النجاح والفشل بين الهوية والوظيفة
جمال الهمالي اللافي
1.
الهوية المعمارية والالتزام
الفكري
يمتلك المهندس المعماري توجهًا
راسخًا ينبع من قناعاته الشخصية وانتمائه العقائدي والمجتمعي؛ وهذا التوجه ليس
مجرد وجهة نظر قابلة للنقاش، بل انعكاس أصيل لثبات هذه القناعات
وعليه،
فإن الزبون يختار المعماري بناءً على سجله العملي – سواء من خلال مشاريع قائمة أو
عروضه المنشورة – والتي تمثل العنوان الصريح والواضح لتوجهه المعماري. وهذا يضمن
أن العميل على معرفة مسبقة بطبيعة الأسلوب الذي سيقدم عليه.
2.
الثبات في التوجه والمرونة في
التصميم
يحق للمعماري أن يتصلب في
توجهه المعماري؛ فهو مرتبط بمعتقد فكري وليس منطلقًا من فراغ، وتغييره أو الإبقاء
عليه مسألة شخصية نابعة من قناعاته الداخلية، وليس نتيجة لتأثير خارجي. لكن هذا الثبات لا ينسحب
على الفكرة التصميمية المبدئية للمشروع. هذه الفكرة قابلة للتعديل أو الإلغاء
والبدء من جديد. فالغاية الأساسية هي تحقيق متطلبات الزبون ضمن دائرة التوجه
المعماري للمهندس، وليس فرض مشروع لا يخدم احتياجات العميل.
3.
تحديد الأدوار: مسؤولية العميل
ومسؤولية المعماري
تقتصر مهمة العميل على عرض متطلباته،
احتياجاته، والنقاط التفصيلية الضرورية في بيته. هذه هي متطلبات العميل، ليست
توجيهات معمارية. أما النتيجة النهائية للمشروع، فهي تُحسب
بالكامل للمعماري. يُقيّم نجاحه بمدى قدرته على تحويل الاحتياجات إلى واقع متكامل،
ثم يخضع لتقييم نهائي بعد فترة من معايشة المشروع واستخدامه.
4.
النجاح والفشل: أبعاد متعددة
لا تختزل في رضا الزبون
- النجاح لا يُقاس فقط
بمدى تحقيق رغبات العميل المباشرة، بل بقدرة المعماري على تحقيق توازن بين:
- الوظيفة: تلبية
الاستخدام اليومي بكفاءة وراحة.
- الهوية: انسجام المشروع
مع السياق الثقافي والاجتماعي.
- البيئة: احترام المحيط
الطبيعي والمناخي.
- الاقتصاد: ضبط التكلفة
ضمن حدود معقولة.
- الجماليات: صياغة لغة
معمارية راقية تمنح المكان قيمة وجدانية وبصرية.
- الفشل لا يقتصر على
عدم إرضاء العميل، بل يشمل:
- إغفال الهوية أو تشويهها.
- تجاهل البيئة أو تقديم حلول
تضر بالمحيط.
- تجاوز الميزانية أو
تقديم مشروع غير قابل للاستدامة.
- إنتاج تصميم يفتقر إلى
القيمة الجمالية أو يخلق نفورًا بصريًا.
أي خلل في هذه الجوانب يُحسب
على المعماري، لأنه المسؤول عن تحويل الاحتياجات إلى مشروع متكامل يراعي جميع
الأبعاد.
الخاتمة: إعادة ترسيخ دور
المعماري
إن الفصل بين دور المعماري
والمتطلبات الوظيفية للعميل أمر لا يقبل الجدال في كل المهن الأخرى، وينبغي أن
يكون كذلك في العمارة. المعماري ليس مجرد منفّذ لرغبات الزبون، بل هو
المصمم، والمفكر، والمنفذ الفني للرؤية. نجاحه أو فشله يُقاس بمدى قدرته على تحقيق
التوازن بين الهوية، البيئة، الاقتصاد، الوظيفة والجماليات، لا بمجرد إرضاء العميل.
عندما يُفهم هذا الدور على
حقيقته، يعود للمعمار مكانته المستحقة كقائد فكري وتصميمي للمشروع، ويصبح الإنجاز
أو الإخفاق مسؤولية مهنية خالصة تُحسب له وحده. بذلك يستقيم ميزان التقدير، ويُعاد
الاعتبار للعمارة كفعل ثقافي وفكري، لا مجرد خدمة تجارية.
.jpg)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق