ردا على من
ينسبون عمارة الحوش الطرابلسي إلى تأثيرات عثمانية:
1.
من خلال اطلاعي
على كتاب(جولة تاريخية في عمارة البيت العربي والبيت التركي) لمؤلفه المهندس
المعماري محمود زين العابدين، الذي استعان فيه من خلال تواجده للدراسة بتركيا بعدة
أمثلة تاريخية من فترة الحكم العثماني المنتشرة في العديد من المدن التركية
ومقارنتها بنماذج مختلفة من البيوت الحلبية بسوريا. حيث يستعرض في هذا الكتاب أنماط
البيوت التركية وهي كما تظهر في الصور المرفقة، لا وجود لأنماط غيرها في أي مدينة
من مدن تركيا. إلاّ أن بعضها يبنى بأكمله بالخشب والبعض الآخر يبنى نصفه السفلي
بالحجر وباقي الأدوار بالخشب والنمط الثالث يبنى بأكمله بالحجر وجميعها تتفق في
الطراز المعماري. وفي توزيع فراغي يطل على أروقة، لا توجد فيها لأفنية.
حيث تأكد بما لا يدع مجالا للشك أنه ليست هناك أي ملامح معمارية ولو بصورة غير مباشرة تربط بين الحوش الطرابلسي والبيت التركي، سواء تعلق الأمر بالتوزيع الفراغي أو بمفرداته المعمارية وتفاصيله الفنية والزخرفية أوبعناصر تأثيثه ومفروشاته أو بمواد بنائه وطرق إنشائه.
2.
هذا من جهة ومن
جهة أخرى، مما يغيب عن الكثيرين ممن يحاولون نسبة الحوش الطرابلسي لتأثيرات تركية،
أن الدولة التركية لم تنشأ إلاّ في فترة متأخرة جدا، حيث كانوا مجرد قبائل رحل
يتنقلون من مكان إلى آخر ويسكنون الخيام إلى فترة غير بعيدة- فترة الدولة
العباسية- (وقصة استقرار هذه القبائل وبداية نشأة الدولة العثمانية معروفة ويمكن
الاطلاع عليها من خلال محرك البحث قوقل).
3.
ومن خلال فهمنا
للمرحلة التي استقر فيها الاتراك وانتقلوا من مرحلة البداوة إلى مرحلة الاستقرار
وبناء الدولة العثمانية، كانت طرابلس في تلك الفترة والقرون التي سبقتها تعتبر
دولة مدنية عريقة في التاريخ الحضاري، حيث تتابعت على حكمها دول كثيرة أسهمت في
عمران هذه المدينة وتشكيل صورتها العمرانية والمعمارية، تمازجت فيها العمارة
الرومانية والبيزنطية مع العمارة العربية الإسلامية، وأسهمت في صناعة حرف البناء
التي أدت إلى إيجاد ملامح متميزة لهذه المدينة عن أخواتها من مدن البحر الأبيض
المتوسط، وغيرها من الدول الإسلامية قبل أن يصل إليها الأتراك ويعيدوا إعمارها
بالاستعانة بالخبرات المحلية من العمالة الحرفية الفنية ومن منظور معماري محلي
صرف، تأكد من خلال اطلاعنا على أنماط البيوت المتعددة التي انتشرت في المدن
التركية في الفترة العثمانية أن لا صلة بينهما.
4.
نقطة أخرى تضاف
إلى ما سبق، تشير إلى قيام الدولة العثمانية باستجلاب جميع الخبرات من الحرفيين
المنتشرين في الدول التي بسطت عليها الدولة العثمانية نفوذها، حيث تم نقلهم إلى
مقر حكم السلطان العثماني باسطنبول، للإستعانة بهم في إعمار عاصمة الدولة
العثمانية. وهو ما يعني انتقال الخبرات المحلية بتأثيراتها المتنوعة إلى تلك
العاصمة وليس العكس (أي أن تأثير الحرفيين الليبيين على العمارة التركية أكثر
تأكيدا من تأثير الولاة الأتراك على العمارة الطرابلسية، وخصوصا عندما نعلم أن
جميع المصادر التاريخية لم تشير إلى استعانة الولاة العثمانيين الذين تعاقبوا على
مدينة طرابلس بأي خبرات هندسية أو حرفية تركية في إعادة إعمار طرابلس بعد تحريرها
من حكم فرسان القديس يوحنا ولا من بعدهم).
5. النقطة الأكثر أهمية في الموضوع، أن الحكم العثماني للدول الإسلامية لم يأتِ برؤية تستهدف طمس ثقافة الدول الواقعة تحت نفوذه انطلاقا من وحدة العقيدة التي تربطه بالعالم الإسلامي. وهو ما انعكس على العمارة المحلية لهذه الدول بحيث احتفظت بخصوصيتها المعمارية، حتى من خلال المشاريع العمرانية التي استحدثها الولاة العثمانيون. وهذا ما لم يتأتَّ من طرف المستعمر الفرنسي بصفة خاصة والغربي بصفة عامة الذي يضع ضمن أولوياته طمس عقيدة وهوية الشعوب التي يستعمرها وإحلال ثقافته ولو بقوة السلاح والقتل والترهيب.
تنويه:
يحمل هذا الكتاب تزكية وتقديم للكتاب من أ. د/ أكمل
الدين إحسان أوغلي مدير عام مركز الأبحاث للتاريخ والفنون والثقافة الإسلامية
ورئيس قسم تاريخ العلوم بجامعة اسطنبول. كذلك اقديم آخر من الأستاذ/ حقي أونال
عميد كلية العمارة ورئيس القسم العلمي لإنتاج الأبنية بجامعة يلديز التقنية بكلية
العمارة باسطنبول. وتقديمات أخرى من أساتذة آخرين من نفس الجامعة.
كما جاء في هذا الكتاب مقدمة لمؤلفه عن أصول الأتراك
وكيف نشأت دولتهم. وهي كما أشرت إليها. أما نقل الحرفيين لعاصمة الدولة العثمانية
فهي موثقة بالعديد من المصادر. وهذا الأمر من المآخذ على حكم العثمانيين، دون أن
نتغافل عن إسهاماتهم في حماية رقعة الدولة الإسلامية وتوسيع دائرة انتشار الإسلام
في ربوع أوروبا.
ما شاء الله
ردحذف