(المرأة
الأمازيغية: حارسة النسيج – حارسة الثقافة) – 1 \ 3
الباب الأول / النسيج في
التاريخ الليبي
الباحثة الليبية
\سعاد أحمد بوبرنوسة
/ طرابلس – ليبيا – مايو- 2006
لأن
تركت المرأة الأمازيغية كثيراً من الحرف والصناعات للرجل، مثل العمارة والفضة
والحدادة والفخّار. فأنها تصر على أن تقوم هي بنفسها بصناعة ما يلزمها ويلزم بيتها
من النسيج.
ولكن
في النسيج لا يتقاطع سدى الخيوط فقط: ولكن فيه يتقاطع الأكل والنوم – الموت والميلاد
والإخصاب- النبات والحيوان – يتقاطع السحر، الأحلام، الأساطير، وزيارات الأولياء–
الوشم والكتابات القديمة، الحكايات والأمثال الشعبية – معتقدات التشاؤم والتفاؤل –
التاريخ السحيق، واليوم الحاضر.
إذا
فالمرأة ” النسَّاجة” إذ تصنع النسيجَ، لا تنتج المنسوجات فقط ولكنها بذلك تصنع
الثقافة بأكملها.
تغزل وتربط وشائج سَدىَ الثقافة
التقليدية المحلية في قطعة نسيجية واحدة منسجمة رائعة الجمال تسمى ” الهُوية
الثقافية”.
وإذا
كانت العلامات والرموز التصويرية- الأيقونات والأساطير الليبية قد تمزقت واندثرت،
فكذا كان مصير اللغة المكتوبة وحروفها- والسجل الأثري لا يحتوي إلا نادراً على
الكتابة الليبية. ولكن نظراً للدور الكبير الذي تلعبه المرأة في سيطرتها على البيت
وما يحتويه من طقوس ومقتنيات، ولما تتمتع به من استقلال فيما يخص شؤونها المنزلية،
لذا نلاحظ أن العلامات الأيقونية قد لاذت بزوايا البيت ومفرداته: الثياب والأزياء وأدوات الزينة، الوشم والمقتنيات المنزلية وأدوات
الإنتاج، وكذلك دخلت ثنايا الطقوس الاجتماعية (طقوس الميلاد والموت).
وبعد أن خرجت الأيقونة من البيت
إلى الحقل تسربت إلى الشعائر الدينية وبيوت العبادة. فهي في أول الأمر تطل علينا
كوحدة لتزيين المكان ثم تندمج تدريجياً في حفل الطقوس وأعمال الشعائر.
وهكذا
فإن المرأة الليبية لا تعمل على حفظ الخصائص العضوية للإنسان- بحراسة البنى
الوراثية البيولوجية الدقيقة من الجينات والأحماض النووية- ولكنها كذلك تحرص أشد
الحرص على حراسة (البنى الدقيقة) للهوية الثقافية: رموزها ورسومها، لغتها
وأساطيرها، طقوسها وشعائرها، مشاركة بالمناصفة في زرع النبات والحصاد وجني الثمار،
وزرع بذور المعرفة: ” مغامرة لغز الحياة” عبر البيت والقرية ثم المدينة.
مقدمة تاريخية عامة عن
النسيج:
يقول الأستاذ سعد محمد كامل:
” ولعل الذى أوحى إلى الإنسان بنسج الخيوط هو ما شاهده من
أسلوب الطير في بناء عشه فنسج من القش أسفاطاً”.
ولكنني
أرى أن هذا التخمين بعيد عن الصحة، فالطيور لا تنسج أعشاشها نسجاً، بل تضعه
اعتباطاً.
فالأقرب هو أن الإنسان القديم
تعلم النسيج من الألياف الطبيعية النباتية، التي قلد عليها نسيج الحصير الذي ظهر
في التاريخ قبل نسيج الصوف والشعر ثم القطن والحرير. ولم يلبس الإنسان في البداية
ثياباً منسوجة بل مصنوعة من جلد.
ولكن في الأيام التي تلت ذلك
نرى أن حرفة النسيج قد بلغت حداً كبيراً من التقدم والرقى، كما حدث في بلاد
الرافدين ومصر والهند والصين. وتختلف المواد المستعملة في النسيج باختلاف كل عصر: فقد عرف الصوف عند الرعاة منذ أقدم العصور، ولكنه كان نادراً في
الحضارات النهرية، ففي بلاد الرافدين ومصر أصبح نسيج الكتان أكثر انتشاراً بينما
القطن والحرير كانا بعد لم يعرفا بتاتاً- وفي واقع الأمر لم يعرف الحرير إلا
ابتداء من القرن الرابع في عصر الإمبراطورية الرومانية وفي الجزء المتحضر من
العالم فقط.
صناعة الحصير سبقت حرفة
النسيج:
تعتبر
صناعة الحصير أقدم شكل من أشكال صناعة النسيج وأسبق من حرفة النسيج وقد كانت (حرفة
صناعة الحصير) حجر الزاوية ونقطة البدء في صناعة المنسوجات الأخرى.
وتقول الدكتورة سعاد ماهر- في
دراسة بعنوان الحصير في الفن الإسلامي:
” إنه من المسلم به أن حرفة الحصير سبقت حرفة النسيج، بل
هي الخطوة الأولى التي خطاها الإنسان حتى وصل إلى صناعة الحصير المضفور، ومن
الثابت كذلك أن المصريين القدماء كانوا يستعملون النباتات ذات الألياف المتخشبة في
صنع المنسوجات، واهمها الكتان وسعف النخيل والحلفا، التي كانت تستعمل في عمل الحصر
والحبال منذ اقدم العهود. (انظر الدكتورة سعاد ماهر).
استخدام الحصير في تكفين جثث
الموتى:
وجدت
بعض قطع الحصير في المقابر القديمة تلف أجساد الموتى عند الفراعنة يرجع عهدها إلى
عصور قديمة جداً وهذا يؤكد أن المصريين القدماء عرفوا مناسج الحصير قبل الكتان
والصوف.
وهناك بعض الشواهد التي تؤكد أن
هذه العادة كانت يمارسها الليبيين أيضاً حيث كشفت بعض الحفريات على وجود حصير يلف
جثث الموتى بمقابر في منطقة ملليتة بصبراتة.
وهناك مقبرة ليبية عائلية
اكتشفت في شهر اغسطس 1966 م- في منطقة ملليتة- (64) كم غرب مدينة صبراته وعلى بعد
(100 م) من شاطئ البحر، وكانت حجرة الدفن محفورة في طبقة صخرية، في منطقة تتنشر
فيها محاجر البناء في ما قبل العصر الروماني. وتحتوي المقبرة على بقايا هياكل
آدمية- أحدها موضوع في تابوت من الخشب ومغطى بحصير، وتحتوي ايضاً علي بعض الأثاث
الجنائزي من أهمها أطباق الفخار الأسود والتي تعود إلى القرن الثالث ق. م.
إن الأهمية الكبرى بالنسبة
لمدافن ملليتة تنحصر في مظهرين أولهما وجود مقتنيات خاص بالجثت مثل: ” التابوت
الخشبي، والحصير وغطاء الرأس”، ويعد ذلك اكتشاف فريد حتى الآن بالنسبة للمدافن
الليبية.
ولقد وصفت التقارير الإيطالية:
تقاليد الدفن في هذه الجبانة- كالعادة- بأنها بونيقية، ولكن عاجلاً أم آجلاً سيتم
تصحيح هذا الاعوجاج في التأريخ الليبي، وذلك عندما يبدأ بكتابته الليبيون أنفسهم.
(أنظر ليبيا القديمة- المجلد السادس والسابع.(
ووجد كذلك سرير من الخشب
والحصير تنام عليه أميرة الطوارق العرجاء (تين هينان). (هنري لوت / لوحات تاسيلي.).
صناعة الصوف في التاريخ:
لقد
أدرك الإنسان القديم أهمية صوف الأغنام منذ آلاف السنين – وذلك في صناعة الثياب
والأغطية لحماية جسده من الحرارة والبرودة. ولايزال الصوف إلى اليوم يساهم في نسيج
حضارات البشر.
كانت
أغنام ما قبل التاريخ تحمل صوفاً طويلاً قاتماً تعلق خصلاته على أغصان الشجيرات أو
يسقط تلقائياً عن أجسامها في كتل كبيرة مع قدوم الربيع وقد هجن الإنسان الأغنام
فقصرت قرونها وطالت أذنابها وصارت تعطي صوفاً أبيض أقل طولاً. وقبل أن يبدأ
استخدام الموسى في العصر الحديدي كانت الأمشاط البرونزية أو العمل اليدوي هي
الوسائل السائدة لنزع صوف الأغنام.
صناعة الصوف الملبد سبقت
صناعة الصوف المغزول:
من
المرجح أن الملابس الصوفية القديمة كانت تصنع من حصائر الصوف الملبد، وليس من
الصوف المغزول. ومازالت الصين اليوم تصنع الصوف الملبد بالطريقة التي سادت في
القرون القديمة، ولا تزال مراحل عملية تلبيد الصوف في جدارية واضحة في بومباي-
الهند.
وكان الإغريق يغطون باطن
خوذاتهم المعدنية به كما كان الجنود الرومانيون يرتدون المدارع الصوفية السميكة،
وقد ذكر بليني الأكبر (العالم الروماني غايوس بلينيوس سيكوندوس، 23- 79 م) في
كتابه ” التاريخ الطبيعي ” الذي عد مرجعاً علمياً في القرون الوسطى، إن الصوف
الملبد يصبح مقاوماً للحديد والنار إذا ما عولج بالخل.
إضافة إلى الخل أستعمل الرومان
بول الأنسان في تنظيف الصوف، حيث كانوا يحملون البول في جرار فخارية بكميات كبيرة
من الحمامات العامة إلى مصانع الجلود.
” وهناك تصحيح جديد في مدينة صبراتة الأثرية حيث كان يعتقد
بوجود حي أو شارع لمعاصر الزيت على شاطئ البحر بقرب الميناء ، ولكن الآن
البروفيسور (د. ماتينجلي) يدحض هذه الفكرة- باعتباره متخصص في معاصر الزيت
الرومانية في شمال أفريقيا- ويؤكد من ناحية أخرى بأن هذا الشارع خاص بصناعة دبغ
الجلود، ومغاسل الصوف، التي كانت تحتاج، في عصر الرومان إلى البول وماء البحر،
فهذا الحي بالإضافة إلى وقوعه على حافة البحر فإن الحمامات العامة (حمامات
هيدريان) على بعد متر واحد منها، بل والأطرف من هذا – أن الجزء المواجه ” لشارع
مغاسل الصوف”، من الحمامات هو المراحيض العامة”. هذا ما اقتبسناه من السيد يوسف
الختالي في ما يخص مغاسل الصوف في صبراتة الأثرية العتيقة.
وارتبط الصوف ب ” الصوفية
والتصوف”، حيث يرمز لباسه إلى الخشونة والبساطة وشظف العيش بالتالي الزهد في ترف
الحياة. ويعتقد الكثير من المؤرخين العرب أن كلمة أو مصطلح ” الصوفية”، هي عربية
ولكنهم لا يغالطون سوى انفسهم، فإن الأصل في مصطلح الصوفية – في الإسلام – هو
الكلمة اليونانية ” صوفيا أوسوفيا-Sophia
” وتعني الحكمة.
النسيج الليبي في ما قبل
التاريخ:
اللوحات الصخرية كمصدر
تاريخي للنسيج:
ليس
من السهل تحديد الزمن الذى عرف فيه الإنسان حرفة النسيج في ليبيا. وإن أقدم مصدر
وجدت فيه أثار للنسيج هي لوحات الكهوف في (أكاكوس وتاسيلي) حيث وجدت نقوش تشهد على
أن صناعة النسيج في هذه المنطقة كانت متقدمة وتدل على أن السكان كانوا على دراية
تامة بفن الحياكة ولهم خبرة طويلة العهد ومتعددة النواحي. وهذا ما يلاحظ من خلال
النقوش الصخرية عن الأزياء المستعملة في تلك الفترة والتي ظهرت فيها المرأة بأزياء
متعددة، بعضها يشبه لباسنا في الوقت الحاضر.
وإذا
ما تأملنا اللوحة الأولى من اليمين في الصورة رقم (001)، لأمكننا تمييز السيدة
التي تتوسط الرجلين بأنها ترتدي ثوب شفاف طويل يتجاوز الركبتين ويبدو من خلال
الرسم انه منسوجاً، وترتدي خلاخيل في ساقيها عند الأقدام. هذه اللوحة الصخرية من
هضبة آكاكوس، وادي (وان آميل)، ترجع- حسب تقدير موري- إلى الدور الرعوي القديم-
الألف الخامسة قبل الميلاد.
أما
اللوحة الثانية على اليسار من نفس الصورة، فهي لوحة صخرية ملونة- من وادي
(ديرباون) في هضبة تاسيلي- تصور فتيات يمتطين ثيران، يتبخترن في غاية الأبهة،
ويرتدين ثيابا فاخرة، مزخرفة الأذيال والأكمام، ويبدو من أناقة التلوين، أن الثياب
منسوجة من خيوط رفيعة وناعمة والتي من الممكن أن تكون من نبات القنب. يرجع (لوت)
هذه اللوحة حسب التقويم الزمني الخاص به إلى مرحلة الثيران، أي في الألف الخامسة
قبل الميلاد. أخذت عن كتاب (لوحات تاسيلي) للمؤرخ الفرنسي هنري لوت.
ويقال
أن الليبيين في العصور الحجرية لبسوا رداء من الجلد ولكن هذه النقوش المذكورة
أعلاه تبين بوضوح أن بعض من تلك الملابس كانت شفافة؟، وهو ما ينفي القول السابق.
وعن مصدر الأقمشة ذات الألوان
والرسوم الدقيقة التي صنعت منها ثياب الليبيين تشير الآثار المصرية (منذ المملكة
القديمة) إلى أن الليبيين كانت لهم علاقات تجارية مع السودان في الجنوب ومصر وشعوب
جنوب البحر المتوسط، وتدل النقوش على أن الليبيين حصلوا على هذه الأقمشة من سوريا أيضاً(ديفيد
راندال). ومصر والسودان كانتا مصدر للقطن الذي استنأس به الفراعنة في طقوسهم
المقدسة طوال فترة حكمهم. حيث كان ضروري جداً أستعماله في طقوس العبادة عكس الصوف.
صناعة النسيج في عصر
الفراعنة:
ليس
كل ثوب صالحاً لترتديه الآلهة والكهان – الصوف مثلاً ،لا يمكن أن يدنو بأي صفة
كانت من الكائنات والأشياء المقدسة. والقطن والكتان الناعم يستخدمان فقط في إكساء
الأشخاص المقدسين ، وهو القماش الوحيد الضروري الذي يقدم للتماثيل الالهية. لهذا
الغرض ألحقت معامل النسيج بالمعابد، التي كانت مهمتها الوحيدة، تحضير الأقمشة المخصصة
للعبادة، وكانت هذه المعامل تزود المعبد بالأقمشة بانتظام، والتي خصصت لها غرفة
دعيت ” غرفة الأقمشة ” المكرسة لحفظ الاحتياطي من الألبسة. وتستمر طهارة الإله
إذن، بالتقدمة المتتابعة لأربعة شرائط من قماش الكتان الناعم، المحفوظ في صندوق
قدس الأقداس، القماش الأبيض أولاً ثم الأزرق، الأخضر، أخيرا الأحمر. (سيرج سونيرون).
}ولم نجد إلى غاية هذه الساعة أية صورة لآلة المنسج
الأفقي في الأيقونات الفرعونية، ولهذا، يمكن القول- باطمئنان أن المصريين القدامى،
قد استعملوا منذ العصر الحجري الحديث- المنسج العمودي، وهو يشابه بكل الوجوه
المنسج الأمازيغي المنتشر استعماله في جبل نفوسة ومصراته، ومسلاتة وترهونة وكذلك
الإقليم البرقاوي، وغيرها من الأقاليم الليبية. {
وكان
الغزل والنسيج أيضا من أولى الصناعات التي مارسها المصريون منذ عصورهم الأولى إذ
ترجع إلى العصر الحجري الحديث وقد عثر على بقايا نسيج من ذلك العصر، ثم من العصور
التالية وكلها من الكتان. ولكن هذا لا ينفي معرفة المصري لأنواع أخرى من
المنسوجات، مثل الصوف والحرير والقطن في عصور متأخرة.
وكان
الغرام بالألوان المختلفة يقتصر على المنسوجات الخشنة،أما المنسوجات الرقيقة
المخصصة للملابس من عصر الدولة القديمة فكانت تخلو تقريباً من التلوين والتنميق إذ
كان يقتصر كل جهد وكل عناية على صنع أدق ما يمكن صنعه من الكتان (الأبيض) والذي
بلغ حد الكمال المدهش، وحسبنا أن نتذكر ملابس الأشراف البيضاء التي كانت لفرط
رقتها تشف عن أعضاء الجسم.
” ومن الصناع من كان يعمل في نسج القماش من أدق الخيوط
المعروفة في تاريخ النسج كله، وقد عثر المنقبون على نماذج من الكتان منسوجة منذ
أربعة آلاف عام مضت، وعلى الرغم من عوادي الزمن، فإن خيوطها بلغت من الدقة حداً لا
يستطيع الإنسان معه أن يميزها من خيوط الحرير إلا بالمجهر، وإن أحسن ما أخرجته
المناسج الآلية في هذه الأيام ليعد خشناً وغليظاً إذا ما قيس إلى هذا النسيج الذي
كان يصنعه المصريون الأقدمون بأنوالهم اليدوية”. (محمد الخطيب).
