احتفالات الشعب الليبي هذه السنة 2013 بعيد النصر في 17 فبراير |
جمال الهمالي اللافي
اتفق
جميع الليبيون على أنه لا للفيدرالية، لا للتهميش، نعم للامركزية، في اتخاذ
القرارات والإجراءات الإدارية.
وهذا يجرنا إلى طرح فكرة لا مركزية التخطيط العمراني، فلا يكفي أن يكون هناك فرع لمصلحة
التخطيط العمراني في كل محافظة أو بلدية أو حتى قرية، تتبع في جميع تعاملاتها ما
يمليه عليها المركز الرئيس بطرابلس العاصمة، وما يقرره عنها من مخططات لهذه
المحافظات والبلديات والمدن والقرى.
نعم،
فهذه المركزية هي التي ولّدت حالة الشعور بالتهميش، لأنها أقصت كل المعطيات
والظروف والإمكانيات التي تحتضنها تلك المدن والقرى، بل أنها ساهمت في تفريغها من
محتواها البشري والفكري ورهنت مصيرها وإرادتها في التغيير وإصلاح الأحوال بما
تقرره تلك المصلحة من خلال مقرها الرئيس.
مخطط
المدن، المصمم الحضري، المعماري، المصمم الداخلي، الفنان التشكيلي، الحرفي،
المساح. كلهم لم يعودوا يرون مبرراً لوجودهم في تلك المحافظات التي تقتل طموحاتهم
في المشاركة في رسم الخطط ووضع المخططات وإرساء صورة مدينتهم أو قريتهم، ما دامت
المخططات تأتي جاهزة ومعتمدة من المقر الرئيس. ليس هذا فقط بل تأتي معها أيضا عقود
الشركات المنفذة لهذه المخططات بتلك المدن والقرى. لهذا نرى عاصمة البلاد تتكدس بالطامحين مثلما تكدست بالطامعين في
اقتسام ولو حصة مما يخطط ويدبر وينفذ.
ولأن
الأعمال كبيرة بكبر مدننا وقرانا، ولأن الطاقة الاستيعابية لمصلحة التخطيط
العمراني لا تستوعب أو لا تريد استيعاب الكم الهائل من الكوادر الوطنية الطامحة
لتقديم ما لديها من أفكار ومشاريع مستقبلية لمدنهم وقراهم. ترتب عن هذا تقصيراً
ملحوظاً في وضع المخططات الجديدة لمدن وقرى ليبيا الممتدة مساحتها إلى اثنين مليون
كيلو متر مربع، تتنوع فيها التضاريس الجغرافية والبيئية مثلما تتنوع المظاهر
الثقافية بكل مجالاتها( مخططات المدن/ الطرز المعمارية/ العادات والتقاليد/
الملبس/ المأكل والمشرب/ الحرف الفنية/ الحكايات والروايات الشعبية وغيرها).
ولأن
حقيقة القرار المركزي في ليبيا انحسر في العقود الماضية بيد شخص العقيد والقائد
والزعيم والملهم والمفكر الأوحد والمهندس الأول والفارس الهمام الذي لا يشق له
غبار. فقد تلاشت بعده وقبله وأمامه كل العقول المبدعة والمفكرة والمخططة. وبات
واقع الحال ينتظر فقط ما تسفر عنه قريحة هذا الملهم وما يقرره بشأن كل شئ.
ولأنه
بشر، شاء أم أبى، فقد قصرت همته عن استيعاب حاجات ومتطلبات مجتمعه والتعاطي
السريع مع المتغيرات والمستجدات التي تحصل كل يوم، فكان قراره بتجميد كل شئ، لا
مخططات جديدة حقيقية ولا مشاريع كبرى ولا صغرى.
حالة
جمود عانت منها ليبيا خلال العقود الأربعة الماضية، ترتب عنها قيام العشوائيات
والتعدي على مخططات المدن القائمة والأراضي الفضاء والغابات والمدن التاريخية. ضاع
القانون مثلما ضاع النظام أمام سطوة الولاء المطلق لهذا الزعيم الملهم على حساب
الولاء للوطن. وبينهما شعر الجميع بالتهميش.
