أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

{فأما الزَّبد فيذهب جُفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض}- سورة الرعد، الآية 17

الأربعاء، نوفمبر 06، 2024

من ماضي ذاكرتي المعمارية

 


في فترة التسعينيات، بدأت أُعبّر كتابةً عن الصراعات الفكرية التي كانت تدور في داخلي بشأن النهج والتوجه المعماري الذي ينبغي عليّ تبنيه في مسيرتي المهنية، خاصة في ظل حالة الاغتراب التي يعاني منها المجتمع. كانت هذه الأفكار تظهر في شكل سلسلة من الخواطر المعمارية، التي كنت أدوّنها على الورق نفسه الذي أصمم عليه اسكتشات أفكاري لخرائط أحد القاصدين لطلب خدماتي.

بعد أن بدأت أستخدم جهاز الكمبيوتر للكتابة مباشرة، قمت بطباعة هذه الخواطر وجمعتها في ملف أسميته "إبحار في متون الوعي"، حيث أدرجت مقدمة تعبر عن تلك السلسلة:

"إبحارٌ... في متون الوعي" هي محاولة لإيقاظ ذهني الغافي، والإبحار به على سفينة الوعي، لعلي أدرك حقيقة ذاتي واتفهم أدواري في هذه الحياة، وأحدد مكاني في هذا المحيط المجهول، الشاسع والمبهم، الذي أطلق عليه اسم الوجود. عساي أكون نقطة فاعلة ومؤثرة فيه، وأمنح لحياتي العابر معنى وقيمة.

جعلت لتلك الخواطر المعمارية تحديداً عنواناً فرعياً ضمنته فلسفتي الخاصة في العمارة تحت عنوان "قراءة في فلسفة العمارة"، ذلك أن فلسفة العمارة ليست مجرد مجموعة من القواعد والتقنيات، بل هي تأمل عميق في العلاقة بين الإنسان والمكان، وبين الشكل والوظيفة. العمارة، وهي تجسيد ينعكس فيه الإبداع البشري، تعكس ثقافات وحضارات متعددة، وتروي قصص المجتمعات التي أنشأتها.

عندما نتحدث عن فلسفة العمارة، يجب علينا أن نتطرق إلى مفهوم الجمال. هل الجمال هو مجرد تناغم في الأشكال والألوان، أم أنه يرتبط أيضًا بالراحة النفسية والوظيفية للمستخدمين؟ العمارة الجيدة تتجاوز الشكل الخارجي، لتشكل تجربة حياة متكاملة تعزز من جودة الحياة.

علاوة على ذلك، فلسفة العمارة تتعلق أيضًا بالاستدامة. في عالم يتصارع مع تحديات التغير المناخي والموارد المحدودة، يصبح واجب المعماريين تصميم مساحات تعكس الاحترام للبيئة وتؤكد على استخدام الموارد بشكل فعال. العمارة المستدامة ليست فقط واجهة خارجية، بل هي فلسفة تعيش وتنمو مع الزمن.

وأخيراً، علينا أن نأخذ بعين الاعتبار بعد الزمن في عملية التصميم. العمارة ليست ثابتة، بل هي كائن حي يتحول ويستجيب للتغيرات الاجتماعية والثقافية. كيف يمكن أن نتوقع أن تتفاعل المباني مع مستخدميها بعد عشرين أو ثلاثين عاماً؟ إن فهم هذا البعد الزمني يمنح المعماريين قدرة على الابتكار والتكيف مع احتياجات المجتمعات المتغيرة.

في النهاية، فلسفة العمارة ليست مجرد نظريات، بل هي استكشاف لروح الإنسانية وتجسيد لمفاهيم الحب، والصدق، والجمال، والاستدامة، مما يجعل العمارة إحدى أرقى الفنون التي تعبر عن وجودنا في هذا العالم.

سأعيد نشر بعض من تلك الخواطر المعمارية على فترات، وهذه واحدة منها:

قراءة في فلسفة العمارة

(إني خضت بحر العمران... فوجدته عميق الأغوار، تتقاذفني فيه تيارات شتى... فلم أر لنفسي النجاة، إلا بالتمسك بمرساة التاريخ والسباحة مع تيار الأصالة، حتى استطعت الوصول إلى شاطئ الأمان. ولو لم أفعل ذلك لرمتني إحدى التيارات الفكرية المتضاربة، على صخور التبعية والانقياد الأعمى، محولة فكري إلى أشلاء تنهشها حيتان الغربة الثقافية).

الأحد 24/4/1994 م.

