جمال اللافي
يظهر جمال بعض العناصر والمفردات المعمارية في كثافة وجودها ضمن التشكيل الواحد. وينقص جمالها بتقليل هذه الكثافة. يمكننا ملاحظة ذلك في المشغولات المعدنية التي تكلل الدرابزين.
كذلك خلو الباب
من تلك التفاصيل التي تزينه واقتصارها على لمسة محدودة، يجعل هذا الباب يفتقر
لمسحة الجمال المتكاملة التي تصنعها التفاصيل. ويكون التجريد هنا مخلاً بكمال
الجمال.
مثلاً لو أخذنا
لوحة مربعة واحدة لزخرفة على القيشاني الذي يزين الحوائط أو لوحة واحدة لبلاطة
أرضية مزخرفة مثل التي تظهر في الصورة، فلن نستشعر جمالياتها إلاّ بكثافتها عبر
تكرارها بجانب بعضها البعض.
البعض لا يرى في
ذلك التجريد بأساً، حيث يرون أن جمال المفردات التراثية جميل دائماً وبشتى الأشكال
ولا مانع من اظهاره أحياناً بشكل بسيط وأحياناً أخرى يكون حاملاً للتفاصيل التي
أشرت إليها. فالذي يهمهم هنا مثلاً في هذا الباب هو الروح أو الفكرة حتى لو خلت من
التفاصيل.
ذلك يتحقق من
وجهة نظري، لو كانت معالجة التفاصيل والمفردات المعمارية والفنية والزخرفية
مدعومةً بالخبرة والدراية بأصول التعاطي مع موروثنا المعماري والحرفي. وليس سلوكاً
اعتباطياً لا تُحمد عواقبه.
البعض طرح هذا
السؤال ومعه علامات استفهام كثيرة:
- هل يمكننا تطوير
هذه المفردات والأفكار أو الانتقاء منها أو الغاء بعضها في بعض الاحيان أم لا ويجب
دائماً نقلها بحذافيرها؟
الإجابة عنه
بسيطة ولا تحتمل التعقيد:
أولاً، في هذا الزمن وبعد قطيعة مع الموروث الثقافي تجاوزت القرن من الزمان،
نحتاج كخطوة أولى إلى إعادة التواصل مع هذا الموروث من عدة منطلقات وهي:
1-
الحفاظ على كل ما ثبت صلاحيته لهذا الزمن والتعاطي معه في المشاريع
المعاصرة كما هو.
2-
الاستغناء عن كل ما ثبت أن به قصور يعيق تواصله مع هذا الزمن لعدم
كفاءة الأداء، سواء كان فراغ معماري أو عنصر تأثيث أو عنصر معماري أو مفردة زخرفية
وكل ما في حكمهم.
3-
إصلاح ما يقبل الإصلاح والتعديل إنطلاقاً من فهمنا واستيعابنا العميق
للموروث. وليس فقط الرغبة الجامحة في الهروب منه تحت دعاوي الابتكار والتجديد
والبعد عن التقليد، حتى نوسم بالمبدعين وليس المقلدين.
ثانياً، كانت مسألة زخرفة عناصر تأثيث المبنى توكل فيما مضى لحرفيين غير اسطى
البناء، فمهمته تنتهي عند تصميم وتنفيذ الهيكل وتوصيلات الصرف الصحي و(الكهرباء
بعد اكتشافها)، أما صناعة الأبواب وعناصر التأثيث الخشبية وزخرفتها لتتماشى مع روح
المبنى فتوكل لحرفي النجارة وهو من يبدع فيها، وعلى هذا المنوال يتولى فني الحداد
تصنيع وإبداع زخارف المشغولات المعدنية وكذلك الحجار(ناحت الحجر على شكل بوالات
المداخل والأقواس والحليات التي تزينها وتلك التي تزين نهايات المباني، ثم نصل إلى
صانعي بلاطات القيشاني، فهم من يتولى إبداع زخرفتها وتنوع أشكالها، شأنه في ذلك
شأن باقي الحرفيين، وجميعهم يشكلون فريق واحد يعزف على إيقاع واحد لا نشاز فيه لحن
العمارة والفنون المحلية.
وهذا ما لا
يتأتى في وقتنا الحاضر، فالمعماريون الليبيين أنفسهم يعزفون ألحاناً شتى سمتها
النشاز. ولا وجود حقيقي في وقتنا الحاضر للحرفي المبدع بمختلف جنسياتهم في ورش
النجارة والحدادة وصناعة القيشاتي والبلاط. ولا وجود لناحتي الحجر. فإن لم تتولى
مسؤولية تزويدهم بالتصميم المطلوب ومتابعة تنفيذه بالشروط والمواصفات الصحيحة، فهم
يتولون تنفيذ أعمال مبتذلة وبأدنى المواصفات. وفي كل هذه الورش لا وجود للحرفي
الليبي، بدءاً بأسطى البناء وانتهاءً بصانع أقفال الأبواب ومفاتيحها. فجميعها
مستوردة من الخارج بتنافر أشكالها وأحجامها وغربتها عن بيئتنا المحلية.
لهذا، لو
افترضنا أن هناك جهود مشتركة لإحياء العمارة المحلية، فهي تبدأ من تأسيس قاعدة
توثق لكل ما له صلة بفنون العمارة المحلية. ثم التأسيس لكوادر حرفية ليبية ماهرة
من خلال مدارس الفنون والحرف الفنية وفق مناهج تؤصل للعمارة والفنون الحرفية
المحلية. بعدها، يمكننا إطلاق العنان لهم ليقتبسوها ثم يبدعوا لنا عمراناً وفنوناً
حرفية سمتها المحلية، تربط الصلة بين الموروث والواقع المعاش.
وأخيراً،
المعماري الليبي اليوم وفي ظل هذا الواقع المتردي للصناعات الحرفية المحلية تحت
سطوة البضائع والأفكار المستوردة والمغتربة عن هويتنا المحلية. لا يجد مفراً من
ملاءمة التصميم المعماري لمبانيه بحيث يوفق بين الموروث ومتطلبات المجتمع المعاصر
وفي الوقت ذاته نقل العناصر والزخارف المحلية كما هي، وإن اجتهد فبحذر شديد،
تستوجبه الحاجة الملحة وليس هوس التجديد المُخل.