التخطي إلى المحتوى الرئيسي

وظيفة الفن في تجميل الحياة*




الكاتب أحمد إبراهيم الفقيه

ذات ندوة ثقافية في مطلع السبعينات ، حضرها الادباء والفنانون والاعلاميون، لمناقشة مندوب من مجلس قيادة الثورة لشرح السياسة الجديدة في مجالا ت الاعلام والثقافة، ولامر ما سهى هذا المسئول القيادي ان يشير الى موضوع الفنون التشكيلية وما احتوته الخطة الجديدة من اهتمام بها، فتصدى له بغضب وحماس الفنان التشكيلي المعروف الاستاذ طاهر المغربي متسائلا عن فحوى سياسة الدولة في هذا المجال، مستنكرا على هذا الرجل القيادي ان ينسى الفنون التشكيلية قائلا له ان الفنون التشكيلية ان كنت لا تعلم ايها السيد الوزير، تدخل في كل منحى من مناحي الحياة ، فهذه القاعة التي تجلس فيها هي فنون تشكيلية وهذه الطاولة التي تجلس اليها والكرسي الذي تجلس فوقه هما فنون تشكيلية وهذه البذلة العسكرية التي ترتديها برتبها ونجومها هي فنون تشكيلية، وهذه الساعة التي في معصمك فنون تشكيلية ، وهذه السيارة التي اقلتك الى هذا المكان فنون تشكيلية، والبيت التي تسكن فيه، وغرفة النوم التي تنام بها والسرير الذي تنام فوقه، والصحن االذي تأكل فيه طعامك هوفنون تشكيلية، ومضى يعدد له مظاهر الحياة التي يحياها والتي رافقته كما رافقت أي انسان منذ طفولته هي انواع من الفنون التشكيلية من المهد الذي تهدهده فيه امه، الى التابوت الذي سينقل فيه عندما يموت الى متواه الاخير، واللحد الذي ستوضع فيه عظامه بعد عمر طويل كلها فنون تشكيلية ، وليس مجرد اللوحة التي يراها معلقة على الجدار او الصورة التي يراها مرسومة في صحيفة او مجلة، الى حد صار معه الرجل يرجو الفنان الكبير ان يتقبل عذره لانه ما جاء الى هذا المكان الا للحديث عن الخطوط العريضة لسياسة وزارته في هذه المجالات تاركا التفاصيل لاهل الاختصاص، قائلا للاستاذ الطاهر المغربي، بعد ان فتش بين اوراقه، ان وزارته لم تهمل الفنون التشكيلية بدليل ان هناك دائرة اسمها دائرة الفنون التشكيلية وان هناك ايضا ناديا للرسامين يستطيع ان يذهب السيد الطاهر لرئيس هذه الدائرة ورئيس هذا النادي ليشرحا له السياسة الجديدة الخاصة بهذا المجال فكانت المفارقة التي جاءت على لسان الفنان الطاهر المغربي، في رده على هذا المسئول انه "انا يا سيادة الوزير هو رئيس دائرة الفنون التشكيلية وانا هورئيس نادي الرسامين"، لم يكن الفنان الطاهر المغربي معنيا في هذه المواجهة بينه وبين الوزير، بفلسفة الفن بقدر ما كان معنيا باظهار اهمية الفن في الحياة وضرورة اهتمام الحكومة الثورية في ذلك الوقت به ضمن اهتمامها بتطوير الوان الفن الاخرى، دون ان نحتاج هنا الى ان نقول ان هذه الالوان من الفن مجتمعة تشترك في الاهداف ولاغراض، اذ ان مهمتها دائما هي تجميل الحياة ، وجعلها اكثر احتمالا او كما يقول نيتشه " تبرير الوجود كواقع جمالي" بل هو يطالبه بان يفاجئنا دائما ويخلق بدائل لوجودنا، ويحمله مسئولية اقناعنا بالعيش في المستقبل. اما هيجل فهو الذي يقول في كتابه حول علم الجمال، بان جمال الفنون يرافق الانسان في حياته صديقا وفيا ليجعل لحظات وجوده اكثر لطفا وفرحا.