تعقيب من هذا الزمن 6 نوفمبر 2024:

تاريخ العمارة هو مرشد لنا في هذه الرحلة؛ إنه هوية تنقلنا عبر الزمان والمكان، وتذكرنا بجذورنا الثقافية والمعرفية. عندما نتشبث بأصالتنا، نجد أن العمارة ليست مجرد بناء، بل هي تجسيد لروح المجتمعات وتاريخها. كل صرح معماري، كبر أو صغر في حجمه يعبر عن قصة، كل زاوية تحمل ذكريات وطرزًا تعكس رؤية كل جيل.

فقد علمتني هذه التجربة أن العمارة ليست زينةً أو مجرد تقنيات تُستخدم للبناء، بل هي منارة تنير الطريق أمام الأجيال المستقبلية، تعزز من شعور الانتماء والهوية. إن السباحة مع تيار الأصالة لا تعني التوقف عن التجديد، بل تعني دمج الفلسفات الفكرية والعصرية مع الجذور التاريخية والثقافية، ما يُمكّننا من خلق أماكن معاصرة تحمل في طياتها عبق القدم وتحديات الحاضر.

كان كل مقطع من هذه الخواطر يعكس عمق تفكيري وتفاعلي مع البيئة الاجتماعية والثقافية التي كنت أعيشها. كنت أسعى للبحث عن معاني جديدة للعمارة، تلك المعاني التي تعكس واقعَ المجتمع وتساعد في معالجة أغرب مشاكله من خلال التصميم المعماري. كنت أسأل نفسي: كيف يمكنني كمُصمم أن أعبّر عن الهوية الحقيقية لمكانٍ ما؟ كيف يمكنني أن أخلق فضاءاتً ليس فقط لتلبية الاحتياجات المادية، ولكن أيضًا لتعزيز الروابط الإنسانية وإعادة تشكيل نسيج المجتمع؟

كانت هذه التساؤلات تمثل دافعاً لي للبحث والتفحص، وكانت النتائج في كثير من الأحيان تشكل مصدر إلهام لأفكاري التصميمية. إن هذه الخواطر كانت رحلة داخلية للبحث عن الإجابات، وليست مجرد تعريفات نظرية بحتة.

 

الأربعاء، أكتوبر 02، 2024

من التراث إلى المعاصرة- رؤى فكرية في العمارة المحلية:

 


المعماري/ جمال الهمالي اللافي

تمهيد/

تمثل العلاقة بين التراث والمعاصرة في العمارة موضوعًا غنيًا يحتاج إلى فهم عميق وتوجه فكري واضح. إن التقليد، الاقتباس، أو المحاكاة من الموروث المعماري لا تمثل بالضرورة عيوبًا أو قصورًا في المنهج الفكري للمعماري. بل يمكن أن تكون هذه الممارسات وسيلة فعّالة للحفاظ على ما تم تحقيقه في الماضي من حلول بيئية واجتماعية لا تزال تلبي الاحتياجات الوظيفية بفاعلية. يجب أن نكون واعين أيضًا أن التجديد أو الحداثة ليستا دائمًا إيجابيتين، خصوصًا عندما يترافقان مع تدمير عناصر تراثية دون مبررات منطقية أو منهجية واضحة، مما يؤدي إلى آثار سلبية على استقرار المجتمع وتماسكه.

في هذا السياق، ومن خلال رؤاي الفكرية حول العمارة المحلية، ينبغي على المعماري الليبي الذي يسعى للتواصل مع تراثه المعماري أن يأخذ بعين الاعتبار عدة جوانب أساسية مساعدة في تأسيس عمارة معاصرة تعكس الهوية الثقافية للبلاد:

·     الإلهام من الحرفيين التقليديين: يجب أن نستمد إلهامنا من الحرفيين التقليديين الذين تمكنوا من التوفيق بين القيم الاجتماعية ومطالب الحياة اليومية. إن نجاحهم نابع من تجربتهم العميقة ومهاراتهم في استعمال مواد البناء والطرق الإنشائية المتاحة. وبالتالي، يمكن للعمارة المعاصرة أن تستفيد من هذه الخبرات لتقديم حلول معمارية فعالة وملائمة.

·     تنوع العمارة المحلية: العمارة المحلية ليست نمطًا واحدًا يُعمم على جميع المدن، بل تجسيد لعلاقة متينة بين الشكل والمضمون والمحيط الاجتماعي والبيئي. إن إعادة الاعتبار للعمارة المحلية تعني احترام خصوصية كل نمط معماري، وتطوير تصاميم تتناسب مع البيئة المحلية.