ومن الجلي أن المصريين أنفسهم
كانوا يدركون أنهم يبدعون في هذا الفن، فقد أرجعوا إلى الإلهة (تايت- طايط) ابتداع
النسيج، كما أن هناك نصوصاً عديدة تشيد بملابس الآلهة والفائف الموتى. وفي نقوش
الدولة القديمة ورد ذكر أسماء خمسة أنواع مختلفة من الكتان.
وكانت
طريقة النسج طريقة بسيطة وهي أن يشد سدى الثوب في وضع أفقي بين ماسكين مثبتين
بالأوتاد في الأرض، ولذلك يجلس النساج القرفصاء ويستخدم خشبتين تدفعان بين خيوط
السدى لتقسيمه، وكانت خيوط اللحمة تنسق وتحكم بخشبة معقوفة. غير أنه في عصر الدولة
الحديثة أدخلت بعض التعديلات، إذ نرى مشطاً منصوبة لها دعامتان عموديتان مثبتان في
الأرض بشكل يسمح يتحريك الماسكين الأسفل والأعلى.
يقول المؤرخ محمد الخطيب:
” وتدلنا النصوص أن النساء كن يقمن بدور كبير في صناعة
الكتان، وهذا يتفق مع ما تظهره مناظر المقابر من وجود نساء يعملن على الأنوال، بل
إن منهن من تعمل على مغزلين في وقت واحد، وتفتل خيوط كل مغزل من نوعين من الكتان”.
تصحيح:
} إن المصريين القدماء- وكذلك الإغريق والرومان- لم
يستعملوا مغزلين في وقت واحد، ولكنهم مثل الأمازيغ استعملوا المغزل الصغير (تزضيت
تامشكانت) مع ما يسميه العرب الليبيون (اللقاط) ويسمى بالأمازيغية (أولفيش): وهي
عصا قصيرة يزيد طولها عن الشبر قليلاً، قد تكون من خشب أوعظام، ووظيفة أولفيش في
ان يلف عليه الصوف بعد الانتهاء من عملية المشط. ثم يسحب منه الصوف إلى رأس المغزل
الصغير (تزضيت). {
للمقارنة انظر أدناه في الباب
الثاني: أهم الأدوات المستخدمة في صناعة الصوف.
آلهة النسيج الليبية المصرية:
الإلهة
نيّث: إلهة النسيج عبدت في مصر
قبل عهد الأسرات وأصلها ليبي- وجدت علامتها موشومة على أجسام الأسرى الليبيين في
لوحات منقوشة على مقبرة سيتي. (واليس بدج- دافيد راندال- أوريك بيتس).
ويعتقد
العلماء المذكورون أعلاه أن الشكل المبين لعلامات نيت وأوصافها (رقم 003 – a & b) يرمز إلى ” المكوك” الذي يستعمل في النول الأفقي (وهو
يشبه النول الطرابلسي). بينما يذهب آخرون إلى أنها إلهة الحرب في ليبيا بالنظر إلى
إحدى علاماتها الأخرى وهي القوسين التقاطعين. (أنظر كذلك ليبيا في التاريخ).
ولكني
أعتقد بأن العلامات الأولى هي رموز تجريدية لجذع النخلة وأليافها، وهو أصل إلهام
حرفة النسيج.
وفي اللغة الأمازيغية (نيت
معناها = هي)، ومعنى ذلك إن الإلهة نيّت غير معروفة الملامح، ويتفق ذلك مع المعنى
المصري القديم لنفس الكلمة، وتشترك معظم الألهة القديمة في صفة الأختفاء. ويعتبر
اسم نيت من الأسماء الشائعة عند الأميرات الفرعونيات.
يقول واليس بدج في كتابه (آلهة
المصريين القدماء(:
” ترتبط عبادة(نت) أو(نيث) بتشخيص على هيئة
بِركة الماء الأولية التي ظهر منها إله الشمس- رب الأرباب الفرعونية – (رع). وأصل
الكلمة في المصرية القديمة من ناحية ثانية: إذا أرجعنا كلمة (نت) إلى
الجدر(نتت)الذي يعنى الفعل ينسج في هذه الحالة يمكن قبول وجهة نظر العلماء الذين
وصفوها كإلهة للنسيج والذين راؤوا في علاماتها المقدسة (والتي تظهر في أوشام
الليبيين) وتصور عادة فوق راسها (كرمز لمكوك النول).
وتسمى
الإلهة (نيّث) في النصوص الفرعونية ” سيدة الغرب “- وتكتب نت أو نيث- وهي طبقاً
للنصوص الفرعونية المختلفة تمثل إلآهات متباينة، والتي ولدت في عصور مختلفة،
ومراحل متعددة من الحضارة الفرعونية. وخصائصها لا يمكن تميزها عن خصائص أيزيس،
وأقدم معبد مشهور لها في مدينة (سايس)، وقد عبدت فيما قبل الأسرات، ويقول وليس بدج
أن أصل هذه الإلهة بخصائصها الرئيسية ترجع إلى دلتا النيل وشرق ليبيا وتتمثل
خصائصها في شعائر النسل والتكاثر “.
ويؤكد
د. رجب عبد الحميد الاثرم أن نيث في غرب الدلتا هي نفسها تانيت في الإقليم
الطرابلسي. (انظر محاضرات في تاريخ ليبيا القديم).
” وكانت تسمى في العصور القديمة { الواحدة التي وجدت قبل
الوجود }.
و(نت) هي الأم الكبرى التي ولدت
(رع) وهي التي: ” أول من ولد كل شي، قبل أن يكون أي شي قد ولد، ولكنها هي في ذاتها
لم تولد”. وتقول في إحدى النصوص التخليدية واصفة نفسها:
” أنا كل شي قد وجد- وكل ما هو موجود- وكل ما سيوجد- ولم
يوجد أي أحدٍ ذاك الذي يميط لثامى”.
ولكن المصريين أطلقوا نفس هذه
الصفات على (أيزيس) ولكن باسم (أثينا) التي تقول: لقد خلقت من ذاتي.
ومعنى كلمة نيت أو نت في
المصرية القديمة: ” هي أو الموجودة- أوالتي وجدت” وتوصف كذلك في النصوص الفرعونية
ب ” الخفية”. (من كتاب ألهة الفراعنة- واليس بدج. ترجم النص: يوسف أحمد الختالي.).
وأخيراً
ينبغي أن نشير إلى أن ” لثام نيث الذي لم يميطه أحد” يمكن أن يقارن بلثام الإلهة
الإغريقية (برسيفوني) الذي لم يوجد سوى في ليبيا! بل يؤكد عالم الآثار الليبي
الأستاذ: عبد القادر المزيني ” بأنه لا يوجد خارج مدينة ” قورينا” بالتحديد- أي
تمثال ل (برسيفوني) يتشح بلثام أو بوجه خالٍ تماماً من الملامح البشرية.
وبناءً على ذلك يمكن أن نستنتج
أن الليبيين القدامى قد وحدوا بين لثام نيث ولثام برسيفوني إلهة الموت والبعث.
الإله زث: لقد عرف فن النحت البارز في منطقة وادي النيل منذ عصور ما قبل التاريخ.
وتعد اللوحة التي عثر عليها في مقبرة الملك (زث) أو الملك الثعبان، من احسن
النماذج النحتية، حيث نقش عليها صورة الإله (حورس) واقفاً على واجهة قصر، رمز له
بالصقر، ونقش من تحته ثعبان رمزاً للملك زث. توجد هذه اللوحة بمتحف اللوفر بباريس.
(عن مجلة اثار العرب وكذلك انظر إريك هورنونج). وكما هو معروف أن كلمة (زت أو زط)
تعني في الأمازيغية نسج. وهذا يوضح قرابة اللغتين المصرية العتيقة واللغة
الأمازيغية، وذلك ما يؤكده أغلب العلماء (بيتس- راندال- بدج- ماتينجلي- موري- لوت-
سيريل ألدريد).
ملابس الليبيين القدماء في
الوثائق المصرية العتيقة:
” كان الليبيون القدماء يلبسون قميصاً يغطي النصف الأسفل
من الجسم ابتداء من الوسط إلى الركبتين، وقد صورهم المصريون القدماء على آثارهم
بهذا اللباس. وكانوا يلفونه حول الجسم بحيث يلتقي طرفاه في الأمام، ثم يثبتونه
بحزام عند الوسط. أما الرداء الطويل الذي ظهر به بعض الليبيين في النقوش التي ترجع
إلى أيام الإمبراطورية المصرية القديمة، فكان خاصاً بالوجهاء وعلية القوم. وكان
الرداء يغطي الجسم كله فوق الأكتاف بمشابك خاصة. ثم لبس الليبيون نفس الرداء بعد
أن أضافوا إليه الأكمام، وجعلوه بمشبك واحد فوق الكتف اليسرى، وكان مفتوحاً من
الأمام وتحته قميص يغطي النصف الأسفل من الجسم، وقد ثبت في الوسط بحزام.
