أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

{فأما الزَّبد فيذهب جُفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض}- سورة الرعد، الآية 17

‏إظهار الرسائل ذات التسميات سيرة المعمار والذات. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات سيرة المعمار والذات. إظهار كافة الرسائل

الاثنين، نوفمبر 17، 2025

العمارة كعهد لا يُخان: بيان ذاتي في زمن التنازلات

جمال الهمالي اللافي



في خضم التحولات المتسارعة التي تشهدها العمارة الليبية، وبين ضغوط التغريب وإغراءات الخارج، أجدني أعود إلى أصل العهد الذي قطعته على نفسي منذ أول خطوة في هذا الطريق. هذا النص ليس مجرد تأمل، بل هو تثبيت لبوصلة الانتماء، وتذكير بأن العمارة موقف قبل أن تكون مهنة.

منذ أن اتخذت قراري بالالتحاق بمجال العمارة، جعلت ليبيا بكل بيئاتها الجغرافية وتنوع هوياتها المعمارية نصب عيني، ملتزمًا بإحياء ما وأدته عمارة التغريب. ومنذ انطلاقتي في هذا العالم، حرصت على الوفاء بوعودي.

لا، ولم، ولن أنشغل بخارج ليبيا، إلا بما يغذّي داخلها، ويثري هويتها المعمارية، ويسهم في تشييد أركانها عبر الحلول الإنشائية والمعالجات البيئية ومواد البناء التي تثري تفاصيلها، لا تلك التي تشوّه معالمها.

غير ذلك لهاثٌ وراء سراب. من يعتقد أنني أحيد عن المبادئ التي رسمتُ بها معالم طريقي في مجال العمارة والعمران، من أجل أن أُسهم في عمارة خارج حدود ليبيا، أو أنشغل بهموم تصرفني عنها إلى غيرها، فهو لم يفهم موقفي.

لقد وصلت إلى قناعة، هي وليدة تجربة ومعايشة لواقع المعماريين في ليبيا: أن الطريق الذي رسمتُ معالمه، عليّ أن أسير فيه وحيدًا. وقد اخترته عن كامل رضا، ولن أتراجع أو أتردد لحظة في مواصلة المشوار.

الخميس، أكتوبر 23، 2025

من الجماعة إلى الذات: كشف المعمار في زمن الاستحواذ

 مقدمة لسلسلة: تأملات معمارية

جمال الهمالي اللافي

ليس هذا النص والنصوص اللاحقة له مقالات تقنية، ولا مرافعات نظرية، ولا حتى محاولات لتأريخ تجربة شخصية. إنها تأملات مكتوبة من موقع الممارسة، ومن زاوية يقظة لا تهادن الواقع ولا تنفصل عنه.
في هذه السلسلة، لا يُعرض المعمار كحرفة أو مهنة، بل كمرآة للوعي، وكمجال تتقاطع فيه الذات مع الجماعة، والبيئة مع الفكرة، والزمن مع المسؤولية.

ما يُكتب هنا ليس بحثًا عن اعتراف، ولا ردًا على تهميش، بل كشفٌ لما يُرى ولا يُقال، وتوثيقٌ لما يُعاش ولا يُؤرشف. كل نص في هذه السلسلة هو محاولة لفهم ما تبقى من المعمار حين يُنزَع عنه الاستعراض، ويُعاد إليه صدقه الأول: أن يكون فعلًا إنسانيًا مواجهًا، يصدر عن وعي لا عن رد فعل، وعن مسؤولية لا عن انفعال.


مدخل تأملي

لم تكن تجربتي المعمارية مجرد مسار مهني، بل كانت فعلًا ثقافيًا مستمرًا، بدأ من مقاعد الدراسة، وامتد عبر الوظيفة الحكومية، ثم ممارسة المهنة بحرية. كنت حريصًا على أن أكون فاعلًا، لا مجرد مشارك، في كل ما من شأنه تنشيط الحركة المعمارية، سواء في أوساط الطلاب أو المهنيين.

بين النجاح والتشويش

نجحت العديد من المبادرات التي اقترحتها، رغم ما اكتنف بعضها من ممارسات محبطة من أطراف متعددة. لم تكن هذه الممارسات حالات فردية، بل جزءًا من ثقافة سائدة، تتقن الاستحواذ ثم الإقصاء، وتُفرغ الفعل من أثره، حتى حين يبدو ناجحًا في ظاهره.

التحول نحو الفرد

في السنوات الخمس الأخيرة، وجدت نفسي أفضّل العمل الفردي، رغم اعتيادي الطويل على العمل الجماعي. توقعت أن ألامس القصور، لكن ما حدث كان مفاجئًا: تقدم غير مسبوق في فهمي لطبيعتي، وفي إنتاجي المعماري والفكري، لم أكن لأبلغه لو واصلت العمل ضمن الجماعة.

عزلة مفروضة لا مختارة

العزلة لم تكن خيارًا، بل واقعًا فرضه تردي البيئة المهنية، حيث يسعى الكثيرون للظفر بجهود الآخرين، دون أي التزام أخلاقي أو مهني. هذه الثقافة تستنزف الزمن والعمر والصحة، وتحوّل الفعل المعماري إلى سلسلة من الفعاليات الهامسية، التي تنتهي بتفرق الجميع دون أثر ملموس.

كشف المعمار

ما كشفه العمل الفردي لم يكن فقط عن الذات، بل عن طبيعة الحقل المعماري نفسه، حين يُمارس خارج منطق الاستعراض أو التواطؤ. كشفٌ لا يطلب التصفيق، بل يطلب الصدق، ويعيد تعريف الفعل المعماري كمسؤولية لا كمنصة.

أنماط البيوت التقليدية في ليبيا

المسكن الطرابلسي التقليدي المنزل ذو الفناء " الحوش " جمال الهمالي اللافي مقدمة / يعتبر(...