التخطي إلى المحتوى الرئيسي

المسكن الغدامسي المعاصر



جمال اللافي

      هذه واحدة من المحاولات المتكررة لتلمس ملامح لمساكن مدينة غدامس المعاصرة من وحي المسكن الغدامسي التقليدي، حيث كانت البداية في العام 1993 م. ، عندما جاء إلى مكتبنا الهندسي (الميراث) مواطن من مدينة غدامس وطلب من الزميل المعماري عزت خيري تصميم بيت له على قطعة أرض بمدينة غدامس، فتشاركنا معا المحاولة الأولى.

      في بداية هذا الشهر(مارس 2020)، بدأت معاودة المحاولة في تصميم آخر بعيدا كل البعد عن التصميم السابق، وأفلحت النتيجة بعض الشيء، مع وجود قصور يتعلق بعدد بالنقص في حجرات النوم. وقبل نهاية الشهر والذي يوافق هذا اليوم الثلاثاء 31 مارس 2020 م. وفقني الله سبحانه وتعالى إلى الوصول إلى محاولة جديدة وثالثة، أراها تقترب أكثر من مرحلة التأصيل للبيت الغدامسي المعاصر.

  

      المتمعن في المسكن الغدامسي التقليدي سيجد عدة ملامح تميزه عن مثيلاته في المدن والمناطق الأخرى، يمكن تلخيصها في النقاط التالية، مع التذكير أن هذه النقاط ستكون سبيلنا لوضع تصور لهذا المسكن المعاصر.
        يتكون المسكن الغدامسي التقليدي من ثلاث طبقات رئيسية وهي:
1.                 الطابق الأرضي ويضم: مدخل وسقيفة البيت/ مخزن الغلال/ السلالم المؤدية للطابق الأول.
2.       الطابق الأول ويضم عدة مستويات: المستوى الأول فراغ المعيشة. المستوى الثاني يتوزع على جهتين أحدهما يضم غرفة النوم الرئيسية والآخر غرفة نوم الأبناء.
3.       الطابق الثالث: يتم الوصول إليه عبر غرفة المعيشة من خلال سلالم يقسم على مرحلتين الأولى تؤدي إلى إحدى غرفتي النوم، ثم يتواصل السلالم في ارتفاعه ليصل إلى السطح.
4.       الطابق الأخير وهو سطح البيت ويضم المطبخ ومساحة مفتوحة لاستقبال النساء الضيوف من الجارات واللاتي يصلن إليه عبر ممرات تربط أسطح البيوت بعضها ببعض.

يلاحظ في المسكن الغدامسي التقليدي أن المعيشة تتوسط غرف النوم وتأخذ إضاءتها غير المباشرة من كوّة في السقف لا تزيد ابعادها عن 60 سم.× 60 سم.
كما يلاحظ أن المطبخ في جميع البيوت الغدامسية موجود في سطح البيت، مشكّلاً معه فراغا لاستقبال النساء اللاتي يصلن إليه كما أسلفت عبر ممرات ناتجة عن (دروة البيوت المتلاصقة). حيث كانت النساء تتواصل بهذه الطريقة ولا تواصل عبر شوارع وأزقة المدينة، المخصصة جميعها لحركة الرجال والجلوس للتسامر على ركاباتها.

بالنظر إلى تغير النسيج الاجتماعي للمجتمع الغدامسي المعاصر في بعض جوانبه بعد انتقالهم للعيش خارج المدينة القديمة إلى أحياء ذات مخططات معاصرة وبيوت منفصلة وشوارع واسعة لا تصلح إلاّ لحركة السيارات والمارة وعابري السبيل من جهة إلى أخرى مشكّلة بذلك انعداما للخصوصية ولكل مقومات الحياة التقليدية المتعارف عليها عبر أجيال سابقة، منها خروج المرأة إلى الشوارع وانتفاء حركتها وتنقلاتها إلى بيوت عائلتها وجاراتها عبر دروب سطوح المنازل. وبذلك ينتهي النموذج التقليدي للبيت الغدامسي، ليحل بدلا عنه نموذجا متكررا معاصرا لا يختلف في شيئ عن مثيلاته في جميع المدن الليبية الأخرى. مع الفارث المتعلق بوضع تلك المثلثات في دروات سطوح المنازل أو طلاء البيوت باللون الترابي.

عليه اتجه نمط التفكير إلى منحى آخر في التعاطي مع البيت الغدامسي المعاصرة، بحيث يأخذ في اعتباره شيئين متلازمين دائما في تصميم أي مسكن وهو التوفيق بين الشكل والمضمون، فللبيت الغدامسي خصوصيتين متلازمتين عن نظيراتهما في البيوت التقليدية في باقي المدن الليبية وهما الطراز المعماري والتوزيع الفراغي المعتمد على الارتفاع الرأسي وتقسيم فراغات البيت على أكثر من منسوب تتفاوت في الارتفاعات. حيث تم تقسيم البيت الغدامسي على هذا الأساس:
1.                 الطابق الأرضي ويضم:
                     مدخل وبهو البيت.
                     سلالم يؤدي إلى الطابق الأول.
                     صالة استقبال الرجال+ حمام للضيوف+ ميضأة.
                     مخزن للغلال وحضيرة للمواشي.
                     بستان.



2.                 الطابق الأول ويضم:
                     المستوى الأول: فراغ المعيشة.
         المستوى الثاني: بفارق 5 درجات عن المعيشة نجد حجرة النوم الرئيسية + حمام. يلاصقها حجرتي نوم الأبناء + حمام مشترك.
         المستوى الثالث يمثل امتدادا للسلالم بفرق منسوب درجتين ويضم المطبخ + شرفة (كتعويض عن العلاقة بين المطبخ وسطح البيت).




ستبقى هذه مجرد محاولة أخرى قابلة للتعديل من خلال مشاركة أصدقاء الصفحة من أبناء مدينة غدامس في إثراء التصميم بآرائهم القيّمة.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

التهوية الطبيعية في المباني

م/ آمنه العجيلى تنتوش المقدمة تتوقف الراحة الفسيولوجية للإنسان على الثأتير الشامل لعدة عوامل ومنها العوامل المناخية مثل درجة الحرارة والرطوبة وحركة الهواء والإشعاع الشمسي . وللتهوية داخل المبنى أهمية كبيرة وتعتبر إحدى العناصر الرئيسية في المناخ ونق الانطلاق في تصميم المباني وارتباطها المباشر معها فالتهوية والتبريد الطبيعيين مهمان ودورهما كبير في تخفيف وطأة الحر ودرجات الحرارة الشديدة ، بل هما المخرج الرئيسي لأزمة الاستهلاك في الطاقة إلى حد كبير لأن أزمة الاستهلاك في الطاقة مردها التكييف الميكانيكي والاعتماد عليه كبير والذي نريده فراغات تتفاعل مع هذه المتغيرات المناخية أي نريد أن نلمس نسمة هواء الصيف العليلة تنساب في دورنا ومبانينا ونريد الاستفادة من الهواء وتحريكه داخل بيئتنا المشيدة لإزاحة التراكم الحراري وتعويضه بزخات من التيارات الهوائية المتحركة المنعشة . فكل شي طبيعي عادة جميل وتتقبله النفس وترتاح له فضلا عن مزاياه الوظيفية . وعلى المعماري كمبدأ منطقي عام البدء بتوفير الراحة طبيعياً ومعمارياً كلما أمكن ذلك ومن تم استكملها بالوسائل الصناعية لتحقيق أكبر قدر ممكن ...

بيوت الحضر: رؤ ية معاصرة للمسكن الطرابلسي التقليدي

تصميم وعرض/ جمال الهمالي اللافي في هذا العرض نقدم محاولة لا زالت قيد الدراسة، لثلاثة نماذج سكنية تستلهم من البيت الطرابلسي التقليدي قيمه الفكرية والاجتماعية والمعمارية والجمالية، والتي اعتمدت على مراعاة عدة اعتبارات اهتم بها البيت التقليدي وتميزت بها مدينة طرابلس القديمة شأنها في ذلك شأن كل المدن العربية والإسلامية التقليدية وهي: · الاعتبار المناخي. · الاعتبار الاجتماعي ( الخصوصية السمعية والبصرية/ الفصل بين الرجال والنساء). · اعتبارات الهوية الإسلامية والثقافة المحلية. أولا/ الاعتبار المناخي: تم مراعاة هذا الاعتبار من خلال إعادة صياغة لعلاقة الكتلة بمساحة الأرض المخصصة للبناء، بحيث تمتد هذه الكتلة على كامل المساحة بما فيها الشارع، والاعتماد على فكرة اتجاه المبنى إلى الداخل، وانفتاحه على الأفنية الداخلية، دون اعتبار لفكرة الردود التي تفرضها قوانين المباني المعتمدة كشرط من شروط البناء( التي تتنافى شروطها مع عوامل المناخ السائد في منطقتنا ). وتعتبر فكرة الكتل المتلاصقة معالجة مناخية تقليدية، أصبح الساكن أحوج إليها من ذي قبل بعد الاستغناء عن البنا...

المعلم/ علي سعيد قانة

موسوعة الفن التشكيلي في ليبيا 1936- 2006 جمال الهمالي اللافي الفنان التشكيلي" علي سعيد قانة " هو أبرز الفنانين التشكيليين الذين عرفتهم الساحة التشكيلية في ليبيا... انخرط في هذا المجال منذ نحو أربعة عقود. ولد بمدينة طرابلس الموافق 6/6/1936 ف ترعرع في منطقة سيدي سالم (باب البحر) بمدينة طرابلس القديمة.والتحق بأكاديمية الفنون الجميلة بروما- إيطاليا سنة 1957 وتخصص في مجال النحت بمدرسة سان جاكومو للفنون الزخرفية، كما حرص خلال وجوده في روما على دعم قدراته الفنية من خلال دورات تخصصية في مجال الرسم الحر والطباعة والسباكة وبرز في هذه المجالات جميعا.• التحق عند عودته إلى ارض الوطن بمعهد للمعلمين ( ابن منظور ) للتدريس سنة 1964ف• انتقل للتدريس بكلية التربية جامعة الفاتح سنة1973 ف• انضم إلى كلية الهندسة/ جامعة الفاتح بقسم العمارة والتخطيط العمراني سنة 1974- وتولى تدريس أسس التصميم و الرسم الحر لغاية تقاعده سنة 2001 ف• عمل مستشارا للشئون الفنية بمشروع تنظيم وإدارة المدينة القديمة. مساهماته الفنية/ اقتنى متحف مدينة باري للفنون بإيطاليا لوحتين من أعماله الفني...