الاثنين، سبتمبر 28، 2009

شـــــارع و أزقــة




أ. م/ أحمد ميلاد أمبيص


تعتبر مدينة طرابلس القديمة من أقدم المدن التي وُجدت وتابعت مسيرتها دونما انقطاع ، وهذا ما تؤكده اللقيات في باطن أرضها أو على السطح ، وكأنها صفحات تاريخية سطرت بالحجارة لتعكس تراثاً ساهم ويساهم في بناء الحضارة الإنسانية على مدى التاريخ .

بُنيت مدينة طرابلس كحلقة وصل بين البر المتمثل في صحراء الشمال الأفريقي والبحر الأبيض المتوسط ، وتحصنت بسور يردع عنها الطامعين وخطر الغزاة وامتزج سكانها برغم أجناسهم وديانتهم المتعددة تربطهم علاقات أعمالهم المتنوعة يخضعون لقانون واحد وتحت سلطة واحدة تطبق هذه القوانين " بذلك لبت شروط تكوّن المدينة " فكانت مدينة بمعنى الكلمة ×.

مدينة طرابلس لم تخلق أو تصنع بإرادة فرد أو مجموعة أفراد كروما أو معظم المدن الرومانية وإنما تطورت ونمت عبر التاريخ بشكل متدرج وطبيعي ، فكانت حدثاً لم يرتبط بمحدث .. وإنما استوعبت كل جديد وحديث وتبنته جنب القديم لتكون نسيجاً معمارياً ذا لحمة واحدة برغم تعدد الطرز المختلفة التي اتفقت على شيء واحد هو العامل المنظم لها الشارع أو مسار الحركة.
والمتحرك خلال شوارعها وأزقتها التي تتخلل المدينة يحس بانسياب فراغاتها وتكاملها انسياب المياه ، فلا يستطيع أن يحدد بشكل قاطع المناطق التي يمر بها دون وجود دلالات يهتدي بها أثناء سيره ، لذا كان الشارع خطاباً يوجه الوجدان الإنساني وفطرته فيخطره بشكل إيحائي بما هو عام أو خاص ويشجعه على المضي قدماً أو التوقف أو العودة ............ وهذا ما سنتعرض له في هذه المقالة لمعرفة ما يمكن أن نستنبطه من هذا الخطاب وتطبيقه في المدينة المعاصرة .

المدينة بنسيجها المعماري تشكل لغة حقيقية " فهي تحاكي سكانه أو نحن بدورنا نحاكي مدينتنا ، المدينة حيث تتواجد في سكننا لها واجتيازها وكذلك في تأملها " 1
وخوفاً من أن سكان مدينة طرابلس قد اعتادوا على التلوث بكل نوعياته ( وبوجه خاص البصري والبيئي ) حيث اختلط الأمر على الكثيرين البسطاء منهم والمهنيين الذين ساهموا في التدهور الحضري والمعماري لشخصية الشارع بالمدينة ، ومدى أهمية " احتياجنا للقيم والمفاهيم الجمالية اللازمة لتنمية مشاعر المواطن بالانتماء إلى المكان الذي يساعد على تواصل مشاعره الصحيحة مع الآخرين ويدفع بالحس القومي بضرورة وأهمية الحفاظ على مكونات المدينة وفقاً للمعايير الجمالية والمواصفات الفنية التي تحفظ ذلك "2.
لهذا تدفعنا الحاجة غالى دراسة إحد أشكال الشوارع التي ورثها مجتمعنا من عصور مضت والذي يمثل فكراً وفناً وفلسفة وإلى إعادة النظر في المعايير التي شكلت الشارع والتي لا زالت تعد درساً يحتذى به ، وتطبيق ما يتلاءم منها مع الواقع المعاش في المستقبل القريب والبعيد.

البعد التاريخي / المناخ
نتيجة للسور الذي يحيط بالمدينة القديمة والذي استوجب وجود بوابات مثلت المداخل الرئيسية للمدينة وبالتالي خلقت مسارات حركة وفرعية وفضاءات عامة تمثلت في الأسواق ومن هذه المسارات الشارع الذي يخترق المدينة من الجنوب إلى الشمال والذي يعتقده الكثيرون أنه كاردوا ( ( CARDOفي المدينة الرومانية القديمة نتيجة لتعامده
على شارع الاكوش والذي يخترق المدينة من الغرب إلى الشرق وتقاطعهما عند قوس ماركوس أوريليوس مما عزز هذا الاعتقاد وسواء أكان ذلك يصيب الحقيقة أو بجانبها ، فإن اتجاه الشارع أكسبه صفة مناخية تميز بها وهي تعامده مع الحركة الظاهرة للشمس فكان مظللاً طوال النهار متغلباً على حرارة الشمس ونسبة سطوعها صيفاً مع توفر الضوء الكافي لممارسة النشاط أثناء النهار.

الملكية العقارية
ساهم احترام الملكية العقارية للأرض في تحديد هيئة الشارع وتعرجاته ، واتصال عقار بآخر سواء أكان بالمجاورة المباشرة أو بالتقابل ، بروز في الحدود أو تراجعها ، تحديد المداخل حسب ما يسمح به حق اتصل الملكية أو العقار بالشارع كل ذلك يمكن قراءته في مفردات وجمل معمارية مثل السباط الأقواس الداعمة ( جامع الدروج ، دار القاضي حوش القرمالي " يوسف باشا "....الخ).

النشاط الوظيفي
الأنشطة التي كونت شخصية الشارع
أثر النشاط الوظيفي في جذب مستعملي الشارع بشكل رسمي أو احتفالي أو ممارسة الحياة اليومية ، فكانت بدايته تجارية سكنية من باب
الحرية ( باب العرب ) وحتى قوس الصرارعي بنسبة كثيفة وتقل كلما اتجهنا شمالاً لتصبح وظيفته رسمية متمثلة في الجامع ودار القاضي وحوش القرمالي وشيخ البلاد وكتاب حورية ومدرسة قرآنية للبنات - " حوش القرمالي " " يوسف باشا " " حوش محسن " " شيخ البلاد " " حوش دغيش" - دار القاضي " بيت ضيافة للعائلة القرمالية "
جامع عطية الفلاح – جامع الدروج – جامع قنابة ( وهي ثلاثة من أصل ستة وثلاثون جامعاً داخل المدينة القديمة ) كتاب حورية لتدريس القرآن – مدرسة قرآنية للبنات العريفة زهرة ( إحدى المدرستين بالمدينة القديمة ) مدرسة عثمان باشا ( واحدة من إحدى وعشرين مدرسة ) كنيسة السيدة مريم ( إحدى الكنيستين ) – معبد يهودي ( معبد من اثنين وعشرين معبداً على مستوى ليبيا ) القنصلية الفرنسية والقنصلية الايطالية ( اثنان من سبعة ) بنك نابولي – بنك روما - وهما الموجودان فقط بالمدينة القديمة ) – صيدلية ( واحدة من خس صيدليات ).
تتضح أهمية الشارع من احتوائه على نواة المدينة التي عادة تتمثل في الإدارة والقضاء والتجارة والعلاقات الخارجية ، المباني الاقتصادية ، المباني الدينية " للأديان الثلاثة " وعوضاً على وظيفتها ساهمت هذه المباني في صياغة الشارع سطحاً وكتلة ولوناً وملمساً وجملة بصرية ذات قيمة جمالية أثرت الشارع وكونت مفردات لغته.

القيم الجمالية بالشارع

إذا كان الشارع بالمدينة الحديثة المعاصرة يتصف بأنه غير إنساني لحجمه وتعدد استعمالاته فإن الشارع بالمدينة القديمة يستمد جمالياته من إنسانيته في المقياس الذي يؤكد حجم الإنسان وسط المكان ، يكتشفه أثناء حركته رويداً رويداً ، ولا يفصح الشارع عن نفسه دفعة واحدة أي " يدخل الزمن كبعد رابع للمكان " مما يذكي الشعور بالتشويق والتنوع في تخطيط وحدود الشارع فيبعد الملل ويشجع على الحركة للرؤيا المتجددة كصور متلاحقة وغياب نقطة التلاشي المنظورية بالشارع تعطيه الإحساس بالإحتواء الدائم والمحدد كفناء البيت ، أرضية ، جوانب " حوائط " ، وسقف .
نقاط الضوء وتغيره أثناء النهار تجعل الشارع يمتاز بأحاسيس تختلف باختلاف تواجدك في أي وقت من النهار ويعكس أجواء الفصل السائد من السنة من حيث سطوع الشمس أو تجمع الغيوم في سماء الشارع الذي يشكل سقفه .
التشكيلات المتنوعة للفتحات والشرفات البارزة والمداخل التي لا تتشابه ( إلا لتنبئ عن وحدة الكتلة المعمارية وملكيتها ) من حيث المعالجة البصرية للعناصر المكونة لها تبادل عرض جماليات الفتحات والسطوح أثناء الليل والنهار، والأعمال المعدنية والخشبية والتفاصيل والجمل المعمارية المكونة للغة البصرية والهندسية للتكوينات في حيز إنساني يمكن إدراكه وتذوقه لقربه دون أي إجهاد أو عناء ساهم في رفع الذائقة الفنية لهذه الجماليات عند المستعمل والشعور بالانتماء والفخر في كثير من الأحيان.

لون الجدران وملمسها وعناصرها كلها دلالات تاريخية تؤكد عراقة الشارع ، وتسجيل للحقب التاريخية لمفردات وجمل لا يتم المعنى بغيابها .... كما أن السطوح الممتدة لترسم هيئة الشارع تعطي للمبنى إمكانية الإفصاح عن وظيفته بشكل جمالي مميز أهمية الشارع .
جماليات الشارع أثناء الليل بالمدينة القديمة توازي جماليات كتل مبانيها تحت أشعة الشمس وظلالها فتظهر الفتحات باختلاف أبعادها كنجوم في سطوح الشارع وأبراج المآذن التي تحدد موقع المتحرك كــland mark أحد المعالم البارزة.

تحديد مخطط الشارع وتعريفه
نقاط البداية والنهاية
يبدأ الشارع بنهاية السور الجنوبي المسمى بباب الحرية كمدخل مبدئي ثم نقطة البداية الفعلية هي التي ترسمها مئذنة جامع سيدي عطية الفلاح التي تمحور الحركة حولها يميناً وشمالاً " طريق الحلقة " أو المضي قدماً لينتهي بقوس ماركوس اوريليوس عند نهاية الشارع في طرفه الشمالي .

بؤر الجذب والانتقال
السباط الذي يلي مئذنة سيدي عطية الفلاح حيث يرسم بعقوده إطار منظورياً للسباط الثاني الذي يبعد عنه 50 متراً كنقطة بؤرية تنقلنا في الشارع إلى المحطة البصرية الثانية ....... السباط الأول يحتضن المدخل لزنقة الحمام النسي ( النساء) المتجه شرقاً والسباط الثاني ، يمحور الحركة إلى زنقة الفنيدقة المتجمعة شرقاً أيضاً بينما زنقة الفلاح غير النافذة وزنقة جامع النخلي المتجهتين غرباً والواقعتين بين السباط الأول والثاني لم يتم تعريفهما بشكل واضح عدا سطوح البيت الذي يمثل الركن الشمالي لزنقة جامع النخلي .
تبرز المحطة البؤرية الثالثة والتي تبعد عن المحطة الثانية بحوالي 60 متراً وهي عبارة عن سباط يعلو عقود تؤطر الصورة المتلاحقة لنقطة بؤرية رابعة لأهم عامة مميزة للشارع وعلامة أرضية للمدينة وهي مئذنة جامع الدروج التي تتقدم كركن للمبنى وسط الشارع ينتهي عندها المحور البصري له في الاتجاهين كحل في منتهى الذكاء . في نفس الوقت تبدأ تسمية جديدة للشارع ..... ركن الجامع الذي تمثله المئذنة ينظم الحركة باتجاه سوق الترك وتسمى الزنقة باسم الجامع وتربط الشارع بسوق الترك والواجهة البحرية وتسمى بزنقة الحليب ( في الذاكرة الجماعية ).

زنقة البقار التي تسبق جامع الدروج ونحن نتجه شمالاً ينتهي محورها البصري ببوابة حوش القرقني ذات النقوش المتميزة ، وتمثل دلالة على موقع المتحرك من الشارع ، كما أنها تعمل كمؤشر على بداية الزنقة بالمقابل.

المحطة التالية دار القاضي التي تبرز بكتلتها المميزة بلونها وضخامتها وعناصرها المعمارية وأركانها المؤكدة بأعمدة رخامية تعلوها تيجان بسيطة ، الركن الشمالي يمحور الحركة اتجاه الشرق راسماً زنقة بن موسى بأعمدة متماثلة وقوس وتربط الدار بمرافقها الخدمية زنقة بيت المال التي تسبق سباط حوش القرمالي الذي يمهد لأهم تقاطع للشارع والمؤكد بأربعة أركان بأعمدة وتيجان رومانية ضخمة واكتسب اسم الشارع من هذه المعالجة المعمارية " الأربع عرصات " .

التقاطع يوجه المتحرك نحو الواجهة البحرية للمدينة شرقاً عبر زنقة الحلوتجية أو إلى شارع الحرارة غرباً ومن ثم إلى باب الجديد وهو أحد أبواب المدينة الرئيسية ، أو الاتجاه شمالاً لاستكمال بقية الشارع الذي يتخذ اسماً ثالثاً وهو شارع الأربع عرصات الذي يمتد حوالي 140 متراً حيث يحدد التقاطع أربعة أركان لأربعة بيوت مهمة ( حوش القرمالي ، حوش قرجي ، حوش بيت المال ، حوش محسن ) وينتهي شارع الأربع عرصات بنقطة تقاطع وميدان متسع نسبياً ( فراغ حضري ) كنقطة بؤرية أخرى.

النقطة البؤرية التي يمثلها ركن مدرسة عثمان باشا المتمثلة في عمود رخامي ملون بتاج كورنثي ينظم الحركة غرباً إلى ساحة كنيسة السيدة مريم والسجن الأسباني والصيدلية ، وشرقاً جامع درغوث كعلامة أرضية مميزة على مستوى المدينة وعلى مستوى الشارع ( وباب معمر كبوابة ومدخل رئيسي للمدينة ) أو الاتجاه شمالاً نحو زنقة الفرنسيس وهو الاسم الرابع للشارع والتي تمثل المحطة ما قبل الأخيرة والمدخل الرئيسي للشارع من طرفه الشمالي ، مما حدا بالمعماري الإيطالي فلورسنتي دفاوستو لتأكيد هذا المدخل بقوسين كبيرين نسبياً يعمل مقياسهما كوسيط بين قوس النصر ذي المقياس غير الإنساني وبين أقواس المدينة ، أحد القوسين يمثل منتصف محور الزنقة بينما يمل الثاني المحور البصري لقوس النصر.


المحطة النهائية للشارع هي قوس النصر الذي تقف عنده الحركة ويحولها إما شرقا وينتهي بنقطة جذب متمثلة في جامع سيدي عبد الوهاب وأفق الميناء ، أو غرباً حيث مدخل شارع الأكواش وكتلة جامع قرجي ومئذنته الشاهقة مطابقاً لمحور الشارع المتعامد على محور الشوارع التي تتبعناها آنفاً.

الدروس المستفادة / التوصيات
1- المعالجة المناخية للشارع بتوجيهه أو اعتماد مبدأ الأروقة للتظليل صيفا والحماية من هطول الأمطار شتاءاً.
2- وضع الضوابط القانونية التي تكفل الاحترام المتبادل بين الملكية الخاصة والعامة ، وتحدد الشارع وتحميه من التعدي على الفضاء العام والمسارات الخاصة بالمشاة.
3- معالم الشارع الرئيسية والتي يجب أن تؤخذ في الاعتبار عند تخطيطه كبؤر جذب ونقاط انتقال ، وتحديد لصور متلاحقة للشارع .
4- توزيع الوظائف الرسمية والعامة على شوارع المدينة لتستقطب المستعملين وتثري الشارع بالحركة لأن المدينة مكان إنساني.
5- كل شارع يجب أن يؤدي إلى نقطة ما وانطلاقاً من نقطة ما إذ لابد من بداية معرفة ونهاية معرفة أيضاً.
6- نقاط التقاطع والالتقاء والتفرع يجب أن تكون محددة وسلسة وليست فجائية ومربكة.
7- الشارع والفراغ الحضري كالميادين ونقاط التقاطع يجب أن ننظر لها كحجرات ذات حوائط وأرضية وسقف لها مداخل ومخارج ولها شخصية مميزة تميزها عن بعضها من حيث الوظيفة ، الكتل المحيطة ، الملمس اللون ، روح المكان وتاريخه ، إما بالتأكيد أو بالإحياء أو التأسيس أو التصميم.
8- لابد أن يكون للمدينة يوم نحتفل به كيوم تأسيسها أو تحريرها أو الأحداث التي مرت بها ليذكي أهمية المدينة في نفوس سكانها ومستعمليها.
9- بعض الشوارع يكتسب أهمية عالمية تتعدى المدينة والبلاد والوطن ، تأتي هذه الأهمية من وظيفته أو المباني التي يحتويها أو طوله أو اتساعه أو المناطق التي يعبرها بها ....الخ.
10- تأثيث الشارع بواسطة المسطحات الخضراء أو مصاطب الجلوس والتفاصيل المعمارية المحيطة التي تبين أجزاء المكان من الشارع وتعطيه بعداً نفسياً وجمالياً يرفع من ذوق المستعمل ويبعث الراحة ويشجع على استعماله من كل الأعمار .
11- الحائط " السور" لايصنع الشارع ، كذلك ممرات المشاة الضيقة التي تزرع بأعمدة إنارة وأشجار وأكشاك وفتحات مجاري وصناديق حماية أجهزة التكييف والمظلات الشمسية وألواح الإعلانات العشوائية ، تدمر شخصية الشارع وتنفر المستعمل وتعطي انطباع العشوائية والبدائية وغياب القانون المنظم للمدينة .
12- تسمية الشارع التي يكتسبها من منطقته " موقعه " أو وظيفته أو من مبنى أو معلم يقع به أكثر ثباتاً واستمرارية.
13- ضرورة تقسيم الشارع إلى محطات يتغير عندها الاسم لتعريفه وتحديد الموقع الذي يجربه المتحرك ليساعده على تحديد الصورة التخيلية للشارع ( في الذاكرة الجماعية ) ، ولنسأل أنفسنا ( من أين يبدأ شارع عمر المختار وأين ينتهي )الأمر مربك على ما أعتقد .
14- ممر مشاة يجب أن يكون بعرض مناسب خالٍ من كل العوائق وممهد للمتحرك خلاله من كل الفئات ( الكفيف والطفل وذوي الاحتياجات الخاصة.....)

أخيراً فاني أدعو إلى أن ننزل جميعا إلى الشارع، أرض الواقع والحركة خلال شوارع المدينة، للوقوف على ما يعانيه من تهميش وإهمال وعدوانية في كثير من الأحوال. وعدم الاكتفاء بمراقبته على ورق الرسم أو من خلال زجاج السيارات.


تعريف بكاتب المقالة على الرابط/ http://mirathlibya.blogspot.com/2008/07/blog-post_1969.html
المصدر/ مجلة مربعات، العدد 1

السبت، سبتمبر 19، 2009


كل عام وأنتم بخير

أخلص التهاني وأطيب التمنيات للأمة الإسلامية، بمناسبة قدوم العيد السعيد،

عيد الفطر المبارك

أعاده الله على الجميع بالخير واليمن والبركة

الجمعة، أغسطس 21، 2009


تهنئة

بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك تتقدم (مدونة الميراث) بأحر التهاني، إلى الأمة الإسلامية، سائلين الله عز وجل، أن يتقبل فيه صيامنا وقيامنا وصالح أعمالنا، و أن يجعله شهر خير ويمن وبركة.

الثلاثاء، يوليو 28، 2009

جماليات المكان*




قراءة في صور مختارة من عمارة البحر الأبيض المتوسط


جمال الهمالي اللافي



" أنا لا أريد أن يحاط منزلي بجدار من كل ناحية، وأن تكون نوافذي مسدودة.أريد أن تكون كل ثقافات كل البلدان منتشرة حول منزلي بحرية .لكني أرفض أن أنســـف من قبل أي منها".
غاندي




مقدمة/
جماليات المكان... ربما يتبادر للذهن أن الحديث عن الجمال هو حديث عن المتعة والترف ولا يخرج عن كونه مجرد طرح فلسفي لا يرتبط بواقع الأمور. ولكن الحقيقة خلاف ذلك فالجمال يمثل واحدا من أربع مقومات تتعلق بمسألة الانتماء للمكان، وبالتالي للأمة والوطن، وهذه المقومات الأربعة هي/
§        الملكية/
ملكية الإنسان للبيت الذي يسكنه أو الأرض التي يزرعها تعزز دوافعه وحرصه على الدفاع عنها ضد كل من يحاول أن يعتدي عليها أو يغتصبها. في حين يسهم تشتيث الملكية على أكثر من شخص واحد في ضياع روح الانتماء للمكان، وتسهل فكرة الهجرة إلى مكان غيره أو التفريط في الحق الضائع.
يطرح جميل عبد القادر أكبر، سؤالا، في كتابه" عمارة الأرض في الإسلام": لماذا تدفع الشريعة الأعيان إلى الإذعان المتحد؟

ويجيب عنه بقوله: لأن اهتمام الناس بما يملكون لا يقارن باهتمامهم بما لا يملكون.
وفي الشريعة الإسلامية هناك قاعدتين تحكما الملكية:
· الحاجة, وكما قال القرافي, " .. إنما يملك من اجل الحاجة، ومل لا حاجة فيه لا يُشرع فيه الملك.
· السيطرة, فالأعيان إذا لم يُنتفع بها, تُصان وتُعدل, تُبنى، أوتهدم إن كانت غير مفيدة لمستخدمُها. وبناء على ذلك, لا يمكن لأي دولة أو مؤسسة أن تمتلك الأراضي الموات (الغير مملوكة).

§        الهوية/
في تعريفه للهوية يقول الدكتور فتحي رجب العكاري في مقالته التي عنوانها " محو الهوية الإسلامية" والتي نشرها في موقع ليبيا اليوم بتاريخ 9/6/ 2009م.:
" الهوية لأى أمة تحمل فى طياتها أبعادا تاريخية وثقافية ودينية واجتماعية وبشرية واقتصادية، وتلتقى هذه جميعا فى بصمات الهوية الحضارية، وبالنسبة للأمة الإسلامية يمثل عامل الدين الإسلامى العمود الفقرى لبقائها بينما تمثل اللغة العربية وهى لغة القرآن الكريم لسانها ووسيلة تعبيرها.
والكثير من التعريفات السطحية للهوية تحاول ربطها ببعض العادات أو المأكولات الشعبية فى بعض المناطق وهذه إحدى وسائل الداعين إلى تمزيق الأمة من المستشرقين وتلامذ تهم من الشعوبيين؛ مثل محاولة استحداث هوية لكل قطر عربى".
لهذا فالهوية تعتمد على وجود مجموعة من القيم أو العادات والتقاليد لمجموعة من الناس، إضافة لظروف بيئية معينة تصبغ عمارتها وفنونها بها وتميزها عن غيرها من عمائر الشعوب والأمم الأخرى التي تختلف عنها في قيمها وتقاليدها وظروف بيئتها.

§        الجمال/
" وردت الإشارة إلى الجمال صريحة في القرآن ثماني مرات. واحدة منها بصيغة المصدر "جمال" والسبع الباقية بصيغة الصفة"جميل". وإن أول ما يستوقف الباحث الذي يريد أن يؤصل الجمال في التصور الإسلامي من القرآن الكريم هو قوله تعالى: "وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ" [النحل:5-7]. لذا لابد من وقفة مع هذه الآية.
فبالنسبة لصيغة المصدر "جمال" التي وردت في الآية المتقدمة من سورة النحل يلاحظ أن ذكر الجمال فيها جاء مقصوداً لذاته مستقلاً بجانب الفوائد المادية الأربع المذكورة في السياق. فقد ذكرت الآيات أربع فوائد مادية للأنعام هي:
1- الدفء ويقصد به الملابس والأكسية والأغطية وغيرها.
2- المنافع ويقصد بها النسل والألبان والجلود وغيرها.
3- الأكل ويقصد به اللحوم والشحوم.
4- حمل الأثقال إلى البلدان البعيدة.
ويأتي الجمال بين هذه الفوائد مستقلاً قائماً بذاته، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أمرين:
الأول: أن الجمال أصل في هذا الكون.
والثاني: أن الجمال في التصور الإسلامي مرتبط بالمنفعة ارتباطاً وثيقاً. فالنافع والجميل لا يكاد ينفصل الواحد منها عن الآخر في هذا التصور. ولذلك ورد ذكر الجمال بعد الدفء والمنافع والأكل وقبل حمل الأثقال إلى البلدان البعيدة. فذكر وسط الفوائد المادية كأنه واحد منها وفي هذا إشارة إلى أن الجانب الجمالي لا يقل أهمية عن الجوانب النفعية المادية"[1].

وفي هذا يقول الدكتور مسفر القحطاني[2]:
"إن الله جميل يحب الجمال" .. قاعدة نبوية ومقصد ديني كلي يدخل في كثير من فروع الشريعة، يدعو المسلم إلى تلمّس الجمال في الكون، وطلبه في الحياة، وإيجاده في النفس، وتأمّله في الخيال عندما تنعدم صوره في الوجود .. ولا أظن نفساً سوية إلاّ وهي تعشق الجمال، وتستروح مناظره، وتهفو إلى لطائفه سواء كان بالنظر إليه أو الاستماع لأعذب أصواته، أو الشعور بتناسق الحركات الوجودية ونعومتها، أو التلذّذ بشم أزكى الروائح وأطيبها، وغيرها من صور الجمال البهية التي أودعها الله في الكون البديع .. وعلى قدر التفاعل بين تلك الجماليات المتنوعة والأنفس السوية تظهر انعكاسات هذا التمازج الأخّاذ في الأفكار والسلوك، وعلى قدر قوة تأثير الجمال في النفس تكون الأفكار أكثر قدرة على التناسب مع الواقع والتناسق مع سنن الحياة.

ويقول مالك بن نبي: "فالجمال الموجود في الإطار الذي يشتمل على ألوان وأصوات و روائح وحركات وأشكال يوحي للإنسان بأفكاره، ويطبعها بطابعه الخاص من الذوق الجميل أو السماجة المستهجنة".

وخلاصة القول أن الله سبحانه وتعالى فطر الإنسان على حب الجمال فهو يطلبه في كل مناحي حياته المادية والمعنوية، كما جعل تعلقه بالجمال أمرا مشروعا وفق الضوابط الشرعية وذلك لعلاقته وتأثيره المباشر على سلوك الإنسان وطبعه وعلاقته بالأشياء من حوله ومدى تقبله أو رفضه لها. والإنسان بطبعه يحب أن يكون بيته جميلا وملبسه جميلا ومدينته كذلك، لأن ذلك يعزز من مكانته لدى الآخرين ويجعله يحظى باحترامهم وتقديرهم له. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "َ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ قَالَ رَجُلٌ إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَا قَالَ إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ، الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ "[3].

§        ذاكرة المكان/
خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان لغاية واحدة هي عمارة الأرض لإرساء دعائم العبودية له وحده سبحانه وتعالى. وقد قامت العلاقة بين الإنسان والمكان على مبدأ التكيّف، ولم تكن العلاقة بينهما قائمة على مبدأ الصراع أو التحدي أو القهر، كما كانت بيئة المكان دائما ما تقدم للإنسان- إلى جانب طرح إشكالية العيش الآمن من غدر الوحوش وسطوة الإنسان على أخيه الإنسان أو تقلبات البيئة المناخية- المواد البيئية اللازمة لحل هذه الإشكالية. وقد استطاع الإنسان بدوره- من مبدأ التكيف مع بيئة المكان- أن يطرح حلولا معمارية متميزة، بما منحه الله من نعمة العقل ساعدته على العيش بسلام في بيئة سليمة خالية من أيّة ملوثات.

لهذا وصفت عمارة الإنسان القديمة بأنها عمارة بيئية، تعكس من خلالها حالة التوافق بين الإنسان والمكان.
 وقد ارتبطت ذاكرة الإنسان بالكثير من المعالم العمرانية والمعمارية والطبيعية، وتأصلت في وجدانه، وشكل وجودها من عدمه المصدر العاطفي والروحي الذي يستقي منه الإنسان معنى وجوده في بيئة ما، وربما تصل شدة الارتباط لتشكل معنى آخر لحياته واستمرارية وجوده على وجه البسيطة. ومن أهم هذه المعالم رسوخا في ذاكرة الإنسان وتأصلاً في وجدانه،(بيت الجد، وتفاصيل الحي) الذي ولد وعاش وتربى فيه أكثر فترات حياته، وسجل في ذاكرته الكثير من الأحداث والمواقف المتنوعة التي مرت به ما بين أفراح وأتراح.

وكلنا يذكر في هذا السياق قول الشاعر/
نقّل فؤادك حيث شئت من الهوى... ما الحب إلاّ للحبيب الأول
كم منزلاً في الأرض يألفه الفتى... وحنينه أبدا لأول منزل



عمارة البحر الأبيض المتوسط/
تلخص عمارة البحر المتوسط تجربةً إنسانيةً نجحت في التعاطي مع البيئة الجغرافية والظروف المناخية للمكان، لهذا تمّ اختيارها كحالة دراسية وتطبيقية، وكشواهد معمارية على ما جاء في مقدمة هذا الطرح، لإثبات تلك العلاقة التكاملية بين المكان والإنسان. ولتسليط الضوء على العلاقة الحقيقية للغرب بتراثه العمراني والثقافي وبيئته الطبيعية وكيف تعامل معها. ولنجيب عن السؤال الذي يفرض نفسه ويلح علينا دائما والذي مفاده:
هل حقا تخلى الغرب عن تراثه وثقافته التقليدية ودمر بيئته الطبيعية إكراما لضريبة الحضارة التي صنعها بيديه... أم أن له رأي آخر غير ذلك الذي نعتقده؟

ومن هذا المنطلق تطرح الورقة تساؤلات أخرى لتعزز هذا الطرح وهي:
·       هل يمكننا أن نستثمر تجربة الدول المجاورة والمقابلة لنا على ضفاف البحر المتوسط في تعاطيها مع المدن التاريخية التي مثلما تشكل لها بعدا ثقافيا واجتماعيا فإنها تمثل لها عمقا استراتيجيا واقتصاديا؟


·       وهل يمكن إعادة توظيف هذه القيم الموروثة في نتاج عمارتنا المعاصرة دون الإخلال بروح العصر ومتطلباته المادية والعاطفية؟

البحيرة الكبيرة/
يلتئم شمل مجموعة الدول التي تحيط بالبحر الأبيض المتوسط حول هذه البحيرة لتشكل لنا مقاربة لطيفة، فهي أشبه بساحة تحيط بها مجموعة من المساكن التي تشكل مدنها وقراها غرف كل بيت منها، ويرتبط ساكنو هذا الحي( البحيرة الكبيرة) بعلاقة جوار، تتبادل فيها المصالح والمنافع في غالب الأحيان ويسود خلالها هذ المنطقة سنوات من الهدوء والسكينة والاستقرار الذي يؤدي بدوره إلى انتعاش اقتصادي ورفاهية في العيش ترتسم ملامحها على كل ربوع المتوسط، مثلما يتواصل فيها الجيران فيما بينهم، تواصلاً ينتج عنه تلاقح عرقي وثقافي.

ولتتضارب هذه المصالح في أحيان أخرى، وتطغى الرغبة في السيطرة وبسط النفود واستغلال الآخر أبشع استغلال، لتثور المنازعات وتنشب الحروب ويعم الدمار والخراب، ولا يهدأ وطيس الحرب إلا وقد بقى في النفس شئ من كدر وغصة في الحلق تنغص عيش هؤلاء وهؤلاء. ولكن تأبى الأيام إلا أن تتسم هذه البحيرة بقواسم مشتركة شكّل صورتها هذا التأثير المتبادل، ليمزج عمارتها وفنونها وعاداتها وتقاليدها بمسحة واحدة هي مسحة بيئة البحر المتوسط.

مدن تعانق البحر/
إذا أمعنّا النظر في القيم الفكرية والروحية والجمالية التي أنطلق منها مخططو هذه المدن، فإن المدارك تتسع وهي تبحر في تلك القيم التي شكلت تنوعا متمايزا بين مجموعة مدن البحر المتوسط، وتتفتح العقول، وهي تبحث في الدروس والعبر التي شكلت صورتها وتنساب شتى الأحاسيس بين أزقتها الملتوية وتفيض المشاعر وهي تتأمل عمائرها التي تعكس بجلاء العلاقة المتوازنة بين الساكن أو المستعمل لكل مرافق المدينة والبيئة المحيطة، حيث احترم مخططوها الثوابت وتفاعلوا مع المتغيرات. وتوافق المقصد الثقافي والمعالجات الإنشائية لمبانيها مع الرؤية الجمالية للمدينة... وبذلك تتكشف هذه المدن عن تراكمات من الحلول المناخية والاجتماعية والاقتصادية والتي جعلت منها وبجدارة مدننا لكل العصور، تعكس مقدرة الأجداد على التعامل مع الظروف المناخية من خلال منهجية التخطيط وتطويع العمارة لخدمة المحيط الإنساني.

كما نتلمس في المدن المطلة على البحر المتوسط تلك العلاقة الوثيقة بين إنسان هذه المدن والبحر الذي يمثل لسكانها مصدر عيش وفسحة، لهذا نرى زخم القوارب التي ترسو على حافة الشواطئ. مثلما نلحظ زخم المباني التي تشرف مباشرة على البحر. الأمر الذي يطرح تساؤلا عن جدوى طرح قوانين تمنع من البناء على الشواطئ لمسافة لا تقل عن مائة متر، وخصوصا في الدول التي يمتد فيها شاطئ البحر لمسافة 2000 كم . وهل وضعت هذه القوانين تحت دعاوي عدم احتكار البحر أم لدواعي أمنية؟ لسنا ندري ولكن الموضوع يستحق إعادة نظر.

مدن تلتحف البياض/
لجأ سكان مدن البحر الأبيض المتوسط إلى طلاء حوائط مبانيهم باللون الأبيض، حيث جاء هذا الخيار كمعالجة بيئية لشدة سطوع الشمس وارتفاع درجات الحرارة في منطقة البحر حيث يعكس اللون الأبيض هذه الأشعة ويقلل بذلك من كمية الحرارة المتسربة إلى داخل المباني.

مدن الحجارة والطين/
استخدم إنسان هذه المدن أيضا الموارد البيئية الطبيعية والممثلة في الحجارة والطين وهما المادة الأساسية للبناء إضافة للجبس وأخشاب الأشجار وفروعها، في بناء عمارته المتوسطية، والحجارة والطين مادتان تساعدان أيضا على تكييف الأجواء الداخلية للمباني بما لا يسمح بتسرب الحرارة إلى الداخل في فصل الصيف أو إلى الخارج في فصل الشتاء، وتبقي الجو الداخلي معتدلا في جميع فصول السنة، وفي فترات اليوم المختلفة.

مدن الكتل المتراصة/
اعتمدت عمارة البحر المتوسط في تخطيطها العام على النسيج المتضام والاتجاه إلى الداخل والانفتاح على الأفنية لتحقيق مطلبين:
أولهما/ المطلب البيئي حيث جاء هذا النظام التخطيطي ليقلل من فرص تعرض أكبر عدد من حوائط المبنى لحرارة الشمس ويمنع تسربها إلى الداخل ويوفر جوا معتدلا دائما.

وثانيهما/ المطلب الاجتماعي، حيث أوجد النظام الاجتماعي المترابط وحاجة المجتمع للتعبير عن قيمه الثقافية والدينية التي تحث على احترام خصوصية الفرد والأسرة، فكرة النسيج المتضام. وبالتالي جاءت الحلول التخطيطية والمعمارية واضحة وجلية في هذا الشأن من خلال تحديد ارتفاعات المباني واعتماد فكرة الاتجاه إلى الداخل والانفتاح على الأفنية.

وتكمن أهمية الفناء في تعدد أغراضه، ويأتي في مقدمتها توفير التهوية والإضاءة الطبيعية للمسكن وتحقيق عوامل الخصوصية، كما أن اعتماد الحوائط المصمتة والفتحات الصغيرة جاء كمعالجات للواجهات للتقليل من فرص تسرب الحرارة إلى الداخل وأيضا لمنع أعين المتطفلين من النظر إلى حرمات الجيران. وبذلك توحدت الوظيفة مع المطلب الاجتماعي والمناخي وأثمرت رؤية تخطيطية هي مزيج بين المنفعة والجمال.

شوارع ضيقة وأزقة ملتوية /
معالجة بيئية وقيمة اجتماعية أخرى تمتاز بها هذه المدن، حيث توفر هذه الشوارع ممرات مظللة خلال فترات النهار وتشتغل في بعض مناطقها كجيوب تحتفظ بالهواء البارد الذي يساعد على تلطيف درجة الحرارة بين ممراتها ومساربها. كذلك يعالج التواء شوارعها قضية الرياح الموسمية المحملة بالأتربة ويقلل من سرعتها عند اصطدامها في كل مرة بالحوائط، كما أن كثرة التوائها يقلل من الملل ويحث على فضول الاكتشاف لما وراء هذه التعرجات، ليوفر ضيق الشوارع بيئة اجتماعية مبنية على التواصل والتقارب بين الجيران المتقابلين في البيوت وأيضا بين المارة.

ممرات الظل/
هي الشوارع المسقوفة، ويعرف هذا النظام في المدن العربية بـ (الساباط) الذي يربط بين مبنيين متقابلين ويوفر مناطق ظل وحماية، ويكون علاقة جمالية بين الظل والضوء، ويكسر حالة الملل من طول الشوارع. ويساهم من الناحية التخطيطية في زيادة ترابط النسيج العمراني لهذه المدن.

فضاءات للتواصل ومساحات للفرح/
تنتشر في مدن البحر المتوسط الساحات العامة والميادين التي تمتاز بها هذه المدن والتي تشكل أماكن تجمعات السكان لممارسة أنشطتهم الاجتماعية والترفيهية.

استراحة المحارب/
وقفة أخرى أمام القيمة الإنسانية التي يحققها المخطط العمراني والمعماري للمدن المتوسطية التقليدية، من خلال توفير مناطق استراحة لكبار السن الذين أقعدهم العجز وكبر السن عن مواصلة ممارسة شؤونهم الحياتية، فوجدوا في عتبات البيت مكانا للجلوس ومتابعة مجريات الحياة اليومية، ومن خلال جملة الفراغات التي يجتمعون من خلالها مع بعضهم البعض لاسترجاع ذكرياتهم والتمتع بفترة الشيخوخة، وهو ما عجزت المخططات المعاصرة و العمارات السكنية عن تحقيقه، فهي تعزلهم في أبراجها العالية عن التواصل، فينزوون في بيوتهم في انتظار الموت البطيء في عزلة تامة عن المحيط الاجتماعي، هذا إن لم يرم بهم أبنائهم في دور العجزة والمسنين.

جنات الخضرة وحدائق الزهور/
قيمة جمالية ووظيفية ومنفعية، نرى فيها هذا التناغم البديع بين الحجارة والطين، وبين أشجار الزيتون والبرتقال ودوالي العنب وأزهار الجيرانيون والجهنمية بألوانها المتعددة... أحواض الزهور تعم الشوارع أمام كل بيت وفي كل الشرفات ومن النوافذ لتطل على المارة وتحقق متعة الحياة ولتربط سكان هذه المدن بالطبيعة الخلابة. 

تاكسي مدن المتوسط/
وقفة مع جماليات العربات التي تجرها الخيول والتي تستخدم للتنقل داخل هذه المدن أو خارجها.

أسواق تفترش الشوارع/
خاصية تميزت بها أيضا مدن البحر المتوسط، حيث نرى الباعة وهم يفترشون الشوارع يبيعون بضائعهم ويروجون لها بأرخص الأسعار، كما نرى شوارعاً وقد تحولت إلى أسواق تخصصية. حيث تزاحم هذه البضائع الناس بكثرتها على هذه الشوارع، بل أنهم يحتفلون بهذه الأسواق التي عرفت" بالبازار" فيجعلون لها يوما تغلق فيه هذه الشوارع أمام حركة المركبات وتسمى باسم اليوم الذي تقام فيه" سوق الجمعة، سوق السبت، سوق الأحد... وهكذا طيلة أيام الأسبوع تتناوب كل منطقة أو مدينة على استضافته في أحد هذه الأيام دون سائر الأيام الأخرى.

للبيوت أبواب/
تميزت عمارة البحر المتوسط بمخططها المعتمد على النسيج المتضام والكتل المتراصة كمعالجة بيئية وكمطلب اجتماعي لهذا تميزت كتلها بالبساطة وعدم التكلف واعتماد جمالياتها على تتابع العلاقة بين المفردات المعمارية لهذه المباني. لهذا كان الاهتمام مركزا على جماليات المدخل الرئيس للبيوت وكثر الاهتمام بتفاصيله مع مراعاة البساطة وعدم التكلف في التعاطي مع هذه المفردة. ومن خلال مجموعة الصور نرى تنوع المعالجات والتفاصيل لمداخل البيوت في مدن البحر المتوسط.

ونوافذ وشرفات/
        أيضا اهتم سكان هذه المدن بتصميم وتفاصيل نوافذهم المطلة على الشوارع، وتنوعت المعالجات الجمالية والبيئية وتداخلت الأعمال الخشبية والمعدنية مع أحواض الزهور المطلة عبرها، لتحجب الرؤية عن الداخل وتمتص بعضا من أشعة الشمس غير المرغوب بها، ولتضفي بحيويتها جمالا على مبانيها التي اعتمدت مبدأ البساطة.

المشربية، عين على العالم/
المشربية مفردة أخرى تطل بحياء على شوارع المدن المتوسطية لتزيدها جمالا، وتمنح خصوصية لسكان البيوت تحجب عنهم أعين المتطفلين ولكنها لا تحرم سكان البيت من إطلالة حذرة على شوارع المدينة.

فوانيس النور/
وهذه مفردة أخرى أضفت جمالاً بتنوع أشكالها مثلما أضفت نوراً على ليالي المدن المتوسطية.

ليالي متوسطية/
لهدوء الليل في المدن المتوسطية جمالياته التي يضفيها غروب الشمس على سطوح مباني هذه المدن. ونراها كم هي جميلة وهي تضج بالحيوية مع مطلع النهار وكم هي جميلة في سكون الليل... وليل المتوسط كنهاره، لا يخلو من الحيوية.

تفاصيل/
تكتمل رحلة البحث بين مدن المتوسط لتلقي الضوء على جماليات تحققها تفاصيل صغيرة هنا وهناك لنخلص إلى أن الجمال منبعه البساطة والعفوية وليس الإسراف والتكلف.


وأخيرا/

هل سيجد الفنان التشكيلي في مدننا المعاصرة شيئا يستحق أن يقف عنده ليتأمله أو مسحة من الجمال جديرة بأن ترسمها ريشته؟

وهل سيجد الباحث- مستقبلا- فيها ما يستحق أن ينفض عنه غبار التاريخ ليستجلي غموضه ويستنكه كوامنه؟






*محاضرة قدمت يوم الجمعة 27/3/2009- ضمن فعاليات مهرجان الربيع بنالوت/ الجبل الغربي.

- [1] مختارات من رسالة دكتوراه بعنوان: "علم الجمال والتصور الإسلامي محاولات في التأصيل ومقاربات للتطبيق" للدكتور: مصطفى الحيا. المصدر/ موقع الإسلام اليوم.
[2] - من وحي الجمال، حروف ساحرة ، د.مسفر بن علي القحطاني، المصدر منتيات الإسلام اليوم
[3] - صحيح مسلم

الصور مأخوذة عن موقع/ http://www.fotocommunity.com/pc/pc/channel/3

أنماط البيوت التقليدية في ليبيا

المسكن الطرابلسي التقليدي المنزل ذو الفناء " الحوش " جمال الهمالي اللافي مقدمة / يعتبر(...