·     فهم توزيع الفراغات: من المهم فهم أبعاد ودوافع توزيع الفراغات المعمارية ودورها الوظيفي. يجب أن تتناسب هذه التوزيعات مع احتياجات العصر الحديث، مما يتطلب تعديل الأشكال والمساحات المستعملة، وإلغاء التوزيع الفراغي غير الملائم.

·     ترابط العناصر المعمارية: العلاقة بين العناصر والمفردات المعمارية والزخرفية وتوزيع الفراغات هي علاقة أساسية. تعكس هذه العلاقة أساليب التعبير التي تشكل هوية المكان وخصائص سكانه، مما يعتبر جزءًا حيويًا من العمارة المحلية.

·     استلهام الأصالة من التاريخ: يتعين على المعماريين الجدد استكشاف الملامح الأصيلة للعمارة المحلية من خلال الزيارات الميدانية والبحث في المعالم التاريخية. تعمل هذه الدراسة على الحفاظ على أصالة التوزيع الفراغي وتفرد التفاصيل المعمارية والزخرفية.

·     دور المعماري في المجتمع: إن المسار المهني والبحثي للمعماري الليبي يجب أن يؤكد على أهمية التأصيل للعمارة المحلية. ينبغي تجاوز التصورات التي ترى في هذا التأصيل تقليدًا منافيًا للإبداع. بدلاً من ذلك، يجب إدخال النقاش حول المشاريع في إطار تقييم فعاليتها في سياق التأصيل، مما يسهم في تحسين الرسالة المعمارية في نقل المجتمع نحو التطور الحضاري.

عليه، يجب على المعماريين أن يحققوا توازنًا بين الحفاظ على التراث والتجديد، وهو الأمر الذي سيسهم في تطوير المجتمع بشكل مستدام، ويعزز تفاعل العمارة مع الهوية الثقافية والاجتماعية. إن هذه الرؤية الفكرية تدعو للابتكار والامتداد إلى الجذور، مما يجعل العمارة تمثل ثراء الثقافات وتاريخ المجتمعات. 

رؤية للعمارة المحلية المعاصرة

إن العمارة المحلية المعاصرة تمثل جسرًا بين القيم الثقافية الثابتة والتغيرات التي تطرأ على المجتمعات. هذه الرؤية تتطلب من المعماري إرسال إشارات تستوعب الخصائص الاجتماعية والثقافية، وفي الوقت ذاته تجسد العناصر الحديثة للحياة المعاصرة. ومن خلال استقراء المحاور التالية، يمكننا تصور مستقبل مستدام للعمارة المحلية:

1.      التوازن بين الثوابت والمتغيرات:

·     الثوابت: من الضروري الحفاظ على القيم المجتمعية والمعتقدات والبيئة، إذ تشكل هذه العناصر الجذور الثقافية التي تمس تاريخ وأصالة المجتمع. هذه الثوابت هي بمثابة الإرث الذي يُرسي الهوية، ويجب أن يُحترم في كل تصميم. 

·     المتغيرات: تعكس التطورات التكنولوجية في مواد البناء، مثل الابتكارات في العزل الحراري وتكنولوجيا الطاقة المتجددة، نقطة انطلاق مهمة للمعماريين. ينبغي عليهم دمج هذه العلوم والابتكارات الجديدة بحيث تسهم في تعزيز الإبداع في التصميم، مما يعكس احتياجات المجتمع المعاصرة. 

2.      المنهج التصميمي:

يتطلب المنهج التصميمي إجراء دراسات ميدانية وتعزيز الزيارات للمعالم التاريخية. يعين ذلك المعماري على فهم المفردات المعمارية والزخرفية التي تتسم بها الهوية المحلية. بفضل هذا الفهم العميق، يمكن للمعماري الحفاظ على أصالة التوزيع الفراغي والتفاصيل المعمارية التي تعكس هذا التراث.

3.      الإبداع والابتكار:

يجب أن يكون الإبداع مرتكزًا على استغلال العناصر الموجودة بدلاً من البحث عن كل ما هو جديد فقط. إن هذا يتطلب فهمًا عميقًا للمكونات التقليدية وكيفية التكيف معها. يمكن أن يكون الابتكار عبارة عن تطوير للممارسات التقليدية، مع تحديد ما يجب إلغاؤه أو تعديله لتلبية احتياجات العصر.

4.      التأصيل للعمارة الليبية المعاصرة:

يجب أن يركز المسار المهني للمعماريين على التأصيل للعمارة المحلية، بما يمثل جوهر العمارة الليبية. ينبغي أن يكون هناك انفتاح على التعبيرات الثقافية الخاصة بالمجتمع، مما يساعد في تخطي الانتقادات المتعلقة بالتقليد. فالفهم العميق للسياق المحلي يمثل نقطة القوة.

