السر في أي عمارة محلية يكمن في التفاصيل الدقيقة
للمفردات المعمارية والزخرفية، وفي المعالجات المعمارية لتوزيع الفراغات، وليس في المفردات
والعناصر المعمارية بذاتها (فالباب والنافذة والقوس والقبة والقبو، ليست بكافية للتمايز
بين عمارة وأخرى).
ولو أخذنا العمارة المتوسطية كمثال صريح، فإنا سنلاحظ
ذلك التشابه الكبير في التعاطي مع العناصر والمفردات المعمارية بوجه عام. ولكن ما يجعلها
تتمايز بين منطقة وأخرى هي تلك التفاصيل التي يبدعها الحرفي ليحقق ذلك التمايز بين
عمارة منطقة وأخرى.
التفاصيل، ليست ترفا فنيا يعكس ثراء منطقة عن أخرى
من عدمه، وليست تكلفا يمكن تجاوزه لتوفير الوقت والمال والجهد، بقدر ما هي بطاقة الهوية
التي تعرّف بثقافة كل منطقة وما تحمله وراءها من قيم ومعتقدات ورؤى تعكس مفهومها للحياة
وبالتالي للفن الذي يعبر عنها بالكثافة أو التجريد، بالتعقيد أو التبسيط. بالغموض أو
الوضوح. بالكثرة أو القلة، بالضخامة أو الإنسانية. وهي جواز السفر الذي يسمح لكل ثقافة
بالعبور إلى منطقة الاحترام والتقدير لدى الشعوب والثقافات الأخرى.
وقد أبدع الحرفي الليبي في التعبير عن ذواتنا أمام
الآخر (جار لنا كان. أم مقابل لنا في الضفة الأخرى) في صنعته بابتكار تفاصيل معمارية
وفنية وزخرفية أصيلة، وفي توظيفه لهذه التفاصيل ودمجها مع المفردات المعمارية في مباني
عمارتنا المحلية.
وفي عمارتنا الليبية المعاصرة (1911- 2015) نرى
أن هذه التفاصيل، تنحسر تماما من منجزات المعماري الليبي، متغافلا أو متعمدا النأي
بأعماله بعيدا عنها. وهذا راجع بالدرجة الأولى لقصور في التعليم المعماري الليبي، الذي
استند كثيرا في توجهه على تبني رؤية عمارة الحداثة التي جعلت بينها وبين الموروث بكل
تفاصيله قطيعة تامة، وترى في هذه التفاصيل تغطية لعيوب المسطحات المعمارية (رغم أن
عمارتنا المحلية تعتمد على صراحة التعبير عن الكتلة والبعد عن الإطناب في تغطيتها وزخرفتها.
وبهذا تكون سابقة لعمارة الحداثة في هذا التوجه المعماري). وقد يكون لهذا العزوف مبرر
عند مصدره. ولكن لا مبرر له في بلادنا‘ غير أن نصفه بتبعية عمياء لا بصر ولا بصيرة
لها.
هذا العزوف عن التفاصيل، التي بات يرفضها المعماري
الليبي المعاصر، بحجة التجديد والبعد عن التقليد. يقابلها غياب تام عن طرح أي بديل
يعطي للعمارة الليبية خصوصيتها المتفردة عن باقي عمائر الدنيا (في ماضيها وحاضرها)،
بقدر ما ذهب بعيدا في استنساخه لعمارة ومفردات ومواد وتقنيات إنشائية مغتربة عن ثقافته
وبيئته. بل انه يتمادى في استحضار عمارة بموادها وتقنياتها، تجاوزها صناعها ومبتكريها
بأكثر من قرن (عمارة الاسمنت والحديد والكمرات الطائرة بلا هدف أو غاية. شأنها شأنه).
السلام عليك أستاذ جمال وشكرا لك على هذا الطرح ...
ردحذفأريد أن استفتسر منك عن كتب تتناول العمارة المحلية وأين يمكنني أن اجدها ؟
بارك الله فيك
وفيك بارك الله م. آمنة
ردحذفكتاب المعمار الإسلامي في ليبيا لغاسبري ميسانا وكتاب طرابلس ومعمارها الإسلامي لعلي الميلودي من مكتبة الرائد بالبرج رقم 3 بذات العماد. وكتاب المساجد في ليبيا للدكتور علي البلوشي. ثم هذه المدونة.