الدكتور/ عبد
العزيز الفضالي
الجامع تقام فيه جميع الصلوات بما فيها
الجمعة والعيدين, ويعرف بالمسجد الجامع أو الجامع الكبير و يزود بمنبر , ويراعى في
تخطيطه أن يكون ذا مساحة كبيرة, وقديما كان هذا الجامع أول ما يخطط في المدينة
الجديدة, وتكون جدرانه عالية وأبوابه مشرعة, وبعض الجوامع الكبيرة محاطة بزيادات،
ونظرا للتوسع الكبير الذى شاهدته المدينة الاسلامية واقامة الأسوار حولها مما قسم
المدينة بمرور الوقت الى مدينة ملكية وأخرى للعامة, زادت أعداد المساجد الجامعة
وهو ما نراه جليا في بغداد, فعندما أقام "أبو جعفر المنصور" الأسوار
حولها ظهرت تجمعات سكنية خارج الأسوار كانت في حاجة الى مساجد جامعة، وحتى داخل المدينة
نفسها زادت الحارات وزاد عدد السكان فكان الاتجاه الى اضافة الزيادات الى الجوامع
الموجودة مثل جامع أحمد بن طولون والاكثار من الجوامع مثلما نرى في القاهرة
الفاطمية .
ومهما يكن من أمر الاعتبارات التي وضعها
المعماري في إظهار هذا النمط من المساجد ، فإن جهوده قد تكللت بإبراز شكل من أشكال
المساجد تطورت مع الزمن وصارت تميز عمارة المساجد في ليبيا كطراز محلي لاقى نجاحاً
كبيراً خصوصاً عند إحيائه بشكل متطور في مدينة طرابلس القديمة عند دخول العثمانيين
اليها ، ويعود الفضل في انتشار مثل هذا النوع من المساجد في المدينة الى
"درغوت باشا"- ثاني والي تركي على طرابلس- والذي أراد بناء مسجده
بالمدينة على هذا النمط وهو أول مسجد عثماني بالمدينة أن يلاقي مبناه هذا القبول
والاستحسان من قبل الأهالي أولاً ، ويعتقد أن عدم استعماله للطراز العثماني في
بناء المساجد والذي كان مزدهراً جداً في هذه الفترة ( القرن العاشر الهجري /
السادس عشر الميلادي ) في بناء مسجده بطرابلس دليلاً يؤكد نجاح مسجد القبيبات في
إبراز نفسه كطراز ليبي خاص ميز عمارة المساجد في البلاد بشكل عام واذا نظرنا الى
المسجد الليبي قبل العصر العثماني فنجد أن أول ذكر لمسجد في مدينة زليتن قد جاء في
دراسة الدكتور محمد مصطفي وذلك بعد حفرياته في هذه المدينة وأرجعه الى العصر
الفاطمي.
تطور معمار المسجد في ليبيا
في العصر العثماني:
شهدت ليبيا ، في العصر العثماني ، تطور
ونهضة معمارية وفنية في كل المجالات ، واتسمت المنجزات المعمارية الدينية بخصائص
ومميزات زخرفية ومعمارية لم تعهدها ليبيا قبل خضوعها للسيطرة السياسية والاقتصادية
، وكذلك للتأثيرات الفنية والمعمارية التركية .
والحق يقال إن أغلب ما هو قائم في ليبيا
من مباني دينية وعسكرية، وخاصة في مدينة طرابلس وضواحيها ، والمناطق الغربية من
ليبيا، طبعاً إنما يرجع إلى هذه الفترة، ذلك أن مدينة طرابلس القديمة كانت مقراً
للحكومات المتوالية والإدارات المتعاقبة للتركيبة الإدارية العثمانية بكل مكوناتها
، مما جعلها تحظي بتطور معماري وفني طيلة هذه الفترة الطويلة.
ويمكن القول أن المباني الدينية ، التي
تعود إلي الفترات الإسلامية المبكرة ، قد اندثر أغلبها أو أعيد بناؤها وتشييدها في
العهد العثماني علي أيدي الليبيين تحت إشراف الإداريين الأتراك والهيئات الدينية
الوطنية التي آلت علي نفسها أن تعيد بناء ما تهدم من تلك المنشآت الدينية التي
تعود إلي العهود الإسلامية السابقة ، وخاصة فترة احتلال الأسبان وفرسان مالطا
لطرابلس في الفترة ما بين 1510و1551م ، والتي دمرت أثناها أغلب مباني المدينة
وخاصة المباني الدينية ، ولم تسلم المباني كذلك من الدمار نتيجة المعارك التي
اندلعت في مدينة طرابلس بين الأسطول والجيش العثماني بالتعاون مع المجاهدين
الليبيين وبين فرسان القديس يوحنا أثناء الحصار .
وتكرر دمار المدينة عدة مرات أثناء حصار
الأساطيل الإفرنجية وكذلك المدينة ومبانيها بآلاف القذائف المدمرة من دول أوربية
مختلفة ، ولفترات طويلة أو متقطعة نتيجة الصراع البحري الذي كان سائداً في منطقة
حوض البحر الأبيض المتوسط ،بين المسلمين بقيادة الدولة العثمانية ، وبين المسيحيين
بقيادة إسبانيا والبرتغال ، والذي دام عدة قرون كانت فيها ليبيا وطرابلس خصماً
عنيداً وقادراً ومؤثراً وفعالاً في أحداث البحر الأبيض المتوسط سياسياً وحربياً
واقتصادياً.
الخصائص المحلية للجامع
الليبي:
في اغلب المباني الدينية ،الموجودة حالياً
في ليبيا ، تمثل خصائص وسمات العمارة المحلية وهي التي تمثل أيضاً مفهوم مدرسة
العمارة المحلية0 ولهذا النوع من المعماري الشعبي المحلي ،والمنتشر مثله في كل
بقاع العالم ، تسميات ومصطلحات كثيرة منها : المعمار العفوي التلقائي أو الانبعاثي
أو الإقليمي (VERNACULAR) والمعمار غير المحدد المعالم أو المجهول (ANONYMOUS) ،كما يعرف أحياناً بالمعمار الريفي التلقائي (SPONTANEOUS) ، وأحياناً أخري ، يطلق عليه المعمار القروي ، وبعض العلماء
والمختصين يطلقون عليه المعمار الفطري أو البلدي (INDIGENOUS)، وآخرون ،ويطلقون عليه المعمار بدون مهندس معماري (ARCHITECTURE WITHOUT ARCHITECTS) هذا النمط
البنائي الإنشائي البسيط ليس إنتاج المتخصصين في مجال الهندسية المعمارية ،وإنما
هو إنتاج تلقائي ومستمر لنشاط كل الجماهير الذين لهم تراث مشترك ويتحركون خلال
خبرات المشاركة الشعبية.
وقد تم توضيح أن المعمار الشعبي والمحلي
في ليبيا امتاز بالبساطة في التخطيط والتصميم والتنفيذ ،فالمباني الدينية التي
تندرج تحت هذا النمط ، تشيد من الحجر الدبش (غير المصقول ) ،والآجر المصنوع من
الطمي أو الطين ،وأسقفها تتكون من طبقة من جدوع النخيل والجريد والطين المضغوطة
والملاط ، وهناك نوع آخر من المعمار الشعبي ينتشر علي طول المناطق الساحلية ، يشيد
غالباً من الحجر الرملي أو الجيري المستخرج من بعض المحاجر وتقتصر زخرفته علي
العناصر البسيط والقليلة وغير المعقدة ، وهي عبارة عن خطوط تجريدية ، وبعض الكتابة
العربية المنفذة بشكل بسيط والمصاحبة لبعض التوريق ،كما نشاهد كذلك الشراريف
المسننة علي هيئة المثلث ، والعقود المدببة والمصممة علي هيئة المثلث المتساوي
الساقين ، وعناصر زخرفية علي هيئة الخطوط المنكسرة.
هذا ما يمثل خصائص العمارة الدينية
ومميزتها منذ الفترة الأولي من انضواء ليبيا تحت الحكم الإسلامي واعتبارها ولاية
جديدة من ضمن حدود الدولة العربية الإسلامية 0 استمر هذا النمط المعماري في الاستخدام
إلي مجيئ الأتراك واستيلائهم علي ليبيا سنة 1551 ، ومن حينها أصبحت ليبيا إيالة
(ولاية ) عثمانية ، واستمرت خاضعة للسيطرة العثمانية المباشرة لمدة نحو 360 سنة ،
شهدت ليبيا خلالها نهضة معمارية كبيرة ومتطورة في كل النواحي ، واتسمت بخصائص
ومميزات زخرفية ومعمارية لم تعهدها ليبيا قبل هذه الفترة.
الطراز المحلي لزخارف الجامع
الليبي:
امتازت العمائر الليبية منذ الفتح الإسلامي
بانها نادرة الزخرفة وخصوصا العمائر الدينية منها, وقد تكون قلة الزخرفة ناتجة عن
عدة عوامل نذكر منها:
1.
عدم وجود الحرفيين والصناع اللازمين لتنفيذ برنامج زخرفي
على العمائر.
2.
قد تكون قلة الزخرفة ناتجة عن الاستجابة لقيم الزهد
والتقشف وهو ما يتناسب مع حالة أهل ليبيا وخصوصا أنهم شعب من البدو.
3.
كان من سوء حظ ليبيا وجودها بين حواضر غنية سياسيا وحضاريا
مما لم يلفت اليها أنظار الفنانين والصناع حتى يهاجروا اليها فمثلا وجدنا جاليات
شامية في مصر ، ويمنية في تونس, وكذلك كان هناك صناع وفنانين بينهم علاقات في كلا
من مصر والعراق والشام والمغرب وهو مالم يظهر في التاريخ الليبي. ومن جهة اخرى فقد
لعبت المنارات العلمية دورا في جذب طلاب العلم واللذين عملوا في حرف عدة أدت الى
حدوث تبادل فنى بين الأقاليم الاسلامية, فقد لعب هذا الدور في مصر جامع عمرو بن
العاص ثم الأزهر الشريف, وفي الشام الجامع الأموي, وفي تونس الزيتونة .