5.      الدور الاجتماعي والإعلامي:

يتحمل الإعلام ومؤسسات التعليم المعمارية مسؤولية لتوجيه المجتمع نحو قيمه وهويته. يجب تثقيف المجتمع حول أهمية الحفاظ على التراث، ودور ذلك في تشكيل الوعي المعماري. من خلال القيام بذلك، يمكن للإعلام لعب دور في إعادة بوصلة العمارة المحلية بما يتماشى مع هوية المجتمع.

6.      تحديث المناهج التعليمية:

ينبغي لمؤسسات التعليم المعماري التأكيد على أهمية المزج بين المناهج الغربية والتقاليد المحلية. يجب مراجعة المعطيات الاجتماعية والبيئية بشكل دقيق، لتزويد الطلاب بالأدوات اللازمة لفهم الخصوصيات المحلية ومتطلبات سوق العمل. هكذا يمكن تخريج جيل من المعماريين قادرين على الابتكار والمساهمة في تعزيز الهوية المعمارية.

خاتمة:

إن النظرة إلى العمارة المحلية المعاصرة ليست مجرد إحياء للماضي، بل هي عملية ديناميكية تتطلب الحوار المستمر بين التراث والحداثة. يجب على المعماريين العمل على التعبير عن أدوارهم كحلقة وصل بين التاريخ والابتكار، متجهين نحو بناء بيئات تعكس هويات مجتمعاتهم وتلبي احتياجات العصر. من خلال تحقيق هذا التوازن، يمكن للعمارة أن تعزز من استدامة المجتمعات وتساهم في تعزيز الهوية الثقافية في مواجهة التحديات المستقبلية.

 


الثلاثاء، أكتوبر 01، 2024

رؤية جديدة للمدينة الإسلامية المعاصرة

 

تونين القديمة بمدينة غات- إحدى المدن الصحراوية بالجنوب الغربي لليبيا

جمال الهمالي اللافي

 

مقدمة

عُقدت العديد من الندوات التي نظمتها مؤسسات ثقافية وعلمية في فترات متباعدة لمناقشة مستقبل العمارة وصورة المدينة في ليبيا في العقد الأخير من القرن الماضي. ورغم اتفاق المشاركين على القيم الاجتماعية والثقافية والروحية التي يحملها مخطط المدينة الإسلامية التقليدي، ورغم اتفاق المشاركين على القيم الاجتماعية والثقافية والروحية التي يحملها مخطط المدينة الإسلامية التقليدي، إلا أنهم أبدوا تحفظهم حيال قدرته على التكيف مع متطلبات العصر الحديث.

مثلما اتفقوا على أن المخططات الحديثة التي استوحيت من النماذج الغربية لم تكن قادرة على التفاعل بفعالية مع ظروف البيئة المحلية. وبيّنت النقاشات أن المخطط الإسلامي التقليدي لم يعد كفؤاً في مواجهة تحديات المجتمع المعاصر، دون تحديد دقيق لماهية الجوانب التي فشل المخطط التقليدي في استيعابها، والتي لا يمكن التغلب عليها، إلا في حالات استثنائية كالتغيرات البيئية أو التحولات الاجتماعية، التي تتسبب في هذا العجز. هذه نفس الاتهامات التي استدانها رجال التخطيط لاستخدام نماذج غربية في إعادة تخطيط المدن الإسلامية المعاصرة.

تلك كانت جملة من التساؤلات، تدعو للرد عليها من خلال وضع تصوراً مستقبلياً لصورة المدينة الاسلامية المعاصرة.

صورة المدينة الإسلامية المعاصرة

تجسد المدينة الإسلامية المعاصرة كمجتمع مزدهر، تتكامل فيه الجوانب الروحية والثقافية والبيئية والاقتصادية، حيث يتمثل الجمال العمراني في استخدام التصاميم المعمارية التقليدية بأسلوب معاصر يتسم بالابتكار والمرونة. المساجد تظل مركزاً للحياة الاجتماعية والثقافية، حيث تتنوع أدوارها بين الصلوات والنشاطات الثقافية والتعليمية والاجتماعية. يتمثل التحدي الأساسي في تصميم مساحات حضرية تتسم بالتجانس والتنوع في الاستخدامات، حيث تتداخل المساحات الخضراء والأماكن العامة مع المرافق التجارية والخدمية بشكل يعزز من التواصل والتفاعل الاجتماعي. النموذج العمراني المستدام يُبرز في تصاميم الكتل المتضامة التي تعزز من استخدام الأراضي بكفاءة وتقلل من التأثيرات البيئية السلبية.

