التخطي إلى المحتوى الرئيسي

بين الملاءمة الوظيفية والمتانة الإتشائية




د. رمضان أبو القاسم

من ضمن الأسس المعمارية المستخدمة في تقييم العمل المعماري مبدأ المتانة الإنشائية، الملائمة الوظيفية، والتعبير الجمالي. Firmitas, Utilitas, Venustas .
في تطبيقات العمارة المحلية خاصة منها المعاصرة يلاحظ تقصيرا واضحا في استيفاء العمل المعماري لهذه الشروط. يظهر هذا التقصير في عدم توافر هذه الشروط مجتمعة أو غياب بعض منها وفي حالات احترامها تبدو مراعاة هذه الشروط برؤى محدودة.
كثيرون يرون شرط المتانة الإنشائية متوقفا على المبالغة- لحد الإسفاف- في استخدام قطاعات الحديد الكبيرة وكميات هائلة من الأمتار المكعبة من الخرسانة وعدد مهول من القواعد وسمك كبير للحوائط والأسقف لدرجة أن المسكن البسيط قد يكون درعا ضد آخر صيحات الدمار. قد يكون المبنى متينا دون استخدام اكبر مقطع من حديد التسليح. ويكون المبنى متينا دون صنع قاعدة خرسانية عند كل زاوية في المبنى كما يكون المبنى متينا بالاستخدام الاقتصادي لمكوناته الإنشائية وخضوع تلك المكونات للمقاييس والاعتبارات الحرفية الهندسية.

الوظيفة، عادة ما تفهم في إطار الاستعمال الطبيعي للمبنى ( مستشفى ، مسكن ، متجر) أو تكون على حساب الاعتبارات الجمالية . هذا التوجه غير صحيح تماما والدليل على ذلك إمكانية استغلال المباني المصممة لوظائف محددة في وظائف أخرى . لعل قصة المسرح الروماني في مدينة أرل في جنوب فرنسا الذي تحول في العصور الوسطى لمجمع سكني خير دليل على أن الرؤية الوظيفية الضيقة للعمارة يمكن تجاوزها الجانب الوظيفي للمبنى يمكن فهمه ليس في الوظيفة المصمم من أجلها المبنى بل في التأثير و الفرص المختلفة التي يوفرها المبنى لمستخدميه بحيث يرون في هذه الفرص إمكانية استغلال المبنى وتطويعه لأداء مهام مختلفة إبراز شرط الملائمة أو علاقة المبنى ووظيفته بالمحيط تزيد من فرص نجاح المبنى على صعيد الوظيفة.

الاعتبارات الجمالية، لا ترتبط بالخضوع لما يوجد في السوق نتيجة ما وفره الحذاق من تجار مواد البناء أو بمحاكاة ما ظهر أخيرا في الشارع وما جاء به الحرفي رجل البناء" الأسطى" الوافد، من قيم ذوقية غريبة.

جمال المعمار متعلق بما يوفره المبنى من متعة من خلال توافق عناصر جمالية تتعدى الجانب البصري إلى العوامل الحسية ليشمل الراحة، الصوت، الملمس.


قد تبدو الجوانب الثلاثة المستعرضة آنفا- الجانب الإنشائي، الوظيفي، الجمالي في العمارة- منفصلة بسبب رؤية المصمم لما يجب أن يكون عليه التصميم أو بسبب التطور العمراني الذي تميز بالزيادة الملحوظة في نشاط حركة البناء. ساعد هذا التطور في سيطرة الجانب الوظيفي أو الإنشائي على الجوانب الأخرى رغم أن الدوافع في البداية قد تكون جمالية. هدف صاحب المشروع أو " المصمم" قد تنطلق من فكرة بناء مبنى جميل لكن ينتهي به الأمر إلى تكوين- بنائي، وظيفي مجرد أو هيكل إنشائي. هذا عكس حقيقة العلاقة المرنة المتصلة بين " الوظيفة"، " المتانة" و" الجمال" بفكرة الملائمة.

المتانة ليست بالضرورة مقتصرة على الجانب الإنشائي، بل تشمل الاختيار الأمثل لمواد البناء وتطويع هذه المواد للعناصر الإنشائية لتكون مصدر إثارة جمالية للمبنى كذلك الحال بالنسبة للجوانب الوظيفية. ملائمة الجانب الوظيفي تتحقق بترتيب مكونات المبنى الموجودة به تلك الفراغات. حجرات الكشف بالمستشفيات أو المباني الخاصة بمواقف السيارات أو فضاءات الأمتعة بالمطارات يمكن أن تكون وظيفية متينة إنشائيا وجميلة بإيجاد المساحة الملائمة لها وبتطويع عناصر مثل الإضاءة، الألوان في إثراء أبعاد تلك الفراغات الوظيفية والإنشائية.
الجانب الجمالي قد يكون مرتبطا بإطلالة المبنى على المحيط، لكن في حقيقته هو متعة مصدرها ملائمة الذوق الداخل في تكوين أجزاء المبنى حسب علاقة توافقية مستندة على نظام النسب وخاصية مادة البناء.

بين الوظيفة والإنشاء والجمال في العمارة علاقة مستمرة ظاهرة في كثير من الإنجازات الحضارية المعمرة حتى يومنا هذا. هذه العلاقة وجدت بالمحافظة على الاتزان بين استعمالات المبنى وجوانبه الإنشائية وقيمه الجمالية. استمرارية العلاقة والاتزان الموجود فيها يجنب حدوث خلل في مهمة العمل المعماري باستيفاء أغراضه.

تعريف بالكاتب على هذا الرابط/
http://mirathlibya.blogspot.com/2008/10/blog-post_17.html

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

التهوية الطبيعية في المباني

م/ آمنه العجيلى تنتوش المقدمة تتوقف الراحة الفسيولوجية للإنسان على الثأتير الشامل لعدة عوامل ومنها العوامل المناخية مثل درجة الحرارة والرطوبة وحركة الهواء والإشعاع الشمسي . وللتهوية داخل المبنى أهمية كبيرة وتعتبر إحدى العناصر الرئيسية في المناخ ونق الانطلاق في تصميم المباني وارتباطها المباشر معها فالتهوية والتبريد الطبيعيين مهمان ودورهما كبير في تخفيف وطأة الحر ودرجات الحرارة الشديدة ، بل هما المخرج الرئيسي لأزمة الاستهلاك في الطاقة إلى حد كبير لأن أزمة الاستهلاك في الطاقة مردها التكييف الميكانيكي والاعتماد عليه كبير والذي نريده فراغات تتفاعل مع هذه المتغيرات المناخية أي نريد أن نلمس نسمة هواء الصيف العليلة تنساب في دورنا ومبانينا ونريد الاستفادة من الهواء وتحريكه داخل بيئتنا المشيدة لإزاحة التراكم الحراري وتعويضه بزخات من التيارات الهوائية المتحركة المنعشة . فكل شي طبيعي عادة جميل وتتقبله النفس وترتاح له فضلا عن مزاياه الوظيفية . وعلى المعماري كمبدأ منطقي عام البدء بتوفير الراحة طبيعياً ومعمارياً كلما أمكن ذلك ومن تم استكملها بالوسائل الصناعية لتحقيق أكبر قدر ممكن ...

بيوت الحضر: رؤ ية معاصرة للمسكن الطرابلسي التقليدي

تصميم وعرض/ جمال الهمالي اللافي في هذا العرض نقدم محاولة لا زالت قيد الدراسة، لثلاثة نماذج سكنية تستلهم من البيت الطرابلسي التقليدي قيمه الفكرية والاجتماعية والمعمارية والجمالية، والتي اعتمدت على مراعاة عدة اعتبارات اهتم بها البيت التقليدي وتميزت بها مدينة طرابلس القديمة شأنها في ذلك شأن كل المدن العربية والإسلامية التقليدية وهي: · الاعتبار المناخي. · الاعتبار الاجتماعي ( الخصوصية السمعية والبصرية/ الفصل بين الرجال والنساء). · اعتبارات الهوية الإسلامية والثقافة المحلية. أولا/ الاعتبار المناخي: تم مراعاة هذا الاعتبار من خلال إعادة صياغة لعلاقة الكتلة بمساحة الأرض المخصصة للبناء، بحيث تمتد هذه الكتلة على كامل المساحة بما فيها الشارع، والاعتماد على فكرة اتجاه المبنى إلى الداخل، وانفتاحه على الأفنية الداخلية، دون اعتبار لفكرة الردود التي تفرضها قوانين المباني المعتمدة كشرط من شروط البناء( التي تتنافى شروطها مع عوامل المناخ السائد في منطقتنا ). وتعتبر فكرة الكتل المتلاصقة معالجة مناخية تقليدية، أصبح الساكن أحوج إليها من ذي قبل بعد الاستغناء عن البنا...

المعلم/ علي سعيد قانة

موسوعة الفن التشكيلي في ليبيا 1936- 2006 جمال الهمالي اللافي الفنان التشكيلي" علي سعيد قانة " هو أبرز الفنانين التشكيليين الذين عرفتهم الساحة التشكيلية في ليبيا... انخرط في هذا المجال منذ نحو أربعة عقود. ولد بمدينة طرابلس الموافق 6/6/1936 ف ترعرع في منطقة سيدي سالم (باب البحر) بمدينة طرابلس القديمة.والتحق بأكاديمية الفنون الجميلة بروما- إيطاليا سنة 1957 وتخصص في مجال النحت بمدرسة سان جاكومو للفنون الزخرفية، كما حرص خلال وجوده في روما على دعم قدراته الفنية من خلال دورات تخصصية في مجال الرسم الحر والطباعة والسباكة وبرز في هذه المجالات جميعا.• التحق عند عودته إلى ارض الوطن بمعهد للمعلمين ( ابن منظور ) للتدريس سنة 1964ف• انتقل للتدريس بكلية التربية جامعة الفاتح سنة1973 ف• انضم إلى كلية الهندسة/ جامعة الفاتح بقسم العمارة والتخطيط العمراني سنة 1974- وتولى تدريس أسس التصميم و الرسم الحر لغاية تقاعده سنة 2001 ف• عمل مستشارا للشئون الفنية بمشروع تنظيم وإدارة المدينة القديمة. مساهماته الفنية/ اقتنى متحف مدينة باري للفنون بإيطاليا لوحتين من أعماله الفني...