ولأن
طرابلس عاصمة البلاد، فقد حمّلها البعض جريرة ما اقترفته يدا ذلك الملهم الأوحد
وزبانيته الفاسدة، دون أن يستوعبوا حجم الكارثة التي حلت بها ونقلتها من عاصمة وحاضرة
من حواضر المدن العريقة والمتقدمة إلى مجرد بادية من بوادي العوالم المتخلفة،
تتنامى فيها هذه العشوائيات بشكل سرطاني. ويقتض بداخلها سكان جميع المدن والقرى
الأخرى بحثاً عن فرصة للعيش بين ثنايا الأحياء الذين أذلهم الطاغوت وعشيرته ومن
والاهم أبشع إذلال.
هذا الماضي. فكيف نريد أن يكون حاضرنا ومستقبلنا؟
اللامركزية، هي باتفاق جميع الليبيين مطلب شرعي ومنطقي وملّح
جداً، لمعالجة ما ترتب عن تلك العقود الأربعة من أضرار جسيمة لحقت بالإنسان قبل
الأرض.
كيف؟
تتحقق
اللامركزية، من خلال استقلالية كل محافظة وبلدية ومدينة وقرية بقرارها الإداري في
وضع ورسم مخططاتها الاستراتيجية المتعلقة باستثمار إمكانيات ليبيا كدولة إلى جانب
إمكانياتها كمحافظة أو بلدية أو مدينة وقرية. وذلك بعد أن تقدم كل محافظة رؤيتها
الخاصة بها ولإمكانياتها البشرية والمادية والطبيعية في اجتماع عام يضم رأس الدولة
مع كل المحافظين وعمداء البلديات ورؤساء المدن وشيوخ القبائل في كل المدن والقرى
الليبية. لطرح هذا البند:
ماذا
عندكم لتقدموه لدولة ليبيا. وإلى ماذا تحتاجون من حكومة الدولة، وذلك من خلال
معرفة معطيات كل مدينة وقرية،ومن تمّ وضع تصور لمخرجاتها؟
المعطيات/
·
هناك مدن
ساحلية تمثل مجالاً لتأسيس موانئ.
·
هناك مدن
ساحلية تصلح كمرافئ للصيد البحري.
·
هناك مدن
زراعية.
·
هناك مدن
صناعية.
·
هناك مدن
اقتصادية.
·
هناك مدن
ثقافية.
·
هناك مدن
رياضية.
·
هناك مدن
علمية.
·
هناك مدن
نفطية.
·
هناك مدن
غابات ومراعي.
·
هناك مدن
صحراوية تصلح كمركز وممرات لتجارة القوافل مع أفريقيا.
·
هناك مدن
أثرية.
·
هناك مدن
تاريخية.
·
هناك مدن
جامعية.
·
هناك مدن
جيولوجية.
وفرص
استثمار إمكانيات كل مدينة حاضرة وواضحة ولا لبس فيها ولا يمكن التلبيس عليها
مثلما لا يمكنها التلبيس على غيرها من المدن. وما تحتاجه ليبيا هو أن تتحمل كل
مدينة من هذه المدن مسؤولياتها التاريخية والوطنية في المساهمة بهذه الإمكانيات في
دعم نهضة ليبيا واستقرارها واستقلالها وتحقيق أمنها الاقتصادي والغذائي قبل
العسكري.
جزء من مخطط مدينة طرابلس |
وبناء
على وضع كل مدينة ونشاطها الاقتصادي وظروف بيئتها الجغرافية وعوامل مناخها المختلف
وتنوعها الثقافي والحضاري تكون الرؤية التخطيطية لمخططات مدنها ومشاريعها
الاقتصادية والعمرانية على هذا النحو:
المخرجات/
1. اللامركزية
تعني هنا، دراسة وتوظيف واستثمار إمكانيات كل مدينة وأخرى.
2. اللامركزية
تعني هنا، أن تؤسس مصلحة للتخطيط العمراني في كل محافظة وبلدية ومدينة وقرية تتحمل
المسؤولية الكاملة في وضع مخططاتها وفق الرؤية العامة التي تمّ الاتفاق عليها على
مستوى الدولة.