بفضل التكنولوجيا والابتكار في البناء، يُمكن استخدام موارد طبيعية متجددة وتقنيات الطاقة النظيفة لتحقيق استدامة بيئية واقتصادية في الأمد الطويل. بهذا الشكل، تتحقق رؤية المدينة الإسلامية المعاصرة كمجتمع متقدم ومستدام، حيث يتم تفعيل التراث الثقافي والديني بأسلوب يتسم بالحداثة والتكنولوجيا المتقدمة، مما يعزز من جودة الحياة ويسهم في التنمية الشاملة للمدينة وسكانها.

ومن هنا، يمكن تحديد الجوانب التالية التي تساهم في رسم صورة المدينة الإسلامية المعاصرة على الصعيدين العمراني والمعماري، تدعو للرد عليها من خلال وضع تصور مستقبلي لصورة المدينة الإسلامية المعاصرة:

1.        إعادة الاعتبار لمركزية المسجد والساحة العامة في مخططات المناطق الحضرية والمدن ودوره الحيوي في الحياة الاجتماعية والثقافية والسياسية، بتوسيع نطاقه ليشمل الأنشطة الاجتماعية والثقافية إلى جانب الأداء الديني.

2.               إعادة الربط بين مؤسسات الدولة والمسجد الكبير على مستوى التخطيط الحضري.

3.        توزيع الأسواق والمباني التجارية والخدمية حول المساجد الكبيرة ومؤسسات الدولة والمرافق الخدمية، مع اهتمام خاص بنوعية الخدمات ومواقعها بالنسبة للمساجد.

4.        تقسيم المدينة إلى مناطق سكنية متصلة بشبكة من الطرق الفرعية، يتم تصميمها لتسمح بمرور سيارتين متقابلتين بجانب رصيف يمكن زراعة الأشجار عليه.

5.        وجود المساجد المحلية كمراكز حيوية في مراكز الأحياء السكنية، مرتبطة بالمراكز الثقافية والاجتماعية والمرافق الخدمية الفرعية مثل المستوصفات ومراكز الأمن والمدارس والحدائق العامة.

6.               تطبيق نموذج "حوش العائلة" في تصميم المشاريع الإسكانية لتعزيز الأهداف الأخلاقية والاجتماعية والاقتصادية.

7.        تطبيق فكرة الكتل المتضامة في التخطيط العمراني، حيث يتم تنظيم المدينة بشكل يحقق استغلالاً أمثلاً للأراضي ويحد من التباين العمراني والاستهلاك الزائد للموارد. يتضمن ذلك تجميع المباني في كتل متجانسة في الشكل والمظهر، مما يساهم في تحسين جودة الحياة والحفاظ على البيئة. وهذه بعض المزايا لهذه الفكرة:

·         استغلال أمثل للأراضي: يتيح هذا النهج استخدام الأراضي بشكل أكبر وأكثر كفاءة، حيث يتم تقديم المساحات الخضراء والمرافق العامة في تنظيم منسق داخل هذه الكتل المتضامة. 

·         الحماية البيئية: من خلال تقليل حجم البنية التحتية اللازمة للخدمات العامة مثل الطرق والأنابيب، يمكن تقليل التأثيرات البيئية السلبية مثل تلوث الهواء والمياه واستهلاك الطاقة.

·         تجميع مياه الأمطار: يمكن تصميم أسطح البنايات في هذه الكتل لتجميع مياه الأمطار وتوجيهها نحو مواجن مخصصة للتخزين وإعادة الاستخدام. هذا يقلل من الضرر البيئي الناتج عن تصريف المياه عبر الشوارع.

·         تقليل استهلاك الطاقة الصناعية: بفضل التخطيط المتضامن، يمكن تحسين كفاءة استخدام الطاقة داخل المدينة، بما في ذلك استخدام الطاقة المتجددة وتقنيات البناء المستدامة.

بهذه الطريقة، يمكن لفكرة الكتل المتضامة أن تلعب دوراً مهماً في تحسين جودة الحياة داخل المدن وتحقيق التنمية المستدامة على المدى الطويل.