وكان
الليبيون القدماء يزخرفون ملابسهم برسومات ملونة، أو بأجزاء إضافية تحاك فوق
الرداء نفسه، ولاسيما عند الوسط، كما كانوا يلبسون في آذانهم أقراطاً مختلفة
الأشكال وكانت هذه الملابس تصنع عادة من الجلد. أما ما كان يصنع من الأقمشة
المنسوجة، فكانوا يجلبونها من سردينيا، وهي جزيرة تقع غربي إيطاليا كانوا يستوردون
منها أسلحتهم المعدنية أيضا.
أما أقدامهم فكانوا يلبسون بها
الصنادل، وقد يسيرون حفاة الأقدام في كثير من الأحيان. ولم تكن ملابس النساء تختلف
كثيرا عن ملابس الرجال.
وكان
لبساهم عبارة عن رداء طويل شفاف من اللون الأبيض المائل للحمرة تزينه رسوم ملونة
منسوجة مع القماش ويثبت الرداء على الكتف الأيسر بحمالة ويصل الرداء إلى ما فوق
الكعبين، وهو مفتوح من الجانب، ويزين حاشيته أهداب ملونة باللون البني الفاتح
والغامق، وزين عند الوسط بقطع من القماش بيضاوية الشكل.
وللرداء
حزام من داخله يحيط بالخصر عقد طرفاه من الأمام بشكل زخرفي، بينما زين أحد أفراد
طرفي الحزام بالعلامة الخاصة بالآلهة ” نيت “.(انظر أوريك بيتس والبرغوثي).
من خلال هذا الوصف يمكن أن نقول
انه رداء متطور وعملي أكثر من لباس الجرد ويشبه لباس الأمازيغ القديم المعروف
بتاقدوارت، والرسوم الملونة تؤكد أن الليبيين قد عرفوا الصباغة وزخرفة الملابس
(كللا) منذ تلك العصور.
يذكر
الدكتور فضل علي محمد في روايته الشفوية المسجلة أنه قد عثر على مومياآت- وعددها
خمسون- بطريق الصدفة في منطقة الجغبوب. وبعد حفريات أجراها هو بنفسه- للأسف لم
تنشر تقاريرها بعد- نقلت إلى إيطاليا للتحليل. ولم تصل النتائج إلى ليبيا بعد.
ويقول الدكتور في وصفه للمومياآت أنه يؤكد الملاحظات التالية:
1)
نمط التحنيط الذي أستخدمه الليبيون كان أرقى من التحنيط
المصري.
2)
طريقة لف الموميات كانت تختلف اختلاف كامل عن المومياآت
المصرية وقد ستعمل فيها أسرة من شجر الزيتون.
3)
وجدت المومياآت في داخل قبور وعليها كتابات بالتيفيناغ.
4)
بالرغم من أن نتائج التحليل لم تصلنا ولكن نقدر بكل ثقة
أن تاريخها يعود إلى ما قبل الميلاد.
(عن د. فضل
علي محمد- تسجيل صوتي).
النسيج في العصر الإغريقي:
نظراً
لقلة المصادر الخاصة بالنسيج اليوناني أعتمدت على بعض الرسوم الخاصة بالمقابر
والأساطير فوجدت فيها ما يؤكد أن صناعة النسيج أغلبها ترجع إلى عصور قديمة جداً.
وأن هناك نساء يونانيات ماهرات ومشهورات في صناعة النسيج يحكن أنسجة شفافة كالنسيم
من خيوط رقيقة كالضباب والذي يؤكد ذلك هو أسطورة أرخنا الفتاة التي تحولت إلى
عنكبوت بسبب الخصومة بينها وبين سيدة النسيج الأغريقي أثينا، وأصبحت تُصور كرمز للحائكة.
وأراخني (Arachne) هي فتاة من البشر الفانين من مدينة ليديا في بلاد
اليونان تحدت الإلهة أثينا إلى مباره في النسيج. وتجلت قوة الأرباب في أثينا
فانتصرت في المباراة، وعندها مزقت أثينا قطعة نسيج أراخني، فأصابها اليأس وشنقت
نفسها، فحولتها الربة أثينا إلى عنكبوت وحكمت عليها أن تظل معلقة وتغزل إلى الأبد
عقاباً على إهانتها.
وأصبح اسم هذه الفتاة يتشابه مع
المصطلح العلمي للعنكبوت هو
arachnid . (ماكس شابيرو- رودا
هندريكس).
وهناك
أيضاً أسطورة بينلوب زوجة أوديسيوس كما وردت في الأوديسيا- بينلوب PENELOP وهو اسم مركب من كلمتين: الأولى يعني أصلها ” نسيج ”
والثانية ” يفك “. ويرى العلماء أن لفظ بينلوب ” المرأة التي تفك النسيج ” ويشير
معنى هذا الإسم إلى الزوجة التي كانت تغزل أثناء النهار وتفك ما تغزله أثناء
الليل، حتى لا تنتهي من صنع هدية الزفاف التي بدونها لن يتم زواجها من أحد
الطامعين فيها. (محمد الخطيب).
ويبدو
أن النساء الإغريقيات استعملن (تزضيت وأولفيش) بنفس الطريقة التي استعملنها
الأمازيغيات كما هو موضح بالشكل ادناه رقم (005) المرسوم على قدح إغريقي من
الفخار. وهو يوضح تشابه المنسج الإغريقي مع الأمازيغي العمودي. أما التراقيون فقد
صنعوا ملابس من القنب – وكانت شبيهة جداً بالملابس الكتانية – إلى درجة أنه لا
يمكن تمييزها باللمس، إذا لم يكن هناك سابق معرفة بها.
وهذا وصف لبعض ملابس نساء
اليونان كما وجد في مقبرة (روفو):
يبدو أن هذه الملابس كانت خاصة
بالرقص الجنائزي الذي كانت تقوم به النساء، وعادة ما يصور في المقابر الإغريقية،
وقد كن يلبسن أردية طويلة ذات الوان زاهية من الخيتون الطويل تتخللها شرائط عريضة
أفقية ورأسية تتكرر من جديد في الأطراف السفلى لأغطية الرأس الملونة بألوان صارخة
حمراء وسوداء وصفراء وخضراء. (د. ثروت عكاشة).
ولقد وجد في قورينا- المدينة
الليبية الإغريقية- لوحة جنائزية يعلوها نحت بارز للمغزل الصغير واللقاط الذي
يتبعه، وأسفله نقش إغريقي يبدو أنه يمجد امرأة متوفاة كانت مشهورة بإتقان النسيج،
على نحو ما سنراه في فقرة العصر الروماني.
أصل الرداء الإغريقي:
لقد
أشار الكثير من الرحالة والعلماء إلى أن اللباس الروماني منقول عن اللباس اليوناني
القديم، وأن اليونان قد نقلوا العباءة أو الجرد عن الليبيين القدماء. ومنهم المؤرخ
الإيطالي غوليا لم ناردوتشى في كتابه برقة منذ الاستيطان الإغريقي.
وهذا ما يؤكده العالم البريطاني
(سمث كاج بيركت- Smith
Kaj.Birket) في كتابه ” ممرات
الحضارة ” Pathes of
Culture الصادر (عام 1965 في
الصفحة 183).
وكان
هيرودوت قد ذكر في تاريخه ان ” ثوب ودرع أثينا قد نقلهما الإغريق عن النساء
الليبيات. ” وقال: ” غير أن لباس النسوة الليبيات جلدي وعذبات دروعهن مصنوعة من جلد
الماعز. (هيرودوت).
النسيج الليبي في العصر
الروماني:
الجرد
الأمازيغي الذي كان يرتديه الليبيون أيام الرومان استمر إلى الوقت الحاضر:
يقول سوانسون كاوبر في كتابه
مرتفع آلهات الجمال :
” الزي الطرابلسي الذي يلبسه جميع المسلمين المحليين في
المدن أو في الريف هو “البرقان” أو الحولي ، ولا نشاهد هذا اللباس البديع في الشرق
إلا بين تونس ومصر، وهو يمتاز بميزات خاصة به وحده. فهو يتألف من جلباب أبيض ملفوف
بعناية حول الجسم بحيث تظل اليد اليمنى حرة وكذلك بحيث يكون في الوسع رفع طرفه
ليكون غطاء للرأس كما يظهر على الناس عموماً ولما كان (البرقان) منتشراً في القسم
الأكبر من المناطق الرومانية السابقة من افريقيا فلا شك في انه (التوجة) الرومانية
التي وجد الفاتحون المسلمون الناس ملفعين بها فتبنوها هم أيضاً لا نفسهم. وهنالك
طبعاً أنواع كثيرة من ” البرقان ” فالذي يرتديه الفقراء هو من القماش الابيض
الميال إلى السمرة وهنالك أيضاً قماش عادي شديد السمرة. أما النوع الذي يرتديه
الناس الاعتياديون فهو من الصوف الأبيض بينما يرتدي المتأنقون والأغنياء قماشاً من
الحرير المخطط الجميل ومع أن اللباس نفسه لا يتغير إلا أن طبعات الخطوط الملونة
تختلف من سنة الى سنة أخرى. وفي موسم البرد يوضع فوق ” البراقان” برنص تونسي مع
قلنسوة وبين هذه الأردية أنواع ملونة الخطوط وسميكة بحيث انها تكون دافئة ومانعة
لتسرب المطر”. (انظر ه . س . كاوبر.(
ملاحظة:
ويطلق
الكتاب الأوروبيون اسم (بركان
-Baracan) على العباءة الليبية
الصوفية الرجالية والنسائية، وذلك في القرون السابع والثامن والتاسع عشر، ومما
يزيد الأمر سوءً أن المترجمين العرب يحرفونها إلى (برقان) ولا نجد أي تفسير لغوي
لهذه الكلمة في أصلها الإنجليزي }. راجع مس توللي – أنتوني كاكيا وغيرهم.
نقش لاتيني عن النسيج:
ويبدو
أن من ملامح الثقافة السائدة في العصرين الإغريقي والروماني أن تكون إحدى أهم
الصفات الحميدة للزوجة الصالحة التي تستحق المديح فيما بعد الوفاة هي أن تكون
نسَّاجة ماهرة فلقد وجد نقش لاتيني يرجع تاريخه إلى القرن الثاني قبل الميلاد- كتب
على قبر زوجة يمدحها زوجها على إتقانها حرفة النسيج:
” أيها الغريب،إننى أقول لك قولاً موجزاً، قف واقرأ.هذا
قبر غير جميل لإمرآة جميلة أطلق عيها أبوها اسم كلوديا. وقد أحبت بعلها من صميم قلبها،
وأنجبت ابنين، تركت أحدهما حياً على الأرض ودفنت الآخر تحت الثرى. كان حديثها
مرحاً ومظهرها لائقاً. كانت تدبر شئون المنزل وتغزل الصوف. لقد قلت قولي فاذهب
لحالك “. (عن دونالد . ر. ددلى.(
منسوجات جرمنتية من عصور
الرومان:
في
كتاب ” روما وراء الحدود الإمبراطورية ” بقلم السير ” مورتمر هويلر ” الذي نشرته
سلسلة ” بليكان ” يتحدث فيه عن اكتشاف البعثة الإيطالية برئاسة البروفسور ” بيشي ”
يساعده الدكتور ” جاكومو كابوتو ” والبروفيسور ” سيرجي ” عام 1933 – 1934 م في
مناطق مختلفة من فزان.
ولقد اهتمت البعثة أكثر ما
اهتمت بالمقابر الكثيرة التي وجدت آلافاً منها. وبمحتوياتها الدالة على سعة العيش
ويسر في الحياة وفي الممات. قال الكاتب: وقد وجد في بعض القبور ما يدل على الغنى،
من ذلك القناديل الرومانية الفخارية. وقدح أخضر مزخرف بنقط زرقاء، وآنية من الزجاج
تحمل كتابات يونانية، وحجارة مصقولة منقوشة الجوانب، وقدحان من الفخار مطليان
بألوان صفراء وبرتقالية وبيضاء. وعلى كثير منها كتابات ترجح انها جاءت من الإسكندرية،
وأخرى تشير إلى أنها جاءت من سوريا، مما يدل على علاقة وثيقة بين هذه المنطقة وحوض
البحر المتوسط. غير أن بعض الأدوات الاخرى توضح أنها من صنع محلي دقيق.
وقد
رأت البعثة في قبر آخر – يبدو أنه لسيدة من علية القوم – يشمل ضريحاً مبنياً
بعناية، وأمامه مذبح ومنضدة نذور وبقايا درج لهرم يقدر حجمه بأربعة وعشرين قدماً
في خمسة وعشرين.
ومن بين الأثاث الجنائزي الذي
اكتشف داخل هذا القبر، عثرت البعثة على مجموعة من الصحون حمراء اللون وأكواب يحمل
بعضها عبارات باليونانية لتحية الضيوف مثل: ” اشرب بالشفاء” و ” في صحتك “.
وعثرت البعثة أيضا على مزق من
ثوب صوفي ذي أرضية ارجوانية، تعلوها زخرفات صفراء وحمراء وزرقاء، تدل على قدرة
واتقان في الصناعة والصباغة على حد سواء.
ويبدو أن هذه المنسوجات الأثرية
قد اختفت من ليبيا لأنها لم تظهر في صور كتاب بروجان عن قرزة 1979 م – وكذا في
الكتاب الأخير ل ماتينجلي عن جرمة 2003 م. (انظر سليمان أيوب- ماتينجلي.(
أنواع الأردية الرُومانية:
كانت
الأردية الرومانية في البداية متأثرة بالروح اليونانية وتميل إلى الضيق أو الاتساع
وتوجد بها زخارف في بعض الأحيان، واستخدم الرومان: ” الهيماتيون” وهو الرداء
الإغريقي الذي يغطي كتفا ويترك الأخرى عارية، وأطلقوا عليه إسمين هما : ” بالايوم – Palaeum ” وهو عباءة الرجل – و ” بالا- Pala ” وهو
عباءة المرأة.
ولكن في نهاية العصر الجمهوري
أطلقوا على العباءة الرجالية إسم ” توجا – Toga” والتي
كان من أهم أنواعها:
1.
التوجا ذات الكفة:
كانت
العباءة المميزة للملوك في العهد الجمهوري لبسها الحكام والقناصل وغيرهم من ذوي
المناصب العليا في ورما وكذلك أغرم بها الشباب في السن المبكر. وتقول النقوش
اللاتينية في روما أن الامبراطور (سيبتميوس سيفيروس) قد أهدى هذا النوع من التوجا
إلى ابنه (كركللا) عندما عينه قنصلا وشريكا في الحكم ولقّبه بلقب “الزميل”.
ومن المعروف (كركللا) ليس اسمه
ولكن لقب يعني ” هو الذي يرتدي” الثوب-
Tunic ” الكيلتي أوالغالي، أي
من بلاد الغال وهي فرنسا حاليا. أما اسم (كركللا) الحقيقي هو (ماركوس أوريليوس
أنتونينوس بيوس).
2.
توجا الرجولة:
كانت
عباءة للمواطن الروماني العادي وكذلك المترفين منهم وتصنع من الصوف بلونه الطبيعي
ولا تُحلَى بشريط.
3.
توجا الحِداد:
وتستخدم
في مناسبات الحداد وكانت ذات لون قاتم رمادى أو بني أو أسود وتصنع من الصوف
الأسود.(تحية كامل حسين – ثروت عكاشة).
هناك
بعض النقاط التي يتشابه فيها الرداء الروماني بالليبي هي:
عند المقارنة بين الرداء
الروماني والليبي نجد أن هناك بعض النقاط التي يشترك فيها الطرفين مثل التوكامية
وهي الربطة التي على الصدر- ووجود الزخارف على هيئة شريط في نهاية الرداء هذا
بالنسبة للرداء الليبي أما الروماني فهناك شريط بنفسجي اللون- والمادة المستخدمة
في كل من الردائين هي الصوف- أستعمل الطرفيين الألوان البيضاء والسوداء والبنية-
تعددت أنواع العباءة الرومانية وارتبطت بالمركز الأجتماعي وهذا يتشابه مع العباءة
الليبيية. فما السر في ذلك التشابه ياترى؟
النسيج الليبي في العصور
الوسطى :
يصف
ابن حوقل طرابلس بقوله:
” مدينة بيضاء مبنية بالصخر الأبيض على ساحل البحر، خصبة
حصينة كبيرة، ذات مربض، صالحة الأسواق، بها من الفواكه الطيبة اللذيذة كالخوخ
والكمثرة، وبها الصوف الرفيع، وطبقات الأكسية الفاخرة الزرق والكحل والنفوسية،
والسود والبيض الثمينة إلى المراكب التى تحط بها ليلاً ونهاراً من بلد الروم وأرض
المغرب، وأهلها قوم مرموقون بنظافة الأعراض والثياب والاحوال، ومتميزون في اللباس
وحسن الصورة والقصد في المعاش إلى مروءة ظاهرة وعشرة حسنة” .
ويصف
ابن خلدون صناعة الحياكة والخياطة بقوله:
هاتان الصناعتان ضروريتان في
العمران لما يحتاج إليه البشر من الرفه فالأولى
لنسج الغزل من الصوف والكتان والقطن إسداءً في الطول ولحاما في العرض لذلك النسج
بالالتحام الشديد فيتم منها قطع مقدرة فمنها الاكسية من الصوف للاشتمال ومنها الثياب
من القطن والكتان للباس والصناعة الثانية لتقدير المنسوجات على اختلاف الاشكال
والعوائد تفضل بالمقراض قطعا مناسبة الاعضاء البدنية ثم تلحم تلك القطع بالخياطة
المحكمة وصلا أو تنبيتا أو تفسحا على حسب نوع الصناعة وهذه الصناعة مختصة بالعمران
الحضري لما أن أهل البدو يستغنون عنها وإنما يشتملون الأثواب اشتمالا وإنما تفصيل
الثياب وتقديرها ولحامها بالخياطة للباس من مذاهب الحضارة وفنونها وتفهم هذه في سر
تحريم المخيط في الحج لما أن مشروعية الحج مشتملة على نبد العلائق الدنيوية كلها
والرجوع إلى الله تعالى كما خلقنا أول مرة حتى لا يعلق العبد قلبه بشي من عوائد
ترفه لا طيبا ولا نساء ولا مخيطا ولا خفا ولا يتعرض لصيد ولا لشي من عوائده التي
تلونت بها نفسه وخلقه مع أنه يقفدها بالموت ضرورة وإنما يجئ كأنه وارد إلى المحشر
ضارعا بقلبه مخلصا لربه وكان جزأوه إن له إخلاصه في ذلك أن يخرج من ذنوبه كيوم
ولدته أمه سبحانك ما أرفقك بعبادك وأرحمك بهم في طلب هدايتهم إليك. وهاتان الصناعتان
قديمتان في الخليقة لما أن الدف ضروري للبشر في العمران المعتدل وأما المنحرف إلى
الحر فلا يحتاج أهله إلى دف ولهذا يبلغنا عن أهل الإقليم الأول من السودان أنهم
عراة في الغالب، ولقدم هذه الصنائع ينسبها العامة إلى إدريس عليه السلام وهو أقدم
الأنبياء وربما ينسبونها إلى هرمس وقد يقال إن هرمس هو إدريس والله سبحانه وتعالى
هو الخلاق العليم”.
( من مقدمة
العلامة ابن خلدون.(
نسيج ليبي من العصور الوسطى
في مدينة قرزة (عن أولوين بروجان:(
تقول
(ليدي أولوين بروجان) في كتابها ” قرزة مستوطنة ليبية في العصر الروماني”
” إن الدراسات الأثرية للنسيج الإسلامي لم تكد تبدأ،
ولازال الكثير من المواد النسيجية التي تثير الأهتمام في العالم الإسلامي لم تتعرض
للدراسة الوافية.
وما
يميز منسوجات قرزة ويعطيها قيمة خاصة انها كمجموعة مختلفة التقنيات يمكن تحديد
تاريخها، هذه التقنيات التي أصبح البربر في شمال أفريقيا يتقنونها مع نهاية القرن
العاشر الميلادي ولا يمكن اعتبار هذه الطرز النسيجية التي وجدت بقرزة منسوجات
إسلامية.
وبتحليل النماذج النسيجية
المذكورة نستنتج أن السكان قد استخدموا مواد (الكتان والقطن والصوف وشعر الماعز).
تقليدياً نعرف أن مصر كانت
مشهورة بالكتان بينما كانت الهند وايران والعراق واليمن بلدان مشهورة بالقطن ولكن
التجارة في هاتين المادتين كانت محدودة ولم تتجاوز حدود تلك البلدان.
ومن
ناحية أخرى يذكر ابن حوقل أن القطن ينمو في بلاد المغرب قرب تونس ويذكر الرحالة
والمؤرخون العرب في القرون الوسطى أن الصوف كان من منتوجات شمال أفريقيا الأساسية.
وتتنوع جودة غزل خيوط السدى في
منسوجات قرزة: من النوع الرفيع للمنسوجات الجيدة إلى خيوط السدى الخشنة المستعملة
في السجاد.
وتتنوع تقنيات النسيج في قرزة
إلى ثلاثة أنواع:
طريقة السدى المتقاطع.
طريقة التطريز على المنسوجات.
طريقة الظفائر. التي تنجز بما نسميه اليوم (الطي – وهو سلك
معدني طوله 12 سم تقريباً)، أما النماذج الزخرفية فهي تشبه النسيج البربري الذي
نراه اليوم عند البربر في شمال أفريقيا فهناك شكل الخط المنكسر، وأشكال المعينات
المنقوطة في وسطها، ومثلثات متراكبة إلى غير ذلك.
وتنجز هذه الزخارف أما بلونين
الأحمر والأزرق أو بالوان متعددة مثل الأخضر والأحمر والبرتقالي والأزرق والأصفر –
أما أن تكون على سطح أبيض أو على سطح مصبوغ”.
ولقد
اشارت اولوين بروجان إلى أن قطعتين من النسيج الصوفي تؤرخ إلى فترة الرومان قد
وجدتا في قرية زنككرا على قمة جبل زنككرا (وهو موطن الجرمنت)، هاتين القطعتين
تشبهان في كثير من النواحي منسوجات التي عثر عليها في قرزة.
وهذا ما يؤكد الاحتمالات
الواضحة لكون منسوجات القرن العاشر من مدينة قرزة كانت نتاج لتقاليد محلية ترجع
على الأقل إلى 1000 عام مضت، أي منذ العصر الروماني المبكر.
(من كتاب أولوين بروقن / قرزة مستوطنة ليبية في العصر
الروماني – ترجم النص: يوسف أحمد الختالي).
النسيج الليبي في العصر
التركي:
يمكننا
أن نجد أوصافا كثيرة للمنسوجات والملابس الليبية في كتب الرحالة في القرون الأخير
ومن بعضهم نقتبس بعض المقتطفات الآتية /
1)
الآنسة توللي:
” يلبس الرجل البدوي الجرد من الصوف الأسمر السميك الداكن
اللون، طوله خمس أوست ياردات وعرضه حوالي ياردتان، يقوم هذا الرداء بوظيفة الملابس
لكل اليوم، والفراش، والغطاء في الليل، يلبسونه بربط الزاويتين العلويتين معاً،
بمتكأ من الخشب أوالحديد، ويوضع الجرد أولاً فوق الكتف الأيسر، ومن ثم تطوى البقية
حول الجسم يلبسها البعض بصورة رشيقة وظريفة أما أولئك الذين لم يألفوا ارتداء هذه
الملابس فليس من الأمور السهلة عليهم لبسها، ومن اليسير الكشف عن الغريب من طيات
جرده التي تختلف عن تلك التي يطويها المعتاد على لبسها باستمرار.
تلبس المرأة نفس النوع من الجرد
الذي يقوم بصورة عامة بوظيفة غطاء، ويلبس البعض من النساء قميصاً تحت الجرد. يؤلف
الجرد جزءاً من ملابس البربر ولكن بالنسبة للسيدات في طرابلس بوظيفة العباءة
الخارجية فقط. يلبسنها من الحرير الشفاف الرقيق في المنزل، ومن مزيج من القطن
والحرير، من أكثر أنواع البياض جمالاً، ليخرجن من المنزل وفوق ذلك كساء من الصوف
الأبيض الرقيق. تضاف إلى ذلك الأردية من الاجواخ الفاخرة التي جعل الترف والرخاء
أمراً ضرورياً وواجباً للمرأة الطرابلسية، بينما تغطي المرأة البدوية نفسها بكساء
واحد من هذه الكسوات الأربع”.
أستخدام { الدخليليت } في
قلعة طرابلس في العهد التركي:
” لا يستطيع أي شخص إلا من كان موظفا رسميا تابعا له أن
يدخل الباب الاول فقط يطل الحرم على بحر مرمره . وليس بقدرة أي شخص آخر غير
السلطان التركي والمخاصي وحدهم ، أن يتطلعوا على السيدات اللواتي في الحرم وعندما
ترغب أية سيدة في الخروج من السراي السلطانية بحرا أو برا فإن السفينة أو العربة
التي تركبها يجب أن تغطى غطاء محكما. كما بعد ممر مغلق ومغطى بقماش من الكتان على
طول الطريق من باب المقصورة إلى مكان الصعود إلى السفينة أو الركوب في العربات”.
(الآنسة توللي).
2)
إدوارد ري وهدايا النسيج الطرابلسي:
” لقد أصبحت من كبار مالكي الملابس العربية والعطور
واللؤلؤ والكهرمان والمصنوعات الغضية القديمة والحى الذهبية والخزف الشرقي،
والقبعات البيضاء والزرقاء و(الحشيش) والمصابيح النحاسية القديمة والمنسوجات
الصوفية والحريرية والسجاجيد المصنوعة في طرابلس وبنغازي وزجاجات العطور المطعمة
والمرايا اليدوية القديمة. وماذا يمكن أن أفعل بكل ذلك حينما أعود إلى انجلترا؟
لست أدري” . (” ادوارد راي).
3)
إفالد بانزة يصف الجرد الليبي:
” الحولي هو اللباس التقليدي في وسط شمال أفريقيا. ويبدو
أنه لا ينتشر كثيراً خارج حدود الإيالة.
