أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

{فأما الزَّبد فيذهب جُفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض}- سورة الرعد، الآية 17

الخميس، سبتمبر 10، 2020

وهم المعاصرة وثقافة الهدم

 

حوش قنابة- مدينة طرابلس القديمة


جمال اللافي

 

انطلاقا من قناعة، أن التأصيل للعمارة المحلية:

·   لا يعني التقوقع في الماضي، بقدر ما هي سيرورة في التاريخ، لا تتراجع إلى الخلف ولا تتوقف عند نقطة ولا تنحرف عن المسار. فهي مرتبطة بجذورها في الماضي وتتفاعل مع معطيات الحاضر، سواء تعلق الأمر بانفتاح الفكر المعماري على كل الاتجاهات المعمارية المعاصرة في العالم، أو بمواد البناء وتقنيات الإنشاء المستجدة، أو بما يستجد على الناس من حاجات ومتطلبات.

 

·   لا يرفض التطور( لا في الأشكال والتفاصيل، ولا في مواد البناء وتقنيات الإنشاء، ولا في التوزيع الفراغي للمباني)، فالتطور أمر حتمي ولا مفر منه، فهو ينبع من الفطرة البشرية، ولكنها تخطو خطواتها الثابتة وفق أصول وقواعد تضبطها وتحدد مسارها في الاتجاه الصحيح، الذي يبني على ما قبله ولا يهدم.

 

يمكن هنا الخوض في الحديث عن مفهوم المعاصرة من حيث اعتباره ظرف زمان من جهة ومن جهة أخرى حالة فكرية.

فالمعاصرة تعني الفعل في الزمن الحاضر. وكل فعل حاضر بالضرورة يبتعد بمرور الساعات والأيام والأعوام من ظرف الزمان الحاضر ليدخل في ظرف الزمان الماضي، في دورة لا تنتهي إلى قيام الساعة.

لهذا فالمعاصرة كفعل إبداعي في حقيقتها حالة حاضرة كزمن ورؤية فكرية أصيلة عندما تتولد من معطيات بيئية واحتياجات فعلية مستجدة للمجتمع المستهدف بها طرحاً ومنتوجاً مادي.

واختصاراً للموضوع سنسقط مفهوم المعاصرة على المسكن الليبي المعاصر. وهنا أمر يغيب عن عامة الناس يتعلق بتصميم المسكن. فلا يفرقون بين المسكن الذي تتوفر فيه شروط المحلية إلى جانب المعاصرة. والبيت الاستعراضي أو المستورد بحذافيره الذي لم يراع فيه المصمم أي اعتبارات تتعلق بالنواحي التالية:

1.     الخصوصية السمعية والبصرية:

·   بين أهل البيت والجيران، من حيث المواد المستخدمة في البناء التي لا تحقق العزل الصوتي. أو في تصميم مساحات وظيفية مفتوحة على إطلالة أنظار الجيران، فلا يمكن استعمالها كمساحات للجلوس خارج جدران البيت في الشهور المعتدلة أو في الصيف الحار.

·        وبين الضيوف وأصحاب البيت.

·        وبين حجرات النوم (التي تتطلب الهدوء) والمعيشة التي يكثر فيها صخب العائلة وضجيج التلفاز.

هنا نتحدث عن غياب الراحة والاستقرار والسكينة. وقصور في كفاءة التوظيف والاستعمال.

2.     الظروف البيئية المناخية:

فنجد المصمم يكثر من النوافذ الكبيرة وأبواب الشرفات الزجاجية التي تحتل كامل الحوائط دون ساتر لها من أشعة الشمس. ودون اعتبار لخاصية الزجاج الذي يسمح بدخول أشعة الشمس الساطعة التي تزعج النظر، وفي المقابل لا يسمح للحرارة المتولدة عنها بالخروج، مما يستدعي استخدام المكيفات بطاقة عالية لتبريد البيت واستعمال السواتر والكاسرات لحجب أشعة الشمس.

هنا نتحدث عن انعدام الراحة الحرارية وزيادة كلفة تنفيذ البيت ومصاريف توليد طاقة التكييف اليومية (عدم مراعات الكلفة وزيادة الأعباء الاقتصادية) بالإضافة لما يتسبب فيه التكييف الصناعي من مخاطر صحية.

3.     مواد البناء المتوفرة بالسوق المحلي وتقنبات إنشاء مكلفة:

فيضع المصمم مواد تشطيب لا وجود لها في السوق المحلي وتستعصي على صاحب المشروع استيرادها على حسابه، لوجود عوائق مادية أو خلافها. إلى جانب استخدام تقنيات إنشاء مكلفة لا تتوفر العمالة الفنية القادرة على تنفيذها بغير نظام الهيكل الخرساني الذي يستهلك كميات كبيرة من الاسمنت والحديد.

4.     كفاءة المبنى من حيث الاستعمال والوظيفة:

فيصممون فراغات ضائعة مهمتها الوحيدة إبراز جماليات الكتلة أو إحدى الواجهات. أو تصميم فراغات أساسية كحجرات النوم مثلا بمساحات إما صغيرة بحيث لا يمكن تأثيثها بكامل عناصر التأثيث المطلوبة، أو تكون بمساحات كبيرة يصعب ملؤها بعناصر التأثيث، أو تكون في جميع حوائطها فتحات لنوافذ طولية أو أبواب كبيرة فلا يمكن وضع عناصر التأثيث في أماكنها.

5.     اعتبارا ا للهوية المحلية والثقافة الإسلامية للتصميم واختلاف الطابع المعماري بين مدينة وأخرى وبيئة وأخرى:

حيث يقوم المعماري بتصميم أشكال رغم كل ما تحمله من جماليات ونقاء في تشكيلها المعماري، إلا أنها لا تنتمي إلى بيئة المكان المحلية التي صممت لها بتنوع تضاريسها ومناخها بين منطقة وأخرى. وخصوصية المجتمع وعاداته وتقاليده. إضافة إلى أنها لا تستمد مقومات حضورها في الكتلة المعمارية من المفردات المعمارية والزخارف المحلية الأصيلة، لا بالنقل الحرفي ولا بالاستنباط المعتمد على التجديد غير المُخل، حتى يمكن تعريفها وتحديد البيئة التي نشأت فيها وتنتمي إليها.

وأقل وصف لها أنها عمارة دولية تنتهج البساطة في تصميم الكتلة وعناصرها وبياض لونها، تضعها في أي بيئة فلا تشكل فارقاً، بقدر ما تطرح هذه الإشكاليات عندما تصطدم بمسألة الخصوصية الثقافية والاجتماعية والظروف البيئية والمناخية والحالة الاقتصادية للمجتمع ونذرة مواد البناء والتشطيب وغياب التقنيات الإنشائية والعمالة الفنية.

أشكال تبهر العين تعتمد على تمكن المعماري من برامج الإظهار المعماري. وعند المباشرة في التنفيذ تبدأ المشاكل في الظهور وتبدأ معها التعديلات في تصميم الخريطة لتتوافق مع الواقع. يعقبها تقديم التنازلات عن العديد من مواد البناء والتشطيب التي استعملها المعماري لتحقيق عنصر الإبهار.

 

ومن خلال هذا الاستعراض يمكننا تحديد خصائص العمارة المحلية للمسكن بتلك التي تأخذ في اعتبارها النقاط التي تم طرحها سالفا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المواضيع الأكثر مشاهدة

بحث هذه المدونة الإلكترونية