 |
مدرسة باوهاوس المعمارية |
جمال الهمالي اللافي
إحدى
أبرز التحديات في مجال العمارة والمهن المكملة لها تتمثل في تمسك كل طرف بوجهة
نظره وتوجهه التصميمي، مما يجعل من الصعب تحقيق انسجام أو رؤية مشتركة بين الأطراف
المشاركة في مشروع واحد. نادرًا ما نجد معمارياً يتعاون مع آخر لتحقيق رؤية موحدة
لمشروع واحد. بالمثل، يصعب تحقيق توافق بين المعماريين والمصممين الداخليين أو
منسقي الحدائق أو مصممي الأثاث وغيرهم من المتخصصين في المجالات المكملة.
حتى
مصممو الجرافيك، الذين تتمثل مهمتهم في التعبير عن رؤية العميل بأسلوب إبداعي،
يواجهون تحديات في تبني رؤية المعماريين. فنجدهم يصرون على إخراج المشاريع
بأسلوبهم المعتاد، غير القابل للتغيير، مما يؤدي إلى انحصار التنوع الإبداعي
وتكرار الأنماط. وهنا يتضح مثال مشابه يُستقى من الإعلانات التلفزيونية المصرية،
التي تعتمد جميعها على نمط واحد في الترويج، بغض النظر عن طبيعة السلعة. إذ
تُسخَّر فيها مختلف الفئات العمرية من الرجال والنساء وحتى الأطفال في مشاهد رقص
وهز وسط، بشكل يعكس الحلول الأسهل والأكثر ربحية، بدلاً من البحث عن أفكار إبداعية
مبتكرة تتناسب مع كل حالة على حدة.
الدكتور المعماري/ عبدالمجيد عبدالرحمن: نعم أستاذ جمال، هذا الرأي كان
ولا يزال قائماً، ولكنه أحد الأسباب الرئيسية وراء ظهور نظرية الباوهاوس الألمانية -
Bauhaus - التي طرحت حلاً للمشكلة:
·
الانتقال
من التصميم الفردي إلى التصميم الديمقراطي الجماعي الذي يعتمد على لغة تصميمية
واحدة مشتركة بين الجميع.
· نظرية الباوهاوس قدمت نظاماً للتصميم الجماعي
يتيح لجميع الأطراف العمل دون تضارب في الأفكار والاتجاهات، حيث تم دمج جميع
الأبعاد في اتجاه واحد يتماشى مع الجميع.
هذا رأيي الشخصي حول كيفية تقديم مقترح لمعالجة
المشاكل التصميمية التي تظهر عند اشتراك فريق من المصممين في مشروع واحد.
جمال الهمالي اللافي: دكتور
عبدالمجيد عبدالرحمن، هذا ما نسعى لتحقيقه؛ نموذج عمل يقوم على تضافر جهود جميع
التخصصات تحت رؤية مشتركة.
الدكتور المعماري/ عبدالمجيد عبدالرحمن: نعم،
ولكن إذا نظرنا بعمق إلى تاريخ نظرية الباوهاوس أثناء تأسيسها نجد أنها كانت تهدف
إلى القضاء على التصميم الفردي للفنون والحرف اليدوية السبعة وعلاقتها بالتصميم
المعماري، ولكنها واجهت تناقضات وصعوبات نتيجة اختلاف الاتجاهات بين تصميم الأثاث،
الإضاءة، الأرضيات وغيرها.
ولهذا السبب عملت الباوهاوس على توحيد لغة
التصميم وتقديم أسلوب بسيط يجمع الشكل والوظيفة في قالب موحد ليُقبله الجميع.
جمال الهمالي اللافي: دكتور
عبدالمجيد عبدالرحمن، نعم، الاختلاف لا يمكن معالجته إلا من خلال توحيد لغة
التصميم، وهذا ما نفتقده في بلدنا. نحتاج إلى تبني تجربة الباوهاوس في ليبيا،
وربما تأسيس مدرسة معمارية خاصة يمكن الاعتماد بعدها على خريجيها لإحداث الفارق
المطلوب.
الدكتور المعماري/ عبدالمجيد عبدالرحمن: نعم، هذا
ما نحتاجه: إدراج تجربة ونتائج الباوهاوس بعد 100 سنة من تأسيسها. والأهم أن ندرس
كيف يمكن تطبيق نموذج الباوهاوس في المناطق الحارة.
فالجدل يدور حول كون الباوهاوس قد تأسست في مناطق
باردة وانتقلت من استخدام الحجر في المرحلة الأولى إلى استخدام الزجاج والمعادن
بشكل أكبر. والسؤال هو: كيف يمكن أن تكون المباني بتصاميمها الخارجية والداخلية
قادرة على مقاومة الحرارة، مع الحفاظ على المعايير التي وضعتها الباوهاوس؟
بالنسبة للأثاث والإضاءة وغيرها من العناصر
الداخلية، لا توجد عوائق أمام البيئة والمناخ. ولكن التحديات تكمن في التصميم
الخارجي وملاءمته للحرارة المرتفعة.
جمال الهمالي اللافي: الرؤية
العامة لفكر الباوهاوس وكيفية ملاءمة منهجها لقيمنا الاجتماعية وظروف بيئتنا،
أعتقد أن منهج الربط بين المعماري وكافة الفنون الجميلة والحرف الفنية وخطوط
الإنتاج يمثل الخطوة الأكثر أهمية، والتي من خلالها يمكن توظيف رؤية هذه المدرسة
لاستنباط منهج يؤصل للعمارة المحلية المعاصرة.
الدكتور المعماري/ عبدالمجيد
عبدالرحمن: نعم، تأسيس كلية تعتمد نهج الباوهاوس في المناطق الحارة سيكون
خطوة جوهرية. هذه الكلية يجب أن تشمل دراسة تخصصات العمارة، التصميم الصناعي
للأثاث، والفنون التطبيقية السبعة مجتمعة. بمعنى أن المعماري يكون مسؤولاً عن تصميم
كل التفاصيل، من الأثاث الداخلي إلى الشكل الخارجي للمبنى، ليسلّم المشروع كاملاً
وجاهزاً من الصفر إلى تسليم المفتاح.
هذه هي فلسفة الباوهاوس التي نجحت في
القضاء على الفوضى التي كانت شائعة في مجالات التصميم الداخلي والخارجي، وكذلك في
العمارة وتصميم الأثاث والديكور والفنون التطبيقية الأخرى.
جمال الهمالي اللافي:
دكتور عبدالمجيد عبدالرحمن، مادامت
هذه المدرسة قد نجحت في حل هذه الإشكاليات، فلماذا لا نسارع بتبنيها وتطبيقها في
بلادنا؟
الدكتور المعماري/ عبدالمجيد
عبدالرحمن: لتحقيق ذلك، نحن بحاجة إلى مجموعة مثقفة من المخططين
والمعماريين والمصممين والفنانين، الذين يمكنهم قيادة حركة فكرية جديدة داخل
المجتمع. تجدر الإشارة إلى أن مؤسسي الباوهاوس بدأوا بمبادرة من القطاع الخاص،
وأقنعوا الدولة لاحقاً بتبني هذه الفلسفة.
كانت الباوهاوس حركة جماعية ذات بُعد
اجتماعي واقتصادي، وقدمت حلولاً فعّالة لألمانيا التي كانت تعاني من آثار الحرب
العالمية الأولى. هذه التجربة كانت امتداداً لأهداف حزب العمال الألماني SPD،
الذي كان يسعى إلى تصميم مساكن اجتماعية تحقق العدالة بين مختلف فئات المجتمع،
وتقضي على الفجوة بين الغني والفقير.
جمال الهمالي اللافي:
أرى أن تحقيق ذلك ممكن.
الدكتور المعماري/ عبدالمجيد
عبدالرحمن: الباوهاوس تميزت باتجاهها الاجتماعي القوي، والذي ركز على
تلبية حاجة المجتمع إلى السكن الاقتصادي والاجتماعي. في مرحلة انتشارها الثانية،
عندما انتقلت من مدينة فايمر إلى ديساو، ركّزت الباوهاوس أكثر على خدمة المجتمع.
