مشروع إسكاني من 19 وحدة سكنية |
جمال الهمالي اللافي
" نحن نجني من مبانينا ما نزرع فيها من إفكار".
المبانى
التي نقوم بتصميمها والمخططات التي نرسم معالمها على الورق تؤثر بصورة مباشرة على
المحيط الاجتماعي مثلما تؤثر على سلوك الفرد بصور متفاوتة ما بين التأثير الإيجابي
والسلبي، ما بين الشعور بالفخر والدونية، ما بين الإحساس بالراحة النفسية والتوتر،
ما بين الوضوح التام والغموض المقلق، ما بين التناسق والانسجام وفوضى العشوائيات،
ما بين احترام البيئة والمحيط العمراني والتعدي عليهما.
ما
بين هذه الثنائيات يعيش الإنسان أقسى تجربة حياتية وأسعدها في ذات الوقت. فأحلام
المعماري والمصمم الحضري ومخطط المدن قد تتحول إلى كابوس مرعب لقاطني مدنهم
وعمائرهم. وقد تصبح جنة وارفة الظلال يعيش فيها سكان المشاريع العمرانية
والمعمارية أسعد أوقات حياتهم. ما بين المدن المنحطة والأخرى الفاضلة يُسطر
المعماري قصته التي يُضمنها فكره المعماري على رقع من الأراضي الممتدة.
فالفكرة
المعمارية أو التخطيطية غير المدروسة التي يكون هدفها التميز والتفرد على الأقران
بشيء جديد، إنما هي كطعنة الخنجر المسموم في الظهر، يستقبلها الغافل عنها والواثق
في المعماري الذي يقف خلفها، من مستعملي هذه المباني وقاطني هذه المناطق والمدن.
هذا في أحسن الأحوال، أما أسوأها حين تكون الأفكار نابعة من مخطط مدروس يستهدف
الهدم لكل مقومات الحياة السوية بدءاً بالقيم الأخلاقية وانتهاءً بعلاقة الإنسان
بمحيطه البيئي والاجتماعي، حتى يفقد الإنسان السيطرة على ذاته ومحيطه ويصبح كمن
يصارع هول العواصف الهوجاء في العراء.
نعم،
فالمباني بتفاوت أحجامها ووظائفها وعددها أشبه بالمسدس والبندقية والمدفع والدبابة
والطائرة الحربية، رهينة بقيم ونوايا حاملها، فقد يكون مجاهداً صادق النية في
حماية مجتمعه وقد يكون إرهابياً يمارس قمعه لمجتمعه مستغلاً السلطة المهنية المُخوّلة
له. وأعتقد أن هذا التشبية لا يُجانب الحقيقة في شيء.
ليست هذه المقالة تستهدف تقديم النصح والتوجيه للمعماري، ففاقد الشيء لا يعطيه. والمعماري الذي تم برمجته عبر مناهج تغريبية هدامة لكل مقومات وقيم بيئته ومجتمعه لا يقبل النصح ويترفع عنه ويرى فيما تعلمه الكفاية. إنما هي موجهة للمجتمعات التي تدفع ضريبة العيش في مثل هذه العمائر والمدن التي يصممها معماري ومخطط مدن ومصمم حضري تم إعداده وتأهيله بطريقة خاطئة.