التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الفراغ المعماري بين التصميم والتعتيم

 

    


جمال اللافي 

في حديث جرى ليلة البارحة مع ابنة أخي التي يجمعني بها اختصاص ومهنة العمارة وزوجها مهندس الطيران، الذي تطرق فيه إلى نقطة مهمة، في معرض حديثه عن واحدة من الدورات التي شارك فيها بالخارج عن مجال اختصاصه، فقال: كان من ضمن من شارك في إعطائنا منهج هذه الدورة عالمة نفس، بادرت عند دخولها للفصل الدراسي في أول محاضرة لها، بالاعتراض في نبرة غاضبة على إغلاق النوافذ بالستائر الحصيرية وإشعال الأضواء. وبعد أن شرعت في رفع الستائر ليدخل الغرفة ضوء النهار الطبيعي، قالت: أن الأضواء الصناعية تفقد الطالب القدرة على الاستيعاب وتجلب الكآبة والنوم. 

هنا، تطرقت ابنة أخي لما حدث لفصول قسم العمارة بعد صيانتها، حيث تم التقليل من ارتفاع الأسقف لتمرير انابيب التكييف بالإضافة لتقليل ارتفاع النوافذ واستبدالها بنوافذ البي في سي، مما قلل من حجم الراحة النفسية داخل هذه الفصول بسبب تقليص ارتفاع الأسقف وتقليل كمية الإضاءة الطبيعية داخل الفصول، بسبب تقليص ارتفاع النوافذ وتأثير مادة البي في سي على نفسية الطلاب. وزاد من معاناتهم تعطل أجهزة التكييف عن العمل وكثرة انقطاع التيار الكهربائي. 

ومما يؤسف له أن يحدث هذا الأمر داخل القلعة التي تُخرّج المعماريين من تحت أسقف فصولها، دون أن يقف القائمين عليها موقف الرافض لمثل هذه الأعمال، التي تتعارض مع أبسط قواعد تصميم الفراغ المعماري. إلى جانب ذلك فإن:

         الحلول المقترحة تعدت أيضا على القيمة التاريخية للمبنى بالطمس والإزالة واستبدال المواد المستعملة في التشطيب بمواد أدنى درجة من الجودة وتمثل تهديداً على صحة الطلاب.

         الحلول المقترحة تكشف مقدار الجهل بكل ما يتم تدريسه لطلاب العمارة. وأن المسألة لا تعدو عن كونها حفظ لمعلومة موجودة في الكتب دون فهمها واستيعابها وإدراك أبعادها ومضامينها ومآلاتها وإعادة تلقينها لطلاب العمارة لإعادة تفريغها يوم الامتحانات ثم رميها في سلة النسيان. 

موضوع آخر لفت نظري وهو استعانة المختصين بتنظيم مثل هذه الدورات المرتبطة بهندسة الطيران بعالمة نفس، وأول ما شرعت به هو محاضرة عن الفراغ المعماري، لا عن أجنحة الطائرات. وهنا تكمن أهمية مشاركة علماء النفس في تدريس مادة علم النفس لأقسام الهندسة وغيرها من الاختصاصات العلمية، التي لا تخلوا من حاجة طلابها لربط منهجهم بتأثير علم النفس وأهميته في مجال اختصاصهم. وكم نرى من مساويء وتبعات هذا الفراغ في سلوك الممارسين للمهنة. وهذا الأمر ينطبق على العديد من المجالات والاختصاصات التي يفترض أن تضمها مناهج التعليم في جميع المراحل الدراسية وأهمية أن يتم تدريسها على يد خبراء متخصصين في هذه المجالات.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

التهوية الطبيعية في المباني

م/ آمنه العجيلى تنتوش المقدمة تتوقف الراحة الفسيولوجية للإنسان على الثأتير الشامل لعدة عوامل ومنها العوامل المناخية مثل درجة الحرارة والرطوبة وحركة الهواء والإشعاع الشمسي . وللتهوية داخل المبنى أهمية كبيرة وتعتبر إحدى العناصر الرئيسية في المناخ ونق الانطلاق في تصميم المباني وارتباطها المباشر معها فالتهوية والتبريد الطبيعيين مهمان ودورهما كبير في تخفيف وطأة الحر ودرجات الحرارة الشديدة ، بل هما المخرج الرئيسي لأزمة الاستهلاك في الطاقة إلى حد كبير لأن أزمة الاستهلاك في الطاقة مردها التكييف الميكانيكي والاعتماد عليه كبير والذي نريده فراغات تتفاعل مع هذه المتغيرات المناخية أي نريد أن نلمس نسمة هواء الصيف العليلة تنساب في دورنا ومبانينا ونريد الاستفادة من الهواء وتحريكه داخل بيئتنا المشيدة لإزاحة التراكم الحراري وتعويضه بزخات من التيارات الهوائية المتحركة المنعشة . فكل شي طبيعي عادة جميل وتتقبله النفس وترتاح له فضلا عن مزاياه الوظيفية . وعلى المعماري كمبدأ منطقي عام البدء بتوفير الراحة طبيعياً ومعمارياً كلما أمكن ذلك ومن تم استكملها بالوسائل الصناعية لتحقيق أكبر قدر ممكن ...

بيوت الحضر: رؤ ية معاصرة للمسكن الطرابلسي التقليدي

تصميم وعرض/ جمال الهمالي اللافي في هذا العرض نقدم محاولة لا زالت قيد الدراسة، لثلاثة نماذج سكنية تستلهم من البيت الطرابلسي التقليدي قيمه الفكرية والاجتماعية والمعمارية والجمالية، والتي اعتمدت على مراعاة عدة اعتبارات اهتم بها البيت التقليدي وتميزت بها مدينة طرابلس القديمة شأنها في ذلك شأن كل المدن العربية والإسلامية التقليدية وهي: · الاعتبار المناخي. · الاعتبار الاجتماعي ( الخصوصية السمعية والبصرية/ الفصل بين الرجال والنساء). · اعتبارات الهوية الإسلامية والثقافة المحلية. أولا/ الاعتبار المناخي: تم مراعاة هذا الاعتبار من خلال إعادة صياغة لعلاقة الكتلة بمساحة الأرض المخصصة للبناء، بحيث تمتد هذه الكتلة على كامل المساحة بما فيها الشارع، والاعتماد على فكرة اتجاه المبنى إلى الداخل، وانفتاحه على الأفنية الداخلية، دون اعتبار لفكرة الردود التي تفرضها قوانين المباني المعتمدة كشرط من شروط البناء( التي تتنافى شروطها مع عوامل المناخ السائد في منطقتنا ). وتعتبر فكرة الكتل المتلاصقة معالجة مناخية تقليدية، أصبح الساكن أحوج إليها من ذي قبل بعد الاستغناء عن البنا...

المعلم/ علي سعيد قانة

موسوعة الفن التشكيلي في ليبيا 1936- 2006 جمال الهمالي اللافي الفنان التشكيلي" علي سعيد قانة " هو أبرز الفنانين التشكيليين الذين عرفتهم الساحة التشكيلية في ليبيا... انخرط في هذا المجال منذ نحو أربعة عقود. ولد بمدينة طرابلس الموافق 6/6/1936 ف ترعرع في منطقة سيدي سالم (باب البحر) بمدينة طرابلس القديمة.والتحق بأكاديمية الفنون الجميلة بروما- إيطاليا سنة 1957 وتخصص في مجال النحت بمدرسة سان جاكومو للفنون الزخرفية، كما حرص خلال وجوده في روما على دعم قدراته الفنية من خلال دورات تخصصية في مجال الرسم الحر والطباعة والسباكة وبرز في هذه المجالات جميعا.• التحق عند عودته إلى ارض الوطن بمعهد للمعلمين ( ابن منظور ) للتدريس سنة 1964ف• انتقل للتدريس بكلية التربية جامعة الفاتح سنة1973 ف• انضم إلى كلية الهندسة/ جامعة الفاتح بقسم العمارة والتخطيط العمراني سنة 1974- وتولى تدريس أسس التصميم و الرسم الحر لغاية تقاعده سنة 2001 ف• عمل مستشارا للشئون الفنية بمشروع تنظيم وإدارة المدينة القديمة. مساهماته الفنية/ اقتنى متحف مدينة باري للفنون بإيطاليا لوحتين من أعماله الفني...