أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

{فأما الزَّبد فيذهب جُفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض}- سورة الرعد، الآية 17

السبت، يونيو 21، 2025

ابتكار في التصميم السكني: مشروع يكسر نمطية 'المساكن الشعبية' بمقاربة ذكية

 

 

جمال الهمالي اللافي

مقدمة:

في ظل التوسع العمراني المتزايد في بلداننا والعديد من دول العالم، تشهد المشاريع الإسكانية طفرة كمية بهدف تلبية الطلب المتنامي على السكن. إلا أن الكثير من هذه المشاريع تقع في فخ تكرار نموذج سكني واحد، غالبًا ما يكون ذلك سعيًا لخفض التكلفة. هذا التوجه، ورغم بساطته الاقتصادية، يفقد هذه المشاريع قيمتها المعنوية والجمالية، ويحيلها إلى ما يسمى بـ "المساكن الشعبية"، ما يؤثر سلبًا على هوية الساكنين وشعورهم بالانتماء، بغض النظر عن حجم المبالغ المدفوعة أو جودة التشطيب الداخلي.

التحدي والمعضلة:

إن القيمة المعنوية للمسكن تتجاوز كونه مجرد مأوى، فهي تتأثر بشكل كبير بالشكل الخارجي والتصميم المعماري. فعندما يرى الساكن واجهة منزله مطابقة تمامًا لعشرات الواجهات الأخرى في الحي، يتلاشى لديه الإحساس بالتفرد والتميز، ويحل محله شعور بالنمطية والتكرار. هذه المعضلة تواجه كل من المطورين العقاريين، سواء كانوا جهات حكومية تقدم السكن بالأقساط، أو مستثمرين من القطاع الخاص، فالمشروع يفقد بريقه المعنوي بمجرد تكرار النموذج، حتى وإن كان البناء والتشطيب على أعلى مستوى من الفخامة.

الحل المبتكر: مقاربة تصميمية ذكية:

إدراكًا لهذه المشكلة، جاء مشروع التصميم السكني الذي نناقشه اليوم ليقدم حلاً مبتكرًا وفعالاً. يعتمد هذا الحل على مبدأ الحفاظ على المسقط الأفقي (المخطط الإنشائي) الأساسي للمسكن، مع التركيز على إحداث تعديلات ذكية على الواجهات الخارجية. الهدف هو تحقيق التنوع البصري الذي يوحي بوجود نماذج معمارية مختلفة، في حين أن الهيكل الداخلي قد يكون واحدًا أو متشابهًا بشكل كبير.

تفاصيل المشروع: من التكرار إلى التنوع البصري:

في هذا المشروع، قمت بتطوير مجمع سكني صغير يوضح هذه الفكرة ببراعة. فبدلاً من الالتزام بنموذج واحد مكرر، تم تحويل النموذج الأساسي إلى أحد عشر نموذجًا مختلفًا في مظهرها الخارجي. هذه التعديلات لم تؤثر على المسقط الأفقي أو الخريطة الإنشائية للمباني، مما يضمن عدم زيادة التكلفة بشكل كبير أو تعقيد عملية البناء.

تحليل العناصر الجمالية للمشروع المرفق صوره:

من خلال الصور المرفقة للمجمع السكني، تتضح فعالية هذه المقاربة:

  1. التنوع في الواجهات: تظهر الوحدات السكنية، وخاصة المساكن الأرضية وملحقاتها، وكأنها غير متشابهة في تصميمها المعماري من الخارج. هذا التنوع يتحقق من خلال:

·     اختلافات في عناصر الواجهة: مثل أشكال الفتحات (النوافذ والأبواب)، إضافة بروزات أو تراجعات بسيطة، استخدام عناصر تظليل (مثل المظلات أو العرائش) بتصاميم مختلفة.

·         توزيع العناصر المعمارية: تغيير أماكن بعض التفاصيل أو نسبها يخلق إحساسًا بالنموذج المختلف.

·         الاهتمام بالتفاصيل: حتى التعديلات الطفيفة في الواجهة يمكن أن تحدث فرقًا كبيرًا في المظهر العام.

  1. وحدة اللون والتناغم البصري: على الرغم من التنوع في التصميم، حافظ المشروع على توحيد اللون الأساسي للمباني (اللون الأبيض) مع استخدام ألوان موحدة للعناصر الثانوية (مثل الأخضر في الأبواب والنوافذ الدرابزينات والتظليلات). هذا التوحيد اللوني يضمن عدم حدوث تنافر بصري يخل بجماليات الحي السكني، ويساهم في خلق شعور بالانسجام والهدوء.
  2. المساحات المشتركة والتخطيط: اعتمد التصميم على فناء أو مساحة خضراء مركزية، مما يعزز مفهوم المجتمع ويوفر مساحة ترفيهية للسكان. هذا التخطيط يضيف قيمة إضافية للمشروع.

الخاتمة:

إن هذا المشروع يقدم نموذجًا يحتذى به في التخطيط والتصميم السكني المستدام والمراعي للجوانب الإنسانية والجمالية. إنه يثبت أن تحقيق التنوع المعماري ورفع القيمة المعنوية للمسكن ليس بالضرورة أن يكون باهظ التكلفة. فبمقاربة ذكية تعتمد على معالجة الواجهات الخارجية دون المساس بالهيكل الإنشائي، يمكننا تحويل المشاريع السكنية من مجرد كتل خرسانية متشابهة إلى أحياء سكنية فريدة، تمنح سكانها إحساسًا بالفخر والتميز، وتساهم في بناء مجتمعات أكثر جمالاً وإنسانية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المواضيع الأكثر مشاهدة

بحث هذه المدونة الإلكترونية