جدلية المعمار الإسلامي في ليبيا

 

دار نويجي للثقافة"القنصلية الانجليزية سابقاً"- مدينة طرابلس القديمة

جمال اللافي 

طرح أحد الزملاء من المعماريين المستجدين هذا الموضوع على صفحته على موقع الفيسبوك متضمنا بعض التساؤلات (التي تحمل معها بذور التشكيك، أكثر مما هي فضول باحث يبحث عن الاستزادة من المعرفة حول تاريخ عمارته وخصائصها المحلية). ولحساسية الموضوع رأيت أن أجيب عن تساؤلاته بعيدا عن صفحته تجنبا لأي إحراج له ولي من بعده ولكل من دعمه بالردود التشكيكية والمقصية لوجودها من حملة رسائل الدكتوراه. رغم وجود العديد من المؤلفات والبحوث والدراسات والمقالات التي تناولت التعريف بخصائص هذه العمارة.

 وهذا نص مشاركته:

قبل فترة ليست بالبعيدة كنت قد كتبت في ورقة سؤال وجدته في كتاب (المعمار الإسلامي في ليبيا) وهذا السؤال هو ..

·                     هل في ليبيا فن معماري إسلامي ؟

·                     فإذا وجد فما هي ملامحه ومميزاته ؟

·                     وماهي المدارس التي تفاعل بها أو إنبثق منها ؟

·                     وإذا لم يوجد هذا الفن فما هي أسباب غيبته ؟

·                     ولماذا لا نشاهد من معالمه الباذخة مثلما نشاهد في مختلف البقاع الإسلامية ؟

 الرد/

عادة ما تطرح مثل هذه التساؤلات عندما لا تكون هناك شواهد معمارية لمعالم ومدن قائمة، يمكن الرجوع إليها بحثا عن إجابة لمثل هكذا تساؤلات، يجوز طرحها من الغريب عن هذه البيئة لعدم درايته بها وبعده عنها وعدم معايشته لها، فيسأل أهل الاختصاص ليستمد منهم الإجابة. 

ولكن من المخجل والمعيب والمؤسف جداً أن تطرح هذه التساؤلات ويدور حولها الجدال في وجود هذه الشواهد المعمارية، التي لاتزال تنبض بالحياة من حولنا، من طرف أبنائها الذين يعيشون في كنفها وتحت سقفها وبين دروبها. 

وهي لا تحتاج من الباحث فيها أو عنها لأكثر من عين فاحصة ونظرة ثاقبة وتقييم نزيه لا يترك شاردة ولا واردة إلاّ ويخضعها للتوثيق والتحليل والدراسة والمقارنة مع مثيلاتها من حيث التشابه أو التباين أو الاختلاف. وتبين ملامح المؤثرات إن وجدت واستنكاه مصدرها الحقيقي إن عُرف. فإن لم يُعرف فلا يتم الإقرار به على غير دراية أو علم. والمصيبة تكون كبيرة عندما ينسب السائل أو الباحث مصدر عمارته المحلية إلى تأثيرات خارجية صرفة أو يحصرها في نوع محدد من المباني دون غيرها. فينتقص من قدرها. ويقلل من شأنها. ويجحف بحقها لصالح مؤثرات خارجية دون بينة أو وجه حق. 

وبغض النظر على المراحل التاريخية بمسمياتها المختلفة التي مرت بها مسيرة العمارة المحلية عبر العصور في عموم ليبيا. إلاّ أنها تبقى دائما نتاج بيئتها وصناعة أهلها والمعبرة عن روح الزمان والمكان الذي وجدت به والمرآة التي تعكس حراك المجتمع وقيمه ومعتقداته. 

أما لماذا لا نشاهد معالما باذخة كالتي نراها في بقاع أخرى من العالم، فهذا يرجع لاختلاف أحوال كل بلد والظروف والمؤثرات والقيم التي شكلت نسيج مدنها ومعالمها. وليبيا تحديدا لم تكن يوما مركزا رئيسيا لأي دولة أو مقرا لحكم سلطان، حتى يشيد لنفسه عمارة تسفر عن ثرائه الفاحش أو سطوته البالغة على هذه الدولة بحيث يسخر أهلها لتنفيذ نزواته وشهواته في بناء القصور الفارهة والصروح العالية والتحصينات القوية. بل عاشت ليبيا في سائر العهود التي مرت بها بعيدا عن اهتمامات الأباطرة والسلاطين والملوك الذين بسطوا نفوذهم عليها وفي ذيل قائمة اهتماماتهم، مما جعل أهلها يصرفون أموالهم على قدر حاجتهم من العمران. وما يحقق لهم التعايش في بيئتها بما يوفر لهم الراحة والاستقرار وتجنب المخاطر واستجلاب المنافع. 

