أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

{فأما الزَّبد فيذهب جُفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض}- سورة الرعد، الآية 17

الجمعة، أكتوبر 24، 2008

بين الملاءمة الوظيفية والمتانة الإتشائية




د. رمضان أبو القاسم

من ضمن الأسس المعمارية المستخدمة في تقييم العمل المعماري مبدأ المتانة الإنشائية، الملائمة الوظيفية، والتعبير الجمالي. Firmitas, Utilitas, Venustas .
في تطبيقات العمارة المحلية خاصة منها المعاصرة يلاحظ تقصيرا واضحا في استيفاء العمل المعماري لهذه الشروط. يظهر هذا التقصير في عدم توافر هذه الشروط مجتمعة أو غياب بعض منها وفي حالات احترامها تبدو مراعاة هذه الشروط برؤى محدودة.
كثيرون يرون شرط المتانة الإنشائية متوقفا على المبالغة- لحد الإسفاف- في استخدام قطاعات الحديد الكبيرة وكميات هائلة من الأمتار المكعبة من الخرسانة وعدد مهول من القواعد وسمك كبير للحوائط والأسقف لدرجة أن المسكن البسيط قد يكون درعا ضد آخر صيحات الدمار. قد يكون المبنى متينا دون استخدام اكبر مقطع من حديد التسليح. ويكون المبنى متينا دون صنع قاعدة خرسانية عند كل زاوية في المبنى كما يكون المبنى متينا بالاستخدام الاقتصادي لمكوناته الإنشائية وخضوع تلك المكونات للمقاييس والاعتبارات الحرفية الهندسية.

الوظيفة، عادة ما تفهم في إطار الاستعمال الطبيعي للمبنى ( مستشفى ، مسكن ، متجر) أو تكون على حساب الاعتبارات الجمالية . هذا التوجه غير صحيح تماما والدليل على ذلك إمكانية استغلال المباني المصممة لوظائف محددة في وظائف أخرى . لعل قصة المسرح الروماني في مدينة أرل في جنوب فرنسا الذي تحول في العصور الوسطى لمجمع سكني خير دليل على أن الرؤية الوظيفية الضيقة للعمارة يمكن تجاوزها الجانب الوظيفي للمبنى يمكن فهمه ليس في الوظيفة المصمم من أجلها المبنى بل في التأثير و الفرص المختلفة التي يوفرها المبنى لمستخدميه بحيث يرون في هذه الفرص إمكانية استغلال المبنى وتطويعه لأداء مهام مختلفة إبراز شرط الملائمة أو علاقة المبنى ووظيفته بالمحيط تزيد من فرص نجاح المبنى على صعيد الوظيفة.

الاعتبارات الجمالية، لا ترتبط بالخضوع لما يوجد في السوق نتيجة ما وفره الحذاق من تجار مواد البناء أو بمحاكاة ما ظهر أخيرا في الشارع وما جاء به الحرفي رجل البناء" الأسطى" الوافد، من قيم ذوقية غريبة.

جمال المعمار متعلق بما يوفره المبنى من متعة من خلال توافق عناصر جمالية تتعدى الجانب البصري إلى العوامل الحسية ليشمل الراحة، الصوت، الملمس.


قد تبدو الجوانب الثلاثة المستعرضة آنفا- الجانب الإنشائي، الوظيفي، الجمالي في العمارة- منفصلة بسبب رؤية المصمم لما يجب أن يكون عليه التصميم أو بسبب التطور العمراني الذي تميز بالزيادة الملحوظة في نشاط حركة البناء. ساعد هذا التطور في سيطرة الجانب الوظيفي أو الإنشائي على الجوانب الأخرى رغم أن الدوافع في البداية قد تكون جمالية. هدف صاحب المشروع أو " المصمم" قد تنطلق من فكرة بناء مبنى جميل لكن ينتهي به الأمر إلى تكوين- بنائي، وظيفي مجرد أو هيكل إنشائي. هذا عكس حقيقة العلاقة المرنة المتصلة بين " الوظيفة"، " المتانة" و" الجمال" بفكرة الملائمة.

المتانة ليست بالضرورة مقتصرة على الجانب الإنشائي، بل تشمل الاختيار الأمثل لمواد البناء وتطويع هذه المواد للعناصر الإنشائية لتكون مصدر إثارة جمالية للمبنى كذلك الحال بالنسبة للجوانب الوظيفية. ملائمة الجانب الوظيفي تتحقق بترتيب مكونات المبنى الموجودة به تلك الفراغات. حجرات الكشف بالمستشفيات أو المباني الخاصة بمواقف السيارات أو فضاءات الأمتعة بالمطارات يمكن أن تكون وظيفية متينة إنشائيا وجميلة بإيجاد المساحة الملائمة لها وبتطويع عناصر مثل الإضاءة، الألوان في إثراء أبعاد تلك الفراغات الوظيفية والإنشائية.
الجانب الجمالي قد يكون مرتبطا بإطلالة المبنى على المحيط، لكن في حقيقته هو متعة مصدرها ملائمة الذوق الداخل في تكوين أجزاء المبنى حسب علاقة توافقية مستندة على نظام النسب وخاصية مادة البناء.

بين الوظيفة والإنشاء والجمال في العمارة علاقة مستمرة ظاهرة في كثير من الإنجازات الحضارية المعمرة حتى يومنا هذا. هذه العلاقة وجدت بالمحافظة على الاتزان بين استعمالات المبنى وجوانبه الإنشائية وقيمه الجمالية. استمرارية العلاقة والاتزان الموجود فيها يجنب حدوث خلل في مهمة العمل المعماري باستيفاء أغراضه.

تعريف بالكاتب على هذا الرابط/
http://mirathlibya.blogspot.com/2008/10/blog-post_17.html

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المواضيع الأكثر مشاهدة

بحث هذه المدونة الإلكترونية