د. مصطفى محمد
المزوغي
نموذج
للرصيد المعماري المحلي في ليبيا (لطفا من صفحة الأستاذ خالد العماري)
يلوح
في الأفق لقاء سيجمع الوسط المعماري الليبي مع اقتراب نهاية السنة 2012،
وكان ان تزامن ذلك مع قراءتي لمقال يبحث في حال العمارة والمعماريين إبان فترة
الاتحاد السوفييتي* ، عندما كان تصريح أحد المعماريين الشباب الذي تم توظيفه في
أحد مؤسسات الدولة أنداك، ” أنه لم يكن هناك شئ مما تعلمه في مدرسة العمارة مطلوب
تطبيقه في العمل”، وتصريح نائب رئيس اتحاد المعماريين السوفييتي يوري جنيدوفسكي،
الذي شغلته هموم المعماريين الشباب في سنة 1987، حين أعترف بأن الوضع سيء
تحديدا في الجمهورية الروسية، حين يتم إهمال دور العمارة والمعماري المؤثر لدى
المسؤولين أو أرباب العمل على حد سواء، الأمر الذي دفع برئيس اتحاد المعماريين
أناتولي بوليانسكي بتقديم عدد المؤهلين من المعماريين الذين يتولون سلطة القرار
المعماري في مدن وقرى الجمهورية الروسية لم يكن سوى 350 من إجمالي 484
. كما أنه أشار إلى أن القرى في أوكرانيا لا يوجد معماري واحد في سلطة القرار
المعماري.
هذا الحال دفع بموجة عزوف من
الشباب لدراسة العمارة (التي لا مستقبل لها) حتى أنه تم قفل عدد من مدارس العمارة
لعدم وجود طلبة جدد بها.
لاحقا
وقبل موعد انعقاد المؤتمر الوطني للمعماريين في روسيا كان عزم الشباب واضحا على
رفض وصايات بريجينيف، أو حتى القبول بمحفل النخبة الموجودين في اتحاد المعماريين
القائم، إلا أنه لا يمكن اغفال تصريح ايفجنى أس الذي كان صوت رابطة شئون
المعماريين الشباب بالاتحاد والذي تشكل ليس في واقع الأمر بواسطة الشريحة الشبابية
بل بالجيل الأوسط من المعماريين، فكان أن قال: “أنه لا يؤمن بأي حال في أن
العمارة سيكون لها شأن بالتنظيم المهني، بل حتما ستكون هناك عمارة طالما هناك
معماريون مبدعون”.
جالانوفا،
الصحفية بمجلة العمارة كانت قد حضرت المؤتمر في صيف 1987، وكانت قد لمست أيضا
حالة التشاؤم السائدة لدى الوسط المعماري الشبابي حول مقاييس الإدارة. جالانوفا
أجرت لقاءً صحفيا مع ليونيد ساخالينو الذي كان ضمن الفئة القليلة التي تجنبت
الحديث عن “المقاييس”، بل كان يبحث في طرق عملية وجديدة للنهوض بالوسط
المعماري، فكان أن اقترح ان تتشكل ائتلافات من المكاتب المعمارية الصغيرة لتشكل
فرق عمل منظمة لها إدارتها المشتركة لمواجهة تحديات العمل المعماري. جالانوفا في
اليوم التالي وضعت بخط عريض على صدر صفحتها الأولى في الصحيفة “الذي نحن بحاجة
اليه هو إعادة الهيكلة”. لقد عبرت العمارة في روسيا، في ظل الاتحاد السوفييتي،
رحلة مضنية ، إلا أنها لم تحول دون أن يحفظ التاريخ المحاولات الفردية الجادة في
تقديم عمل معماري خلاق.
يحضرني
أيضا رفض فرانك لويد رايت الانضمام إلى المؤسسة الأمريكية للمعماريين مبررا ذلك
بأن اهتمامه منصب على العمارة وليس على المهنة، وكذلك قوله حين أصاب نصيبه من
الشهرة وذياع الصيت محدثا رئيس المؤسسة الأمريكية للمعماريين “لقد أثبتت
المؤسسة خطأي في عدم الانضمام اليها والعمل من خلالها على مبادئ كنت أعمل بشكل
مستمر عليها خارج المؤسسة”.
همس إلى الزميل
المعماري البريطاني المخضرم بملاحظته حول ما يجري في كواليس المؤسسة الملكية
البريطانية للمعماريين من صراعات حول قيادتها، معلقا على
تطلع المعماريين الشباب في بلدي للنموذج البريطاني لمؤسسة تنظيم المعماريين.
كتبت
يوماً على صفحات التواصل الاجتماعي الإلكترونية سؤال (لم يجانبه اللؤم): ما
الذي سيحسم لي القرار في الانضمام إلى هيئة للمعماريين أو هيئة للعمارة؟ ولم
يتمكن سؤالي من استفزاز الاجابات المطلوبة بالقدر الذي كان يفعله نقاش له صدى عقائدي
أو المشاركة في التعليق على عمل إنشائي يشوبه خلل فادح.
لماذا كان كل هذا التقديم؟
وحده
القلق الذي يأبى الرحيل .. فغد اللقاء للمعماريين
لم يعلن عن رسالته لكل المعماريين في ليبيا حتى اليوم!. فكان أن جال الخاطر بمحطات
محاولات تنظيم العمل المعماري الليبي التي أرست قواعدها محاولات منفردة في طرابلس
وبنغازي خلال الستينيات، ومن ثم كانت المحاولات الطموحة لجيل السبعينيات لتأسيس
مكاتب أذكر منها تلك الأرضية التي ضمت الأستاذ عبدالمطلب فحيمة، والدكتور محمود
دازه والأستاذ فيصل البناني، والمعماري محمد الرتيمي والمعماري الطاهر الزلوزي، والاستاذ سعيد
ابوكامور (رحمه الله)، والأستاذ محسن بن حليم، وغيرهم من الأفراد والجماعات
والمكاتب التي لو كتب لها الاستمرار لشكلت محطات معمارية ظاهرة ولأضحت المدارس
المهنية الفاعلة لتدريب حديثي التخرج. إلا أنه ما مرت به البلاد من سوء إدارة خلال
أربع عقود من دمار للعمارة والمعماري، حال دون تحقيق ذلك.
كانت
الثمانينات ومنتصف التسعينيات فترة ركود بائسة للعمل المعماري، بل حتى أن ناتجها
كان يصبغه الانجراف التجاري وتحديدا في مشاريع الدولة، إلا أن محاولات جيل من
المعماريين يأتي في مقدمتهم الأساتذة محمد القبلاوي وأحمد امبيص وعبدالناصر زرزور،
ود. عبدالجواد بن سويسي، والأستاذ حسن بن طاهر، وغيرهم كانت جاهدة في إطار مستوى
الوحدة السكنية، ولم يلبث البعض منهم سوى الركون إلى مواقع عملهم تفاديا للصراع
الغير متوازن مع نظام جائر وضغوط نفسية وسياسية فاقت قدراتهم على تحملها.
اليوم تشهد الساحة محاولات مستمرة وأخرى وليدة تحتل
أسماء منها مثل الأستاذ جمال اللافي، والأستاذ أسامة عبد الهادي، والأستاذ على بن
عامر، والأستاذ خالد العماري، وغيرهم كما يجب التنويه بالروح الشبابية للمعماريين
بشار التليسي ومحمد الشريف وحاتم
الشكشوكي، ونسرين الهمشري، وأسيل البوراوي والأختين هاجر وهناء سلامة وغيرهم.
الجميع يعمل جاهداً في التفرغ والاستقلالية
في ظل الضغط التقني وتعدد التيارات الفكرية والاساليب المعمارية، والمرء
يسعد حقا لوجود الجميع في الساحة لممارسة العمل المعماري من جهة ولصياغة عناوين
لمساراته من جهة أخرى.
لم
يشهد تاريخ لم شمل الوسط المعماري الليبي في تصوري سوى ثلاثة محطات بارزة، اولها
كانت ولادة جمعية العمارة في قسم العمارة والتخطيط العمراني سنة 1972،
والتي تم قفلها قسرا في ظروف السابع من ابريل السياسية الاجرامية في حق الفكر
الطلابي الحر سنة 1976، تلتها محاولة رسمية اشترك في صياغتها الوسط
المعماري في طرابلس الذي شكل ضغط على نقابة المهن الهندسية سنة 1992 لتكوين
جسم مستقل لرعاية نشاط العمارة والمعماريين، فكان أن تمت الدعوة للقاء عام أعلن
فيه عن ولادة شعبة العمارة والتخطيط العمراني بالنقابة، وكان للأستاذ محمد الرتيمي
والأستاذ محمد حمزة والأستاذ محمد القبلاوي دورا في بناء الشعبة، إلاّ أنها لم
تدوم طويلا ولم يكن لها نشاطا يذكر، حتى أن نشرتها الأولى لم يتم إصدارها بدعوى
مخالفتها للمطروح من سياسات !
كان أيضا محاولة أهلية جادة
لتأسيس جمعية للمعماريين تولى الدكتور عبدالجواد بن سويسي ومجموعة من الشباب في
أوائل التسعينيات منهم الأستاذ عادل الرمالي، والأستاذ خالد برباش ، والأستاذ صالح
المزوغي وغيرهم في بناء هيكل هذه الجمعية إلا أنه لم يبرز نشاطها أو يدوم.
اليوم
نرقب في حذر للمحاولة الرابعة بعد محاولة مبتورة في بنغازي لهيئة لم نجد لها صدى
فاعل في طرابلس بل أن المحاولات الدؤوبة بين القائمين على تأسيس هيئة العمارة في
طرابلس وهيئة المعماريين في بنغازي للم الشمل ودمج الهيئتين لم نتبين لها نتائج
ملموسة .
اللقاء
المرتقب يجب أن يؤسس على فهم واع وقراءة واضحة لما ينشده الوسط المعماري وحالة
العمارة في ليبيا... التجربة الدولية غنية للبعد التاريخي لديها، أما نحن في ليبيا
فالعمارة حديثة العهد بالمقارنة، ونحن نملك فرص كبيرة تأتي في مقدمتها تواصل
الأجيال... اليوم حريّاً بنا أن نفسح المجال للحوار حول ما ننشده من وراء إعادة
البناء ولنعلنه بحرفية. إن ذلك وحده يزرع الثقة في النفس من جديد.
* Catherine Cooke, ‘A Picnic by the Roadside or Work in
Hand for the Future?’, in Nostalgia of culture: Contemporary Soviet Visionary
Architecture, London, Architectural Association (ed.), 1988, p. 11–25