أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

{فأما الزَّبد فيذهب جُفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض}- سورة الرعد، الآية 17

الاثنين، ديسمبر 26، 2016

جدلية المعمار الإسلامي في ليبيا




جمال اللافي


طرح أحد الزملاء من المعماريين المستجدين هذا الموضوع على صفحته على موقع الفيسبوك متضمنا بعض التساؤلات (التي تحمل معها بذور التشكيك، أكثر مما هي فضول باحث يبحث عن الاستزادة من المعرفة حول تاريخ عمارته وخصائصها المحلية). ولحساسية الموضوع رأيت أن أجيب عن تساؤلاته بعيدا عن صفحته تجنبا لأي إحراج له ولي من بعده ولكل من دعمه بالردود التشكيكية والمقصية لوجودها من حملة رسائل الدكتوراه. رغم وجود العديد من المؤلفات والبحوث والدراسات والمقالات التي تناولت التعريف بخصائص هذه العمارة.

وهذا نص مشاركته:
قبل فترة ليست بالبعيدة كنت قد كتبت في ورقة سؤال وجدته في كتاب (المعمار الإسلامي في ليبيا) وهذا السؤال هو ..
·                    هل في ليبيا فن معماري إسلامي ؟
·                    فإذا وجد فما هي ملامحه ومميزاته ؟
·                    وماهي المدارس التي تفاعل بها أو إنبثق منها ؟
·                    وإذا لم يوجد هذا الفن فما هي أسباب غيبته ؟
·                    ولماذا لا نشاهد من معالمه الباذخة مثلما نشاهد في مختلف البقاع الإسلامية ؟



الرد/
عادة ما تطرح مثل هذه التساؤلات عندما لا تكون هناك شواهد معمارية لمعالم ومدن قائمة، يمكن الرجوع إليها بحثا عن إجابة لمثل هكذا تساؤلات، يجوز طرحها من الغريب عن هذه البيئة لعدم درايته بها وبعده عنها وعدم معايشته لها، فيسأل أهل الاختصاص ليستمد منهم الإجابة.

ولكن من المخجل والمعيب والمؤسف جداً أن تطرح هذه التساؤلات ويدور حولها الجدال في وجود هذه الشواهد المعمارية، التي لاتزال تنبض بالحياة من حولنا، من طرف أبنائها الذين يعيشون في كنفها وتحت سقفها وبين دروبها.

وهي لا تحتاج من الباحث فيها أو عنها لأكثر من عين فاحصة ونظرة ثاقبة وتقييم نزيه لا يترك شاردة ولا واردة إلاّ ويخضعها للتوثيق والتحليل والدراسة والمقارنة مع مثيلاتها من حيث التشابه أو التباين أو الاختلاف. وتبين ملامح المؤثرات إن وجدت واستنكاه مصدرها الحقيقي إن عُرف. فإن لم يُعرف فلا يتم الإقرار به على غير دراية أو علم. والمصيبة تكون كبيرة عندما ينسب السائل أو الباحث مصدر عمارته المحلية إلى تأثيرات خارجية صرفة أو يحصرها في نوع محدد من المباني دون غيرها. فينتقص من قدرها. ويقلل من شأنها. ويجحف بحقها لصالح مؤثرات خارجية دون بينة أو وجه حق.

وبغض النظر على المراحل التاريخية بمسمياتها المختلفة التي مرت بها مسيرة العمارة المحلية عبر العصور في عموم ليبيا. إلاّ أنها تبقى دائما نتاج بيئتها وصناعة أهلها والمعبرة عن روح الزمان والمكان الذي وجدت به والمرآة التي تعكس حراك المجتمع وقيمه ومعتقداته.

أما لماذا لا نشاهد معالما باذخة كالتي نراها في بقاع أخرى من العالم، فهذا يرجع لاختلاف أحوال كل بلد والظروف والمؤثرات والقيم التي شكلت نسيج مدنها ومعالمها. وليبيا تحديدا لم تكن يوما مركزا رئيسيا لأي دولة أو مقرا لحكم سلطان، حتى يشيد لنفسه عمارة تسفر عن ثرائه الفاحش أو سطوته البالغة على هذه الدولة بحيث يسخر أهلها لتنفيذ نزواته وشهواته في بناء القصور الفارهة والصروح العالية والتحصينات القوية. بل عاشت ليبيا في سائر العهود التي مرت بها بعيدا عن اهتمامات الأباطرة والسلاطين والملوك الذين بسطوا نفوذهم عليها وفي ذيل قائمة اهتماماتهم، مما جعل أهلها يصرفون أموالهم على قدر حاجتهم من العمران. وما يحقق لهم التعايش في بيئتها بما يوفر لهم الراحة والاستقرار وتجنب المخاطر واستجلاب المنافع.

إبداع أصيل تجسد في تنوع نسيج مدنها ومخططات مساجدها ومدارسها وبيوتها وكل مرافقها الأخرى. هذا من جهة. ومن جهة أخرى فإن للقيم الدينية والثقافية التي يعتنقها المجتمع دورها في تحديد توجهاته ونظرته للعمارة. فالإسلام في جوهره ينهى عن الإسراف والغلو ويدعو للتوسط في كل شؤون الحياة. وهذا ما آمن به هذا المجتمع وطبقه في عمارته المحلية وفنونه الحرفية. والمقارنة لا تستقيم بين المجتمعات المتباينة في معتقداتها وثقافتها، فما بالك بالمتعارضة معها.

إذا كنا نطرح هذه التساؤلات في ظل وجود هذه الشواهد. فما حال الأجيال القادمة عندما لا يكون لهذه الشواهد أي وجود في ظل ما تعانيه اليوم من إهمال متعمد وتشويه ممنهج وتدمير مخطط له بعناية فائقة وصبر لا يكل ولا يمل حتى يجعلها قاعا صفصفا. في غياب الصيانة والترميم. وفي غياب التوثيق والدراسات العلمية المنهجية. وفي غياب الدولة الحريصة على تراث الأمة وتاريخها.

   

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المواضيع الأكثر مشاهدة

بحث هذه المدونة الإلكترونية