إبداع أصيل تجسد في تنوع نسيج مدنها ومخططات مساجدها ومدارسها وبيوتها وكل مرافقها الأخرى. هذا من جهة. ومن جهة أخرى فإن للقيم الدينية والثقافية التي يعتنقها المجتمع دورها في تحديد توجهاته ونظرته للعمارة. فالإسلام في جوهره ينهى عن الإسراف والغلو ويدعو للتوسط في كل شؤون الحياة. وهذا ما آمن به هذا المجتمع وطبقه في عمارته المحلية وفنونه الحرفية. والمقارنة لا تستقيم بين المجتمعات المتباينة في معتقداتها وثقافتها، فما بالك بالمتعارضة معها. 

إذا كنا نطرح هذه التساؤلات في ظل وجود هذه الشواهد. فما حال الأجيال القادمة عندما لا يكون لهذه الشواهد أي وجود في ظل ما تعانيه اليوم من إهمال متعمد وتشويه ممنهج وتدمير مخطط له بعناية فائقة وصبر لا يكل ولا يمل حتى يجعلها قاعا صفصفا. في غياب الصيانة والترميم. وفي غياب التوثيق والدراسات العلمية المنهجية. وفي غياب الدولة الحريصة على تراث الأمة وتاريخها.

تعريف ماهية العمارة،

مدينة طربلس القديمة


 المعماري/ جمال الهمالي اللافي

    ما قد يخفى عن الغالبية العظمى من المعماريين، أن تعريف العمارة ليس أمراً بسيطاً أو واضحاً. فهو يتأرجح بين مفاهيم متعددة وتفسيرات مختلفة تعكس تنوع الرؤى والتوجهات الفكرية المعمارية.

"العمارة"، ليست مجرد عمل فني أو هندسي، بل هي فلسفة وعلم يجمع بين تصميم الصروح والمدن وصياغة الحياة الاجتماعية. إنها تمثل محاولة مستمرة للإنسان للتعبير عن ذاته وإيجاد حلول مبتكرة لتلبية احتياجاته المتزايدة.     

"العمارة"، ليست مسألة نسبية أو مجرد تعبير عابر، بل هي نتاج رحلة طويلة من الاستكشاف والبحث المستمر عن التوازن بين الإبداع والوظيفة العملية. إنها حوار دائم بين الماضي والحاضر، بحثاً عن الأصالة والابتكار في آن واحد.

"العمارة"، تمثل استخداماً مبدعاً للتكنولوجيا والموارد المحلية، لخلق بيئات تسهم في رفاهية الإنسان وراحته وتعزز من تواصله مع البيئة المحيطة.

"العمارة"، ليست مجرد بناءً من حجارة وطين، بل هي تعبير عميق عن الهوية والتراث والتطلعات البشرية. إنها فن تشكيل الفضاءات بحيث تجمع بين الجمال والوظيفة والاستدامة، لتخلق مدناً ومجتمعات تنعم بالتنوع والتفاعل الإنساني الإيجابي.

الاثنين، سبتمبر 30، 2024

سيرة ومسيرة

     

الحوش الطرابلسي المعاصر- الحشان/ طرابلس

المعماري/ جمال اللافي

    في مجالي المعماري، ألتزم بتقديم الأفضل لقاصدي خدماتي، الذين يبحثون عن جودة عالية وراحة متفردة. تركز خدماتي بشكل أساسي على:

  1. حسن توزيع الفراغات الداخلية لتحقيق الراحة في الاستخدام، وتوفير بيئة سكنية تتميز بجمال التفاصيل المعمارية، واحترام الهوية المعمارية المحلية.
  2. دمج الطبيعة بين فراغات المسكن لإضفاء جمال إضافي، وزيادة في الراحة والإمتاع.
  3. الحفاظ على الخصوصية التي تمثل أحد أولويات المجتمع الليبي، من خلال توفير الأفنية الداخلية التي تحمي خصوصية السكان.
  4. التركيز على تقديم حلول متكاملة واقتصادية، بما في ذلك تجنب الأعمال الخرسانية غير الضرورية.
  5. في مرحلة التشطيب، يتم اختيار المواد ذات الجودة العالية بعناية، لضمان الجمال والراحة والاستدامة، دون إفراط أو تفريط."

منزل اسامة محمد الفرجاني- النوفليين/ طربلس

خلال مسيرتي المهنية، اكتسبت احترام وثقة كل من تعامل معي في مجال تصميم المشاريع السكنية والإشراف عليها، بما في ذلك مستثمرون عقاريون مخلصون لنهجي في التعامل ومشاريعي المعمارية.