فقدمت نماذج حديثة لتصميم المجاورات السكنية، بما في ذلك المجمعات السكنية
المتكاملة في مدينة برلين.
في هذه المرحلة، ظهر التخطيط الحضري
الذي يربط بين الإسكان والفراغات الاجتماعية الخارجية، لتلبية احتياجات المجتمع
داخل وخارج المسكن أثناء أوقات الفراغ والعطلات. كانت هذه المبادئ أسساً لتصميم
يخدم الفرد والمجتمع على حد سواء.
جمال الهمالي اللافي:
لا يوجد أي تعارض بين هذه المبادئ وما
يحتاجه مجتمعنا اليوم.
الدكتور المعماري/ عبدالمجيد
عبدالرحمن: لتعميم هذه التجربة، يجب فتح كلية على نهج الباوهاوس، حيث
يتعلم الطلاب تخصصات الفنون التطبيقية، التصميم العام، العمارة، والتخطيط الحضري.
هذه هي مبادئ الباوهاوس الألمانية التي تحتاج إلى الانتشار في دول العالم الثالث،
ومنها ليبيا.
الدكتور المعماري/
عبدالمجيد عبدالرحمن: تأسيس كلية تعتمد نهج الباوهاوس في المناطق
الحارة سيكون خطوة جوهرية. هذه الكلية يجب أن تشمل دراسة تخصصات العمارة، التصميم
الصناعي للأثاث، والفنون التطبيقية السبعة مجتمعة. بمعنى أن المعماري يكون مسؤولاً
عن تصميم كل التفاصيل، من الأثاث الداخلي إلى الشكل الخارجي للمبنى، ليسلّم
المشروع كاملاً وجاهزاً من الصفر إلى تسليم المفتاح.
هذه هي فلسفة الباوهاوس التي
نجحت في القضاء على الفوضى التي كانت شائعة في مجالات التصميم الداخلي والخارجي،
وكذلك في العمارة وتصميم الأثاث والديكور والفنون التطبيقية الأخرى.
جمال الهمالي اللافي: دكتور
عبدالمجيد عبدالرحمن، مادامت هذه المدرسة قد نجحت في حل هذه الإشكاليات، فلماذا لا
نسارع بتبنيها وتطبيقها في بلادنا؟
الدكتور المعماري/
عبدالمجيد عبدالرحمن: لتحقيق ذلك، نحن بحاجة إلى مجموعة مثقفة من
المخططين والمعماريين والمصممين والفنانين، الذين يمكنهم قيادة حركة فكرية جديدة
داخل المجتمع. تجدر الإشارة إلى أن مؤسسي الباوهاوس بدأوا بمبادرة من القطاع
الخاص، وأقنعوا الدولة لاحقاً بتبني هذه الفلسفة.
كانت الباوهاوس حركة جماعية
ذات بُعد اجتماعي واقتصادي، وقدمت حلولاً فعّالة لألمانيا التي كانت تعاني من آثار
الحرب العالمية الأولى. هذه التجربة كانت امتداداً لأهداف حزب العمال الألماني SPD، الذي كان يسعى إلى تصميم
مساكن اجتماعية تحقق العدالة بين مختلف فئات المجتمع، وتقضي على الفجوة بين الغني
والفقير.
جمال الهمالي اللافي: أرى أن
تحقيق ذلك ممكن.
الدكتور المعماري/
عبدالمجيد عبدالرحمن: الباوهاوس تميزت باتجاهها الاجتماعي القوي،
والذي ركز على تلبية حاجة المجتمع إلى السكن الاقتصادي والاجتماعي. في مرحلة
انتشارها الثانية، عندما انتقلت من مدينة فايمر إلى ديساو، ركّزت الباوهاوس أكثر
على خدمة المجتمع. فقدمت نماذج حديثة لتصميم المجاورات السكنية، بما في ذلك
المجمعات السكنية المتكاملة في مدينة برلين.