4.
تأثر الليبيون بالدعوة الموحدية سياسيا ودينيا ومن ثم
جاءت عمائر الليبيون مقلدة لعمائر الموحدين التى قلت فيها الزخارف النباتية وتكاد
تكون انعدمت, واعتمدوا في نفس الوقت على الزخارف الهندسية بشكل كبير ، وعلى الرغم
من أن قلة الزخارف في مساجد ليبيا وعمائرها قد جاءت نتيجة لظروف المجتمع الليبي
الا أن الكثير من علماء العمارة يعتبرون أن الإسراف الزخرفي يأتي في أحيان كثيرة
لاخفاء عيوب معمارية.
واذا نظرنا الى طرق زخرفة الجدران
والمباني المعمارية في ليبيا قبل العصر العثماني نلاحظ تميز الأسلوب الزخرفي
المحلي للمباني المعمارية في ليبيا بالبساطة وخلوها من البهرجة الفنية , على الرغم
من وجود بعض المساجد التي حظيت بعناية خاصة في البناء والزخرفة بصفة عامة , واتضح
من خلال ما تم اكتشافه في المسجدان المكتشفان بمدينة ( سلطان ) شرق مدينة سرت
(واجدابية) جنوب غرب مدينة بنغازي اللذان شيدا في العهد الفاطمي حيث كانا مزخرفين
بالكتابات الكوفية الى جانب الزخارف الحجرية والجصية، وكانت هذه الزخارف مشابهة
للمساجد في كل من تونس ومصر، ولقد وجدت زخارف كتابية موضوعة على أرضية مزهرة
بالحليات البارزة والزخارف في الجبس، أو زخرفة الكف المطبوعة على المساجد في منطقة
نفوسة, بالإضافة الى ذلك الأشكال الهندسية وخاصة (المثلث) بأوضاع مختلفة في
المساجد الواحات ببرقة وفزان خاصة على المآذن وعلى مداخل وزوايا للمباني الدينية
وأسوار مدينة غدامس.
أما بالنسبة لزخرفة المساجد الموجودة في
الجنوب , فكانت تشكل بعدم الاهتمام بالجانب الزخرفي , وحتى ان وجدت فهي عبارة عن
زخارف بسيطة وبأشكال نجمية وبعض الكتابات وزخارف نباتية محورة أو تحتوي على جامات
مزخرفة بوريدات مختلفة الأعداد مثال لذلك (جامع يونس) بغدامس، لكن غالبا ما تكون
المساجد في الجنوب خالية من الزخرفة مطلية حاليا باللون الأبيض والأصفر والأخضر.
ولقد أحدث تغيرا في العمارة الاسلامية
والفن الاسلامي في ليبيا بصفة عامة , في فترة العهد العثماني بتعدد الأشكال
الزخرفية والمواد التي دخلت حديثا في زخرفة المسجد الليبي من ضمنها استخدام
الحليات الزخرفية البارزة والمنحوتة على الرخام والحجر الجيري والخشب المنحوت
والمحزوز المدهون بألوان زاهية مختلفة , والزخارف الجصية ، وعلى رغم من أن جامع
قرجي شيد في 1834 م الا أننا لازلنا نلمح التأثير الزخرفي في القيم وخاصة الزخارف
المنحوتة على الرخام والحجر ، ففي الجدار الشمالي الشرقي والجدار الشمالي الغربي
للمسجد من الخارج , نجد المدخلين في هذين الضلعين وكذلك مدخل الضريح الواقع في صحن
المدرسة , نجد كوشات هذه العقود من نوع حدوة الفرس المدبب ـ مزدانة بزخرفة بالنحت
البارز على شكل وردة ـ ومفتاح العقد بكل هذه العقود يتوجه عنصر الهلال ، الذي
بدوره تعلوه زخرفة بارزة تمثل السحب , بينما المداخل الثلاثة في بيت الصلاة
والمحراب لها نفس التصميم العام والأسلوب الزخرفي.
ومع دخول العثمانيين لطرابلس, بدأت
الزخارف تظهر في عمائر تلك المدينة وان كانت على استحياء ، وذكر الكثير من
المؤرخين والرحالة اللذين مروا بطرابلس في القرنين 17,16 الكثير عن غنى مساجد
طرابلس بالحشوات الرخامية وتحدثوا كذلك عن جمال الأسقف، وقد تعددت الأشكال
الزخرفية التي دخلت في زخرفة المسجد الليبي في الفترة العثمانية ,فقدت تعددت
الأشكال الزخرفية وكذلك المواد المستخدمة في تنفيذ تلك الأشكال, فقد نفذت الزخارف
سواء البارزة أو المنحوتة على الرخام والحجر الجيري وصنعت الزخارف على الاخشاب
وكذلك استخدمت بلاطات القيشاني.
المصدر: مدونة جولات في التاريخ
الليبي