التخطي إلى المحتوى الرئيسي

براغماتية الغرب ومصالح الشعوب





جمال الهمالي اللافي

كثر لغط آخر بين الكثير من أشباه المثقفين والمحللين السياسيين في العالم العربي حول طبيعة الثورة التي قام بها الشعب الليبي على طاغوت العصر القذافي، وتلقيبهم لهم بثوار الناتو، بعد أن قرر الغرب التدخل لصالحهم في حربهم ضد هذا الطاغوت الذي أجرم في حقهم كما لم يجرم طاغوت آخر بحق شعب.

وسأدخل في صلب الموضوع وأقولها بصراحة، أن الغرب تدخل في ليبيا لأن مصالحه تعرضت للتهديد بقيام ثورة 17 فبراير. وهو بقراءته للأحداث الجارية في ليبيا وتسارعها في تلك الفترة وتصوره للنتائج المترتبة عليها، توقع أنّ الكفة سترجح في النهاية لصالح الثوار، وأنه لم تعد هناك أي فرصة أو مجال للتدخل لفرض الأمر الواقع بتثبيت عميلهم القذافي - كما جرت العادة في مثل هذه المواقف. فقرر الانحياز لصالح الشعب الليبي والتضحية بعميلهم حتى لا يخسروا كل شئ.
وهو ما يفسره صمتهم لفترة طويلة نسبياً عما يجري في ليبيا من مجازر قام بها هذا الطاغوت" العميل" قبل إعلانهم التدخل العسكري، وهي فترة كانت كافية لتقييم الأوضاع واتخاذ القرار المناسب والحاسم. ويمكن تشبيه تدخلهم في ليبيا بتدخل مبضع الجراح الذي يلجأ إلى بتر أحد الأطراف عندما تقتضي الضرورة والمصلحة إنقاد حياة. والقذافي هنا هو العضو المبتور من جسد ليبيا.

ومن جانبهم فإن ثوار ليبيا وهم من أفراد الشعب من المدنيين العزّل، قليلي الدراية بشؤون الحرب، وألاعيب السياسة، لم يجدوا في تدخل الغرب تعارضاً مع مصلحتهم العليا في القضاء على الطاغوت القذافي وجيشه ومرتزقته الذين استجلبهم من كل بقاع الأرض واشتراهم بالمال والوعود المجزية. وبقرارهم هذا كسبوا حلفاء في معركة التحرير التي خاضوها ضد هذا الطاغوت، ولم يفكروا في أبعد من ذلك، ولا في عواقبه المستقبلية، لأن المشهد على أرض المعركة كان أقسى وأمرّ من أن يتيح لهم مجالاً للتفكير في العواقب.

واليوم وبعد انتهاء المعارك بتحقيق النصر المبين على هذا الطاغوت بفضل الله سبحانه وتعالى، وهو الذي سخر لنا الأسباب كلها، وإليه يرجع الفضل وحده. يبدأ الحديث عن مستقبل التواجد الغربي في ليبيا وما مدى الاستفادة التي سيحققها الشعب الليبي من الدخول معه في تحالفات استراتيجية، على شاكلة " تحالف أصدقاء ليبيا" الذي ضمّ حتى هذه اللحظة 13 دولة أوروبية تقودها دولة عربية واحدة هي دولة قطر. وهو ما يقودنا إلى طرح علامتي استفهام كبيرتين:
·   هل يقع هذا التحالف ضمن حسابات ضريبية ستدفعها ليبيا مقابل ما يعتقد الغرب أنه قدمه للشعب الليبي في حربه ضد الطاغوت القذافي؟ أم هي رغبة حقيقة وصادقة في تكوين تحالفات الهدف منها اولاً وأخيراً تحقيق مصالح مشتركة.
·        وإلى أي مدى سيؤثر هذا التحالف على استقلال ليبيا وقراراتها السيادية؟

لا شك إن تبادل المصالح المشتركة التي تحفظ لليبيا سيادتها واستقلالها وحقها المشروع في استثمار خيرات البلد بما يعود بالنفع على الشعب الليبي، ويؤدي إلى استقرارليبيا وتحقيق أمنها ونهضتها، سيكون حتماً محل ترحيب من كل الليبيين، مثلما سيكون محلاً لترحيب الشعوب الصديقة التي وقفت معنا، ولكن هذا لا يتأتى إلاّ بشرط واحد وهو أن  يكون الشعار المرفوع من طرف الجميع هو" المصلحة للجميع، ولا أحد يخسر"، ودون أن يعقب ذلك تقديم تنازلات في القضايا الحيوية وأولها اختيار من يحكمهم وطبيعة الحكم التي يرتضيها الليبيون والتي لا تتعارض مع شريعتهم الإسلامية وقيمهم وأعرافهم.

غير أن فهمنا لطبيعة العقلية البراغماتية التي تقود الغرب وترسم جميع سياساته الداخلية والخارجية وتحدد متى تقيم التحالفات، ومتى تنقضها، ومع من تكون، وضد من، ولماذا، يدفعنا إلى التنبيه لحقيقة لا تقبل الجدل وهي أن الغرب ليس له صديق أو صاحب أو حليف، بل لديه مصالح يحققها، وهو ما يفسر لنا بكل جلاء ووضوح لماذا تخلي الغرب عن صنيعتهم القذافي، الذي أثبت على مدى الأربعة عقود الماضية كفاءة عالية تؤهله للإستمرار في أداء مهمامه حتى نهاية العمر. وهو ما يفترض أن يضعه الساسة الجدد في ليبيا في حساباتهم عند عقد التحالفات، وأن تكون مصلحة ليبيا وشعبها فوق كل اعتبار.