3. اللامركزية
تعني هنا، أن تؤسس مراكز بحثية ومعاهد وكليات تختلف في تخصصاتها ومنهجها بين مدينة
وأخرى وفقا لطبيعة هذه المدينة ومواردها الطبيعية وتصنيفها.
4. اللامركزية تعني هنا، أن إيفاد البعثات الطلابية إلى
الخارج يكون مسؤولية محافظ أو عميد كل بلدية، وفق حاجات تلك المدن من التخصصات
والبعثات العلمية.
5. اللامركزية تعني هنا، أن تكون المؤسسات التعليمية في
جميع المراحل تمهد لتكوين كوادر متخصصة ومؤهلة لممارسة دورها في دعم جهود مدنهم
ومشاريعها الاقتصادية المتنوعة.
6. اللامركزية
تعني هنا، أن لا نطبق نفس قوانين ولوائح وتشريعات البناء والتخطيط على جميع المدن
دون مراعاة للتنوع البيئي والجغرافي والثقافي.
7. اللامركزية
تعني هنا، أن تنسق كل محافظة وبلدية مع المؤسسات العلمية والثقافية والاقتصادية في
دول العالم بما يخدم مصلحتها والمصلحة العليا للوطن.
8. اللامركزية
تعني هنا، أن يستشعر كل مواطن ليبي، بأن ليبيا هي الأم الكبرى وأن مدينته هي الأم
الصغرى وأن باقي المدن الليبية هي خالاته، فلا يتعدى عليها بأي أذى لفضي أو معنوي
أو مادي.
9. اللامركزية تعني هنا، أن تتحمل كل مدينة مسؤولياتها
الوطنية في حماية مدنهم من التغلغل الخارجي المعادي لدين وقيم ومصالح الوطن.
10. اللامركزية تعني هنا، أن يكون لكل مدينة حاميتها
العسكرية من أبنائها المخلصين البررة، قادرة عن الدفاع عنها في حالة تعرص الوطن
للخطر الخارجي، ويكون الولاء لله ثم للوطن.
11. اللامركزية
تعني هنا، أنه لا مكان للحزبية ولا للأفكار الشاذة والهدامة ولا للتيارات
المتضاربة ولا للتناحر القبلي والعشائري.
بل هي التعاون على إقامة شرع الله في الوطن والحكم بما أنزل الله. ولا شرع يعلو
فوق شرع الله.
ولأن
التخطيط العمراني ليس خرائط ترسم داخل المكاتب المغلقة، لتسلم في مدة زمنية قياسية،
بل هي انعكاس صادق لقراءة الواقع ودراسة معطياته وتحليل ظروفه ومراعاة أحكامه.
عليه فإن كل ما تمّ ذكره، مرتبط بما سيتم رسمه وتخطيطه وتوزيعه على رقعة المدينة ووضع
تصور عملي لموقع مركز المدينة والمرافق والخدمات وتحديد أين تقع المناطق الزراعة
والمراعي والغابات وأين يكون ميناء المدينة ومرافئ الصيد البحري وأين توجد المناطق والمعالم التاريخية ليتم
الحفاظ عليها واستثمارها اقصى استثمار ممكن لصالح البلاد والعباد.
التخطيط
العمراني لا يعني صورة واحدة يمكن تعميمها، فهناك التخطيط الحضري والتخطيط الريفي وبيئتنا
ليست واحدة بل هي متنوعة( ساحلية وريفية وجبلية وصحراوية). بيئتنا حضر وبادية.
بيئتنا تتنوع فيها التضاريس مثلما تتنوع فيها الثقافات، وكل بيئة لها اعتباراتها
التخطيطية.
منظر جوي لمدينة غدامس القديمة |
معلومات
ليست بجديدة، ولكننا لا نرى لها أثراً عند النظر إلى واقع مخططات مدننا وقرانا
وأريافنا. ومسؤولية الدولة هنا مراعاة كل هذه الاعتبارات وتنسيق
الجهود وتوفير الخدمات ودعم المشاريع التي تقام في كل محافظة وبلدية ومنطقة وربطها
بالجهود الدولية والمؤسسات العالمية.
الموضوع
كبير ولا يمكن اختزاله في هذه النقاط. ولكنها فقط بداية لتوليد حالة الوعي بما
يمكننا أن نقدمه لليبيا وشعبها العظيم.