حوش العائلة - بين الأصالة والتجديد |
جمال اللافي
بعد إلقائي لمحاضرة بعنوان(نحو رؤية جديدة ومعاصرة لمفهوم المسكن الاقتصادي) وذلك في العام 1993 بمشروع تنظيم وإدارة المدينة القديمة بطرابلس. وكان خلاصتها الدعوة للعودة إلى مسكن العائلة الذي يضم في رحابه الأجيال الثلاثة الأب والأبناء والأحفاد، كطرح بديل عن البيوت الاقتصادية المتعارف عليها في المشاريع الإسكانية والمعتمد على تكرار النموذج السكني والارتفاع الرأسي في البناء.
بعد انتهاء المحاضرة وخروجي من القاعة، خاطبتني زميلة معمارية مُبدية تحفظها على هذا الطرح، قائلة بلهجة منفعلة: شن بتردنا لعصر الحريم!
لم أجبها في تلك اللحظة حتى لا أفتح باباً للجدل العقيم.
خلال السنوات التي أعقبتها تم ملاحظة أن الحديث عن الهوية المعمارية بصفة عامة والهوية بمفهومها الشامل، المتعلقة بمعاملاتنا وتعاملاتنا وما يرتبط بها من تطبيقات في كافة المجالات العلمية والفنية والأدبية، تُقابل من عامة أفراد المجتمع بتحفظ شديد هو أقرب للرفض المطلق مصحوباً أيضا بالقول: شن بتردنا للماضي!
الخلاصة:
عصر الحريم لم يوجد في الثقافة الإسلامية يوماً في أي دولة إسلامية قامت، منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم مروراً بعهد الخلفاء الراشدين وانتهاءً بالخلافة العثمانية. والمقصود في تلك الأزمان بالحريم هم فقط نساء البيت أو القصر من الجدات والأمهات والعمات والخالات والبنات اللاتي حرم عليهم الشرع مخالطة الرجال الغرباء. والجواري تُطلق على البنات الصغيرات في السن. وليس كما صورتها رسومات المستشرقين وأفلام هوليوود وربيبتها في تشويه صورة الإسلام السينما المصرية ومن بعدها السينمات العربية. وكل امرأة متحجبة اليوم هي في حقيقتها تخبرنا بأنها حريمٌ عليها أن تنكشف على الغريب الأجنبي.
أما العودة إلى الماضي، فهي بلا شك العودة للزمن المُشرّف من تاريخنا الإسلامي، عصر الحضارة والمنجزات العلمية والفنية والأدبية.
والهوية تعني بالضرورة التواصل مع منجزات هذه الحضارة، بتبني قيمها ومنطلقاتها والتفاعل مع معطيات الحاضر بمتطلباته وتقنياته وأدواته. ولا تعني التقوقع أو الانسلاخ عن الجذور.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق