المعماري/ صالح المزوغى
بالنظر الى مخطط مدينة طرابلس الحضرى و توزيع الطرق فيه
لايبدو أن هناك اى مشكلة تسبب الازدحام المقيت الذى نعيشه فيها يوميا ...بل انه لايوجد
اى مشكلة من الناحية النظرية على الاطلاق سواء فى توزيع المناطق او تصنيفها أو شبكة
الطرق و المواصلات و خطوط المترو ومواقف السيارات وحجم الشوارع وانواعها وتوزيعها داخل
المخطط الحضرى لمدينة طرابلس...وهذا يشهد به الكثير من أهل الاختصاص العارفين والمطلعين
على مخطط المدينة الحضرى وشهد به الخبير الاسترالى الذى زار مدينة طرابلس مؤخرا وعقد
ندوة بخصوص مخطط مدينة طرابلس الحضرى و حضره عدد كبير من المهتمين......هذه المقدمة
قد لاتروق للعديد من القارئين لأول وهلة....الا أنها الحقيقة وعلينا أن نعترف بها....لماذا
لأننا أتحدث عن المخطط و لان تحدث عن الواقع الذى نعيشه يوميا داخل هذا المخطط....طرابلس
مزدحمة جدا جدا وهذا ملموس لكل من يتحرك داخل المدينة....فلماذا هذا التضارب بكون المدينة
مخططة بشكل جيد
و متقن وبين الازدحام المرير الذى نعيشه فيها!!؟
النظر الى المخطط لايمكن أن تكون طرابلس مزدحمة من الناحية
النظرية الا أنها مزدحمة من الناحية التطبيقية!! هذه ليست فلسفة ..بل أنها الحقيقة...وهذا
هو مكمن العلة بين أى نظرية و تطبيقاتها العملية فهناك العديد من النظريات الصحيحة
فشلت لأن تطبقاتها خاطئة على أرض الواقع!!
فالمخطط القائم نظريا جيد بل أنه ممتاز الا أن القصور
فى فهمه و التأخر فى تطبيقه و تنفيذه هو الذى أوجد هذا الازدحام أينما توجهت داخل المخطط
الحضرى للمدينة وهذا راجع هذا لعدة أسباب نذكر منها على سبيل المثال
1- عدم رصف الطرق الفرعية.
2- وجود أغلب المصالح الحكومية داخل مركز المدينة.
3- عدم تحديد خطوط خاصة لمرور سيارات الاجرة
حاليا
4- عدم وجود حافلات النقل العام .
5- الكم الهائل من السيارات الخاصة.
ولنأخذ هذه النقاط واحدة تلو الاخرى لكى تتضح لنا الصورة
بشكل أفضل:
1-
عدم رصف الطرق الفرعية:
اذا اتفقنا أن مخطط المدينة جيد وليس به مشاكل
تسبب الازدحام فلا شك أن عدم رصف الطرق الفرعية بهذا المخطط وكثرة الاعمال الجارية
فى ماهو مرصوف منها هو المسبب الأكبر لهذا الازدحام بل أنه المشكلة الأولى فيه لأن
هذه الطرق الفرعية تعمل على امتصاص حركة السيارات التى تتحرك عادة فى الطرق الرئيسية
المرتبطة بهذه الطرق الفرعية ...كما أن هذه الطرق الفرعية هى صمام الامان فى حال حدوث
الحرائق او كوارث داخل المدينة لحركة السيارات و الاليات غير المتوقعة فى كثير من الحالات
الاستثنائية.
2-
وجود أغلب المصالح الحكومية داخل مركز المدينة:
لاشك أن وجود المصالح الحكومية داخل مركز
المدينة يشكل عبئا و ثقلا اضافيا يزيد من حركة السيارات وازدحامها و توقفها فى الشوارع
المخصصة لحركة السيارات وليس لتوقفها فيها لأن الذين يقصدون هذه المصالح عادة مايتحركون
بسيارت خاصة من مصلحة حكومية ما الى مصلحة حكومية أخرى ولايستخدمون سيارات الاجرة كما
أن عدم توفر مواقف سيارات خاصة لهذه المصالح الحكومية مسبب رئيسى فى هذا الازدحام وعليه
فان المصالح الحكومية للدولة والمؤسسات الادارية العامة للدولة يفترض أن تكون فى منطقة
مركزية خاصة بها بحيث تقلل من تحرك قاصديها و المتنقلين بينها بالسير على الاقدام بدل
السيارات و لايشترط أن تكون داخل مخطط المدينة الحضرى.
3-
عدم تحديد خطوط خاصة لمرور سيارات الاجرة حاليا:
فى حالات الازدحام الاستثنائية فى كثير من
مدن العالم تحدد خطوط معينة لسيارات الاجرة داخل مركز المدينة بحيث يحدد شارع واحد
على الاقل يصب الحركة الى داخل مركز المدينة وشارع آخر يفرغ الحركة منها...وفى حال
وجود هذه المقترحات من الوحدات المختصة بشرطة مرور السيارات فان هذا سيقلل من وجود
السيارات الخاصة بشكل كبير كما انه يسهل حركة دخول وخروج سيارات الاجرة كما أن سلاسة
الحركة الناتجة عنه سيقلل من التعريفة التى يطلبونها من الركاب.
4-
عدم وجود حافلات النقل العام :
لا شك أن اختفاء حافلات النقل العام هو من
اغرب مانلاحظه فى مدينة طرابلس منذ بداية الثمانينات من القرنالماضى وهذا الاختفاء
لازال مستمرا ولايعرف بالتحديد سبب الغاء شركة النقل العام داخل المدينة كما لا يعرف
بالتحديد من هو صاحب الاختصاص بارجاعها من جديد. شركة النقل العام داخل المدينة من
الأمور الحضارية المفترض وجودها بشكل ميسر و مسهل خاصة للطلبة و أصحاب الدخول المتواضعة
كما أن وجود حافلات النقل العام يخفف العبء على سيارات الاجرة الخفيفة و الخاصة على
حد سواء و يقلل من مستخدمى السيارات الخاصة داخل شوارع المدينة فى الخطوط التى تمر
بها حافلات النقل العام.
5-
الكم الهائل من السيارات الخاصة:
ان الكم الهائل من السيارات الخاصة هو المسبب
الظاهر فى حركة الازدحام فى داخل مدينة طرابلس منذ عقدين من الزمن وهذا المسبب الظاهر
يمكن أن يختفى بسولة فى حال التعامل مع الاسباب السالفة الذكر بشكل عملى فمن المعروف
ان استخدام السيارة الخاصة فى التنقل اليومى يقلل من عمرها الافتراضى كما انه يعرضها
للاصطدام والحوادث والسرقة يوميا وتسبب لسائقها القلق والاضطراب الا أن عدم وجود النقل
العام وعدم فاعلية سيارات الاجرة وغلاء تعريفة سيارات الاجرة الخاصة بالنسبة للاستخدام
اليومى كان السبب الأكبر فى رغبة الكثيرين لاقتناء سيارة خاصة يتحرك بها و المدقق فى
عدد الافراد فى السيارة الواحدة اثناء الازدحام الشديد يلاحظ أنه شخص واحد فقط أى أن
كل سيارة خاصة تحمل شخصا واحدا فقط أثناء الازدحام الشديد فى المدينة....كما أن المتفحص
لأرقام السيارات الخاصة فى مدينة طرابلس قد وصل الى 700.000 سيارة خاصة و 120.000 سيارة
نقل و40.000 سيارة أجرة ناهيك عن السيارات التى تحمل أرقام شعبيات أخرى تدخل المدينة
يوميا من مصراتة وزليطن و الخمس و ترهونة و غريان و الجفارة و الزاوية و صرمان و صبراته
والعجيلات و التى يدخل منها عدد هائلا من السيارات و الشاحنات لايقل عن 100.000سيارة
الى داخل المدينة وحتى ان افترضنا أن 70% من كل هذه الاعداد هو قيد الاستخدام حاليا
فان هناك أكثر 700.000 سيارة وآالية تتحرك داخل مدينة طرابلس التى يقدر عدد سكانها
حاليا بثلاثة ملايين نسمة يضاف اليهم أعداد العمالة الوافدة بشكل غير قانونى وغير مسجل
مع اعداد المواطنين القادمين من الدواخل يوميا الى طرابلس برا و جوا المر الذى يجعل
أكثر من نصف سكان ليبيا فى داخل مدينة واحدة و هكذا تصنف العاصمة الاكثر ازدحاما فى
العالم نسبة الى عدد سكان البلاد.
لاشك ان هناك أسباب اخرى لم يرد ذكرها فى
هذه المقالة المتواضعة هى أيضا تمثل سببا من اسباب الازدحام فى مدينة طرابلس كعدم تنفيذ
مخططات الترام و المترو المفترض تشغيلها فى بداية التسعينيات من القرن الماضى والتى
لم يشرع فيها الى الآن.... كما أن تأخر تنفيذ مخطط الطريق الدائرى الثالث الجاهز منذ
سنة 1976 الى الان أى منذ 35 سنة كان سببا رئيسيا هو الآخر فى تقطع أوصال هذه المدينة
الشريطية و تشتت خارطة تحرك مستخدمى السيارات داخل المدينة خاصة بعد ان اقتلعت حاليا
أغلب طرقها المتبقية فقط ليتم رصفها من جديد و بشكل أكثر سوأ من ذى قبل وبشكل بطىء
جدا بحيث صار سببا هو الآخر فى زيادة الازدحام الذى صار صفة لازمة لمدينة طرابلس ذات
المخطط الرائع نظريا و الذى سيظل ينتظر من يطبقه بشكل ليس بسرعة بالغة ولكن بشكل صحيح.