جمال اللافي
يظن
عموم المعماريين في ليبيا أنه ليس هناك حركة نقدية معمارية في ليبيا بتاتا.
والحقيقة غير ذلك. فهي موجودة بدءا بتأسيس أول قسم للعمارة في ليبيا في جامعة
طرابلس في العام 1969 م. ومع أول مشروع لمعماري خريج من هذا القسم ينفذ على أرض
الواقع. هذا في حالة لم نعتبر مناقشة مشاريع الطلاب داخل قسم العمارة حالة نقدية
تستهدف الارتقاء بالعمل المعماري وتحسين جودته.
أول
مشروع معماري ينفذ، تعرّض هو وما بعده من مشاريع لحالة إهمال شديدة وتجاهل تام من
طرف زملائه، لم يحتفوا به، لم يعلقوا عليه، لم ينشر حوله ولا مقالة صغيرة تبشر
بمرحلة جديدة للعمارة في ليبيا، لم يتم تسجيله كسابقة معمارية ليبية. (مشروع
المجمع السكني بزاوية الدهماني الذي صممه المعماري الطاهر الزلوزي، رحمه الله-
كمثال) وغيره من المشاريع والمعماريين الذين تركوا بصمتهم المعاصرة على العمارة
الليبية (أ. م. أحمد انبيص، م. خالد عجاج، م. جلال بن محمود، د. مصطفى المزوغي، أ.
م. محمد القبلاوي. د. عبدالجواد بن سويسي. د. محمود دازة. م. عزت خيري، م. نوري
عويطي، م. صالح المزوغي، م. ظافر الحميدي، م. حسام بورزيزة، م. أحمد ساسي، م. أشرف
فرحات، م. أشرف نصر، م. مؤيد الفازع، م. حاتم الشكشوكي، م. أيمن العالم، م. أكرم
العلوص، م. نعمان كرداش، م. هدى الفيتوري، م. هيثم دازه، أ. م. وليد التركي، م.
لؤي بورويس... وغيرهم من المعماريين والمعماريات والمصممين ممن لم تحضرن أسماؤهم
عند كتابة هذه المقالة). أعمال تستحق أن يقف عندها الناقد المعماري، ليسجل رؤيته
النقدية حولها ويعطيها بعضا من وقته الثمين، دون أن يجحفها حقها.
إذاً،
يمكننا اعتبار التجاهل والتهميش في حد ذاته حركة نقدية هدامة، تعتمد منهج
اللامبالاة بأي منجز يحققه معماري ليبي من طرف زملائه وشركائه في المهنة من جهة.
ومن طرف المعماري الناقد من جهة أخرى، فيتحدث أو يكتب عما يجري في العوالم
المعمارية الأخرى، ولا يشير بصورة أو أخرى للحالة المعمارية في ليبيا، لا بالغمز
ولا باللمز.
النوع
الثاني، من الحالة النقدية في ليبيا، تعتمد على الكتابة النقدية التي تتجاهل
الإشارة إلى أي محاولة تمت للإرتقاء بالعمارة الليبية المعاصرة، سواء في اتجاه
التجديد أو التأصيل. وهي حركة تعتمد منهج الاستهانة بجهود المعماريين الليبيين من
طرف زميلهم الناقد، فيتم الحديث أو الكتابة حول غياب هذه المحاولات، وكأني بهذا الناقد
يعيش في برجه العاجي، متجاهلا ما يجري على أرض الواقع. مسفها لأي دور يضطلع به
زملاؤه في هذا الإطار، والتعاطي مع كتاباته النقدية
باعتبارها المحاولة الأولى التي يتبنى فيها ناقد الخوض في معترك النقد المعماري،
متجاهلا الإشارة إلى العديد من المحاولات التي سبقته بعقود طويلة في إطار التأسيس
لحركة نقدية معمارية ليبية، نراها في كتابات الدكتور رمضان بلقاسم والدكتور مصطفى
المزوغي والأستاذ أحمد انبيص والمرحوم الأستاذ علي قانة في مجلة (آثار العرب) في
منتصف التسعينيات من القرن الماضي. وأيضا كتاباتهم في (الصفحة الرابعة) بجريدة
الشط في بداية هذه الألفية ومن بعدها كتاباتهم في مجلة مربعات. ولا يزال بعضهم
يمارس هذه الحالة النقدية إلى يومنا هذا.
أما
النوع الثالث، فهو ذلك الذي يتخصص في التعريض بمحاولات التأصيل للعمارة الليبية
المعاصرة ووسمها بالتقليد، دون أن يكلف نفسه عبء مطالعة هذه الأعمال وتحليلها
وتقييمها النقدي المنصف، بحيث يتم التعرف على مواطن التجديد ومكامن التقليد، عبر
قراءة متأنية وموضوعية في أحد هذه الأعمال. ما يحصل ليس أكثر من تسفيه لجهود.
وانتقاص لمحاولات جادة لها ما لها وعليها ما عليها من مآخذ.
أنواع
أخرى من النقد، الذي امتازت بها الحركة المعمارية في ليبيا عن غيرها- لا تحتمل هذه
المقالة سردها- تنبئ عن فراغ فكري أو معوقات نفسية أخلاقية تمنع من التأريخ لحركة
نقدية معمارية معاصرة في ليبيا، تسهم بدورها في الارتقاء بالعمارة الليبية لتواكب
تطلعات المجتمع الليبي، قبل أن تواكب مثيلاتها في الحراك المعماري العالمي.
الحركة
النقدية المعمارية في ليبيا، لابد لها يوما أن ترتقي لتأخذ مسارها الصحيح، لأنها
بصورة أو أخرى موجودة، سواء اعتمدت على مبدأ التجاهل والتهميش للمحاولات المعمارية
التي تنجز على أرض الواقع. أو اعتمدت على تجاهل الجهود السابقة التي تبذل في إطار
التأسيس لحركة نقدية معمارية ليبية.