أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

{فأما الزَّبد فيذهب جُفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض}- سورة الرعد، الآية 17

السبت، أبريل 21، 2012

مطلب الهوية... ما له وما عليه





جمال الهمالي اللافي

عندما نتكلم عن العمارة المحلية فنحن نتكلم عن الهوية وهذا يعني أننا نتكلم عن مجموعة المعطيات البيئية والمؤثرات المحيطة، وعندما ننظر للبيئة والمحيط، نجد أنهما قد يعطيان للوهلة الأولى معنى واحد، وإن كانت البيئة تعني أكثر الداخل، بينما يعني المحيط الخارج.

وهذا يقودنا لفهم أكبر للمعاني التي يحملها المصطلحان، بحيث يمكن ترتيبهما كل في مكانه الصحيح وفهم ما يعنيه كل منهما وما يتطلب ذلك من إجراءات وأين يمكن لأحدهما أن يقف عند حدود معينة بينما يمكن للآخر أن يتحرك بكل حرية.

البيئة، هي البيت وهي العائلة وهي الأقارب وهي جميع مشتملات هذا البيت، وهي المكان والمجتمع الذي ننتمي إليه. بينما المحيط هو الجيران وهو سكان المدينة وهي العالم الذي يموج من حولنا بانتماءاته المختلفة وثقافاته المتنوعة، وما يتطلب ذلك من تفاعل إيجابي وتبادل منافع وتأثير وتأثر وتواصل بالتي هي أحسن وفهم كل منهما لما يحتاجه الآخر من خصوصية واحترام لمشاعره وحاجاته العاطفية والروحية ومتطلباته المعيشية التي تحفظ له استمرارية وجوده وكرامته وحريته واستقلاليته.

كما أن البيئة هي الوسط الذي نعيش بداخلة ونتغدى عليه ونتنفس من خلاله، والمحيط هو الذي يحتوي هذا الوسط ويحفظه من مخاطر عدة غير منظورة ويمنعه من التلاشي والتبعثر في الأرجاء ويحدد إطاره وشكله العام، ومهما اتخذت البيئة من تفاصيل دقيقة، فإن المحيط العام يؤطرها بإطاره، إن كان مربعا أو دائرة أو شكلاً هلامياً.

وقد تتخذ البيئة لها شكلا معرّفاّ ولا تمنعها هلامية المحيط من أن تحافظ على هذا الخيار. ولكنه قد يحاول أن يبسط نفوده عليها. وهنا تأتي صلابة هذه البيئة أو هشاشتها لتقرر حجم هذه السيطرة وحدودها ومدى قدرتها على مقاومة الإجهادات التي يصنعها ضغط التغيير. وغالبا ما ينحاز المحيط لقوة البيئة في اختياره لشكله أيضاً، عندما تكون المعطيات البيئية أكثر فاعلية ونشاطاً.

ولهذا عندما تقوى النزعة البيئية لإثبات هويتها وتأكيدها وتمتلك مقومات فرض نفسها وإقناع ذاتها بأحقيتها في الوجود، ينحسر تأثير المحيط وينصاع لقوة هذا المطلب ويشرعنه ويعطيه مبررات وجوده ويقف أمامها إجلالاً وإكباراً.

أما إذا حدثت حالة التماهي والاستيلاب لصالح مؤثرات المحيط وانصاعت البيئة لقيادته وتشكلت بتشكله، فهنا يستمد هذا المحيط شرعية بسط نفوذه على البيئة وينزع عنها حقها ويفرض عليها قوانين الإلغاء ويصادر ممتلكاتها وربما يحجر عليها وقد يغتالها باعتبارها معارض أو متطرف أو إرهابي.

لهذا فنحن أمام صراع( قد يكون دامي في كثير الأحيان) لإثبات الهوية المرتبطة بالبيئة في مقابل سعينا لاعتراف المحيط بهذا الحق، وتقديم مطلب التفاعل الإيجابي ونبذ الصراعات، والإقرار بحق أي بيئة في أن تتخذ لها هويتها التي تعبر عنها،

وفي المقابل يجب الإقرار بأن هذه البيئة تستمد ضوئها وحرارتها ودفئها من خلال ما يمدها به هذا المحيط من مقومات الحياة وعوامل الاستمرارية والتوازن الطبيعي. ولتتفهم البيئة أن أي إضرار بالمحيط وإحداث فجوات بداخله قد ينذر في النهاية بدمار شامل للاثنين معاً وليس لأحدهما دون الآخر.

وبالتالي فالخيار الأسلم هو التعايش على مبدأ احترام أحدهما لحق وجود الآخر وتقبل تأثيره عليه في حدود الممكن والمنطقي والسليم.

الجمعة، أبريل 20، 2012

حوار في بنيوية العمارة الليبية


الاتجاهات الفكرية في العمارة الليبية


جمال اللافي:
نتكلم كثيراً عن الاتجاهات الفكرية ونخوض في تفاصيلها ونقرأ عنها ونتابع آخر ما أستجد منها على الساحة العالمية، وننبهر بمنجزاتها المعمارية ونتجاذب القناعات حولها.

ولكننا ربما لم نكلف أنفسا يوماً السؤال عن توجهات كل واحد منّا المعمارية، هل لنا رؤية معمارية خاصة، معالمها الفكرية واضحة وقابلة في يوم ما أن تتحول لمنجز معماري يحاكيها في تطلعاتها.

أم أننا اكتفينا بتبني اتجاهاً معمارياً محدداً ظهر لنا دون عناء منّا ووجدنا فيه اتفاقاً من قريب أو بعيد مع ما نصبو لتحقيقه على مستوى العمارة في ليبيا فأخذنا به بغض النظر عن المنشأ.

أم نحن نعيش حالة تخبط دائم وانعدام وضوح في الرؤية، يجعلنا ننبهر بهذا لأيام ثم تخبو حماستنا نحوه، لترتفع مع اتجاه جديد يطفو على السطح، فنسرع الخطى نحوه مهللين، ثم سرعان ما تأتي موجة فكرية جديدة تأخذنا معها دون مقاومة تذكر، لتتقاذفنا التيارات ذات اليمين وذات الشمال بلا حول منا ولا قوة، ودون أن نسأل أنفسنا إلى أين المسير وماذا يوجد هناك في نهاية المصب.

هي مجموعة من التساؤلات طرحتها على نفسي قبل أن أعيد طرحها عليكم، ولا أتوقع أن تأتي الإجابات متسارعة، بل ربما لن تأتي ابدً.

هي فقط مجرد دعوة للتفكير والتصميم وفق رؤية.


Soso Libya: فعلا يصعب الاجابة على هذا السؤال ولكن من وجهة نظري، هي خليط بين تيارات موجودة وأفكار شخصية نتبناها لوحدنا, فكل معماري يواكب تيارات مدرسة معينة معروفة الأصول وأفكارها واضحة بحيث يتمكن زملائه من فهم توجهاته ومن تم انجازاته.

جمال اللافي: مهندسة أسماء، هنا نريد من كل من يشارك أن يحدد ما هو اتجاهه المعماري الذي يتبناه.

Soso Libya: بالنسبة لي هو خليط بين الأصالة والتحضر, ليواكب عصره ولا يفقد أصالته, فمدرسة ما بعد الحداثة(  ) مثلاً هي اتجاه معماري متعارف عليه أما الأصالة فهي شئ يترعرع في داخلي وأحاول الحفاظ عليه, لكي لا نفقد أصالتنا مع مرور الزمن وبالأخص أننا في عصر التقنية الحديثة والصرعات التي قد تفقدنا أصالتنا مع الزمن.

:Ahmed Imbies نحن في حالة تخبط يا جمال والسبب اليد العاملة مختلفة الثقافات والتقنيات والتي لم تجد من يقودها من المعماريين.
·        الجهل المطبق بجماليات عمارة البحر المتوسط وحبسنا أنفسنا في بوتقة أسميناها العمارة المحلية ولم نستطع حتى تعريفها أو وصفها ولم يجزم أحد بوجودها أصلاً.
·        لم تستوف العمارة المنتشرة علي التراب الليبي بالدراسة والبحث وتأصيلها وربطها بموقعها وظروف منشئها.
·        ما يسمى بالعمارة الإسلامية ارتبط وجودها باليد العاملة والتقنيات المحلية والمواد الخام في كل أرض وموقع.
·        أخيرا وليس بأخر المال، التمويل، اليورو، يأتي باليد العاملة الكورية والتركية والمصرية والسورية. والعمارة المحلية لا تنتجها الا المادة واليد المحلية. ولكم في دبي مثل العمارات التي تدل على المال ثم المال ثم المال ثم الجمال وصاحب رأس المال غائب أو تمّ تغييبه ولا يملك إلاّ المقص يوم الافتتاح.

أمّا التوجه الذي أتمناه هو سيطرة المعماري والمخطط على القرارات التي تنفع الناس وليس لمصالحه الشخصية، أن ينحاز لوطنه ولأهله ولبيئته. وأنا أرى حتى هذه اللحظة انعدام الانتماء عند المعماري وهو ذو شخصية مستلبة، أعوج اللسان، يرى أن الغرب هو المحج ولا يدري أن مبانيهم الحديثة يهدر عليها من الأموال ما يبني قُرى.

لتبحث عن تكاليف مبنى مثل متحف غوغنهايم. بمدينة بيلباو كم تكاليفه وكم اسبانيا سعت لكي ترفع من مستوى المدينة التي تتعيش على السواح.

جمال اللافي: الأستاذ أحمد إمبيص يلخص الأسباب التي دعت لعدم تشكل اتجاهات معمارية واضحة المعالم في ليبيا ويرى أننا نعيش حالة تخبط للأسباب التالية/
        سيطرة اليد العاملة مختلفة الثقافات على سوق صناعة البناء في ليبيا.
        التقنيات التي لم تجد من يقودها من المعماريين الليبيين.
        الجهل المطبق بجماليات عمارة البحر المتوسط.
        حبسنا انفسنا في بوتقة أسميناها العمارة المحلية التي لم نستطع حتى تعريفها أو وصفها ولم يجزم أحد بوجودها أصلا.
        عدم استيفاء العمارة المنتشرة علي التراب الليبي بالدراسة والبحث وتأصيلها وربطها بموقعها وظروف منشائها.
        أخيراً وليس بآخر غياب التمويل للمشاريع والأفكار والبرامج والمحاولات التي تستهدف التأسيس لعمارة تحمل بين طياتها بوادر اتجاهات معمارية محلية.

ويرى أن ما يسمى بالعمارة الإسلامية ارتبط وجودها باليد العاملة والتقنيات المحلية والمواد الخام المرتبطة بالبيئة المحلية. كذلك العمارة المحلية لا تنتجها إلاّ المادة واليد المحلية.

فهل يحمل هذا الطرح مصداقيته معه وهل يشرح الأسباب والدوافع التي تقف حائلاً دون تشكل هذه الاتجاهات المعمارية في ليبيا.

وهل هي أسباب جوهرية أم هي هوامش على صفحة كتاب يحمل عنوان" غياب الاتجاهات المعمارية في ليبيا الأسباب والمؤثرات".

وما يقوله الأستاذ أحمد إمبيص:" بأننا حبسنا أنفسنا في بوتقة أسميناها العمارة المحلية التي لم نستطع حتى تعريفها أو وصفها ولم يجزم أحد بوجودها أصلا".

فهل نحن هنا بصدد قراءة لمحاولة نفي لوجود ما يسمى بالعمارة المحلية وبالتالي يدفع هذا بالكثيرين إلى البحث بعيداً واعتبار أن من لا يملك لا يمكنه أن يعطي. فمن لا يملك عمارة أصيلة لا يمكنه أن ينتج فكراً أصيلاً.

وبالتالي فنحن نعيش حالة تأثر لا تأثير تستمد جذورها من الماضي وليست حالة طارئة نحاسب عليها اليوم الأجيال الحاضرة من المعماريين الذين هم أبناء آبائهم الأولين. ولسان الحال يقول هنا:" من شابه أباه فما ظلم".

وكوننا هكذا فإن ذلك لا يمنع من الاغتراب بعيداً حيث الأفكار تفرض حضورها بقوة التقنية المتطورة التي حطمت كل قواعد وضوابط الإنشاء وحررت التفكير من جموده وانحيازه لقناعات وانتماءات لا أساس لها.

وهل نحن أمام حالة تجني على ميراث الأجداد أم نحن أمام صرخة تستفز العقول للنظر حولها واستباق الزمن الذي يريد أن يسرق منا آخر ما تبقى من ملامح لعمارتنا المحلية التي بدأت تذوب وتتلاشى بسبب سطوة العشوائيات و"عمارة الشو" في غياب المنهج العلمي في البحث والاستقراء لمقومات وخصائص العمارة المحلية، والذي يمكنه أن يشكل مساراً لتأسيس اتجاهات معمارية تؤصل المعاصرة وتعصرن المحلية.

الكثير، الكثير من التساؤلات حملته مشاركة الأستاذ أحمد التي تبحث عن إجاباتها، وإن كانت هي في حد ذاتها اختياراً للاحتمال الثالث الذي يقول بأننا نعيش حالة تخبط تمنع من تشكل رؤية معمارية جادة في أذهان معماريو القرن الأول من الألفية الثالثة.

أعتقد يا أستاذ أحمد أنك تقوم بتشخيص حالة المعماري الليبي التي تدفعه لعدم تحديد رؤية معمارية واضحة نتيجة حالة الاستيلاب التي يعيشها، فهل هذا ينطبق على كل المعماريين أم هي مناصفة أو يمكن تصنيفها على أنها حالات استثنائية.

الطرح هنا يبحث عن إجابات ونحن في انتظارها قبل تعميم الحكم عليهم بحالة الاستيلاب التي ذكرتها يا أستاذ أحمد.

Ahmed Imbies : أجدادنا يا جمال كانوا واقعيين تصرفوا في حدود امكانياتهم والمواد التي تزخر بها بيئتهم، لم يستوردوا أيّ شئ. نحن اليوم نستورد كل شئ، من المادة الخام إلي اليد العاملة إلي الأثاث إلي الأفكار إلي قفل الباب ومفاتيحه. ثم ندّعي أن هذا المبني ليبي أو نريد منه أن يكون ليبيّاً. والله هذا ظلم.  

المحليه، تأتي مع الزمن والبناء والتبني للظروف والبيئة والمحيط، حتى في جيلنا البيت الذي عشنا فيه اليوم الحياة فيه لا تطاق بدون مكيّف. والبيت هو، هو؟

"والله، صار الواحد منّا يحمل في الداخل ضده:
انا لست راضي على ما يدور في حفلات الزواج ومع ذلك أطبقه حرفياً.
أنا لست راضي عن لبس أولادي ومع ذلك اشتريه وأدفع اثمانه الباهظة.
أنا لست راضي عن كثير من مظاهر الحياة اليوم ولكن أطبقها رغماً عني.

أنا المعماري المستلب كيف يطلب مني أن أكون ليبي وأنا كل حياتي لا أعرف من أين. كوري علي صيني على تركي. اليوم تطالبني ابنتي أن نأتي بوجبة من المطعم التركي.
الذهب من تركيا، الدار العربية، من المغرب، الشغالة مصرية، راعي شؤن البيت أفريقي. إلى أين أنتم ماضون يا ليبيين؟

ماذا فعل بكم المقبور خلال الأربعين سنه الماضية؟ أنساكم أنفسكم ثم قال لكم من أنتم؟
أحواض سباحة واستراحات وبيوت مسخ يضيع فيها الطفل. ولكن أبوه هو الذي ضاع، لا يعرف من هو.

وإذا كان أحدكم يعرف من أنا يخبرني.

جمال اللافي: استاذ أحمد، هذا وصف دقيق لحالة مستعصية صنعتها 42 سنة من الاستلاب الثقافي الممنهج، وإن كنا لم نفقد الثقة بعد في علاجها بتوفق الله وتظافر الجهود المخلصة.

Ahmed Imbies: جلّ الكتب التي تعنى بالعمارة وخاصة العمارة الإسلامية، كتّابها ومصادرها وطباعتها غربية، أساتذتنا ومعلمينا تعليمهم غربي، يذهبون للجامعات الغربية لكي يقول لهم الغرب أنتم مميزين، أنتم عندكم ثروة تحت أرجلكم، ونأتي بشهادة لأهلنا لكي نقول لهم افتخروا فنحن مميزون بشهادة الغرب. ثم نأخذ عنهم تصرفاتهم ولباسهم وأكلهم وأدواتهم وحتي لغتهم.

عليك بحضور أيّ تجمع معماري ولاحظ استعمال اللغة والتجارب المطلوب نقلها وذكر الغرب الذي يتردد على كل لسان ولا تذكر التجربة المستسقاة من البلد، على الأقل اللغة المستعملة للتعبير عن حالنا المتردي كل ذلك بحجة أنهم سبقونا بالتجربة. تناسوا أن البدوية تصيغ بيتها من الألف إلي الياء.

جمال اللافي: جميل جداً يا أستاذ أحمد، العروج على مسألة أن المرأة البدوية تصيغ بيتها من الألف إلى الياء، في حين يعجز المعماري الأكاديمي عن صياغة مسكن معاصر يحمل بوادر المحلية في توزيعه الفراغي ومفرداته المعمارية ومواده المحلية وتقنياته الإنشائية.

مثلما تعجز الدولة بميزانياتها الضخمة عن تأهيل كوادر محلية وإنشاء مصانع لمواد بناء محلية تؤسس لصناعة بناء ليبية ترسم معالم الطريق نحو عمارة وفنون تنتمي إلينا.

نحن نشعر بحالة عجز أمام هذه المرأة البدوية البسيطة تدفعنا للخجل من أنفسنا.

حسام ابورزيزة: هذه أسباب متراكبة، بعضها طبيعي وبعضها مفتعل. إن غياب المؤسسات الحرفية ودعم الحرف من جهات الاختصاص عامل كبير لاختفاء هذه الحرفة، كما أن عدم تطور الحرف يفقدها الاستمرار.
مثلا القميص العربي لا يزال كما هو لم يتغير أو يتطور إلي الأفضل أو تتيح بعض الخيارات مما جعلها تتناقص واستعاض عنها البعض القمصان الخليجية.

كل شئ لا يتطور يقف عند فترة من الزمن لان الناس تحب التغير والتطوير وهذا أمر طبيعي. وفي العمارة المتطلبات تغيرت وزادت كما زادت مقاسات بعض الأساسيات السيارة والثلاجة وهناك أشياء جديدة، الغسالة وغسالة الصحون والمجفف والمكيف فهذه أشياء بعضها أساسية وبعضها كماليات.

إن عدم تطور العمارة المحلية خلق هوة كبيرة بين الحديث والقديم. كما أن فترة 42 سنة من الدراسة في العمارة والبعيدة كل البعد عن العمارة المحلية طبيعي أن يكون الناتج بعيداً عن العمارة المحلية. كما أن قوانين المباني ولوائح التصميم لا يمكن بمقتضاها تصميم منزل علي الطراز المحلي

وأنا أحبذ العمارة المحلية أو حداثة العمارة المحلية، كما أحب أن أسميها ولكن قوانين المباني تمنع هذا النهج.

:Soso Libya ليس عيباً أن نتعلم حتى ولو من الغرب، فأجدادنا طلبوا العلم في الصين ولكن يبقى العيب فينا, فنحن لا نبالي بقوانين الدولة وكل شخص يفعل ما يريده ولا يحترم حتى الجار. ووصلنا الى عصر لا يحترم فيه الصغير الكبير.

مشكلة الهوية المعمارية وغيابها في زحمة تنوع ثقافات العمالة وغيرها من تقنيات البناء موضوع يحتاج إلى مناقشة دقيقة ووقفة جادة. ولكنى أصرّ وأقول أنه علينا أيضا مواكبة العصر الذى نحن فيه لأننا لو لم نواكب التطور سنتخلف أكثر مما خلّفنا العصمانلي" الحكم العثماني".

جمال اللافي: من حيث المبدأ اتفق معك على ما ذكرت يا مهندس حسام، فيما عدا مسألة أن العمارة المحلية لم تستطع مواكبة المتطلبات الأساسية كتوفير جراج للسيارات أو مستلزمات المطبخ وغيرها من الأشياء التي ذكرتها.

وهذا فيه الكثير من التجني والإجحاف، لأن العمارة التقليدية استطاعت استيعاب كل هذه الأشياء ضمنها، فما بالك ببعض المحاولات التي استلهمت من العمارة المحلية عناصرها ومفرداتها، فهي كانت أكثر قدرة على استيعاب كل هذه الأشياء بما فيها جراج السيارات وليس سيارة واحدة.

كلامك هذا يقودنا إلى العودة إلى ما ذكره الأستاذ أحمد في مشاركته الأولى عن العمارة المحلية حين ذكر: أننا لم نستطع حتى تعريفها أو وصفها.

وهنا أقول أننا نعاني فعلا من قصور في فهم ماهية العمارة المحلية ونتحدث عنها وكأنها مسخ فاقد لقدرته على الإبصار والسمع والحديث والحركة والتنفس والإحساس، لأن الزمن وبعض الظروف والمؤثرات التي استجدت فقأت عينيه وقطعت لسانه وثقبت طبلة أذنيه وقطعت أطرافه وقدميه وأعطبت رئتيه.

وأننا فقط نجري محاولة فاشلة لإنعاشه بتركيب أجهزة تستهدف إبقاؤه حياً في أعيننا وهو في واقعه ميت لا محالة.

يبدو أننا بحاجة لتعريف وتوصيف العمارة المحلية قبل أن نتحدث عن الاتجاهات المعمارية.

حسام ابورزيزة: لا أنت لم تفهمني. أنظر، العمارة المحلية في ليبيا متمثلة في المدن القديمة أو بعض الأعمال القليلة جداً التي لا تكاد أن تذكر وهي من مخالفات قوانين المباني، هذه المدن القديمة توقف بها الزمن عند عصرها وذلك لعدم قدرتها علي مواكبة التطور. وبالمعني الأصح غياب من يطورها.

جمال اللافي: مهندس حسام المدن القديمة هي مدرسة نتعلم منها وكونها لا زالت قادرة على استيعاب متطلبات العصر فهذا برأيي عنصر قوة لها. ولكن اهتمامي أنا مثلا لا يقف عندها بل يتعداه إلى طرح حلول معاصرة تتجاوزها إلى إنشاء مشاريع إسكانية ومدن جديدة تواكب روح العصر ومتطلباته.

آلا ترى معي أخي حسام أنه لم يتم بعد الاحتلال الإيطالي لليبيا التفكير في مجرد طرح فكرة إنشاء مدن أو مستوطنات بشرية جديدة تستوعب التزايد السكاني لو سلمنا بوجود تزايد سكاني يخفف الضغط على العاصمة أو يعيد إحياء مناطق جديدة، باستثناء مدينتي رأس الأنوف وأم الأرانب النفطيتين.

جمال اللافي: طلب العلم مهندسة أسماء، من المهد إلى اللحد شئ، والسعي لطلب العلم ولو في الصين شئ أيضاً، والذي يعترض عليه الأستاذ أحمد وأتفق معه فيه هو حالة التماهي والاستيلاب الحضاري التي يعيشها المعماري بعد أن يستكمل دراسته هناك.

وأسمحوا لي أن أقول فيما يتعلق بعوائق قوانين المباني التي تقف دون السعي لتأسيس عمارة محلية أصيلة، أنه بالإمكان تجاوزها دون التعدي على حدود الجيران والفضاء العام والذوق العام.

Soso Libya : يمكن أن يتماهى أو يستلب المعماري في الخارج لأنه أصل العلم. فالتعليم في الخارج ممنهج ليواكب سياسات الدول ويعبر عن هويتهم وليس عن هويتك ولكن ومع كل هذا الزخم فعلى المعماري أن يثبت نفسه ويعبر عن أصالته من خلال تصميم نماذج تتناسب وعمارته المحلية وبقالب عصري.

مثلا يوجد نماذج لعمارة محلية وذات أصالة في دبى مع أن الجميع يعلم أن دبي ماهي إلاّ تجمّع لكل الحضارات وكأنها نصبت بدون تناسبات لا زمنية ولا مكانية..

Soso Libya: يوجد إضافة أود أن أضيفها فيما يتعلق بالمدن القديمة والتي تحمل موروث ثقافى, وهي أنه على جهاز إدارة المدن التاريخية أو مصلحة الآثار تفعيل دور المعماريين بهذا الخصوص من خلال دورات تدريبية وبرامج تعليمة ليتمكن المعماري من التطوير في الاتجاه الصحيح وبما يحافظ على هذا الموروث. وهذا برنامج الحديث عنه يطول ويطول.

جمال اللافي: اتفق معك مهندسة أسماء ولكن لا نريد أن يجرنا الحديث بعيداً عن الموضوع الأصلي الذي خرجنا عن مساره قليلا. الاهتمام بالمدن التاريخية موضوع مستقل ويحتاج لفتح صفحة خاصة به.

وللعودة للموضوع نريد التذكير أن السؤال يتمحور حول وجود " رؤية" معمارية عند المعماري الليبي أو المعمارية الليبية من عدمها.

المهندسة أسماء وضحت أن لها رؤية فكرية وحددت اتجاهها. والأستاذ أحمد إمبيص طرح إشكالية وجود تخبط في الرؤى عند المعماري والمعمارية في ليبيا وبين بعض أسبابه. المهندس حسام أبورزيزة تهرّب من الإجابة واسترسل في مناقشة ما طرحه الأستاذ أحمد.

حسام ابورزيزة: لكل منا رؤى وأحلام في العمارة لهذا قد يرى البعض أحلام الغير موضوع للسخرية أو مثار جدل أو أضغاث أحلام لكنها تبقى أحلام. ممكن أ، تكون علي أرض الواقع أو تبقى أحلام. هذا حسب عزيمة الحالم لتطبيق ما يحلم به ومدي واقعيته. أمّا ما يعنيني من العمارة فالأيام سوف تكشفه قليلاً، قليلاً عن الكثير، الكثير.

جمال اللافي: بالعزيمة والصبر والإصرار والمثابرة تتحول الأحلام إلى حقائق يا مهندس حسام. وإن شاء الله نرى أحلامك تتحقق، وهي لن تكون أبداً مثار سخرية إلاّ عند السفهاء، وهؤلاء لا يعتد بهم.

Mema Mome: أخي جمال لقد كتبت مقالة رائعة جعلتنا نعيد تفكيرنا في أشياء كثيرة ونقلب في رؤانا واهتماماتنا وتوجهاتنا. بارك الله فيك.

جمال اللافي: بارك الله فيك مهندسة Mema Mome، وأتمنى أن تشاركينا الحوار بعرض وجهة نظرك جول الموضوع.

:Ahmed Imbies  إذهبي وأطلبي العلم في الصين على شرط عندما تعودين لا تكوني صينية أكثر من الصينيين أنفسهم وكل ما تتكلمين تقولين عندنا في الصين وملابسك صينية وأكلك صينيوخلوقك صينيه لماذا نفهم الحديث والنقاش كما يحلو لنا نحن نناقش الاستلاب والانسلاخ من جلدتنا ومن ثقافتنا ومن ديننا أحياناً.

كنتم حلم في خواطرنا وها أنتم اليوم.

جمال اللافي: ولا تزعلي يا مهندسة أسماء الأستاذ أحمد يوضح وجهة نظره بصورة أكثر تفصيل حتى لا يترك مكانا لسوء الفهم.

 :Soso Libyaبل على العكس أنا احترم الأستاذ أحمد إمبيص جداً فهو أستاذنا الفاضل. ونقده على العين والرأس. وأقول له" صوابع يدك مش زى بعض" وستجد إن شاء الله، معماريين جاءوا من الصين بتجارب وأفكار وليس بعمارة منسوخة تطبق كبديل لأغلى ما نملك وهو موروثنا الحضاري.

أستاذ أحمد هذا الشيء يعتمد على قناعة الشخص وقوة شخصيته وإيمانه بالهوية وليس من الشرط أن أعود ليبية وأتحدث الصينية وأقول أن الصين كدا وكدا بل على العكس أحمل علماً متقدماً وأطبقه على عمارة محلية ليبية بحته تحتاج إلى التطوير. وهذا ما جعلني أطرح بالأمس فكرة المشاركات العامة لأنها تجربة حديثة وجيد أن نطبقها.

أستاذي الفاضل نحن تعلمنا في مدرستك ونعلم مدى حبك للمعمار المحلى ونحن أيضا, فالذكي منا يحمل في جعبته تجارب الغرب ويسخرها لخدمة بلادنا.


جمال اللافي: نعم هذا ما نتفق عليه جميعنا.

 :Soso Libyaأقدر فيك أستاذ أحمد أنك وضعت أمالاً كثيرة علينا نحن تلاميذك والبعض وليس الكل خيب أملك, فكلما قرأت مقالاتك وتعليقاتك أجد فيها ألماً وحسرة على المعمار الليبي وبالتالي فلا يسعني إلاّ أن احترم وجهة نظرك كما أحترم فيك نقدك.

Ahmed Imbies : الأعمال المعمارية العملاقة والتي تمثل حدث فاصل أو سبق، دائما ما تكون في بلدان الغرب. صحيح أنهم يحبون نفطنا وأمواله ولكن لاحظوا معي أنه لا يمكن لا في الماضي ولا في الحاضر ولا في المستقبل أن تكون هناك مباني تحمل أفكاراً مفصلية أو تمثل نقلة نوعية في العمارة على أرض عربية مهما دفع العرب ومهما بذلوا من تواضع في احتضان الثقافة العالمية في دبي أو أبو ضبي أو في كل دول الخليج.

سوف نرى أطول عمارة، عمارة متحركة لتوطين تقنية في حاجة لتشغيل دائم واستنزاف ثروات، عمارة على شكل هلال، عمارة على شكل شمس. برج العرب لم ولن نرى واجهته البحرية لسبب بسيط لأنها عبارة عن صليب ضخم يثير حفيظة المسلمين في البلد.

ما أريد قوله، لك أن تعجب بالعمارة الغربية والغرب ونظرتهم للحياة. ولكن لابد أن تكون معتد بتاريخك ولغتك وثقافتك.

الله اكبر، هذه ليست مزايدة على أحد... استغفر الله. ولكن أعود وأقول: لا تكن غربي أكثر من الغرب.

حسام ابورزيزة: في رأيي الشخصي أن النهوض بالعمارة الليبية تستلزم التالي:
·        إعطاء العمارة المحلية أكثر من فصل في المنهج الدراسي بقسم العمارة.
·        أن امتلاك جوهرة دون صقل لا يعطي للجوهرة قيمتها الحقيقية وهذا ينطبق علي عمارتنا المحلية وذلك بالدعاية والبرامج الإذاعية لتوعية المواطن والدولة بهذا المعمار المنسي.
·        مواكبة الحداثة والعلم في مجال العمارة وما سبقنا إليه الغير فإن الرجوع إلى الخلف والبداية من جديد فهذا كلام بعيد جداً، فالأصلح هو البدء من آخر ما توصل إليه العلم وتطويعه ليتناسب مع عمارتنا.

:Ahmed Imbies لا توجد عمارة محلية حديثة وعلى مدى نصف قرن.

جمال اللافي: لا توجد عمارة محلية حديثة سببه الرئيس غياب الرؤى التي تتجه لتأصيل العمارة المحلية المعاصرة. وهذا له سببين:
أولهما: خلل في المنهج الدراسي المعماري والذي يفتقر لمادتين أساسيتين كان بالإمكان اعتمادهما ضمن المنهج كمواد أساسية منذ سنوات وهما نظريات العمارة والنقد المعماري، رغم توفر كفاءتين قادرتين على تغطية هذا الجانب داخل قسم العمارة وهما الدكتور رمضان أبو القاسم( النقد المعماري) والدكتور عبد الجواد بن سويسي( نظريات العمارة). ولكن يبدو أن قسم العمارة كان يسير بعقلية لا تقبل التجديد وتفتقر للرؤية المستقبلية.

أما الخلل الثاني: فهو غياب روح الجماعة والعمل ضمن فريق يحمل رؤية مشتركة ويسعى لهدف واحد. حيث نرى طغيان الروح الفردية والتنافس على التمايز لغاية إثبات الوجود فقط. إلى جانب الرغبة في الإثراء السريع الذي لا يشبع من طلب المزيد على حساب الأهداف العليا ومصلحة الوطن. إضافة لانعدام التجانس بين العاملين في مؤسسة واحدة أو مكتب هندسي مشترك.

Mohamed A Surmani : هل العمارة المحلية نتاج المعماري الليبي أو البيئة الليبية؟

جمال اللافي: مهندس محمد الصرماني العمارة المحلية هي نتاج تفاعل الاثنين من خلال المعايشة والبحث المضني والرؤية الواضحة والفهم العميق لخصائص ومقومات العمارة المحلية، وليس بالضرورة أن يكون المعماري ليبي كي تتحقق هذه النتيجة، ولنا في المعماري دي فاوستو مثالا على ذلك، الذي أراه كان ليبيا أكثر منه إيطاليا، وليتنا نملك بعضا من إخلاصه كي يكون لنا بعضا من عمارته.

:Ahmed Imbies رداً على الصرماني إذا كان المعماري ألماني والمنفذين أتراك و المواد مستوردة، رخام إيطالي والخشب سويدي والعامل كوري وطباخ المدير سوداني وقهواتجي الشركة مغربي وحتى الياجور الذي يبنون به، المادة الأساسية تونسية. بالله عليك كيف يكون المبنى محلي.

أحمد خريش: من لا ماضي له لن يكون له حاضر وإن توفر له حاضر سيكون مؤقتاً. فعندما نبني جداراً نضع الصف الأول ثم تتلوه الصفوف الثانية فالثالثة. فما أقصد به القول هو أن الحاضر يجب أن ينبع من الماضي وخصوصاً إن كان الماضي على الحق والصواب لأن الصواب لا يفضي إلا إلى الصواب.

:Ahmed Imbies العزيز جمال أرجو أن لا تجعلوا القسم مشجب لتعليق إحباطاتنا وفشلنا عليه. الكثير من المعماريين تخرجوا من جامعات غربية وشرقية بعد تخرجهم من القسم.

يا سيدي القسم" منّيل بستين نيله" ماذا جد بعد رجوعهم. تجميع أموال، مكاتب خاصه ولكنها كغثاء السيل. تراهم جميعاً وقلوبهم شتى.
لم يحركوا ساكناً،
زادت عملية جلد الذات. مثلما نعمل نحن الأن.

جمال اللافي: أستاذنا الفاضل أحمد إمبيص لم يكن الهدف من مشاركتي تحميل قسم العمارة أوزار ما يجري على الساحة المعمارية الليبية من قصور بقدر ما هي تلميح لأهمية تدريس هاتين المادتين( النقد المعماري ونظريات العمارة) في تكوين الشخصية المعمارية الليبية وخصوصاً في وجود الكفاءات.

وهي دعوة لتلافي غيابهما عن المنهج الدراسي. وإن كان هناك ما دعا لتغييبهما سابقاً فقد أصبحت الحاجة ملحة لتدارك ذلك. وليس هناك جهة واحدة مسؤولة مثلما لا يمكننا إعفاء أي جهة من المساءلة في حالة أردنا أن نرسي دعائم عمارة ليبية معاصرة لها حضورها وشخصيتها وقادرة على تحقيق منجزات معمارية تحسب لها لا عليها.


جمال اللافي: يبدو أنني أخطأت التقدير حين أشرت بأنه ليس بالضرورة أن يكون المعماري ليبي، ويبدو أن الأستاذ أحمد في معرض رده على المهندس محمد الصرماني أراد إيقاظي من غفلتي هذه.

ولكني استندت على وجهة نظري من واقع تجربة المعماري الإيطالي دي فاوستو وبعض أعمال المعماريين الفرنسيين في الجزائر وتونس وكذلك أعمال المعماريين الإسبان والبرتغال في المغرب التي أسست لمحاولات جادة في طريق تأصيل العمارة المحلية المعاصرة في بدايات القرن العشرين.
وهنا بيت الشك والتردد، فهل يمكننا اعتبار بعض المحاولات الجادة التي يقوم بها معماريون غير محليين عايشوا بصدق ومن منظور قناعتهم وإيمانهم بضرورة احترام هوية البلد وعمارته المحلية وبعيداً عن الحسابات والمكاسب المادية، هل يمكننا أن نصنفها عمارة محلية إذا ما اكتملت جميع عناصر المحلية التي ذكرها الأستاذ أحمد فيما عدا المصمم المعماري. أم تظل في جميع الأحوال عمارة أجنبية تحاكي البيئة المحلية.

Ahmed Imbies: لكي نصل إلى المراد لابد أن يقوم الليبيين ببناء مباني لأنفسهم . المدينة القديمة اليوم مدينة تحوي سكان أفارقة منهم من ولد بها وعمره ربع قرن الأن. أصبح ابن المدينة يحس بها أكثر من المعماري الذي يناهز عمره الخمسين سنة ولا يعرف المدينة ولم يقف بساحاتها وشوارعها وأزقتها .

جمال اللافي: هذا فعلا ما قصدته يا أستاذ أحمد من إشارتي للمعماري دي فاوستو. فقد تجد أي بلد من بعض الغرباء إخلاصا لا تجده في أبنائها وحبا لا يمنحه لها من ولد بين أحضانها، وهي حالات خاصة لا يقصد تعميمها أو اسقاطها على ما يجري في بعض الدول العربية اليوم.

Ahmed Imbies: المعماريين الفرنسيين، نعم استطاعوا أن يبنوا مباني ذات مظهر محلي ولكن بنوا هذه المباني لأنفسهم. أي للفرنسي الذي يتخذ الموضوع من باب الترف ليس إلاّ.


جمال اللافي معماريوا المستعمرات كانوا يبنون للمستوطنين القادمين من بلدانهم، ولكن المسألة بتجرد هو هل كان تفاعلهم مع العمارة المحلية من منطلق علمي ومنهجي يحترم هوية المنطقة أو من باب توفير نوع من العمارة التي تحقق رفاهية خاصة لا يمكن الوصول إليها إلاّ عبر خلق هذه الأجواء المحلية. كما أشرت إلى ذلك يا أستاذ أحمد، وهل رؤية المعماريين الإيطاليين للعمارة المحلية كانت تختلف عن رؤية المعماريين الفرنسيس لها؟

Ahmed Imbies ما اعرفه ان المعماريين الأيطاليين كان هدفهم تنضيم البيوت التي كانو يعجبون بها وأخذ المميزات بالمبنى السكني وتتمثل في الأتي
٥تضام المباني. ٥الحمايه من الرمل والمطر والعوامل الجويه
٥تقديم الخدمات متجمعه ٥ الأنفتاح على الداخل وسوف امدك بمقاله تتحدث عن هذا الموضوع. من خلال اعلان مبادي او ما يسمى" بالمنفيستو"

جمال اللافي بارك الله فيك يا أستاذ أحمد، توضيح هذه المسألة كان مهما جدا في قراءة خلفيات العمارة المحلية الإيطالية في ليبيا.

جمال اللافي: هل يعني اقتصار المشاركات على من يتبنون التوجهات المحلية في العمارة أن الباقي لا يحمل رؤية معمارية أم هي عدم رغبة في الإفصاح عن التوجهات الأخرى؟

الموضوع يحاول حصر هذه التوجهات ولا يقيمها ومن حق كل معماري أن يطرح رؤيته ويسهب في استعراض مبرراتها دون أن يترتب على ذلك الدخول في جدال حول جدواها من عدمها.

فالموضوع يسعى لتأسيس فكر معماري منهجي بغض النظر عن اختلاف التوجهات المعمارية في ليبيا، فتأصيل التوجهات ستكون مرحلة أخرى قد تكون وليدة لهذا التأسيس.

Arch Nadia: حوار رائع و هام جداً .. أجد بعض الصعوبة في الإجابة على السؤال ، حيث أنه لا مجال للمقارنة بين العمارة المحلية و الحداثة ، ففي الوقت الذي يجب الحفاظ على تاريخنا و ثراتنا ، في ذات الوقت يجب أن نواكب التطور الذي يحدث في العالم و الا نضع رؤوسنا في الرمال كالنعامة لنجد أنفسنا خارج نطاق هذا العالم و خارج العصر .
بعض الملاحظات :
1.    أنا مع المحافظة على الهوية المحلية، و في رأيي هي أولوية، و نحن المعماريين من يجب أن نسعى لتطويرها وبلورتها حسب احتياجات العصر وهذه رسالة على عاتقنا، بكل معنى الكلمة .
2.   ليس عيباً أن تستهوينا العمارة الحديثة وهي لغة العصر، لكن العيب أن تكون على حساب المناطق التاريخية، و هذه مهمة المخططين فالمدينة يجب أن تحتوي على قطاعات مختلفة ومتنوعة، من حيث الاستعمالات والوظيفة والهوية، مناطق تاريخية– مناطق محافظة – مناطق حديثة. فلا بأس من وجود قطاعات حديثة، و لكن على ألا تكون على حساب المناطق التاريخية ، و على ألا تطغى على المقياس الإنساني بالمناطق التي تتميز بالهوية المحلية كما حدث ذلك في منطقة الأبراج قرب فندق كورنثيا، وغالباً ما نرى الأمثلة في العالم، أن مثل هذه المناطق تقام في أراضي خالية جديدة، فتكون سهلة الإعمار، دون عوائق والحمد لله أرض الله واسعة .
3.   المخططات يجب أن يواكبها قوانين بناء، تكون مدروسة بعناية بحيث تحدد هوية، وضوابط كل منطقة من المناطق، هذه القوانين يجب ألاّ تستورد .

جمال اللافي: كل ما ذكرته في مشاركتك مهندسة نادية هي نقاط مهمة، وأعتقد أن كل معماري يعي معنى العمارة ورسالتها في الحياة لا يختلف على ما جاء فيها، ولا أريد هنا أن أعيد طرحها وتكرارها.

ولكن ما يستفزني شخصيا أن الدعوة للحفاظ على الهوية المعمارية المحلية دائماً ما تفهم على أنها انكفاء وتقوقع على الذات ورفض لكل معطيات الحداثة أو التعاطي مع تقنيات العصر.

