جمال الهمالي اللافي
منذ عدة عقود، علّق أحد الأساتذة الأفاضل بقسم العمارة والتخطيط العمراني على كتابتي لكلمة العمارة والفنون في سياق الدعوة لمسابقة معمارية لتصميم المسكن الطرابلسي المعاصر، باعتبارها من وجهة نظره هي فرع من فروع الفنون الجميلة وليست منفصلة عنها.
لم اتكلف الرد
عليه في ذلك الموقف منعاً لإحراجه أمام زملائه.
نعم،
الإشارة إلى مجال العمارة مستقلاً عن باقي الفنون الحرفية والتشكيلية يعود بالدرجة
الأولى إلى أن العمارة ليست فرعاً ضمن الفنون الجميلة. بقدر ما هي قائمة ومستقلة
عنهم بخصائصها الجمالية والفنية وسابقة لهم في الظهور. والبوتقة التي تحتضن
فعالياتها ونشاطاتها.
يكفي النظر إلى
معمارها وقد اكتمل بناء هيكله الإنشائي وحوائطه دون أن تتدخل باقي الفنون عليه
لتكمل تشطيبها، ما الذي نراه؟
بالتأكيد سنرى
تكويناً جمالياً في ثلاثة أبعاد أبيض نقياً، يُبهر الناظرين بذاته، بعيداً عن أي
مُحسنات جمالية من باقي الفنون الحرفية والزخرفية.
كما
يمكن الإشارة إليها في سياقها العلمي بالقول، العمارة والعلوم النظرية والتطبيقية
والهندسية، لأنها تعتمد عليهم في تشكيل معالمها من مواد بناء وتشطيب وطرق إنشاء
ومصادر طاقة وعزل حراري وصوتي وبصري. وهي حسابات وأرقامٌ دقيقة لا يمكن الإخلال
بها. ولا يستقيم هيكلها الإنشائي ولا العيش فيها إلاّ بالأخذ بأسباب العلوم
المرتبطة بها.
بالتالي
عندما يتم الإشارة إلى العمارة مُضافاً إليها الفنون الحرفية والجميلة في مسابقة
معمارية، فهذا يجعل منها الأساس في طرح المسابقة وغايتها من توفير فضاءات تحتضن
تفاعلات أفراد المجتمع المستهدف، لتحقيق عوامل السكينة والاستقرار والراحة والأمان
والجودة مع مُراعاة الكلفة في تشكيلها. وما تضمينها بقية الفنون إلاّ لتُوظيف هذه
الفنون لخدمتها، بشرط أن لا تطغى عليها وتصبح محملة بأثقالها دون حاجة أو ضرورة
تستدعي ذلك أو تحقق الهدف.
الخلاصة، أن العمارة علم وفن وتاريخ موغل في القِدم وأدبيات تُحاكي نشأتها
وتروي قصصاً بين فضاءاتها، نشأت مع أول بشر خلقه الله وعمّر الأرض بها.