أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

{فأما الزَّبد فيذهب جُفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض}- سورة الرعد، الآية 17

الأحد، نوفمبر 23، 2025

مراجعة نقدية: العمارة اللاشيئية من منظور معرفي


جمال الهمالي اللافي

من خلال تتبع أنماط العمارة الليبية المعاصرة، أجد أن وصفها بأنها "تماهٍ مع الغرب" لا يعكس حقيقتها. فالمقارنة الدقيقة تكشف أنها لا تمت بصلة إلى العمارة الغربية، لا في الجذور ولا في الشكل ولا في المواد ولا في التفاصيل. وفي الوقت نفسه، هي لا تستمد منطلقاتها من الموروث المحلي. إنها عمارة بلا هوية، بلا سياق، بلا منطلق فكري، يمكن أن تُسمى بحق العمارة اللاشيئية.

هذا النمط المعماري يتسم بالهلامية، حيث تتخذ الكتل أشكالاً متعددة دون أن ترتبط بفلسفة أو رؤية. المعماري هنا يعمل بعقلية التاجر، يزين بضاعته ليستهوي المستهلك، دون أن يضع في اعتباره صلاحية الاستعمال أو تحقيق الفائدة المرجوة من وراء البناء. وهكذا تتحول العمارة إلى سلعة، إلى واجهة متباهية، لا إلى فضاء يحقق معنى السكن أو يعكس هوية المجتمع.

إن أخطر ما في هذه الحالة أنها تُسوّق للناس بوصفها "نهضة"، بينما هي في حقيقتها تكريس للفراغ والرداءة. فهي لا تخضع لمعيار، ولا تخضع لرقابة، ولا تجد مجتمعاً يعي حقيقتها فينبذها. إنها ليست اغتراباً بالمعنى التقليدي، بل فراغاً عمرانيّاً يكرّس أزمة الهوية ويعمّق الضياع.

من منظور معرفي، يمكن القول إن "العمارة اللاشيئية" ليست مجرد وصف بل مصطلح نقدي يفتح الباب أمام إعادة التفكير في علاقة العمارة بالإنسان والمجتمع والذاكرة. فهي تكشف أن ما نفتقده ليس القدرة على التقليد، بل القدرة على بناء هوية معمارية صادقة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أنماط البيوت التقليدية في ليبيا

المسكن الطرابلسي التقليدي المنزل ذو الفناء " الحوش " جمال الهمالي اللافي مقدمة / يعتبر(...