والعاقل من اعتبر بغيره، ولم يجعل من نفسه عبرة يتدارسها التاريخ بدموع الحسرة والندامة.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

التهوية الطبيعية في المباني

م/ آمنه العجيلى تنتوش المقدمة تتوقف الراحة الفسيولوجية للإنسان على الثأتير الشامل لعدة عوامل ومنها العوامل المناخية مثل درجة الحرارة والرطوبة وحركة الهواء والإشعاع الشمسي . وللتهوية داخل المبنى أهمية كبيرة وتعتبر إحدى العناصر الرئيسية في المناخ ونق الانطلاق في تصميم المباني وارتباطها المباشر معها فالتهوية والتبريد الطبيعيين مهمان ودورهما كبير في تخفيف وطأة الحر ودرجات الحرارة الشديدة ، بل هما المخرج الرئيسي لأزمة الاستهلاك في الطاقة إلى حد كبير لأن أزمة الاستهلاك في الطاقة مردها التكييف الميكانيكي والاعتماد عليه كبير والذي نريده فراغات تتفاعل مع هذه المتغيرات المناخية أي نريد أن نلمس نسمة هواء الصيف العليلة تنساب في دورنا ومبانينا ونريد الاستفادة من الهواء وتحريكه داخل بيئتنا المشيدة لإزاحة التراكم الحراري وتعويضه بزخات من التيارات الهوائية المتحركة المنعشة . فكل شي طبيعي عادة جميل وتتقبله النفس وترتاح له فضلا عن مزاياه الوظيفية . وعلى المعماري كمبدأ منطقي عام البدء بتوفير الراحة طبيعياً ومعمارياً كلما أمكن ذلك ومن تم استكملها بالوسائل الصناعية لتحقيق أكبر قدر ممكن ...

بيوت الحضر: رؤ ية معاصرة للمسكن الطرابلسي التقليدي

تصميم وعرض/ جمال الهمالي اللافي في هذا العرض نقدم محاولة لا زالت قيد الدراسة، لثلاثة نماذج سكنية تستلهم من البيت الطرابلسي التقليدي قيمه الفكرية والاجتماعية والمعمارية والجمالية، والتي اعتمدت على مراعاة عدة اعتبارات اهتم بها البيت التقليدي وتميزت بها مدينة طرابلس القديمة شأنها في ذلك شأن كل المدن العربية والإسلامية التقليدية وهي: · الاعتبار المناخي. · الاعتبار الاجتماعي ( الخصوصية السمعية والبصرية/ الفصل بين الرجال والنساء). · اعتبارات الهوية الإسلامية والثقافة المحلية. أولا/ الاعتبار المناخي: تم مراعاة هذا الاعتبار من خلال إعادة صياغة لعلاقة الكتلة بمساحة الأرض المخصصة للبناء، بحيث تمتد هذه الكتلة على كامل المساحة بما فيها الشارع، والاعتماد على فكرة اتجاه المبنى إلى الداخل، وانفتاحه على الأفنية الداخلية، دون اعتبار لفكرة الردود التي تفرضها قوانين المباني المعتمدة كشرط من شروط البناء( التي تتنافى شروطها مع عوامل المناخ السائد في منطقتنا ). وتعتبر فكرة الكتل المتلاصقة معالجة مناخية تقليدية، أصبح الساكن أحوج إليها من ذي قبل بعد الاستغناء عن البنا...

المعلم/ علي سعيد قانة

موسوعة الفن التشكيلي في ليبيا 1936- 2006 جمال الهمالي اللافي الفنان التشكيلي" علي سعيد قانة " هو أبرز الفنانين التشكيليين الذين عرفتهم الساحة التشكيلية في ليبيا... انخرط في هذا المجال منذ نحو أربعة عقود. ولد بمدينة طرابلس الموافق 6/6/1936 ف ترعرع في منطقة سيدي سالم (باب البحر) بمدينة طرابلس القديمة.والتحق بأكاديمية الفنون الجميلة بروما- إيطاليا سنة 1957 وتخصص في مجال النحت بمدرسة سان جاكومو للفنون الزخرفية، كما حرص خلال وجوده في روما على دعم قدراته الفنية من خلال دورات تخصصية في مجال الرسم الحر والطباعة والسباكة وبرز في هذه المجالات جميعا.• التحق عند عودته إلى ارض الوطن بمعهد للمعلمين ( ابن منظور ) للتدريس سنة 1964ف• انتقل للتدريس بكلية التربية جامعة الفاتح سنة1973 ف• انضم إلى كلية الهندسة/ جامعة الفاتح بقسم العمارة والتخطيط العمراني سنة 1974- وتولى تدريس أسس التصميم و الرسم الحر لغاية تقاعده سنة 2001 ف• عمل مستشارا للشئون الفنية بمشروع تنظيم وإدارة المدينة القديمة. مساهماته الفنية/ اقتنى متحف مدينة باري للفنون بإيطاليا لوحتين من أعماله الفني...