ما يرفضه العقل هو أن تخرج العمارة عن غاياتها السامية إلى مجرد أعمال وأشكال نحتية يتم تركيب الوظيفة عليها لتؤدي وظيفة ما، أو تسخر التقنية لتنفيذ أعمال تتطاول في البنيان لمجرد الحصول على مكان في قائمة جينس للأرقام القياسية، كأعلى برج وأغرب شكل.

الحداثة لا تعني تغييب الهوية مثلما لا تعني الاكتفاء بتقنيات بدائية في التنفيذ، بقدر ما تعني أن تأخذ العمارة مسارها الصحيح الذي يوفق بين متطلبات العصر ومعطيات البيئة المحلية( الاجتماعية والثقافية والمناخية).

الحداثة تعني أن توظف ثروة المجتمع في جوانب أكثر أهمية من صرفها على العجائب والغرائب من العمائر، في حين يقبع الإنسان تحت خط الفقر ويصبح همه الوحيد أن يجد قوت يومه، ولا يجد فرصته في الحياة الكريمة.
·        لماذا لا تعني الحداثة مدن جديدة تنشأ لتخفيف الضغط على المدن الرئيسة؟
·        لماذا لا تعني مدارس تتوفر فيها أحدث تقنيات التعليم ووسائل بناء الإنسان المحصن بالعلم والإيمان؟
·        لماذا لا تعني أرقى المستشفيات التي توفر الرعاية الصحية للمواطنين، لماذا لا تعني أحدث المختبرات والمعامل؟
·        لماذا لا تعني مشاريع إسكانية تقضي على أكواخ الصفيح وتربط الإنسان بالأرض والهوية وتوثق لعلاقات إنسانية حميمة؟

الاتجاه المعماري الذي يتبنى الحفاظ على الهوية المحلية هو اتجاه يحترم الإنسان ويجعله شغله الشاغل، ويوظف نفسه لتحقيق متطلباته ويوفر له البيئة السليمة التي تحقق له الأمن والأمان والسكينة والتواصل. مثلما يحترم مقومات البيئة الطبيعية ولا يتعدى عليها بل يتفاعل معها ويندمج في وسطها.

Arch Nadia: هذا بالضبط ما قصدته في النقطة رقم (1) عندما قلت: ( يجب أن نسعى لتطويرها و بلورتها حسب احتياجات العصر وهذه رسالة على عاتقنا، بكل معنى الكلمة) هذه رسالتنا نحن المعماريين ، أن نجد لأنفسنا هوية معًطرة بروح العصر وأن نحقق بمعطياتنا كل المطلوب و أن نسجل للتاريخ إننا ( كنا هنا).

جمال اللافي: إذاً نتفق على فهمنا لمعنى الحداثة ومعنى الحفاظ على هويتنا وأصالتنا وأنهما شيآن متلازمان، لا ينفصلان.

Arch Nadia: بالتأكيد و لكن بعد ان يحقق المعماري الليبي بصمة تحقق ذلك .

جمال اللافي: هنا نترك مساحة من الحرية في تفسير كل معماري لمفهوم الأصالة والمعاصرة، أين يراها هل هي في مواد البناء أم الشكل والتفاصيل أو في التوزيع الفراغي وعناصر التأثيث أو في طرق البناء وتقنيات الإنشاء. هذه المساحة لا يجب تضييقها، بل يجب إتاحة الفرصة للزمن ليحكم عليها.

Arch Nadia: الحوار هو ما نحتاج إليه للوصول إلى ثوابت. نحتاج أن نبذل الجهود من أجل هذه الأهداف وهذه الرسالة السامية فهي مهمة شاقة و متشعبة، ولكن لا يكفي أن يعطى كل معماري مساحات ليثبت وجوده، المعماريون الليبيون يجب أن يتوصلوا إلى قناعات فيما بينهم أولاً ، ثم يحاولوا أقناع الدولة بها قبل فوات الأوان .

Ahmed Agiel: أخي جمال ما هي الكلمة الفصل الأصالة والمعاصرة، ما هي الحدود و كيف يراها المعماري الليبي؟

بهذا يمكن أن تمسك العصا من المنتصف أو علي الأقل محاولة ذلك.?

جمال اللافي: نعم دائما هناك ثوابت لابد من احترامها والاتفاق عليها من قبل الجميع وهناك متغيرات نستمد منها مساحة الحرية والإبداع والإثراء، هذه موافقة على ما ذكرته مهندسة نادية وإجابة على طرح الدكتور أحمد، حيث يمثل القبض على العصا من النصف حالة التوازن بين الحفاظ على ثوابت هويتنا والسعي الحثيث لمواكبة روح العصر والتفاعل مع المستجدات والاستفادة من تجارب الشعوب الأخرى.

:Ahmed Imbies الفراغ المحلي وهذا موضوع آخر، الاهتمام به في غاية الأهمية، ماذا يدور في الفراغ المحلي الوظائف، الأثاث شكل الحوائط الداخلية، إطلالاتها، هوية الجدار، الفتحات وعلاقتها بالفراغات الداخلية.
هل كل شباك يتحمله الجدار؟
هل الشرفة امتداد للفراغ المحلي؟

الشكل الخارجي من نتاج صياغة الفراغ الداخلي ومدى احتياجنا لينصاغ بهذه الطريقة وإلى أي مدى ما يلبي رغباتنا من خصوصية وتجمع وطريقة تجمعنا وجلوسنا ونومنا وأكلنا وتجمعنا حول القصعة.

جمال اللافي: أستاذ أحمد ما رأيك لو فتحنا موضوعا جديداً عن الفراغ المعماري المحلي، وتركنا هذا الموضوع لمن يريد إضافة مشاركة جديدة في إطار السؤال المطروح، وذلك لاعتقادي أن موضوعك يستحق أن يأخذ حقه من النقاش المثمر كموضوع مستقل وليس على هامش هذا الموضوع.

بالنسبة لي ليس عندي ما أضيفه في هذا الموضوع وأريد فعلا أن ننطلق في موضوع جديد.




 المصدر/ صفحة المعماري والعمارة الليبية على موقع   facebook  



المواضيع الأكثر مشاهدة

بحث هذه المدونة الإلكترونية