ماذا تحكي لنا المباني
الفاشية بمدينة طرابلس
إن محاولة
استظهار وقراءة ما يمكن أن تفصح عنه مباني الفترة الاستعمارية يجب أن تعاد
انطلاقاً من رؤية ترفض ما استقر عليه من مسلمات، انطلاقة يكون هدفها كشف واستنطاق
الحقائق المرئية، بتتبعها وتفسير للعلاقات والتأثيرات وما يحمل المبنى من إشارات،
عندئذ سنكتشف حقيقة مذهلة حملها إلينا المبنى بكل أمانة، يجب ألا نستسلم لمظهره
الأسطوري ولا للأساليب الأدبية المنمقة والاطروحات الفكرية التي قدم بها والتي
أصبحت إطاراً عاماً وحقيقة راسخة تقبلتها أسفار تاريخ العمارة والفنون.
بل يجب فض
الحجاب لكشف حقيقة هذه المباني وما تخفيه خلف واجهاتها المتعالية والواهية، عندئذ
سنراها على حقيقتها… إنها واجهات جمعت
مفرداتها وعناصرها من شتات التاريخ وأصقاع الأرض
أفرزتها وطرحتها إرادة لم تقو على صهرها وصقلها لتصبح وحدة متآلفة ومستحدثه" “Eclectisme [1] ولكن مهارة البناءين وما حملته حرفتهم من إرث حضاري منحت قوةً
ثباتاً لهذه الأسطح الواهية وجعلتها محطاً للإعجاب والتقدير، كما صورت أحلام
العظمة المتمثلة في الاتجاه المسرحي المتباهي المدفوع دائماً بموقف المتحدي بما
يبرزه من أساليب حرفية وتفاصيل فنية وزخرفية.
ستار يحجب ضعف
الحجة، تناقض ما بين الواجهة التي تأمل في التواجد والحضور على الأرض بقوة والواقع
الذي يتنصل منها بتاريخه وإرثه، ارتباك كاشف لسريرة الاستعمار، ذلك الوجود المدفوع
بأطماع زائفة والمفتقر في حقيقته للتفسير الإنساني والأخلاقي.
هذا ما يفصح عنه المبنى ويردده
على مسار الأيام هذه هي الحقيقة وهو شاهد
عليها يؤدي دوره في فضح الاعتداء.
إنه شاهد يفضح
بل لا نبالغ إذا ما قلنا بأنه مناضل في شهادته لكشف القمع والاعتداء، طارح وإلى
الأبد للمعادلة السرمدية لاستمرارية الحوار الإنساني والحضاري الذي يتجاوز الجبروت
والقوة إلى آفاق التأثر والتأثير، وخير مثال على هذه الأعمال المعمارية
لفلوريستانو دي فاوستو[2]
في طرابلس الذي كان أسير سحر العمارة المحلية وأسيراً للفترة الفاشية التي عاشها.
[1] الإصطفائية
أو الانتقائية هي مذهب فلسفي يأخذ من الفلسفات أفضل ما فيها.
[2]
مستشار بلدية طرابلس سنة 1932 ف. من
مبانيه فندق الودان والمهاري"سابقاً" مبنى الضمان الاجتماعي حاليا.
ترميم مسجد سيدي الشنشان"سابقاً" كنيسة القديس فرنسيسكو بالظهرة، كنيسة
صبراته، المدرسة الإسلامية العليا بالظهرة فندق يفرن ونالوت وغدامس.