المعماري/ رشيد كعكول
للعمارة عدة اتجاهات معمارية كل منها تحمل فكرة وتوجه
خاص بها ، تيارات ومدارس ونظريات استمدت سيماتها من الثقافة والبيئة والظروف
الاقتصادية والسياسية لمكان و مرحلة ما (الكلاسيكية – الوظيفية - العضوية –
الحداثة – التفكيككية – الديناميكية – الخضراء ... الخ) هي ما يمثل الجانب الفلسفي و الروحي لاي عمارة وهي
الرابط السحري بين العمارة كفراغ وبين الانسان المستخدم لهذا الفراغ ليعطيه بعداَ
يتجاوز فيه الزمان والمكان ، نظريات هي امتداد وتطوير لعمارة سابقة قديمة تشكلت هي
الاخري تحت ظروف معينة ، نظريات تتسم بالتطور والتجدد حيناَ وبالاحياء والانتقاء
حيناَ اخر عمارة يغديها الفكر والتجربة وهما عاملان مهمان للعملية الابداعية وهو ماحدت في اوروبا خصوصاَ في الفترة مابين
القرن الثامن عشر والعشرين ويستمر هذا الحراك الفكري المعماري الذي يتناول الظروف التي نشأت فيها العمارة في عصر ما
والعوامل التي أثرت عليها والاشكال المعمارية والطرز التي انتجتها لديهم الي يومنا هذا ، عالمنا العربي عموما وفي ليبيا خصوصا نفتقد إلى هذا
الجانب وهذا الحراك حتي في التقليد أو تبني أحد هذه الاتجاهات في الفكر المعماري
فما بالك بالجانب الإبداعي فيه .
عمارتنا القديمة والتي لم تتطور للاسف واصبحت في كثير من
الاحيان تتهم بأنها لا تتلائم مع متطلبات العصر الذي بحاجة الي مباني أكبر حجما ومساحة
وبحاجة إلى ارتفاعات تتعدد فيها الادوار نتيجة لارتفاع أسعار الأرض والحاجة إلى
زيادة عرض الشوارع نتيجة للتطور الصناعي والحاجة إلى دخول الآلة.
قصور اثار الكثير من الجدل ولكن الأهم من ذلك كله حسب
وجهة نظري أن القصور الحقيقي يكمن في انحصار العمارة عندنا بمساحة معينة في الفكر
المعماري قبل أن تحاصر واقعياَ بنمط آخر من العمارة المجلوبية Exociticism )
) مما يجعلها جامدة لاتنمو لتثير جدلاَ واسعا بين قطبي العمارة (الوظيفية والشكل)
علي مستوي المبني والمدينة علي حد سواء، رغم محاولة بعض المعماريين وخصوصا في المرحلة
الإيطالية استنباط الكثير من مفرداتها.
هذا الجمود ليس بسبب فقر في مفرداتها المعمارية والبصرية
ولا ملامحها التي اعطتها صبغة خاصة وإنما بسبب عدم دراسة الجانب الفكري الذي يكمن وراء
المفردات البصرية. ونتيجة لعدم وجود دراسات حقيقية عميقة لهذه المفرداتها وتحليلها
بموضوعية. كذلك نتيجة لانعدام الحركة النقدية المبنية علي أسس علمية صحيحة وعميقة
في مفاهيمها للفكر المعماري لعمارتنا، والذي هو سبب لتطوير الحركة المعمارية أسوة
بعالم الأدب الذي تطور بسبب تطور الحركة النقدية فيه وكان مفتاحاَ لتقدم بعض الدول
عمرانياَ.
إن عدد البحوث والدراسات من الجهات المختصة ولكثير من
الطلبة خصوصا طلبة الدراسات العليا بالخارج كبير وكبير جدا لم يتم استغلاله
بالصورة المطلوبة ودراستها جيدا وفرزها وتمييز الجيد منها. لأن بعض أصحاب هذه البحوث
والدراسات للاسف لجأ الي هذا الجانب ليس
لقناعة به وإنما للحصول علي شهادة لا اكثر ولا اقل. أما العمارة التي ننتمي إليها،
فنتغى بها كما نتغنى بالتاريخ في المناسبات واللقاءات الخاصة، بينما الواقع ومانراه
من عمارة اليوم شئ آخر.
لذلك نحن بحاجة إلى دراسة نقدية ملحة لفهم الجوهر
الحقيقي لعمارة الماضي، دراسة فكرية وليست شكلية تتجاوزالعاطفة والصورة لتسبر
اغوارها وتستكشف الافكار وراء المظاهر وتسبقها. فعمارة اليوم التي تحاصرنا ونشاهدها
تغزو مدننا وشوارعنا يتم التركيز فيها علي الجانب المادي فقط والمتمثل في الدور
الوظيفي للمبني وما يتطلبه من مساحات في تشكيل مشوه لامعني ولا روح فيه. وفي أحسن
الأحوال التشكيلات الجمالية ال من أي حياة أو معني هي شطحات أقرب منها الي العمارة.
وهي ايضا عمارة لا تستمد سيماتها من البيئة المحيطة والغنية وإن غلفت ببعض
مفرداتها.
نحن
نخاف من المحاولة لأننا تقيدنا بقيود وهمية حاصرتنا وحاصرت مفهوم عمارتنا ببعض
مفردات بسيطة أصبحت قدسية ومن الكفر المساس بها أو تطويرها. لنحاول ففي المحاولة
يوجد النجاح، لنحاول حتي لا تتحول العمارة من حالة فكرية ثقافية إبداعية إلى مجرد أماكن
مجردة لتأدية وظيفة ما، حالة تفقد فيها
العمارة الكثير من ماهيتها وأهميتها ودروها الحقيقي والرسالة التي تحملها. نحن
بحاجة الي عمارة تعكس احتياجاتنا وأفكارنا ومعتقداتنا، عمارة نبنيها لتبني فينا
قيمنا وهويتنا بل تتجاوز ذلك لتحدد أخلاقنا وسلوكياتنا، عمارة تلائمنا وتنظم وتخطط
لنا حياتنا كاملة التي تتطور بتطور العصر.
هذه
دعوة إلى تبني دراسة وتحليل نقدي معماري لعمارة نفتحر بالانتماء إليها. يقودنا إلى
تطويرها ولتتبلور في الثقافة والممارسة حركة معمارية معاصرة خاصة بنا وبهويتنا
وبيئتنا في ظل غزو فكري و ثقافي معماري.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق