أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

{فأما الزَّبد فيذهب جُفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض}- سورة الرعد، الآية 17

الجمعة، أبريل 04، 2025

فقدان هوية المكان

 


المعماري/ صالح بشير المزوغي

 

الإحساس بالمكان والزمان: أساس الهوية المعمارية 

إن الإحساس بالمكان هو جوهر ارتباط الإنسان ببيئته، فهو العنصر الذي يمنح العمارة هويتها وأصالتها. المكان والزمان يشكلان ثنائية مترابطة تؤثر على الطريقة التي نصمم بها مدننا ونعيش فيها. وإذا فقدنا أحدهما، فإننا نخسر جزءًا جوهريًا من هويتنا المعمارية. 

أما فقدان الإحساس بالزمان، فعادةً ما يكون تجربة ممتعة تُثري الروح، تأخذ الإنسان في رحلة فكرية تعيده إلى التاريخ عبر المدن القديمة والمعالم الأثرية. هذه التجربة تخلق نوعًا من الاندماج بين الإنسان والماضي، حيث تعبر المباني والأسواق والشوارع عن روح زمن مضى. 

لكن على النقيض تمامًا، فإن فقدان الإحساس بالمكان يترك أثرًا سلبيًا عميقًا. عندما تُفقد علاقة العمارة بالمكان، يتحول النسيج العمراني إلى صورة جامدة تعبر عن الحاضر فقط دون أن تحمل روح البيئة والمجتمع.

التحولات التاريخية: صراع بين القديم والجديد 

كانت العمارة دائمًا انعكاسًا للبيئة الثقافية والجغرافية، إذ أن كل شعب وأمة شكلوا عبر العصور طرزًا معمارية تعكس خصوصياتهم المحلية. لكن هذا التنوع لم يكن دائمًا موضع اتفاق. تاريخيًا، كان كل تجديد معماري يواجه مقاومة من المتمسكين بالطرز التقليدية، ومع ذلك كان لكل زمن إضافاته التي تعزز هوية المكان. 

ولكن ما يحدث في عصرنا الحالي يختلف تمامًا. اليوم، لم يعد العالم مجرد مجموعة من المدن المتنوعة، بل تحول إلى "قرية صغيرة" بفعل ثورة الاتصالات. ومع هذا التغير، ظهر الطراز العالمي الجديد الذي ألغى تقريبًا الهوية المكانية، لصالح عمارة موحدة تلغي الخصوصيات المحلية.

سيطرة الطراز العالمي الجديد: تأثيرات واسعة على العمارة والمجتمع 

إن الطراز العالمي الجديد لم يقتصر تأثيره على العمارة فقط، بل امتد ليشمل كافة جوانب الحياة. ففي المدن الحديثة، اندثرت الأسواق الشعبية واستُبدلت بالسوبر ماركت والمولات الضخمة. اختفت الأزياء التقليدية لتحل محلها ملابس عالمية موحدة. حتى الأطعمة الشعبية، التي كانت تعبر عن الثقافة المحلية، أصبحت تُستبدل بوجبات سريعة تحمل مسميات عالمية مثل "ماكدونالدز" و"كنتاكي". 

المساحات العامة التي كانت تجسد هوية المدن، كالساحات الشعبية والمجتمعات التقليدية، حلت محلها البلازا والمسارح ذات الطابع الغربي. وهكذا، أصبحت المدن الحديثة مجرد نسخ مكررة لبعضها، تفقد فيها الهوية المكانية لصالح عمارة تعبر عن زمانٍ اقتصادي عالمي أكثر من مكان محلي.

التجارة العالمية: السبب الرئيس لتآكل الهوية المكانية

لقد لعبت التجارة العالمية دورًا كبيرًا في هذا التحول. فبفضل الثورة في النقل والاتصالات، أصبح الوصول إلى منتجات وعناصر البناء العالمية أمرًا سهلاً ومتاحًا للجميع. ومع هذا الانفتاح، اختفت تدريجيًا الطرز المحلية. لم تعد البيئة الجغرافية أو الثقافية تؤثر على العمارة كما كان الحال في الماضي، بل أصبحت التجارة هي المحرك الرئيسي للهوية الجديدة. 

حتى المدن القديمة، التي تمثل آخر ما تبقى من الهوية المكانية، أصبحت تُسوق كمواقع سياحية، حيث يدفع الزائر المال لمشاهدة معالم أصبحت مجرد سلعة تجارية. وهكذا، أصبحت المدن القديمة متاحف مفتوحة، تفقد تدريجيًا صلتها بحياتها الطبيعية.

الإنسان وهوية المكان: فقدان الانتماء 

إن فقدان الهوية المكانية لا يُمكن عزوه فقط إلى التجارة أو العمارة. المشكلة الحقيقية تكمن في هوية الإنسان نفسه. فقد تغيرت طموحات الإنسان المعاصر، ولم يعد يفتخر بهويته كما كان في الماضي. أصبح يسعى لتقليد الطراز العالمي الجديد، سواء في لباسه أو طريقة حديثه أو حتى تصاميم منازله. 

الإنسان الذي كان يومًا يُعرف من لباسه وحركاته ولهجته أصبح الآن يحتاج إلى بطاقة تعريف ليُثبت من هو. هذه التحولات انعكست شكل مباشر على العمارة، حيث فقدت المدن قدرتها على التعبير عن هويتها المحلية وأصبحت مرآة للزمان العالمي الموحد.

رسالة أمل: استعادة الهوية من خلال العمارة 

رغم كل هذه التحديات، فإن الأمل ما زال قائمًا. فالمدن القديمة تحتفظ بجاذبيتها لأنها تعبر عن هوية مكانية وزمانية متميزة. ويمكن للعمارة أن تلعب دورًا محوريًا في استعادة هذا الإحساس بالمكان، إذا ما تمسكت بالخصوصيات الثقافية والبيئية. 

إن العمارة ليست مجرد مبانٍ، بل هي انعكاس لماهية الإنسان وقيمه. ولكي ننقذ هوية مدننا، علينا أن نعيد التفكير في العمارة كوسيلة لإعادة الاتصال بين الإنسان ومكانه.

 

دراسة تحليلية للعمارة التقليدية بمدينة غدامس






أ. م/ آمنه العجيلى تنتوش


الموقع/
    تقع مدينة غدامس على الحد الغربي من ليبيا في الصحراء الليبية وتشكل جزءاً من الاقليم الفرعي لمدينة غريان ، أحد الأقاليم الفرعية لإقليم طرابلس  وهي قريبة جداً من نقطة الوصل مع الحدود الجزائرية  والتونسية وتبعد تقريباً 700 كم من الساحل وتقريباً تبعد 750 كم عن مدينة طرابلس  وتقع على ارتفاع 350 م فوق مستوى سطح البحر بالإضافة إلى ذلك ، تعتبر واحدة من أهم الطرق التجارية والتى تربط وسط افريقيا مع شاطئ البحر الأبيض المتوسط . كل هذه العوامل جعلت من مدينة غدامس أهم المدن الليبية . وفى عام 1987 ف تم تسجيل مدينة غدامس في قائمة المدن الأثرية العالمية وذلك من قبل منظمة اليونسكو.

المناخ/
    مناخ مدينة غدامس يتميز بانخفاض الرطوبة وانخفاض سقوط المطر والعواصف الرملية المألوفة نسبياً. معدل الرطوبة النسبية في السنة 34% وأحياناً تقل حتى تصل إلى 10 % عندما تهب الرياح الجافة من الجنوب وسقوط المطر كأحدى الرغبات المنتظرة فى المناخ الصحراوي ومعدل سقوط المطر فى السنة يكون 32 مم ( أقل من عشر معدل سقوط المطر في مدينة طرابلس ) ، وحسب التجربة تعتبر غدامس أكثر عواصف رملية من أى مدينة أخرى في ليبيا وبمعدل 23 يوم في السنة وهذا نتيجة الرياح الحارة الجافة أو مايعرف بالقبلى التى تهب من الجنوب فى فصل الربيع وبداية الصيف.



شكل وحجم المنزل الغدامسي/
    عندما تنظر إلى المسكن لأول مرة ، فإن الانسان يعجب به لأن العين تشاهد شيئاً لم يسبق لها أ بداً مشاهدته من قبل ، أيضاً فأنك تشعر بإحساس غريب عن المكان ، لأن المساكن صممت بطريقة جدية جداً ومبنية بطريقة جميلة أيضاً ولقد وضع الغدامسيون كل قدراتهم ومهاراتهم فى سبيل بناء مساكنهم ، لقد قاموا ببناء منازل مريحة آخذين في الاعتبار الظروف المناخية والاحتياجات الاجتماعية .
أما الشكل العمراني لمدينة غدامس ، فإنه يناسب الاحتياجات المحلية، والظروف المناخية، والاحتياجات العرفية ، وهى عبارة عن عمارة تم بناؤها من أجل حماية مستخدميها من البيئة المعاد ية . كل المبانى تم بناؤها من مواد البناء المحلية ، إن شكل المبنى يسمح فقط لواجهات مرئية قليلة جداً ترتفع بعلو 10 أمتار .

تصميم المنزل والمساحة المستعملة/
    إن تخطيط المسكن الغدامسي يضمن الحرية الشخصية ويسمح لأفراد المسكن من الاتصال بالطبيعة من خلال السطح . إن مستوي السطح يعتبر من أهم أجزاء المنزل فهو يلعب دوراً اجتماعياً مميزا حيث يحتوى على المطابخ وساحات اللعب وشرفات محجوزة من أجل النساء حتى يمكن لهن من أداء الانشطة الخاصة بهن مثل الطهى وتنظيف الملابس .....الخ .علاوة على ذلك ، فإن أفراد الأسرة يستخدمون السطح فى فصل الصيف للنوم وذلك للاستمتاع بالهواء الليلى البارد.

زخرفة المسكن الغدامسي/
    زخرفة للمسكن الغدامسي مواصفات ينفرد بها من حيث الزخرفة فلقد اهتم الغدامسيون اهتماماً خاصاً بزخرفة مساكنهم ، فهم يستخدمون مواد تعبيرية مثل الطلاء المصنوع محلياً والزجاج والنحاس وصور القديسين وأدوات حرفية وكذلك تذكارات تم توارثها من تجار القوافل وغالباً ماتقوم النساء بتعليق هذه الأشياء على الحائط وخاصة في حجرة المعيشة علاوة على ذلك فإن الباب الداخلي يتم زخرفته من قبل النساء الذين يقومون باختيار الألوان ويزخرفون الحوائط بقوالب الجص .
ونجد الحوائط الداخلية مغلفة بالجبس ومبيضة و مزخرفة باللون الأحمر الهادئ ويعتبر اللون الأحمر اللون المفضل ،
حيث يستخدم فى داخل الحجرات أما الحوائط الخارجية فلديها مواصفات ظاهرية عامة فهى ممصنوعة من القرميد ذو اللون البنى والأصفر ، إضافة إلى المشهد المرئي الجميل ، فإن هذه المقاييس تدعم من قدرة الجدران على تحمل الظروف المناخية ومن التلف .



المواد وطرق البناء الغدامسية/
    جميع المباني تم بناؤها باستخدام المواد المحلية التى هي غالباً ما تكون من الآجر . اما الأسقف والسطوح فهى من جذوع أشجار النخيل . وقد أدمجت المبانى فى وحدة بنائية تجعل من الصعب تمييز مبنى عن آخر . أن بنية المسكن الغدامسي قوية نتيجة للمواد المستخدمة في البناء والتى هى متوفرة فى الواحة أو بالقرب من غدامس مثل الجير والآجر الذين ينتجان فى قرية تونين والتى تبعد 3 كم عن غرب غدامس فى الطوابق العمودية فإن التقسيمات قد بنيت باستخدام جذوع أشجار النخيل حيث يتم حفظ الخشب جاف لمدة عام قبل استعماله ومن تم يتم معالجته عن طريق مادة حافظة للخشب مصنوعة من محلول النمور والملح والجير وهنالك حوالى ثلاثون نوعاً من أشجار النخيل التى توفر مواد مختلفة الاختصاصات : نجد الجبس والآجر يستخدم للتلصيق وهذه المواد متوفرة فى المناطق المجاورة لغدامس ولكن نجد الآن قليل من الناس يستخدمون هذه الحرفة القديمة وذلك عن طريق حرق هذه المواد ومثال على ذلك نجد أن الحرفيين يفضلون استخدام شجر النخيل ( التمودى ) لأنه يوفر مرونة أكثر وصلابة أكبر أما ضلوع  أوراق النخيل فهى تترك فى الماء لمدة ثلاثة أشهر قبل طيها وذلك حتى توفر الدعم الكافى لبلاط الطابق الأول بجانب السلالم الرئيسية

مواد البناء/
وتتكون مواد البناء المتوفرة لبناء مساكن المدينة القديمة مما يلي :-
1- الوحل
2- حجر جير الصلب
3- أحجار خفاف ( مخلوطة بالزجاج )
4- أشجار النخيل ، الجذوع والأوراق
5- الجير
6- حبال مقطعة.
بهذه المواد البسيطة يقوم الغدامسيون ببناء مساكنهم فى وسط الصحراء ، هنالك العديد من العوامل التى تحدد اختيار أنواع محددة من المواد وهى :-
- البناء الاقتصادى للمجتمع
- الخبرة في استخدام بعض هذه المواد وطرق البناء
- مستوى التقنية
- الحاجة لتطبيق بعض النماذج السكنية
- الظروف المناخية.
الحوائط التى تستخدم للجلوس مبنية من آجر الطفل الجاف على قاعدة مبنية من الحجر الجيري الصلب . أما كثافة الحوائط فتقل من أسفل المسكن إلى أعلاه وذلك طبقاً لحجم الآجر الذى تم بناؤه والذى هو بمقياس
60 × 40 × 15 سم فى الطابق الأرضى
50 × 40 × 15 سم فى الطابق الأول
40 × 40 × 15 سم فى الطابق الثانى

ويصنع الآجر من خليط من الوحل والقش أما المواد الخام فيجب تركها تحت ظروف مناخية رطبة لمدة سنة على الأقل قبل انتاج الآجر . المواد الرئيسية التى تستخدم فى الطوابق وفى الأسقف هى من جذوع الأشجار المستخدمة كعوارض أإما يتم استخدام القطع بأكملها أو يمكن أن يتم تقطيعها إلى قطع تبعد الواحدة عن الأخرى 50 إلى 70 سم . بالإضافة إلى ذلك ، فإن المساكن الغدامسية التقليدية تم بناؤها بالمجهود الذاتى الذى يستغرق جوالى سنة للإنتهاء منه .

المساكن الغدامسية الصغيرة تحتوى على 10 أبواب وما بين 3 - 5 نوافذ فى كل مسكن . وأخيراً فإن المسكن الغدامسي التقليدى يعكس طريقة بارعة فى تصميمه وذلك باستخدام الإمكانيات المحدودة والمساحة لمواجهة الإحتياجات الطبيعية الوظيفية والإقتصادية والاجتماعية وكذلك لتخفيف حدة الظروف المناخية الخشنة من أجل صالح الكائن الحي . وقد انتجت الوحدات السكنية التقليدية باسلوب يتماشى مع جميع الإحتياجات ويستجيب بنجاح  للمشاكل المناخية والتغلب عليها .

الحلول التي وضعت لتهوية مدينة غدامس/
    المدينة مؤسسة أو مبنية على أساس الحماية من الظروف المناخية ( المناخ الصحراوى الحار الجاف ) كما أن سكان مدينة غدامس استفادوا من الطبيعية حيث أن واحة غدامس محاطة بالنخيل من جميع الجهات مما جعل الواحة محاطة بالظل وهده العناصر الثلاثة وهى الماء والظل والرياح تعمل على تلطيف مناخ المنطقة بالكامل لأن الرياح تمر عبر الظل وهده التيارات الهوائية الباردة تدخل المدينة من خلال فتحات التهوية الموجودة بشوارع المدينة وتطرد التيارات الهوائية الساخنة عن طريق تيارات الحمل الطبيعي كما أن الممرات المغطاة للحماية من أشعة الشمس والفتحات الموجودة بها لجدب الهواء البارد من الخارج وتحريكه داخل هده الممرات .



    وتصميم المدينة ومساكنها منظم حسب مناخ المنطقة فهناك النوافذ في الأسطح وهى النافذة الوحيدة فى الحجرة الرئيسية المفتوحة فى السقف ومساحتها 75 سم2 والتى تزود الفراغات السفلية بكمية كافية من الضوء .
    هذه النافدة لا يوجد بها زجاج ومفتوحة إلى السماء ويوجد بها واقي screen  من سيقان النخيل لتعطى حماية لأولئك الدين يمشون على السقف .

    مستوى السقف مربوط بسلم ويحتوي على مطبخ ومخزن  ووجود المطبخ على السطح للتخلص من الهواء الساخن حيث أن وجوده فى الدور الأرضى يسبب سخونة وارتفاع فى درجة الحرارة  في الداخل، خلال أشهر الصيف ، السقف يكون أكثر فضاء مريح للنوم كما موضح بالشكل (28) .

    تؤدى النافذة الموجودة فى السقف عدد من الوظائف فهى كما تضئ وتهوي الغرفة التى تحتها فهى تحمي القاطنين من الوهج والدى يعتبر من المشاكل المتكررة في المناخ الصحراوي بطريقتين
          أولا : وضعها خارج  زاوية النظر الطبيعي ( فوق مستوى النظر )
          ثانياً : تعطى المنظر العام للسماء الزرقاء الغامقة التى تسر العين وتريحها أكثر من النظر إلى ضوء الشمس اللامع والمباشر والذى يمكن أن نراه بالوضع التقليدى أو المعروف للنوافذ. وهده النافذة تضيق الأشعة العمودية لنور الشمس الداخلة والسقف يكو ن كالسطح الكشوف للشمس . وهدا النور يشبه الضوء المنعكس بواسطة الشاشة عند الفتح

أما الوظيفة الثانية للنافدة والأهم هى تهوية الحجرة وتبريدها فهي تسمح للهواء البارد بالدخول والتخلص من الهواء الساخن فهي تأخذ مزايا تيارات الحمل الطبيعى وهده إحدى الطرق التى تحقق تدفق الحرارة عند الليل سطح الاسقف يكون بارد ودلك لنقص الاشعاع وصفاء السماء فيبرد الهواء الدى اصبح كثيف وانحدر من خلال النافدة إذا كان ابرد من الهواء الداخلي والهواء الساخن الموجود بداخل الحجرة يرتفع بتيارات الحمل.
وفي النهار درجة الحرارة في الداخل تكون اقل من درجة الحرارة في الخارج التهوية تقل والهواء البارد في الحجرة يكون محفوظ  .
      خلال النهار الهواء الساخن يرتفع ويتجمع تحت السقف حيث لا يكون له تأثير على الساكنين الموجودين تحت 4 امتار.

في الشتاء تعمل النافدة كصمام للحرارة والحوائط الضخمة وشكل المدينة لمتراص يضمن عدم سقوط أو نزول الحرارة الداخلية الى المستويات المنخفضة الممرات السفلية ( تحت المنازل ) في الدور الأرضي تحافظ أيضاً على انتظام الحرارة طول السنة عن طريق massive  وclosely
     المسالك او الممرات تكون دافئة نسبيا في الشتاء ومحمية من الرياح وباردة في الصيف مع الحماية التامة من الاشعة الشمسية
      وهنالك بعض المقاعد حيث يتمكن الرجال من  الجلوس والمحادثة والاستراحة فى السلوى خلال الأيام الحارة.


تآكل الجمال: أزمة الهوية الليبية بين الماضي والحاضر


جمال الهمالي اللافي

في كل زاوية من مدننا الليبية، وبين تفاصيل عمرانها، تكمن قصة شعب عاش يوماً بتذوقٍ رفيع، حيث كان يحيط نفسه بجمالٍ يعكس هويته واعتزازه بتاريخه. ومع مرور الزمن، أصبح القبح مألوفًا، متغلغلًا في تفاصيل الحياة، حتى تماهى معه الناس، وتحوّل إلى معيار للجمال في عيون الأجيال التي نشأت في هذا الواقع المشوه.

كيف يتحول كل ذاك الجمال الذي توج معالمنا التاريخية ومدنها إلى قبح، والقبح إلى معيار يتبناه المجتمع دون وعي، بل ويُحتذى به؟ ، وكيف أصبح المشهد مع مرور الزمن المتليء بالمباني الرديئة مألوفًا للناظرين، حيث تآلف الناس معه حتى تحول تدريجيًا إلى مرآة لمفهوم جديد للجمال في نظر الأجيال التي ترعرعت بين تلك الزوايا الخاوية من الروح. أيمكن اختصار هذا التحول في مجرد قبول الواقع؟ أم أنه نتيجة سلسلة تحولات أعمق تعكس تراجعًا في القيم، وانقطاعًا في السلسلة التي تربط الماضي بالحاضر؟

كيف يمكن لشعبٍ كان يومًا متقد الذائقة، شامخ الهوية، عاشقًا للجمال في التفاصيل الدقيقة من حياته، أن يتحول إلى حالٍ من اللامبالاة بل والتعايش الكامل مع الرداءة؟ هل يعود السبب إلى تلك التغيرات الاجتماعية والسياسية التي جعلت من البقاء على قيد الحياة أولوية على حساب الحفاظ على الهوية؟ وهل هذه التحولات جاءت كنتيجة حتمية لفترات عصيبة دفعت بالناس لتقديم الضرورات على القيم الجمالية؟ أم أن العولمة بتدفقها الطاغي فرضت معايير دخيلة أطاحت بالقيم الأصيلة واستبدلتها بنماذج مستوردة غير متجانسة مع الروح المحلية؟

ربما يكمن أحد العوامل في النظام التعليمي الذي لم يعد يُعنى بغرس تقدير الجمال والهوية لدى الأجيال الصاعدة. وحين يجتمع ذلك مع واقع اقتصادي هش، تصبح الحلول السريعة والعملية ملاذًا للهروب، حتى لو كان الثمن هو التخلي عن معايير الجمال. أليس هذا القبول التدريجي للقبح نتيجة لانقطاع الحلم؟ انطفاء الحلم الذي كان يومًا يربط الأفراد بجذورهم، تاريخهم، وتطلعاتهم لمستقبل أفضل.

وفي خضم كل هذا الانحلال، كيف يمكن استعادة نبض الهوية؟ هل يمكن إشعال شرارة الأمل من جديد؟ كيف يمكن دعوة شعب منهك وجدانيًا، يتجنب مواجهة واقعه، إلى أن يعيد التفكير، ليس فقط في ما يراه يوميًا، بل في من يكون، وفي المكانة التي يريد أن يستعيدها لنفسه؟

قد تكون الإجابة دعوة صادقة، وليست مجرد تسويق لأفكار أو مصالح شخصية. دعوة تُوجه إلى القلوب الكابية، تغرس بذورًا تتساءل، تتحدى، وتبحث. ربما تستفز هذه الدعوة البعض، وربما يرفضها آخرون، لكن مجرد أن تصبح هذه التساؤلات حديث النفس، تصاحبهم في أحلامهم، وفي خطواتهم اليومية، سيكون ذلك بداية الطريق لإعادة البناء... ليس بناءً عمرانيًا فقط، بل بناءً روحيًا وثقافيًا يحاكي جمالًا مفقوداً تسرب من بين أصابع الأجيال التي عاشت بريقه، أو موعوداً كحلم ينتظر أن يتجسد في واقع يعيد إحياء الروح الأصيلة لهذا الشعب.

هو جمالٌ ربما لم يكن يوماً سوى انعكاساً لتطلعاتنا، أو صورةً مثالية رسمتها أذهاننا في مواجهة القبح الذي صار سمةً لواقعنا. لكن السؤال الحقيقي ليس فقط عن ما إذا كان هذا الجمال مفقوداً أو موعوداً، بل عن الإرادة التي قد تُحرك النفوس لإعادة صياغته، وجعله محوراً يحاكي كينونتنا، ويلهمنا لاستعادة قيمنا واحترام ذواتنا، في مسيرة تهدف ليس فقط إلى بناء عمرانٍ جميل، بل إلى بعث جمالٍ يتجلى في الأخلاق والسلوك والثقافة، في رؤية جماعية تحملنا نحو مستقبل أكثر أصالة.

إن إعادة هذا الجمال ليست مجرد مهمة صعبة المنال، لكنها دعوة صادقة لإحياء كيانٍ كان دائماً نابضاً بالحياة. هي فرصة لإعادة بناء ليس فقط ما تهدم، بل أيضاً النفوس التي أنهكتها اللامبالاة، لنخطو معاً نحو مستقبل يحمل في طياته أصالة الماضي ووعود الغد.

الخميس، أبريل 03، 2025

المسجد الجامع والنسبة الذهبية

مئذنة المسجد بعد التعديل


جمال الهمالي اللافي

منذ سنوات، قمت بتصميم مسجد مستوحى من الطراز المحلي لمدينة طرابلس والشريط الساحلي، حيث حرصت على دمج الإرث الثقافي مع المبادئ الجمالية الهندسية، معتمداً في توزيع فراغاته على النسبة الذهبية. هذه النسبة التي تُعَدّ رمزاً للانسجام المثالي، شكّلت الأساس لتوازن عناصر التصميم.


وخلال الفترة الماضية، أعدت النظر في تصميم ارتفاع المئذنة التي بدت طويلة نسبياً مقارنة بباقي عناصر المسجد. دون الإخلال بالنسبة الذهبية، قمت بتحوير بسيط لوضعية المستطيل الذهبي الذي يمثل النسبة. بدلاً من الاعتماد على وضع المستطيل عمودياً داخل الضلع الأقصر من أضلاع المسجد، تم تعديله ليكون أفقياً داخل الضلع الأطول. هذا التعديل ساهم في تحقيق تناسب أفضل؛ حيث أصبح ارتفاع المئذنة مكافئاً للضلع الأصغر من المستطيل الذهبي بدلاً من الأكبر، مما أضفى على التصميم مزيداً من التناغم بين ارتفاعات المسجد وعناصره.

المئذنة قبل التعديل

تكمن أهمية هذا التحوير في قدرته على تحسين العلاقات البصرية داخل التصميم مع الحفاظ على روح النسبة الذهبية، مما يعزز التوازن بين الهوية الثقافية والوظيفة المعمارية. الصور المرفقة توضح كيف تمت معالجة النسبة الذهبية وتعديلها بصورة تراعي الجماليات والتناغم.

حديقة (السانية الليبية) – إحياء التراث وتعزيز الفضاءات العامة


حديفة السانية الليبية، تعتمد على النسبة الذهبية في أبعادها وتقسبماتها


جمال الهمالي اللافي

في مدنٍ تعاني من ندرة الفضاءات العامة التي تعكس هويتنا الثقافية وتجمع بين جمال الطبيعة واحتياجات الحياة العصرية، تظهر حديقة السانية الليبية كتصور مبتكر يُعيد تعريف العلاقة بين الإنسان والمكان. للأسف، تفتقر العاصمة الليبية طرابلس وكافة المدن الليبية لهذا النوع من الحدائق العامة، إذ لا توجد سوى حديقة عامة واحدة أسسها الإيطاليون خلال فترة احتلالهم، وهي حديقة البلدية الواقعة في مركز العاصمة.

ما هي حديقة السانية؟

هي فكرة مستوحاة من روح السواني الليبية، تلك المساحات التي كانت تربط بين الإنتاج الزراعي والترابط الإنساني، وتعتمد في تصميمها على النسبة الذهبية لإبداع توازن بصري مثالي. الحديقة تتضمن تصميم "الشراك" التي تقسمها إلى مربعات متعددة الاستخدامات، وتتوسطها نافورة مستوحاة من بئر "بوجناح"، أحد أهم العناصر المعمارية التقليدية في السواني الليبية.

التصور المبدئي للحديقة العامة

أهداف المشروع

  1. إحياء التراث: تقديم تصميم يعكس العمق الثقافي الليبي ويمزج بين الأصالة والحداثة.
  2. ربط المجتمع بالمكان: توفير فضاء يجمع كل فئات المجتمع لتبادل الخبرات وقضاء أوقات ممتعة.
  3. تعزيز البيئة: زيادة المساحات الخضراء وتحقيق ممارسات مستدامة في تصميم الفضاءات العامة.

مكونات المشروع

  • متحف ومعرض للصناعات التقليدية، مستوحى تصميم كتلته من نظام الأفنية وتوزيع الفراغات التقليدية في بيوت وفنادق المدينة القديمة بطرابلس.
  • معرض للفنون  التشكيلية والحرفية المعاصرة،عبارة عن كتلة مربعة تم تقسيمها إلى مثلثين عبر ممر مشاة يخترقها إلى نصفين .
  • نافورة مياه على شكل بير بوجناح ذلك الصرح المعماري المميز في كل سوانينا.
  • مساحات ترفيهية للأطفال وعائلية مريحة.
  • مُصلى صغير، مع الإشارة إلى رغبتي في جعل الحديقة امتدادًا لمسجد جامع آخر أعمل على تصميمه مستلهماً فكرته كذلك من النسبة الذهبية.
  • أنشطة تجارية ومطاعم بمذاق ليبي أصيل لتعزيز الاقتصاد المحلي وتوفير الخدمات الضرورية لرواد هذه الحديقة.

تأثير المشروع

  • مجتمعياً: مشروع يعزز الروابط الإنسانية ويعيد إحياء الفخر الثقافي.
  • بيئياً: تحسين جودة الهواء والمساهمة في استدامة الموارد الطبيعية.
  • ثقافياً: إعادة تعريف الفضاءات العامة كمساحات تعكس هويتنا وتراثنا.

رسالة مفتوحة إلى كل من يعنيه الأمر

لعل هذه الحديقة تكون الشرارة التي تعيد إحياء التراث وتنقل المدن الليبية خطوة نحو مستقبل يوازي عمق ماضيها. أؤمن بأن مثل هذا المشروع يمكنه تعزيز الروابط الاجتماعية والاقتصادية والبيئية في مدننا. أرحب بالنقاش والتعاون مع من يرى في هذه الفكرة رؤية قابلة للتنفيذ، لتصبح واقعاً يخدم الجميع.

الثلاثاء، أبريل 01، 2025

روح المكان: بين العمارة والإنسان

بوابة مدينة سوكنة


جمال الهمالي اللافي

في عالم العمارة، كل جدار وكل زاوية تحمل قصصاً، بعضها صاخب يروي عن ماضٍ زاخر بالتفاعلات الإنسانية، وبعضها هامس يُترجم الصمت إلى شعور بالسكينة والانسجام. ليست العمارة مجرد أحجار مرصوصة بدقة أو تصاميم مبتكرة، بل هي الجسر الذي يربط الماضي بالحاضر، والإنسان بروح المكان.

هناك سلالم كثيرة تربطنا بتاريخنا، بعضها مرئي يزين بيوتنا القديمة بأخشابها المتقنة، والبعض الآخر معنوي، يتمثل في تلك القيم التي استمدتها العمارة من التقاليد العريقة. ولكن حين نفقد هذه السلالم، نفقد معها وسيلة الصعود نحو الفهم الأعمق لمعنى الإبداع. هنا تأتي أهمية العمارة، لا كصناعة وإنما كفن يترجم الثقافات إلى ملامح مادية يمكن أن تشعر بها الأرواح.

العلاقة بين الثابت والمتغير

البيوت القديمة بأقواسها وعقودها وأفنيتها المفتوحة على السماء ليست مجرد بيوت، بل شواهد نابضة على حوار حي بين الثابت والمتغير. فهي تحتفظ بجذورها الراسخة في تقاليد البيئة والمجتمع، لكنها تستجيب برشاقة لاحتياجات الأجيال المتعاقبة. الإبداع هنا ليس في تصميم جديد منفصل عن الماضي، بل في الحفاظ على هذه الجذور مع فتح نافذة على المستقبل.

مثل هذه البيوت تصبح مرآة للإنسان نفسه، حيث يجد نفسه في صراع دائم بين الحفاظ على جذوره الثقافية وبين التحول لمواكبة العصر. وهذا هو جوهر الإبداع: أن نحترم الماضي ونستثمر فيه، دون أن نتخلى عن الرؤية المتجددة التي تقدم حلولاً تلبي متطلبات اليوم وتطلعات الغد.

المدينة ككائن حي

كما أن الإنسان يستمد حياته من نبض قلبه، فإن المدن تستمد حياتها من سكانها، ومن ارتباطهم بتقاليدهم وروح المكان. بغياب هذا الارتباط، تتحول المدينة إلى مجرد هيكل بلا روح. روح المدينة تسكن في التفاصيل: في تمازج الألوان على واجهات البيوت، في رائحة الخبز المنبعثة من الأفران الترابية، وفي ظل شجرة التين التي تجمع الأهل حول فنجان شاي.

إعادة الروح إلى المدن ليست بالمهمة المعمارية فحسب، بل هي عملية ثقافية واجتماعية تتطلب وعياً بمفهوم الهوية واحتراماً لتاريخ المكان، مع إدخال لمسات حساسة تضمن استمراريته كجزء حي من الذاكرة الجمعية.

استنتاج فلسفي

إن العمارة التي تنفصل عن روح المكان تفقد جوهرها. الإبداع في العمارة ليس مجرد رسم خطوط وتصميم مساحات، بل هو بناء معاني تربط الإنسان بماضيه وحاضره ومستقبله. إنه القدرة على رؤية الجمال في الإرث، والجرأة على إعادة تفسيره بما يعكس احتياجات الواقع وأحلام الغد.

بين التراث والتغريب: دعوة لتأصيل العمارة الليبية المعاصرة

مشروع لوحدتين سكنيتين لزوجتين وصالة ضيافة


جمال الهمالي اللافي

تشهد الساحة المعمارية في ليبيا جدلاً متواصلاً بين دعاة التغريب المعماري والمؤيدين للعمارة المحلية التي تنبع من تراثنا ومقوماتنا البيئية. ومن منطلق التقييم الواقعي، يمكن لدعاة التغريب انتقاد جهودنا في تأصيل العمارة الليبية فقط عندما تتوفر العناصر التالية بشكل كافٍ ومستدام في بلادنا:

  • وفرة وتنوع مواد البناء والتشطيب: تمثل تنوع المواد واستخدامها المتاح ركيزة أساسية للتصميم والتشييد.
  • تقنيات الإنشاء المتطورة وتنوعها: تضمن التقنيات المبتكرة تقليص التكاليف وتعزيز جودة البناء.
  • وجود عمالة فنية وحرفية ماهرة: العمالة المتخصصة ضرورة لضمان تنفيذ المباني بدقة وحرفية.
  • انخفاض تكاليف المواد والتقنيات والعمالة: إن تحقيق التكلفة المعقولة يجعل العمارة أكثر استدامة وملاءمة للسياق المحلي.

ولكن حتى يومنا هذا، نحن نفتقر بشكل كبير إلى كل تلك العناصر، بل ونشهد تراجعاً في استغلال التقنيات والمواد التقليدية التي كانت تمثل جزءاً أساسياً من هويتنا المعمارية. إن فقدان هذه الفرص يقودنا إلى نقطة حرجة تدعو إلى تبني حلول أكثر واقعية واحتراماً لمواردنا المحدودة.

العودة إلى الجذور: اختيار العقلانية

في ظل التحديات الحالية، يصبح التعامل مع الإمكانيات المتوفرة خطوة عقلانية تفرضها الضرورة. يتطلب هذا الاتجاه إعادة تقييم شاملة للاحتياجات المعمارية للمجتمع الليبي، ما يُعزِّز اللجوء إلى العمارة المحلية كخيار يعبر عن هويتنا الثقافية والاقتصادية. إنها دعوة لمواءمة تصاميمنا مع قدراتنا البيئية والمادية، بدلاً من الاستمرار في استيراد أشكال حداثة معمارية بعيدة عن واقعنا المحلي، ولا تتوافق مع المواد والتقنيات المتاحة أصلاً في بلادها.

العمالة الوافدة وتحديات الجودة والتكلفة

أحد القضايا الحرجة التي يجب تسليط الضوء عليها هي الاعتماد الكبير على العمالة الوافدة التي غالباً ما تكون مرتفعة التكلفة وتفتقر إلى الجودة المطلوبة. هذا يخلق بيئة غير داعمة للتطور المحلي ويُعمق الفجوة بين الطموحات المعمارية والقدرات الفعلية.

خاتمة

لذا، تبقى العودة إلى العمارة المحلية خياراً أكثر انسجاماً مع واقعنا، ومعبراً بصدق عن احترامنا لموروثنا الثقافي ومحيطنا العمراني. كما أنها تمثل رداً عملياً على التحديات التي تواجه قطاع البناء في ليبيا، وتفتح المجال أمام استدامة معمارية ترتكز على ما هو متاح فعلياً.

 

المواضيع الأكثر مشاهدة

بحث هذه المدونة الإلكترونية