أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

{فأما الزَّبد فيذهب جُفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض}- سورة الرعد، الآية 17

الاثنين، يوليو 11، 2022

الفراغ المعماري بين التصميم والتعتيم

 

    


جمال اللافي 

في حديث جرى ليلة البارحة مع ابنة أخي التي يجمعني بها اختصاص ومهنة العمارة وزوجها مهندس الطيران، الذي تطرق فيه إلى نقطة مهمة، في معرض حديثه عن واحدة من الدورات التي شارك فيها بالخارج عن مجال اختصاصه، فقال: كان من ضمن من شارك في إعطائنا منهج هذه الدورة عالمة نفس، بادرت عند دخولها للفصل الدراسي في أول محاضرة لها، بالاعتراض في نبرة غاضبة على إغلاق النوافذ بالستائر الحصيرية وإشعال الأضواء. وبعد أن شرعت في رفع الستائر ليدخل الغرفة ضوء النهار الطبيعي، قالت: أن الأضواء الصناعية تفقد الطالب القدرة على الاستيعاب وتجلب الكآبة والنوم. 

هنا، تطرقت ابنة أخي لما حدث لفصول قسم العمارة بعد صيانتها، حيث تم التقليل من ارتفاع الأسقف لتمرير انابيب التكييف بالإضافة لتقليل ارتفاع النوافذ واستبدالها بنوافذ البي في سي، مما قلل من حجم الراحة النفسية داخل هذه الفصول بسبب تقليص ارتفاع الأسقف وتقليل كمية الإضاءة الطبيعية داخل الفصول، بسبب تقليص ارتفاع النوافذ وتأثير مادة البي في سي على نفسية الطلاب. وزاد من معاناتهم تعطل أجهزة التكييف عن العمل وكثرة انقطاع التيار الكهربائي. 

ومما يؤسف له أن يحدث هذا الأمر داخل القلعة التي تُخرّج المعماريين من تحت أسقف فصولها، دون أن يقف القائمين عليها موقف الرافض لمثل هذه الأعمال، التي تتعارض مع أبسط قواعد تصميم الفراغ المعماري. إلى جانب ذلك فإن:

         الحلول المقترحة تعدت أيضا على القيمة التاريخية للمبنى بالطمس والإزالة واستبدال المواد المستعملة في التشطيب بمواد أدنى درجة من الجودة وتمثل تهديداً على صحة الطلاب.

         الحلول المقترحة تكشف مقدار الجهل بكل ما يتم تدريسه لطلاب العمارة. وأن المسألة لا تعدو عن كونها حفظ لمعلومة موجودة في الكتب دون فهمها واستيعابها وإدراك أبعادها ومضامينها ومآلاتها وإعادة تلقينها لطلاب العمارة لإعادة تفريغها يوم الامتحانات ثم رميها في سلة النسيان. 

موضوع آخر لفت نظري وهو استعانة المختصين بتنظيم مثل هذه الدورات المرتبطة بهندسة الطيران بعالمة نفس، وأول ما شرعت به هو محاضرة عن الفراغ المعماري، لا عن أجنحة الطائرات. وهنا تكمن أهمية مشاركة علماء النفس في تدريس مادة علم النفس لأقسام الهندسة وغيرها من الاختصاصات العلمية، التي لا تخلوا من حاجة طلابها لربط منهجهم بتأثير علم النفس وأهميته في مجال اختصاصهم. وكم نرى من مساويء وتبعات هذا الفراغ في سلوك الممارسين للمهنة. وهذا الأمر ينطبق على العديد من المجالات والاختصاصات التي يفترض أن تضمها مناهج التعليم في جميع المراحل الدراسية وأهمية أن يتم تدريسها على يد خبراء متخصصين في هذه المجالات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المواضيع الأكثر مشاهدة

بحث هذه المدونة الإلكترونية