بيوت الضواحي والأرياف- السبعة/ طرابلس



الثلاثاء، سبتمبر 24، 2024

معايير التوظيف في الشركات الهندسية الحكومية


  

المعماري/ جمال اللافي

دائماً عندما تعرض الشركات الهندسية التي تقوم بتنفيذ مشاريع معمارية، خصوصاً الحكومية منها، رغبتها في توظيف عناصر هندسية، يكون التركيز الأكبر في الطلب على المهندسين المدنيين، للإشراف على متابعة تنفيذ هذه المشاريع. وفي حالة تم عرض الطلب على المعماريين، لا يتجاوز العدد في الغالب الواحد أو الاثنين. ويرجع السبب لأحد أمرين، لهما ثالث:

الأول، الجهل التام باختصاصات المعماري، ومؤهلاته الدراسية التي تتجاوز تصميم الخرائط المعمارية وقدرته على قراءة الخرائط التنفيذية وتفهم متطلبات جميع مراحلها، خصوصاً ما تتطلبه مرحلة التشطيب من اتخاذ قرارات واعية ومدركة لطبيعة المشروع ومستدعياته. وإجراءات التعامل مع الأعمال الهندسية الأخرى المرتبطة بإمدادات خطوط الكهرباء والصرف الصحي والتكييف. كذلك معالجة أي إشكاليات تطرأ أثناء أعمال التنفيذ، بالإضافة إلى اختيار مواد البناء والتشطيب وألوان ونوع الطلاء المناسبة لظروف البيئة أو طراز هذه المشاريع والتأثير المطلوب إحداثه على المستعمل والمشهد العام.

في حين يقتصر دور واختصاص المهندس المدني، وفق منهجه الدراسي وتحصيله العلمي الأكاديمي، على متابعة مراحل تنفيذ الخريطة الإنشائية ومرحلة التأسيس للموقع من اختبارات التربة.

وما يتاح له من فرص الإشراف على تنفيذ جميع المراحل في غياب المعماري، هي خبرة مكتسبة، تفتقد في أغلبها لكل مقومات النجاح في مرحلتي بناء الحوائط والتشطيب. لعدم القدرة على اتخاذ القرارات الصائبة فيما يتعلق بالفراغات المعمارية عند التأسيس للحوائط وما تتضمنه من تفاصيل. واختيار مواد التشطيب والتعامل مع ورش أعمال النجارة والحدادة وفنيي أعمال الجبس والسباكة واللياسة والبلاط والطلاء وغيرها. وقراراته هنا تفتقد لكل المعايير والمواصفات الفنية. وإنما هي تخضع لذوقه الشخصي وليس لما يستوجب اتخاذه من إجراءات سليمة، هذا في حالة لم يستعن برأي المعماري صاحب الاختصاص.

الأمر الثاني، في عدم أو قلة الطلب على المعماريين، يرجع إلى توجه هذه الجهات إلى الاستعانة بشركات أجنبية في تصميم المشاريع المعمارية، وهو الغالب، مما تراه هذه الجهات الحكومية، أمراً يُغنيها عن الحاجة إلى توظيف معماريين لديها.

وفي حالة تم الاستعانة بمعماري أو اثنين، فيتم ذلك في حالة أرادت هذه الجهة إجراء بعض التعديلات على المشروع. أما فيما يتعلق بعدم رغبة هذه الجهات في الاستعانة بالمعماريين، فيعود ذلك بالدرجة الأولى لعدم رغبتها في إسداء المعماري لأي ملاحظات جوهرية حول مشاريعها المعمارية، يرى فيها قصوراً مستقبلياً في أداء المشروع بعد التنفيذ لوظيفته على أكمل وجه. أي أنهم يبحثون عن"دونكي وورك" وليس عقل يقيّم ويعترض ويُبدئ الرأي في كل مسألة تخالف ما درسه وتعلمه من أصول ممارسة المهنة.

أما الأمر الثالث، فيرجع أيضاً لحرص السلطات الحاكمة في الدول الفاسدة عند اتخاذ القرار بمن يتم تعيينهم على رأس هذه المؤسسات، أن يتصف من يقع عليهم الاختيار لهذه المناصب القيادية هم أيضاً بعقلية "الدونكي وورك"، ينفذون الأوامر دون اعتراض، لجهلهم بالمعايير التصميمية والتنفيذية لأي مشروع معماري. لهذا يفضلونهم من غير الاختصاص المعماري، منعاً لأي صدام عند حدوث أي تجاوز لتلك المعايير والمواصفات الفنية، إلاّ في حالة كان هذا المعماري من الصنف الفاسد، الذي يتفق مع هواهم" مع عدم الاستثناء، لعدم ثبوت هذا الاستثناء على أرض الواقع حتى يومنا هذا".

المواضيع الأكثر مشاهدة

بحث هذه المدونة الإلكترونية