التخطي إلى المحتوى الرئيسي

حديث في الثقافة والتراث



جمال اللافي


في الأسبوع الماضي حادثني عبر النقال الصديق العزيز المهندس عبدالمطلب سالم أبو سالم بخصوص تنظيم احتفالية بمناسبة مرور عشر سنوات على تأسيس الجمعية الليبية لإحياء التراث الثقافي وإشهارها وذلك في الاجتماع الذي عقدته يوم الخميس الموافق 16 / 3 / 2006 م.  و بناءً عليه صدر قرار مدير عام المكتب الوطني للبحث والتطوير رقم "155" لسنة 2006 م. بشأن إشهار الجمعية الليبية لإحياء التراث الثقافي والتي تم تسجيلها بسجل قيد أنظمة الجمعيات العلمية من قبل وحدة الجمعيات العلمية بالمكتب الوطني للبحث والتطوير تحت رقم " 74".".

وكان لي معه بعدها لقاء بمكتبي امتد لخمس ساعات متواصلة حول أسباب جمود نشاط هذه الجمعية طيلة السنوات الماضية، حديث تطرق للمعوقات الأخلاقية قبل المادية. فقد كان للجمعية مقرها الذي تنطلق منه (وهو ما يعتبر واحدة من أهم معوقات قيام أي جمعية). بالإضافة لرؤية واضحة المعالم وبرامج قابلة للتنفيذ. وتم الاتفاق على أن تقام هذه الاحتفالية قبل نهاية هذه السنة وذلك يوم الخميس الموافق 29 ديسمبر.

وبعد أن قمت بإعداد رسالة بخصوص مكان الاحتفالية مرسلة إلى مديرة دار حسن الفقيه حسن للفنون بمدينة طرابلس القديمة لتأكيد حجز الصالة في الموعد المحدد، بالإضافة لإنجاز صيغة الدعوة لهذه الاحتفالية، توقفت مع نفسي كثيرا وأنا أعيد مراجعة أهمية هذه الاحتفالية وتأثيرها على مسيرة هذه الجمعية التي توقفت بمجرد إشهارها وانتخاب مجلس إدارتها برئاسة المهندس الكهربائي عادل ابوقرين (الذي اختفى بمجرد إشهارها عن الأنظار دون أي مبررات منطقية واتجه إلى ممارسة أنشطة أخرى مع جمعيات أخرى لا علاقة لها بمجالات هذه الجمعية، التي حرص كل الحرص على أن يترأسها). كما أن جميع الأعضاء المنتسبون لهذه الجمعية لم يكلفوا أنفسهم السؤال عن حال هذه الجمعية. ولم يقدموا أي مبادرات بخصوص تنفيذ أهدافها وأنشطتها التي تأسست لأجلها. فلم أجد بدا من إعلام المهندس عبدالمطلب بإلغاء حجز الصالة والاحتفالية معها لأن المستهدف من هذه الاحتفالية كان إحياء الجمعية من موات دام عشر سنوات لتقوم هي بدورها بإحياء تراث ثقافي يعاني بدوره من حالة موات منذ مطلع العشرينات من القرن الماضي، بعد أن تعرض الوطن كسائر العالم الإسلامي لموجة استعمار وغزو عسكري مرفوقا بغزو ثقافي، لم يتوقف حتى أتى على كل ما هو مرتبط بميراثنا الثقافي في جميع مجالاته الفكرية والمادية ولم يتركه إلاّ قاعا صفصفا بيد فئة حاكمة ومتحكمة في مقاليد السياسة والفكر والتعليم والإعلام والثقافة ممن يحسبون على مواطني هذا البلد.

وكان لسان حالي يقول: لما هذه الاحتفالية؟ وإلى ماذا تستهدف؟ إذا كان حال القائمين على هذه الجمعية رئاسةً وأعضاءً يحتاجون هم قبل الجمعية لإعادة إحياء تطال الجوانب الأخلاقية في نفوسهم وسلوكياتهم قبل أن يطالبوا بإحياء موات ثقافة دفنت منذ ما يقرب من قرن من الزمان وقامت على أنقاضها ثقافة محتل تأصلت جذورها في كيان أجيال ولدت وتربت عليها وعلى كره واحتقار ورفض كل ما ينتمي لماضيهم من إرث ثقافي.

·        كيف السبيل أن نحيي تراثاً لم نعد نفقه أبجدياته فما بالك بتعقيداته؟
·   كيف نطالب أجيالا تربت على التماهي مع ثقافة محتل وتشربتها حتى صارت تجري منها مجرى الدم في العروق بإحياء ثقافة لم يعودوا ينتمون إليها لا قلبا ولا قالبا؟
·   ومن هو المؤهل لذلك، إذا لم يمتلك هو نفسه مقومات وآليات الإحياء، لأنه لم يزود بها لا من خلال البيئة التي ولد وتربى فيها. ولا المؤسسات التعليمية التي تدرج فيها من المرحلة الإبتدائية إلى أن تخصص في محالات ترتبط بطريقة أو أخرى بمواضيع الثقافة. ولا الثقافة العامة التي استقاها من وسائل الإعلام المختلفة التي تحرص على أن تضخ في عقله كل ما يجعله يتمرد على هذا الموروث ويقف منه موقف الرافض والمعادي؟

وأخيراً:
·        ما الجدوى أصلا من قيام هذه الجمعية، حتى نحتفي بها كل سنة أو حتى كل عشر سنوات؟
·        وعلى ماذا تستند في مشروعيتها ومشروعها، إذا كان القائمين عليها لا يمتلكون أصلا مشروعا ثقافيا للإحياء؟

في اعتقادي أن الخطوة الأولى التي يفترض أنها تسبق إحياء الموات هو إحياء من سيقومون بإحياء هذا الموات. وهذا بلا شك مشروعا إذا ما تم تجنيد كافة الإمكانيات له سيستغرق منا عقوداً وتظافر جهود وهمم عالية لا تعرف الكلل ولا الملل ولا تعترف بالمستحيل ولا العوائق.


فهل من يقظة ضمير؟


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

التهوية الطبيعية في المباني

م/ آمنه العجيلى تنتوش المقدمة تتوقف الراحة الفسيولوجية للإنسان على الثأتير الشامل لعدة عوامل ومنها العوامل المناخية مثل درجة الحرارة والرطوبة وحركة الهواء والإشعاع الشمسي . وللتهوية داخل المبنى أهمية كبيرة وتعتبر إحدى العناصر الرئيسية في المناخ ونق الانطلاق في تصميم المباني وارتباطها المباشر معها فالتهوية والتبريد الطبيعيين مهمان ودورهما كبير في تخفيف وطأة الحر ودرجات الحرارة الشديدة ، بل هما المخرج الرئيسي لأزمة الاستهلاك في الطاقة إلى حد كبير لأن أزمة الاستهلاك في الطاقة مردها التكييف الميكانيكي والاعتماد عليه كبير والذي نريده فراغات تتفاعل مع هذه المتغيرات المناخية أي نريد أن نلمس نسمة هواء الصيف العليلة تنساب في دورنا ومبانينا ونريد الاستفادة من الهواء وتحريكه داخل بيئتنا المشيدة لإزاحة التراكم الحراري وتعويضه بزخات من التيارات الهوائية المتحركة المنعشة . فكل شي طبيعي عادة جميل وتتقبله النفس وترتاح له فضلا عن مزاياه الوظيفية . وعلى المعماري كمبدأ منطقي عام البدء بتوفير الراحة طبيعياً ومعمارياً كلما أمكن ذلك ومن تم استكملها بالوسائل الصناعية لتحقيق أكبر قدر ممكن ...

بيوت الحضر: رؤ ية معاصرة للمسكن الطرابلسي التقليدي

تصميم وعرض/ جمال الهمالي اللافي في هذا العرض نقدم محاولة لا زالت قيد الدراسة، لثلاثة نماذج سكنية تستلهم من البيت الطرابلسي التقليدي قيمه الفكرية والاجتماعية والمعمارية والجمالية، والتي اعتمدت على مراعاة عدة اعتبارات اهتم بها البيت التقليدي وتميزت بها مدينة طرابلس القديمة شأنها في ذلك شأن كل المدن العربية والإسلامية التقليدية وهي: · الاعتبار المناخي. · الاعتبار الاجتماعي ( الخصوصية السمعية والبصرية/ الفصل بين الرجال والنساء). · اعتبارات الهوية الإسلامية والثقافة المحلية. أولا/ الاعتبار المناخي: تم مراعاة هذا الاعتبار من خلال إعادة صياغة لعلاقة الكتلة بمساحة الأرض المخصصة للبناء، بحيث تمتد هذه الكتلة على كامل المساحة بما فيها الشارع، والاعتماد على فكرة اتجاه المبنى إلى الداخل، وانفتاحه على الأفنية الداخلية، دون اعتبار لفكرة الردود التي تفرضها قوانين المباني المعتمدة كشرط من شروط البناء( التي تتنافى شروطها مع عوامل المناخ السائد في منطقتنا ). وتعتبر فكرة الكتل المتلاصقة معالجة مناخية تقليدية، أصبح الساكن أحوج إليها من ذي قبل بعد الاستغناء عن البنا...

المعلم/ علي سعيد قانة

موسوعة الفن التشكيلي في ليبيا 1936- 2006 جمال الهمالي اللافي الفنان التشكيلي" علي سعيد قانة " هو أبرز الفنانين التشكيليين الذين عرفتهم الساحة التشكيلية في ليبيا... انخرط في هذا المجال منذ نحو أربعة عقود. ولد بمدينة طرابلس الموافق 6/6/1936 ف ترعرع في منطقة سيدي سالم (باب البحر) بمدينة طرابلس القديمة.والتحق بأكاديمية الفنون الجميلة بروما- إيطاليا سنة 1957 وتخصص في مجال النحت بمدرسة سان جاكومو للفنون الزخرفية، كما حرص خلال وجوده في روما على دعم قدراته الفنية من خلال دورات تخصصية في مجال الرسم الحر والطباعة والسباكة وبرز في هذه المجالات جميعا.• التحق عند عودته إلى ارض الوطن بمعهد للمعلمين ( ابن منظور ) للتدريس سنة 1964ف• انتقل للتدريس بكلية التربية جامعة الفاتح سنة1973 ف• انضم إلى كلية الهندسة/ جامعة الفاتح بقسم العمارة والتخطيط العمراني سنة 1974- وتولى تدريس أسس التصميم و الرسم الحر لغاية تقاعده سنة 2001 ف• عمل مستشارا للشئون الفنية بمشروع تنظيم وإدارة المدينة القديمة. مساهماته الفنية/ اقتنى متحف مدينة باري للفنون بإيطاليا لوحتين من أعماله الفني...