في هذه المرحلة، ظهر التخطيط
الحضري الذي يربط بين الإسكان والفراغات الاجتماعية الخارجية، لتلبية احتياجات
المجتمع داخل وخارج المسكن أثناء أوقات الفراغ والعطلات. كانت هذه المبادئ أسساً
لتصميم يخدم الفرد والمجتمع على حد سواء.
جمال الهمالي اللافي: لا يوجد
أي تعارض بين هذه المبادئ وما يحتاجه مجتمعنا اليوم.
الدكتور المعماري/
عبدالمجيد عبدالرحمن: لتعميم هذه التجربة، يجب فتح كلية على نهج
الباوهاوس، حيث يتعلم الطلاب تخصصات الفنون التطبيقية، التصميم العام، العمارة،
والتخطيط الحضري. هذه هي مبادئ الباوهاوس الألمانية التي تحتاج إلى الانتشار في
دول العالم الثالث، ومنها ليبيا.
ملخص الحوار:
يركز
الحوار على أهمية تبني فلسفة الباوهاوس في ليبيا كحل للتحديات التصميمية والمعمارية
التي يواجهها المجتمع. يشدد الدكتور عبدالمجيد عبدالرحمن على أن نموذج الباوهاوس،
الذي نجح في توحيد التخصصات المختلفة تحت رؤية تصميمية مشتركة، يمكن أن يحقق نقلة
نوعية في التصاميم المحلية، بشرط تكييفه مع الظروف البيئية والاجتماعية للبلاد.
جمال الهمالي اللافي يرى أن هذه المبادئ لا تتعارض مع احتياجات المجتمع الليبي،
مؤكداً إمكانية تطبيق هذا النهج عن طريق تأسيس كلية تعتمد على فلسفة الباوهاوس
لتكوين جيل جديد من المصممين والمعماريين القادرين على تحقيق التكامل والإبداع في
المشاريع المستقبلية.
ويتفق
الطرفان على أن نجاح هذا النموذج يعتمد إلى حد كبير على التعليم المستمر
والابتكار. يمكن تحقيق ذلك من خلال إنشاء برامج تدريبية قصيرة الأمد بمشاركة
محترفين عالميين أو عبر شراكات مع جامعات ومدارس تصميم دولية. هذه البرامج تمثل
خطوة أولى نحو تطبيق تجربة الباوهاوس محلياً، إلى جانب تأسيس الكلية. كما يُمكن
تعزيز هذا النهج باستخدام التكنولوجيا الحديثة، بما في ذلك برامج التصميم الرقمي
وتقنيات الذكاء الاصطناعي لتكييف الحلول مع البيئة المحلية. هذه الخطوات ستكون
أساسية لإحداث تحول شامل في مجال التصميم بما يخدم المجتمع ويُسهم في تحقيق
العدالة الاجتماعية والاقتصادية.
خاتمة:
في ظل
التحديات المتزايدة التي يواجهها قطاع التصميم المعماري والفنون التطبيقية اليوم،
تبرز الحاجة الملحّة إلى تبني منهجيات أكثر تعاوناً وشمولية. إن غياب رؤية مشتركة
ولغة تصميم موحّدة بين التخصصات المختلفة يؤدي إلى تفاقم التباين والانقسام. ومع
ذلك، نجد في تاريخ العمارة وتصميم الفنون أمثلة على مبادرات رائدة، مثل تجربة
الباوهاوس الألمانية، التي نجحت في توحيد جهود المصممين والمعماريين والفنانين،
مما جعلها نموذجاً يُستلهم لتحقيق تكامل إبداعي ينهض بالمجتمع.
قد
تكون هذه التجربة درساً قيّماً لدول العالم، وخصوصاً في منطقتنا، حيث يمكن إعادة
صياغة مبادئها لتتلاءم مع السياق البيئي والاجتماعي والثقافي المحلي. إن تبني
مفهوم التصميم الجماعي لا يساعد فقط على التغلب على الفجوة بين مختلف الفنون
والتخصصات، بل يفتح الباب لإبداعات حقيقية تلبي احتياجات المجتمعات وتُسهم في
تحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية.