أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

{فأما الزَّبد فيذهب جُفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض}- سورة الرعد، الآية 17

الثلاثاء، أكتوبر 01، 2024

رؤية جديدة للمدينة الإسلامية المعاصرة

 

تونين القديمة بمدينة غات- إحدى المدن الصحراوية بالجنوب الغربي لليبيا

جمال الهمالي اللافي

 

مقدمة

عُقدت العديد من الندوات التي نظمتها مؤسسات ثقافية وعلمية في فترات متباعدة لمناقشة مستقبل العمارة وصورة المدينة في ليبيا في العقد الأخير من القرن الماضي. ورغم اتفاق المشاركين على القيم الاجتماعية والثقافية والروحية التي يحملها مخطط المدينة الإسلامية التقليدي، ورغم اتفاق المشاركين على القيم الاجتماعية والثقافية والروحية التي يحملها مخطط المدينة الإسلامية التقليدي، إلا أنهم أبدوا تحفظهم حيال قدرته على التكيف مع متطلبات العصر الحديث.

مثلما اتفقوا على أن المخططات الحديثة التي استوحيت من النماذج الغربية لم تكن قادرة على التفاعل بفعالية مع ظروف البيئة المحلية. وبيّنت النقاشات أن المخطط الإسلامي التقليدي لم يعد كفؤاً في مواجهة تحديات المجتمع المعاصر، دون تحديد دقيق لماهية الجوانب التي فشل المخطط التقليدي في استيعابها، والتي لا يمكن التغلب عليها، إلا في حالات استثنائية كالتغيرات البيئية أو التحولات الاجتماعية، التي تتسبب في هذا العجز. هذه نفس الاتهامات التي استدانها رجال التخطيط لاستخدام نماذج غربية في إعادة تخطيط المدن الإسلامية المعاصرة.

تلك كانت جملة من التساؤلات، تدعو للرد عليها من خلال وضع تصوراً مستقبلياً لصورة المدينة الاسلامية المعاصرة.

صورة المدينة الإسلامية المعاصرة

تجسد المدينة الإسلامية المعاصرة كمجتمع مزدهر، تتكامل فيه الجوانب الروحية والثقافية والبيئية والاقتصادية، حيث يتمثل الجمال العمراني في استخدام التصاميم المعمارية التقليدية بأسلوب معاصر يتسم بالابتكار والمرونة. المساجد تظل مركزاً للحياة الاجتماعية والثقافية، حيث تتنوع أدوارها بين الصلوات والنشاطات الثقافية والتعليمية والاجتماعية. يتمثل التحدي الأساسي في تصميم مساحات حضرية تتسم بالتجانس والتنوع في الاستخدامات، حيث تتداخل المساحات الخضراء والأماكن العامة مع المرافق التجارية والخدمية بشكل يعزز من التواصل والتفاعل الاجتماعي. النموذج العمراني المستدام يُبرز في تصاميم الكتل المتضامة التي تعزز من استخدام الأراضي بكفاءة وتقلل من التأثيرات البيئية السلبية.

بفضل التكنولوجيا والابتكار في البناء، يُمكن استخدام موارد طبيعية متجددة وتقنيات الطاقة النظيفة لتحقيق استدامة بيئية واقتصادية في الأمد الطويل. بهذا الشكل، تتحقق رؤية المدينة الإسلامية المعاصرة كمجتمع متقدم ومستدام، حيث يتم تفعيل التراث الثقافي والديني بأسلوب يتسم بالحداثة والتكنولوجيا المتقدمة، مما يعزز من جودة الحياة ويسهم في التنمية الشاملة للمدينة وسكانها.

ومن هنا، يمكن تحديد الجوانب التالية التي تساهم في رسم صورة المدينة الإسلامية المعاصرة على الصعيدين العمراني والمعماري، تدعو للرد عليها من خلال وضع تصور مستقبلي لصورة المدينة الإسلامية المعاصرة:

1.        إعادة الاعتبار لمركزية المسجد والساحة العامة في مخططات المناطق الحضرية والمدن ودوره الحيوي في الحياة الاجتماعية والثقافية والسياسية، بتوسيع نطاقه ليشمل الأنشطة الاجتماعية والثقافية إلى جانب الأداء الديني.

2.               إعادة الربط بين مؤسسات الدولة والمسجد الكبير على مستوى التخطيط الحضري.

3.        توزيع الأسواق والمباني التجارية والخدمية حول المساجد الكبيرة ومؤسسات الدولة والمرافق الخدمية، مع اهتمام خاص بنوعية الخدمات ومواقعها بالنسبة للمساجد.

4.        تقسيم المدينة إلى مناطق سكنية متصلة بشبكة من الطرق الفرعية، يتم تصميمها لتسمح بمرور سيارتين متقابلتين بجانب رصيف يمكن زراعة الأشجار عليه.

5.        وجود المساجد المحلية كمراكز حيوية في مراكز الأحياء السكنية، مرتبطة بالمراكز الثقافية والاجتماعية والمرافق الخدمية الفرعية مثل المستوصفات ومراكز الأمن والمدارس والحدائق العامة.

6.               تطبيق نموذج "حوش العائلة" في تصميم المشاريع الإسكانية لتعزيز الأهداف الأخلاقية والاجتماعية والاقتصادية.

7.        تطبيق فكرة الكتل المتضامة في التخطيط العمراني، حيث يتم تنظيم المدينة بشكل يحقق استغلالاً أمثلاً للأراضي ويحد من التباين العمراني والاستهلاك الزائد للموارد. يتضمن ذلك تجميع المباني في كتل متجانسة في الشكل والمظهر، مما يساهم في تحسين جودة الحياة والحفاظ على البيئة. وهذه بعض المزايا لهذه الفكرة:

·         استغلال أمثل للأراضي: يتيح هذا النهج استخدام الأراضي بشكل أكبر وأكثر كفاءة، حيث يتم تقديم المساحات الخضراء والمرافق العامة في تنظيم منسق داخل هذه الكتل المتضامة. 

·         الحماية البيئية: من خلال تقليل حجم البنية التحتية اللازمة للخدمات العامة مثل الطرق والأنابيب، يمكن تقليل التأثيرات البيئية السلبية مثل تلوث الهواء والمياه واستهلاك الطاقة.

·         تجميع مياه الأمطار: يمكن تصميم أسطح البنايات في هذه الكتل لتجميع مياه الأمطار وتوجيهها نحو مواجن مخصصة للتخزين وإعادة الاستخدام. هذا يقلل من الضرر البيئي الناتج عن تصريف المياه عبر الشوارع.

·         تقليل استهلاك الطاقة الصناعية: بفضل التخطيط المتضامن، يمكن تحسين كفاءة استخدام الطاقة داخل المدينة، بما في ذلك استخدام الطاقة المتجددة وتقنيات البناء المستدامة.

بهذه الطريقة، يمكن لفكرة الكتل المتضامة أن تلعب دوراً مهماً في تحسين جودة الحياة داخل المدن وتحقيق التنمية المستدامة على المدى الطويل.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المواضيع الأكثر مشاهدة

بحث هذه المدونة الإلكترونية