلك تعتبر بحق أولى المدارس الفنية المتخصصة في الوطن العربي وهي مازالت ظاهرة إلى يومنا هذا رغم توقفها لبعض السنوات بسبب الاستعمار الإيطالي الفاشستي لبلادنا، هذا ولقد حققت نجاحا كبيراً وخلقت بداية فعلية لفن تشكيلي ليبي حديث عكست تراث هذه الأمة وكونت ذوقاً فنياً رفيعاً ينتمي لجذور هذه البلاد، و أفرزت الكثير من المواهب المبدعة التي شقت طريقها بنجاح وأصبحت رائدة في حركة بناء الفن التشكيلي من جديد بروح عصرية ومواكبة للتقدم الفني العربي والإسلامي والعالمي .

مدرسة الفنون والصنائع الإسلامية بطرابلس- ليبيا

في مطلع القرن العشرين برز الكثير من الفنانين الرواد أمثال: الفنان المهدي الشريف، ومحمد الارناؤوطي، وأبو القاسم الفروج وغيرهم ثم جاء الشيخ أبو بكر ساسي المتميز بخطوطه وزخارفه الإسلامية، والفنان التجريدي عبد المنعم بن ناجي الذي عرض أول معارضه عام 1953 ، ثم الهاشمي داقيز ، وعلي القلالي المختصين بفن الفخار والخزف والزخارف، وخلال فترة الستينيات ظهرت أعمال الفنان الجوال محمد البارودي.

وفي مدينة بنغازي كان لتجمع عدد من الفنانين خلال بداية الخمسينيات أثره الكبير في تكوين جمعية للفنون عام 1951 أمثال الفنان عوض عبيدة ويحي البدوي وفخر الدين إبراهيم حسن بن دردوف وأبو حميدة وغيرهم ممن التحقوا معهم بعد ذلك مباشرة، أمثال الفنان محمد استيتة من مدينة درنة .

من أعمال الفنان التشكيلي عوض عبيده

من أعمال الفنان التشكيلي عوض عبيده
       ثم توالى ظهور الفنانين التشكيليين المتخصصين في فروع الفن التشكيلي المختلفة من رسم ساخر( كاريكاتير) إلى التصميم الداخلي للمسرح ( الديكور) إلى فن الملصقات، والطباعة والنحت وغيره. فكان على سبيل المثال الفنان فؤاد الكعبازي، ومحمد شرف الدين، وعلي فهمي خشيم. ثم ظهر الفنان الكبير محمد الزواوي مع بداية الستينيات ليبدأ رحلة المشوار والوصول بفنه الساخر إلى العالمية وليس على مستوى العربي فقط. وفي فترة السبعينيات ظهر عدد كبير جداً من المبدعين التشكيلين يتعذر ذكرهم هنا وخاصة بعد تأسيس ناد للرسامين في أواخر الستينيات. ووحدة الفنون التشكيلية بأمانة الإعلام والثقافة، وفتح الكثير من قاعات العرض الفنية التي تضاهي قاعات العالم التشكيلية في نظامها وطريقة التعامل، والعرض الفني أمثال الدار الليبية للفنون ودار الفنون وقاعة الف باء وقاعة الواسطي ودي فيلا وغير ذلك .



كما كان لتأسيس كليات للفنون ، والمعاهد العليا المتخصصة الأثر الكبير أيضاً في الدفع بحركة التشكيل الليبي، ودخلت الدراسات التشكيلية، ليس على المستوى الجامعي فقط بل على مستوى الدراسات العليا في هذا المجال لتحضير درجة ( الماجستير ) و ( الدكتوراه ) في داخل البلاد بعد وصول عدد كبير من المتخصصين من حملة هذه الشهادات من أوروبا وأمريكا وبعض الدول العربية منذ بداية الثمانينيات.

واليوم أصبحت البلاد تعج بعدد رهيب من الفنانين التشكيليين المتميزين ، ومنهم من فاز وتحصل على أعلى المراتب والجوائز الفنية العالمية المعروفة منذ فتر الستينيات والى يومنا هذا.

هذا مجرد ملخص بسيط جداً عن تطور حركة التشكيل الليبي نضعه أمام نقاد الفن لتشكيلي العربي ، ونطرحه كمدخل إلى البحث عن تاريخ هذا الفن في بلادنا، مشيرينا إلى مدي قدمه وريادته ، وتطوره على مر التاريخ ومساهماته الكبيرة .

المراجع
1- الربيعي ، شوكت ، الفن التشكيلي المعاصر في الوطن العربي 1885 - 1985 ، الهيئة العامة للكتاب ، القاهرة ، 1988.
2- الربيعي ، شوكت ، طائر الشوق الأصفر ، المجمع الثقافي في أبو ظبي ، الإمارات العربية المتحدة ، 2000.
3- باقر ، احمد ، مجئ الفن بمفهومه الأوروبي إلى العالم العربي ، دار الورد ، البحرين ، 1998.
4- جودي ، محمد حسين ، الحركة التشكيلية المعاصرة في الوطن العربي ، دار المسيرة ، الأردن 1998.
5- أبو زريق محمد ، من التأسيس إلى الحداثة في الفن التشكيلي العربي المعاصر ، المؤسسة العربية للدراسات والنشر ، بيروت ، لبنان ، 2000 .
6- خشيم ، على فهمي ، فراءات ليبية ، دار مكتبة الفكر ، طرابلس ، ليبيا .

 *من مقالات الدكتور / عـــياد هاشم النقدية ـــ المنشورة على صفحته الشخصية facebook على هذا الرابط: https://www.facebook.com/dr.ayad.hashem
**عضو الإتـــحاد الـــدولي لنقــــاد الفـــن التشكيلي ( AICA ) :

أنماط البيوت التقليدية في ليبيا

المسكن الطرابلسي التقليدي المنزل ذو الفناء " الحوش " جمال الهمالي اللافي مقدمة / يعتبر(...