إنه قطعة قماش كبيرة (4- 6 × 5
. 1 م) تنسج من صوف الغنم، وغالباً ما يكون الحولي أبيض اللون، أما البني فنادر.
وبعض النساء تتخذه مقصباً بالأسود أو البني وتتأرجح الجودة والسعر بين ما هو مصنوع
من خيوط بنعومة الخيش وسعره ليرة مجيدية (60 . 3 مارك)، وبين النماذج المصنوعة من
صوف ثخين وربما يبلغ سعره ثمانية محبوب (25.60) مارك، إن الحولي هو لباس الجنسين
ولكنه يختلف في التصميم”.
وصف بانزه لأسواق المنسوجات
الطرابلسية:
” عند الدخول عبر البوابة الخالية من أية زخرفة إلى ضوء
السوق الضعيف. هنا الحركة قليلة والتجار ينامون في الغالب على مصاطبهم وأن بياض
الجدران يتقاطع مع اللون الغامق لبالات القماش وهنا تبدو طرابلس بصورة شرقية
يستحيل تزويرها وعندما توقفنا أمام بعض المعروضات كان إلى يسارنا ثمة أقمشة حمراء
وبيضاء مكدسة، وهي أقمشة تلف بها النساء أجسادها. وفي الخلف توجد اللفافة وزينة
الرأس النسائية، وبعض قطع الحرير وطرابيش حمراء ملفوفة بالورق. وعلى الرفوف علقت
حبال ثخينة من الصوف الملون حسب طلب الحائك لإنتاج البسط والقماش وإلى اليسار يسند
التاجر ظهره على كومة عالية من سجاد جربة الذي يلون بألوان غير أصلية ويزين بنماذج
هندسية مختلفة ويكون قياس السجاد عادة (1 × 2 م) وسعرها حوالي (20 مارك). وهناك
كومة من الحولي الأبيض الجريدي أرخص الأنواع سعرا ويسد مؤخرة الفتحة حمل من
المرقوم وهو أغطية صوفية سميكة جداً ذات ألوان مقصبة يكفي غطاء واحد منها لتنام
تحته أسرة كاملة. ويتراوح سعر الغطاء الواحد ما بين (25 و70) ماركاً حسب طريقة
الصنع.
وإلى جانب ذلك تعرض الخروج التي
توضع فوق السرج بحيث تعلق في كل وقت جعبة مفتوحة الفوهة خلف الفارس وتحت فخده”.
(انظر إفالد بانزه).
النسيج الليبي في العصور
الحديثة:
كانت
الصناعة الرئيسية في ليبيا إبان الاحتلال الإيطالي حياكة القطن والصوف والحرير.
وظلت الأنوال الأفقية ذات
المكوك والتي تدار باليد والرجل موجودة في ليبيا حتى غداة الاحتلال، غير أنها كانت
متوفرة بشكل أكبر قبل الاحتلال الإيطالي، ويعود هبوط هذه الصناعة في الوقت الحاضر
إلى سببين: السبب الأول أن معظم الحاكة انتقلوا إلى تونس واستقروا فيها خلال الحرب
الايطالية – التركية عام (1911 م) والسبب الثاني أن ايطاليا لم تشجع على تعزيز هذه
الصناعة لأن ليبيا كانت سوقاً مربحة للألبسة الايطالية الصنع.
وفي عام (1911) كان عدد الأنوال
المستعملة في طرابلس كما يلي:
1700 لنسج القطن.
350 لنسج الصوف.
150 لنسج الحرير.
وكان
في مصراتة (250) نولً أفقياً لنسج الصوف وعدد أكبر من الأنوال العمودية لحياكة
السجاد والعباءات الصوفية الثقيلة وفي بنغازي استعمل (450) نولاً لنسج القطن و(50)
نولاً للصوف وحوالى (10) أنوال للحرير وكان في درنة حوالى(100 نول للقطن و(12)
للصوف).
وأما أنواع هذه الحوالي فهي:
الحولي: وهو الرداء المصنوع
من القطن.
الحولي الحريري: وهو المصنوع
من الحرير.
الحولي الصوفي: وهو المصنوع
من الصوف.
الحولي المجعب: وهو المصنوع
من الصوف مع قدر قليل من الحرير.
الحولي الحلايلي: وهو ما مزج
فيه الحرير والصوف أو الحرير والقطن بنسب متساوية.
الحولي الجبليّ: وهو المصنوع
من صوف ثقيل.
ويعادل
طول الرداء أو الحولي القطني ما يقارب 13 قدماً في الطول وخمسة أقدام في العرض
وكان سعر الواحد منه خمسة قروش وكانت طرابلس تنتج 250.000 رداء في السنة، كان 75
بالمئة منها للاستهلاك المحلي والباقي يصدر إلى تونس وبرقة وكانت خيوط القطن
تستورد في الدرجة الأولى من مانشستر وبعضها من النمسا وقليل جداً منها من ايطاليا.
وكان
كل الصبغ تقريباً يتم في طرابلس وكانت الألوان المفضلة الأحمر والأصفر والأزرق
والأسود وكانت صناعة الصبغ تقوم على يد مئات من العمال المسلمين واليهود.
وصارت
شهرة طيبة لغدامس في صناعة الحوالي الأصغر قياساً (خمسة أقدام بقدمين) وصناعة
ملابس الأطفال المطرّزة المعروفة بالهردقة وكذلك اشتهرت الملابس القطنية في يفرن
وكانت تحاك مطرزة بالخيوط الحريرية أو القطنية.
وكان
مقياس الحولي الصوفي حوالى (15 قدماً) بخمسة أقدام وكان معدل سعر الواحد منها
عام(1910) حوالى 12 قرشاً ولونه كان أبيض أو مائلاً إلى البياض في الغالب وكان
الإنتاج السنوي في طرابلس في السنوات القليلة قبل عام (1911) حوالى (25.000) من
الحوالي قيمتها الإجمالية (3.000 ليرة) تركية وكان ثلاثون بالمئة من الحوالي يصدر
إلي برقة وتونس ومصر.
وكان يجري غزل الصوف محلياً في
السابق غير أن خيوطه كانت غليظة لا تسمح بحياكة أنواع الحوالي الصوفية الخفيفة
وعند ذلك أخذ الحاكة يستوردون الصوف المحوك من جربة وكان هذا الصوف يرد إلى جربة
من بريطانيا وفيما بعد أصبحت طرابلس تستورد الصوف المحوك مباشرة من بريطانيا وقبل
عام 1911 كانت برادفورد تؤمن لطرابلس الغرب سنوياً ما كلفته 1.000 جنيه استرليني
من الصوف المحوك.
وكان
(الحولي الجبالي) يحاك في الجبل وفي نالوت خاصة من الصوف المغزول محلياً وكان هذا
النوع أكثر الحوالي بياضاً في انتاج طرابلس الغرب وذلك لأن الصوف كان يبيض
باستعمال الجبس المخفف بالماء وكان مقياس الحولي الجبلي حوالى 16 قدماً بخمسة
أقدام وكان سعره يتراوح بين 45 الى ستين قرشاً للقطعة الواحدة .
و(العبى
الجبالية) وهي من النوع الثقيل كانت تصنع من الصوف المغزول محلياً بواسطة الأنوال
العمودية وكانت النساء يقمن بحياكتها خاصة في منطقة مصراتة وكان مقياسها كمقياس
الحولي الصوفي غير أن سعر القطعة منها كان حوالى عشرين قرشاً.
ومن
أنواع الصوف المحوك الأخرى التي تختص بها طرابلس: البطانية وكان مقياسها 25 قدماً
بستة أقدام أو 18 قدماً بأربعة أقدام ونصف القدم أما سعر الواحدة منها فكان 25
قرشاً و16 قرشاً على التوالي وكانت هذه البطانيات تصنع من صوف مغزول محلياً
وبصباغة محلية وكانت تخطط في العادة بخطوط عريضة زاهية الألوان. وكان سوق طرابلس للحوالي
الصوفية هو سوق الرباع الجديد.
ولقد
نالت العباءات اللالوتية بالأخص، شهرة واسعة في بياضها الناصع ومتانتها ونعومة
صوفها، وأصبحت أكثر شهرة من غيرها من العباءات النفوسية وكثر عليها الطلب لدرجة أن
أصبحت تلك العباءة تحمل طابعاً (ختماً) خاصاً يرمز له بوحدة زخرفية معينة، ولقد
حاولنا بكل جهدنا للحصول على صورة فوتوغرافية لهذا الطابع الزخرفي، ولكن للأسف
ذهبت أمانينا سدىً.
وكانت النساء البربريات في
الدواخل يصنعن نوعاً معروفاً من السجاد يسمى (الحمل) وهو مزيج من وبر الماعز
والإبل وكان (الحمل) يستعمل أيضا في إقامة الخيام.
نسيج (الكليم – السجاد)
المصراتي:
ولمصراته
شهرة كبيرة وصيت ذائع في انتاج السجاد الذي لم تقتصر شهرته على ليبيا بل تعدتها
الى بلاد أخرى وكان السجاد هذا من الصوف الصافي ذي الظلال اللونية الطبيعية أو
الألوان الاصطناعية الزاهية وكانت أشهر الألوان المستعملة فيه الأحمر والأصفر
وكانت تتم حياكة السجاد بالأيدي التي تزينه بأشكال هندسية مع رسوم لمساجد أو غزلان
أو رمان أو سائر أنواع الفاكهة والدوائر والخواتم وكانت هذه الأشكال تطرز أحيانا
بخيوط حريرية محلية وكانت أحجام هذه السجاجيد مختلفة وكانت تعلق على الجدران أو
تفرش على الأرض كما كانت لها أسماء مختلفة بحسب الأشكال والألوان ومنها المدرج
والبارة والرمان وصبّاط القاضي والزليس والمرقوم والكليم.
وكان المدرج غير ذي ألوان وكانت
له أشكال المعيّنات وكان يصنع بطريقة تذكرنا بطريقة الصناعة السورية .وكان نوع البارة عبارة عن سجاد
صغير متعدد الألوان عليه أشكال المعينات. وكانت سجاجيد الرمّان تعرف بهذا
الاسم بسبب لونها الرمّاني.
أما صباط القاضي فكان نوع
السجاد الأصفر اللون أو الأحمر القاتم شبيه لونه بلون الأحذية التي ينتعلها القضاة
في داخل ليبيا. و(الزليس) هو نوع من السجاد المحوك من الصوف الذي يحتفظ بلونه
الطبيعي الأمر الذي يبرّر تسميته التي تعني (الفخار) لمشابهته لونه.
أما المرقوم فكان من النوع
الثقيل والطويل وكان يستعمل ستائر أو للتعليق على الحائط وكان البدويون أو أنصاف
البدويين من العرب يستعملونه كأغطية للفراش وكان هذا النوع من السجاد يحاك عادة
مخططاً بألوان حمراء أو سوداء أو ومادية وكانت مقاييسه تتراوح من 19 الى 25 قدما
في الطول وستة أقدام في العرض.
وكان
لسجاد مصراتة صفتان منفرتان هما نوعيته غير الموثوق فيها والأخطاء في قياساته أو
أشكاله والذي كان يسبب هذه الأخطاء إنما كانت الأنواع القديمة التي كان إنتاجها
غير سليم تماما غير أن بعض الحرفين استطاعوا على الرغم من استخدامهم هذه الأنوال
نفسها أن ينتجوا بساطاتٍ عالية الجودة في أشكالها وألوانها ودقّة مقاييسها وكثافة
نسجها ويظن كثير من الخبراء أنه بالإمكان أن تصبح هذه السجاجيد ذات قيمة كبيرة
واستحقاق للعرض في كل مكان إذا ما حسّنت الأنوال المستعملة مع الإبقاء على بساطة
استعمالها وإذا ما حسن انتاج الصوف ووجه انتباه أكبر الى الأشكال المحوكة على
السجاجيد . وكان معدل الانتاج السنوي حوالى (7.000) سجادة قيمتها الإجمالية حوالى
(20.000) ليرة تركية وكان معظم سجاد مصراتة يصدر الى مصر وبرقة. (عن الرائد أ.
كاكيا).
نسيج الحريري في طرابلس:
وكانت
تصنع في الإقليم الطرابلسي، أنواع كثيرة من الحوالي النسائية الحريرية متعددة
الألوان وكان أحسن تلك الأنواع الوردي المطبق والخمسي المطبق وحب الرمان وكان
النوع الأخير منها يدخل فيه خيوط حريرية وكان تقليد (حبّ الرمانّ) يحتوي على معدن
أبيض يحل محل الحرير الأصلي (والمقصود به خيط التل الفضي) وهذا النوع المقلد كان
اللباس التقليدي للعروس البدوية أما العروس العربية أو اليهودية فكانت ترتدي النوع
الذي يدخل فيه الحرير الأصلي مع خيوط من الذهب والفضة.
وكان
سوق طرابلس للأردية هو سوق الرباع القديم حيث كان يجيء الزبائن كما أن أصحاب
الصناعة أيضاً كانوا يجيئونه ليبيعوا إنتاجهم من التجار بواسطة المزاد عادة.
وكانت صناعة الحرير في طرابلس
أشبه بصناعة منزلية يقوم بها بعض اليهود وكانت الأدوات المستعملة في هذه الصناعة
بسيطة وبدائية فهي مصنوعة من الخشب وتدار بواسطة اليد وكان التعامل في سوق طرابلس
الحريري بالحرير الصيني الذي يستورد عبر مرسيليا.
ولم
يكن ينافس الحرير الصيني من ناحية الاعتدال في الثمن سوى الحرير الإيطالي المعروف
باسم (دوبيني) ولكنه لم يكن مرغوباً عند الحاكة المحليين الذين كانوا يحتاجون
خيوطاً سميكة وصافية وقوية ومغزولة بشكل متسق ومطرد وفي السنوات التالية استعمل
الحرير الإيطالي (دوبيني) في صناعة المنتوجات الرخيصة التي كان معظمها لاستهلاك
أهالي البلاد في المناطق الداخلية. وكان صبغ الحرير غير مركز الألوان وغير جيد
الإتقان.
وكانت
الحوالي الحريرية تحاك للنساء المسلمات واليهوديات في طرابلس على يد حرفيين ذوي
مهارة فائقة وكان مقياس هذه القطع الحريرية (12) قدماً بخمسة اقدام وسعرها ثلاثة
قروش عن كل أونسة وكان معدل وزن القطعة منها يتراوح بين (22 و 25) أونسة وقد تحاك
هذه الحوالي بخيوط معدنية من ذهب أو فضة ويكون سعرها عند ذلك أكبر وذلك بحسب كمية
المعدن المستعملة في صنعها وأكثر ما كانت تستعمل هذه الحوالي هو في هدايا الزواج.
وكان
في طرابلس حي اسمه (سوق الحرير) وأكثرهم فيه من المسلمين الذين يتاجرون بالحوالي
عن طريق العمولة التي يدفعها المشتري.(ولم يكن هناك تجار جملة للحوالي في طرابلس
ولكن عملية الشراء كانت تتم بالتوصية وإعطاء العربون / المواصفات المطلوبه.).
وقدر انتاج الحوالي الحريرية في
السنة ب (8.000) قطعة قيمتها حوالي (5.000) ليرة تركية وكان معظم الإنتاج يباع في
طرابلس الغرب ويصدر الباقي إلى برقة ومصر وقد كان حاكة طرابلس يتولون صنع أنواع من
الملابس الأوروبية الحريرية وأنواع من الحزامات العربية الملونة الواناً زاهية كما
كانوا يصنعون مناديل كانت نساء العرب واليهود يغطين رؤوسهن بها.
وفيما يلي قائمة بأهم الأنواع
الحريرية التي كانت تنتج:
1.
حولي الوزرة: وكانت تلبسه نساء العرب واليهود في المدن
وهو مصنوع من الحرير المغزول والمصبوغ في طرابلس وكان لونه أصفر قاتماً مع خيوط
فضية أو ذهبية وأكثر ما استعمل للأفراح.
2.
حولي قالب سعفي: وهذا النوع كسابقه غير أن لونه أرجواني
أو أصفر مع بعض خيوط حريرية وكان يستعمل أيضا في احتفالات الزواج.
3.
حولي صوراني: كسابقيه ولكن لونه كان يضرب إلى الأزرق
السماوي مع مربعات صفراء.
4.
حولي ملايات أحمر: وهو كالذي سبقه ولونه أحمر مع مربعات
بيضاء وحمراء وأطرافه موشحة بالأبيض أو بالأسود المصفر.
5.
الحزام: ويصنع من الحرير الصيني المغزول والمصبوغ في
طرابلس وكانت ألوانه زاهية متعددة وكانت تدخل بعضها خيوط حريرية.
6.
المحرمة: لنساء العرب واليهود وكانت من الحرير المغزول
والمصبوغ في طرابلس.
7.
الكسوة: وهي لباس أوروبي مقياسه 13 قدماً بخمسة أقدام
وكان يصنع من الحرير الصيني المغزول والمحوك والمصبوغ في طرابلس.(عن الرائد أنتوني
ج . كاكيا).
وبهذا
السرد التاريخي الملخص نختم الجزء الأول من مقالة النسيج، وفي الجزء التالي سنتكلم
عن تفاصيل صناعة المسدة النفوسية (زطَّا) ونذكر بعضاً من شواهده، لعل الله يوفقنا،
وإليه المآل.
انتهى الباب الأول بحمد الله
المصدر/ موقع تاوالت- http://www.tawalt.com/?p=10308
Hey! This is my first comment here so I just wanted to give a quick shout out and
ردحذفsay I truly enjoy reading your posts. Can you suggest any other blogs/websites/forums that deal with the same topics?
Appreciate it!
Also visit my web page - sql database design