جمال اللافي
العمارة
في عمومها، سواء جاءت على شكل مبنى سكني أو مرفق تعليمي أو خدمي أو على شكل مخطط
إسكاني بكامل مرافقه، لا تأتي أبداً فارغة من المضمون أو الرسالة أو التوجه
والمُعتقد.
فالمعماري بوعيه
وإدراكه لما يفعله ويسعى لتحقيقه. أو كان مجرد تابعاً منبهراً بأحدى النظريات
المعمارية وطرزها، فهو في حقيقة أمره ينقل للواقع مشروعاً ثقافياً مُحمّلاً بكل
إرهاصات تلك النظريات بجوانبها الفكرية والعقائدية.
التعليم
المعماري الذي يملأ عقل الطالب بتعدد الطرز المعمارية بتضارب توجهاتها الفكرية
والعقائدية، دون أن يُبصّره بها وبمدى ملاءمتها أو تعارضها مع قيم المجتمع
العقائدية والأخلاقية، فهو بذلك يسهم مع التعمد أن ينحرف بالمجتمع، من خلال تخريج
أجيال من المعماريين ذوي التوجهات المتضاربة والمتعارضة من حيث قناعة كل معماري
بواحدة من هذه التوجهات المعمارية المتصادمة مع قيم المجتمع وعقيدته.
حيث
أن التعليم المعماري يحرص على إشغال عقل الطالب بكل ما يستجد في العالم الغربي من
توجهات فكرية- يغلب عليها العقيدة الإلحادية، التي لا تخرج عن فكر المنظر لها-
بإرهاصاتها المعمارية، في مقابل طمس وتسفيه مقومات وطرز عمارته المحلية ذات البُعد
العقائدي الإسلامي، فنحن اليوم أمام أكبر عملية صناعة لمجتمع معماري إلحادي فكرياً
وتطبيقياً ليقود المجتمع نحو تبني العقيد الإلحادية عبر كم المشاريع المعمارية
التي يغيب عنها المضمون الإسلامي، تحت ادعاء مواكبة العصر والحداثة ورفض التقليد
والتقوقع في عمارة الماضي.
لهذا
لا يمكننا في أيامنا هذه تكوين تكوين رأي عام موحد للمجتمع حول أي موقف كان. فقد
أضحى كل فرد فيه رهيناً بالفكر المعماري الذي تنضوي عليه البيئة السكنية ومحيطها
العمراني الذي يتعايش معه يومياً. ومع اختلاف الطرز المعمارية تختلف قناعة كل فرد
في المجتمع عن غيره من الأفراد في المجتمع الواحد.
إن
خطورة العمارة تتضاعف عن خطورة أي وسائل وأدوات أخرى، في التأثير على قيم المجتمع
وفي تشكيل كيانات فردية القناعات والمعتقدات المتضاربة في سلوكياتها ومعاملاتها
وتعاملاتها ومفاهيمها، كونها البوتقة التي تحتضن بداخلها مجتمعاً بشرياً، تُعيد
تشكيله وفق ما تم تنفيذه على أرض الواقع من مشاريع تتضارب في توجهاتها وتتصادم في
معتقداتها.