وعودة الى كلام فناننا الكبيرالطاهر المغربي، فان الفن بالصورة التي ذكرها ليس مجرد محطات في حياة الانسان يقف عندها للراحة والترويح ، كما يقف المسافر في البرية في يوم قائظ تحت ظل شجرة ،يجاور نبعا او بئرا، وانما صار الفن هو النهر الذي يعوم فيه الانسان او يمتطى قاربه ويتهادي فوق امواجه، ويصدق هذا اليوم اكثر من أي يوم مضي، بانفجار ثورة الاتصالات والسماوات المفتوحة والقنوات التي تصل لالاف المحطات يتلقاها المشاهد في بيته وشبكة الانترنت بامكانياتها الهائلة ، لتجعل الفن الذي تنقله هذه الوسائط باللون والصوت والصورة، جماليات التشكيل والتصويروالتلوين، مع فنون الموسيقى والغناء والرقص والاستعراض وفنون القول والحوار والتمثيل والاخراج، كل ذلك يجعل الفنون، تشكيلية او غير تشكيلية، جزءا من الحياة اليومية للانسان باكثر مما قال الفنان طاهر المغربي منذ اكثر من ثلاثين عاما مضت ، فهل هذا الكم الهائل، الذي يجعل الفن في حياتنا جزءا من العادة والروتين يشكل تقوية للفن ، ام انه يضعفه ويصنع منه صورة باهتة بعيدة عن تلك المنابع القوية العميقة التي صنعت امجاد الرسم والموسقى والمسرح، عندما كان الناس يذهبون الى هذه الفنون، ويجعلونه احتفالا في احياتهم وهم يرتادون المعارض والمتاحف وقاعات العرض المسرحي والموسيقى، لمشاهدة الاصل لا الصورة المأخوذة عن صورة، هل الفن يتقدم ، ومعه تتقدم البشرية ، ام ان ما يحدث مع هذا الكم الهائل والسيل الهادر هو العكس ، لا ادري ، ولكن كل هذا لا ينفي الحقيقة الثابتة والدائمة لتلك الكلمات الجميلة التي شهدتها قاعة مجلس الامة القديمة على لسان فنان ينتصر للفن والفنانين في مواجهة وزير صار يبحلق في قبة المبني وينقل بصره بينها وبين البذلة التي يرتديها مندهشا من ان هذه القبة وهذه الاعمدة وهذه البذلة التي يرتديها، هي فنون تشكيلية ، فاجاه كلام الفنان ، فصار حاله كحال المثري النبيل في مسرحية موليير عندما رقص ذلك الغني الجديد اندهاشا وهو يسمع من احد المعلمين ان ما يقوله من كلام عادي هو ما تسميه كتب الادب النثر .


* ورقة القاها الكاتب في ندوة فكرية حول اعمال الفنان التشكيلي الراحل الطاهر المغربي مساء الثلاثاء الماضي بدار الفنون والتي نظمتها الجمعية الليبية للاداب والفنون .


المصدر: صفحة الجمعية الليبية للآداب والفنون على الفيسبوك


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

التهوية الطبيعية في المباني

م/ آمنه العجيلى تنتوش المقدمة تتوقف الراحة الفسيولوجية للإنسان على الثأتير الشامل لعدة عوامل ومنها العوامل المناخية مثل درجة الحرارة والرطوبة وحركة الهواء والإشعاع الشمسي . وللتهوية داخل المبنى أهمية كبيرة وتعتبر إحدى العناصر الرئيسية في المناخ ونق الانطلاق في تصميم المباني وارتباطها المباشر معها فالتهوية والتبريد الطبيعيين مهمان ودورهما كبير في تخفيف وطأة الحر ودرجات الحرارة الشديدة ، بل هما المخرج الرئيسي لأزمة الاستهلاك في الطاقة إلى حد كبير لأن أزمة الاستهلاك في الطاقة مردها التكييف الميكانيكي والاعتماد عليه كبير والذي نريده فراغات تتفاعل مع هذه المتغيرات المناخية أي نريد أن نلمس نسمة هواء الصيف العليلة تنساب في دورنا ومبانينا ونريد الاستفادة من الهواء وتحريكه داخل بيئتنا المشيدة لإزاحة التراكم الحراري وتعويضه بزخات من التيارات الهوائية المتحركة المنعشة . فكل شي طبيعي عادة جميل وتتقبله النفس وترتاح له فضلا عن مزاياه الوظيفية . وعلى المعماري كمبدأ منطقي عام البدء بتوفير الراحة طبيعياً ومعمارياً كلما أمكن ذلك ومن تم استكملها بالوسائل الصناعية لتحقيق أكبر قدر ممكن ...

بيوت الحضر: رؤ ية معاصرة للمسكن الطرابلسي التقليدي

تصميم وعرض/ جمال الهمالي اللافي في هذا العرض نقدم محاولة لا زالت قيد الدراسة، لثلاثة نماذج سكنية تستلهم من البيت الطرابلسي التقليدي قيمه الفكرية والاجتماعية والمعمارية والجمالية، والتي اعتمدت على مراعاة عدة اعتبارات اهتم بها البيت التقليدي وتميزت بها مدينة طرابلس القديمة شأنها في ذلك شأن كل المدن العربية والإسلامية التقليدية وهي: · الاعتبار المناخي. · الاعتبار الاجتماعي ( الخصوصية السمعية والبصرية/ الفصل بين الرجال والنساء). · اعتبارات الهوية الإسلامية والثقافة المحلية. أولا/ الاعتبار المناخي: تم مراعاة هذا الاعتبار من خلال إعادة صياغة لعلاقة الكتلة بمساحة الأرض المخصصة للبناء، بحيث تمتد هذه الكتلة على كامل المساحة بما فيها الشارع، والاعتماد على فكرة اتجاه المبنى إلى الداخل، وانفتاحه على الأفنية الداخلية، دون اعتبار لفكرة الردود التي تفرضها قوانين المباني المعتمدة كشرط من شروط البناء( التي تتنافى شروطها مع عوامل المناخ السائد في منطقتنا ). وتعتبر فكرة الكتل المتلاصقة معالجة مناخية تقليدية، أصبح الساكن أحوج إليها من ذي قبل بعد الاستغناء عن البنا...

المعلم/ علي سعيد قانة

موسوعة الفن التشكيلي في ليبيا 1936- 2006 جمال الهمالي اللافي الفنان التشكيلي" علي سعيد قانة " هو أبرز الفنانين التشكيليين الذين عرفتهم الساحة التشكيلية في ليبيا... انخرط في هذا المجال منذ نحو أربعة عقود. ولد بمدينة طرابلس الموافق 6/6/1936 ف ترعرع في منطقة سيدي سالم (باب البحر) بمدينة طرابلس القديمة.والتحق بأكاديمية الفنون الجميلة بروما- إيطاليا سنة 1957 وتخصص في مجال النحت بمدرسة سان جاكومو للفنون الزخرفية، كما حرص خلال وجوده في روما على دعم قدراته الفنية من خلال دورات تخصصية في مجال الرسم الحر والطباعة والسباكة وبرز في هذه المجالات جميعا.• التحق عند عودته إلى ارض الوطن بمعهد للمعلمين ( ابن منظور ) للتدريس سنة 1964ف• انتقل للتدريس بكلية التربية جامعة الفاتح سنة1973 ف• انضم إلى كلية الهندسة/ جامعة الفاتح بقسم العمارة والتخطيط العمراني سنة 1974- وتولى تدريس أسس التصميم و الرسم الحر لغاية تقاعده سنة 2001 ف• عمل مستشارا للشئون الفنية بمشروع تنظيم وإدارة المدينة القديمة. مساهماته الفنية/ اقتنى متحف مدينة باري للفنون بإيطاليا لوحتين من أعماله الفني...