أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

{فأما الزَّبد فيذهب جُفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض}- سورة الرعد، الآية 17

الخميس، نوفمبر 23، 2023

حديث في فهم العمارة

 


جمال الهمالي اللافي

    في حوار مع زميل معماري، تطرق فيه إلى التوجه المعماري الغالب على من يطرقون أبواب المكاتب الهندسية لتصميم مشاريعهم المعمارية من البيوت إلى المباني الخدمية. 

قائلاً: أن العمل المعماري هو مصدر ارتزاق، لهذا وجب على المعماري أن يتوافق مع متطلبات السوق الذي يتجه إلى مشاريع الحداثة الغربية (المقصود بها العمارة التي أنتجها الغرب في نهايات القرن التاسع عشر والعشرين وفترة الستينيات منه) بكل إرهاصاتها المعمارية.

واستطرد قائلاً، وهذا الأمر يتطلب من المعماري نسيان التعاطي مع العمارة المحلية التي تمثل من وجهة نظر السوق توجهاً عفا عنه الزمن. 

فقلت له: مسألة النسيان هذه يجب أن تنزعها من رأسك، لأنها تُجافي المنطق السوي، فالمعماري مُلزم باحترام معطيات بيئته المحلية من النواحي الاجتماعية والبيئية والاقتصادية. وتجاهل هذه المعطيات في التصميم تعني أن المعماري يغني خارج السرب ويجدف بعيداً عن الغاية من العمارة ويقوض أُسسها وأعمدتها وأركانها بمعاول الهدم، بالرفض والإقصاء لما هو صالح لحياة الناس والمجتمعات ومعيشتهم السوية.

واستطردت قائلاً: إذا كنا نتحدث عن مواكبة العصر ومستجداته المنهجية والعلمية، فإن العالم الغربي اليوم أصبح يتجه إلى العمارة البيئية تحت مسميات العمارة المستدامة والعمارة الخضراء، التي من غاياتها احترام هوية المجتمعات وحماية البيئة من التلوث الناتج عن سوء التعاطي مع معطيات البيئات المحلية، عندما يتم إقحام ظرف اصطناعية غير ملائمة لها، بقدر ما هي مُضرّة. والاتجاه إلى مشاريع الحداثة وما بعدها وعمارة التفكيك، التي مضى عليها من الزمن مائة عام. أي أنها باختصار شديد صارت من الماضي وعفا عنها الزمن ولفظها الغرب نفسه الذي أنتجها وعاد إلى صوابه. 

بالتالي أضحت العمارة المحلية بحكم تطور المفاهيم وأدواتها هي عمارة العصر. والاستمرار في رفض التعاطي معها يعني أن المجتمع والسوق المعماري لايزال يعيش في دائرة الماضي، بالإضافة لكونهما يعيشان حالة غيبوبة وغفلة وتوهان في دائرة الاغتراب والتمسك بما أثبتت التجارب أنه كان خطأً فادحاً دفعت الإنسانية جمعاء ضريبته من الفساد القيمي والتلوث البيئي.

 

الخلاصة،

كل الطرق يمكنك خوض التجارب في السير فيها واكتشاف دروبها، إلاّ الصراط المستقيم، فمن انحرف عنه ضل وشقى. ولا يسعد إلاّ بالعودة إليه. وهذا الصراط يستوجب دائماً احترام القيم الأخلاقية وتطبيقاتها في الحياة، بما فيها العمارة، فهي قيمة أخلاقية قبل أن تكون تجارة وشطارة. ومسايرة لأهواء ورغبات الناس، في انحرافهم عن جادة الصواب والطريق الحق.

 

وستبقى- دائماً وأبداً- رسالة المعماري عمادها الإصلاح والعمران، لا الإفساد في الأرض ولا الخوض فيما يخوض فيه الناس.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المواضيع الأكثر مشاهدة

بحث هذه المدونة الإلكترونية